الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ مُعَاذَةَ، قالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أنتِ؟! فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِّيةٍ، ولَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُومَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ (1).
(1) تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (315)، كتاب: الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة، ومسلم (335)، (1/ 265)، كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، واللفظ له، وأبو داود (262)، كتاب: الطهارة، باب: في الحائض لا تقضي الصلاة، والنسائي (382)، كتاب: الطهارة، باب: سقوط الصلاة عن الحائض، و (2318)، كتاب: الصيام، باب: وضع الصيام عن الحائض، والترمذي (130) كتاب: الطهارة، باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة، وابن ماجه (631)، كتاب: الطهارة، باب: الحائض لاتقضي الصلاة. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 164): وجعله عبد الغني في "العمدة" متفقًا عليه، وهو كذلك، إلا أنه ليس في رواية البخاري تعرضٌ لقضاء الصوم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 183)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 595)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 211)، و "شرح مسلم" للنووي (4/ 26)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 128)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 274)، و"فتح الباري" لابن رجب =
(عن مُعَاذَةَ) -بضم الميم وبالعين المهملة فذالٌ معجمةٌ- تكنى: أُمَّ الصَّهْباء -بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء فموحدة والمد- ابنةِ عبدِ الله، العدويَّةِ، التابعيةِ، البصريةِ، امرأةِ صِلَة بنِ أَشْيَمَ، وصِلَةُ -بكسر الصاد المهملة-، وأَشيَم -بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح المثناة تحت غير منصرفٍ-: صحابيٌّ توفي سنة خمسٍ وثلاثين.
روت مُعاذةُ: عن علي، وهشامِ بن عامرٍ الأنصاريِّ، وعائشةَ، وغيرهم رضي الله عنهم.
وروى عنها: قتادةُ، وعاصمٌ الأحول، وغيرُهما.
وكانت من العابدات الزاهدات، ففي "مسند سيدنا الإمام أحمد": عن محمد بن فضيل، عن أبيه، قال: كانت معاذة إذا جاء النهار، قالت: هذا يومي الذي أموتُ فيه، فما تنام حتى تمسي، وإذا جاء الليل، قالت: هذه ليلتي التي أموت فيها، فلا تنام حتى تصبح، وإذا جاء البرد، لبست الثيابَ الرقاق حتى يمنعَها البردُ من النوم (1).
وقال: إنها لم تتوسَّدْ فراشًا بعدَ أبي الصهباء (2)، وهو صهيبٌ البكريُّ التابعيُّ البصريُّ المشهور، مولى ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتاب "النساء": وكانت تصلي كل يوم وليلةٍ ست مئة ركعة، وتقول: عجبتُ لعينٍ تنام وقد عرفَتْ طولَ الرُّقاد في ظُلَمِ القبر.
= (1/ 501)، و"النكت على شرح العمدة" للزركشي (ص: 58)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 421)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 300)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 354).
(1)
لم يروه الإمام أحمد في "المسند". وقد رواه في "الزهد"(ص: 208).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل"(83)، عن سلمة بن حسَّان العدوي.
وقال: ولم ترفع رأسها إلى السماء أربعين سنةً، وقتل ابنُها وزوجُها في غَزاةٍ، واجتمع النساء عندها، فقالت: من جاءت تهنيني، فمرحبًا، ومن جاءت لغير ذلك، فلترجع (1).
وقد روى لها الجماعة.
قال الإمام يحيى بن معينٍ: هي حجةٌ ثقةٌ.
قال الواقدي: توفيت سنة ثلاثٍ وثمانين - رحمها الله تعالى، ورضي عنها - (2).
(قالت) معاذة - رحمها الله تعالى -: (سألتُ عائشةَ) أمَّ المؤمنين (رضي الله عنها، فقلت: ما بالُ الحائض)؛ أي: ما حالُها وشأنُها (تقضي الصومَ) إذا طهرت من حيضها، (ولا تقضي الصلاة)، مع أنهما فرضانِ لازمانِ لكل عاقل، وهما من أركان الإسلام الخمس؟
وفي لفظٍ للبخاري: قالت معاذة: إن امرأةً قالت لعائشة: أتجْزي إحدانا صلاتَها إذا طَهُرت؟ -بفتح أوله-؛ أي: أتقضي، و (صلاتَها) -بالنصب- على المفعولية، ويروى: أتُجزىءُ -بالضم والهمزة- (3)؛ أي: أتكفي المرأةَ الصلاةُ الحاضرةُ وهي طاهرة، ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض، فصلاتُها على هذا بالرفع على الفاعلية، والرواية الأولى أشهر (4).
(1) وانظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 22 - 23).
(2)
وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 483)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 300)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 22)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 308)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 508)، و"الكاشف" له أيضاً (2/ 517)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (12/ 479).
(3)
كما رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 94)، وغيره.
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 422).
(فقالت) عائشة رضي الله عنها مجيبةً لها، ومتعجبةً مما سألتها:(أحروريةٌ أنت؟) استفهامٌ إنكاريٌّ، والحروريُّ منسوبٌ إلى حَرُورٍ -بفتح الحاء وضم الراء المهملتين، وبعد الواو الساكنة راءٌ أيضاً-: بلدةٌ على ميلين من الكوفة، والأشهر: أنها بالمد (1).
قال المبرِّد: النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيثٍ ممدودةٍ، ولكن قيل: الحروري بحذف الزوائد (2).
ويقال لمن يعتقد مذهبَ الخوارج: حروريٌّ؛ لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي - رضوان الله عليه - بالبلدةِ المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرقٌ كثيرةٌ، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم: الأخذُ بما دلَّ عليه القرآن، وردُّ ما زاد عليه من الحديث مطلقًا؛ ولهذا استفهمت عائشةُ معاذةَ استفهامًا إنكاريا (3).
(فقلت)؛ أي: فقالت لها معاذة: (لستُ بحروريةٍ). وفي لفظٍ: فقلت: لا (4)؛ (ولكنـ[ـي] أسأل)؛ أي: سؤالًا مجردًا لطلب العلم، لا لتعنتٍ.
وفهمت عائشة رضي الله عنها طلبَ الدليل منها على ذلك.
(قالت) عائشةُ مجيبةً لمعاذةَ لمطلوبها: (كان يصيبنا ذلك)؛ أي: الحيضُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنؤمَرُ) -بالبناء للمفعول-؛ أي: يأمرنا
(1) انظر: "معجم البلدان" لياقوت (2/ 245).
(2)
انظر: "الكامل" للمبرد (3/ 1101).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 422).
(4)
ذكر هذ اللفظ الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 422) أن مسلمًا زاد في رواية عاصم، عن معاذة: فقلت: لا، ولكني أسأل، انتهى. والذي في "صحيح مسلم": قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل.
رسول الله صلى الله عليه وسلم (بقضاء الصوم) إذا طهرنا.
(ولا نؤمر)؛ أي: ولا يأمرنا (بقضاء الصلاة).
وفي لفظٍ: كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا تؤمر بقضاءٍ (1).
وفي آخر: قد كُنَّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحِضْنَ، أفأُمرنَ أن يَجْزِينَ؟!. قال محمد بن جعفر تلميذ شعبة: يعني: يقضين، انتهى (2).
وهذا استفهامُ ردعٍ وإنكارٍ.
وفي البخاري عند الإسماعيلي من وجهٍ آخرٍ: فلم نكنْ نقضي، وهو أوضحُ في الاستدلال من قولها: فلم نؤمر؛ لأن عدمَ الأمر بالقضاء هنا، قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب؛ لاحتمال الاكتفاء بالدليل المعلوم على وجوب القضاء، بخلاف: فلم نقض؛ فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (3).
وقولها: لستُ بحروريةٍ، ولكنـ[ـي] أسأل، من أفراد مسلمٍ، واقتصرت عائشة رضي الله عنها على الدليل دون التعليل.
والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام: أن الصلاة تتكرر، فتعظُم المشقة، ويحصُل بوجوب القضاء حرجٌ، بخلاف الصيام.
ووجه دلالة ما أبدته عائشة على المطلوب: أن الحاجة ماسةٌ إلى بيان هذا الحكم؛ لتكرر الحيضِ منهن على عهده صلى الله عليه وسلم، وعلمِه بذلك، فحيثُ لم
(1) هو لفظ مسلم، وقد تقدم تخريجه.
(2)
هو لفظ مسلم، وقد تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 422).
يبينْ، دلَّ على عدم الوجوب؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غيرُ جائزٍ، ولاسيما وقد اقترن بهذا الأمرُ بقضاء الصوم (1).
وتقدم في حديث أول الباب انعقادُ الإجماع على عدم القضاء؛ فقد نقل ابن المنذر (2) وغيره إجماعَ أهل العلم على ذلك.
وروى عبد الرزاق، عن معمرٍ: أنه سأل الزهري عنه، فقال: أجمع الناس عليه (3).
وحكى ابن عبد البر عن طائفةٍ من الخوارج: أنهم كانوا يوجبونه (4).
وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ: أنه كان يأمر به، فأنكرت عليه أُمُّ سلمَة (5)، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب، كما قال الزهري وغيره.
قال في "الفروع": ولعل المراد: إلا ركعتي الطواف؛ لأنهما نسكٌ لا آخرَ لوقته، فَيُعَايا بها.
قال: ويتوجَّه: أنَّ وصفه عليه السلام لها بنقصان الدين بترك الصلاة زمنَ الحيضِ، يقتضي أَلَّا تُثاب عليها؛ ولأن نيَّتها تركُها زمن الحيض، وفضلُ الله يؤتيه من يشاء، بخلاف المريض والمسافر (6).
* * *
(1) وانظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 128).
(2)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر (2/ 203).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(1280).
(4)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 338).
(5)
رواه أبو داود (312)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في وقت النفساء، بإسناد فيه لين؛ كما ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري"(1/ 502).
(6)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 225).