الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبيهِ، قالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بنَ أبي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ وُضُوءِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَدَعَا بتَوْرٍ مِنْ مَاءً، فَتَوَضَّأَ لَهُم وُضُوءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ في التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ واسْتَنْثَرَ ثَلاثاً بِثَلاثِ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتيْن إلى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً واحِدَةً، ثمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ (1).
وفي رواية: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى المَكَانِ الَّذي بَدَأَ مِنْهُ (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (184)، كتاب: الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين، ومسلم (235)، (1/ 210)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنهما قالا:"فغسلهما مرتين مرتين إلى المرفقين"، كما أنهما زادا في آخره:"إلى الكعبين".
(2)
رواه البخاري (183)، كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله، ومسلم (235)، (1/ 211)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (118)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي (97)، كتاب: الطهارة، باب: حد الغسل، والترمذي (32)، كتاب: الطهارة، باب: =
وفي رواية: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً في تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ (1).
قال رضي الله عنه: التَّوْرُ إِنَاءٌ يُشْبِهُ الطَّسْتِ.
* * *
(عن عَمْرِو بنِ يحيى) بنِ عمارة بن أبي الحسنِ تميمٍ (المازنيِّ) من بني مازنِ بنِ النجارِ الأنصاريِّ.
= ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، وابن ماجه (434)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في مسح الرأس.
(1)
رواه البخاري (194)، كتاب: الوضوء، باب: الغسل والوضوء في المخضب والقَدَح والخشب والحجارة، وأبو داود (100)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء في آنية الصفر، وابن ماجه (471)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء بالصفر، وهذا لفظ ابن ماجه، ولفظ البخاري:"أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجنا ..... ". وقال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 385): قول المصنف: وفي رواية: "أتانا رسول الله
…
"، كذا أخرجه البخاري، ولم أر هذا الإسناد ولا المتن هكذا في مسلم، فكان ينبغي للمصنف إذن أن يقول: وفي رواية للبخاري، فتنبه لذلك، انتهى. ثم إنه ليس في شيء من روايات مسلم لفظة: "التور"، وإنما هي من أفراد البخاري؛ كما نبه عليه الصنعاني في "حاشية إحكام الأحكام" (1/ 194).
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 122)، و"المنتقى في شرح الموطأ" لأبي الوليد الباجي (1/ 269)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 50)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 24)، و"المُفهم" للقرطبي (1/ 484)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 121)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 40)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 17 - 19)، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام " لابن الملقن (1/ 385)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 291)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 45)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 191).
فأما عمرٌو: فروى عنه الإمام مالكٌ، ووهبٌ، وخلقٌ، وهو ثقةٌ، أخرج له الستة، توفي سنة أربعين ومئة (1).
وأما والده يحيى: فوثقه النسائي وغيره، وأخرج له الجماعة.
روى عن عبد الله بن زيد بن عاصم، وأبي سعيد الخدري، وشقران بن أنس بن مالك، وغيرهم.
وروى عنه: الزهريُّ، ومحمدُ بن يحيى بن حبان، وابنه عمرو، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة (2).
(قال): -يعني: يحيى بن عمارة -: (شهدتُ عَمْرَو بنَ أبي حسنٍ) اسمُهُ: تميمٌ، فعمَارةُ وعمرٌو هذا أخوه، فيكون يحيى روى عن عمه عمرو بن أبي الحسن الأنصاري المازني من بني مازن بن النجار.
ووقع في "سنن أبي داود": أن عمرو بن يحيى هو السائل لعبد الله بن زيدٍ، فقال له: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ (3)؟
وهو مخالفٌ لما في "الصحيحين" وغيرهما: أنه روى عن أبيه سؤالَ عمِّ
(1) انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 382)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 269)، و"الثقات" لابن حبان (7/ 215)، و"تهذيب الكمال" للمزي (22/ 295)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (8/ 104)، و"تقريب التهذيب" له أيضاً (تر: 5139).
(2)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 295)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 175)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 522)، و"تهذيب الكمال" للمزي (31/ 474)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/ 227).
(3)
انظر: "سنن أبي داود"(1/ 29). وقد تقدم تخريجه في حديث الباب.
أبيه عمرِو بنِ أبي حسنٍ لعبد الله بنِ زيدٍ؛ لأنه هو الذي سأله، وليس لعمرِو بن أبي الحسن روايةٌ في شيءٍ من الكتب الستة.
وأما أبوه أبو الحسن؛ فهو معدود من الصحابة؛ يقال: شهد العقبة وبدراً، وأما ابناه عمرٌو، وعمارة، فقيل: لهما صحبةٌ، فقد ذكر ابن منده عمارة في الصحابة.
وأما عمرو بن أبي الحسن، فذكره أبو موسى المديني في كتابه الذي أدخل به من أخل به ابن منده في الصحابة، وقال: أورده سعيد -يعني: القرشي - في الصحابة (1).
(سأَلَ) عمرُو بنُ أبي الحَسنِ (عبدَ اللهَ بنَ زيدِ) بن عاصمٍ بن كعب بن عمرو بن عوف المازني، خال عبّاد بن تميم، كنيته: أبو محمد، ويُعرف بابن أم عمارة، واسمها: نسيبة -بفتح النون وضمها-، شهد أُحُداً، ولم يشهد بدراً، كما قاله ابن عبد البر.
وقال ابن قتيبة وأبو نعيمٍ: شهدها.
ويقال: إنه الذي قتل مسيلمة الكذاب، وهو قول خليفة بن خياط، والواقدي، وغيرهما.
وقال غيرهم: شارك في قتله وحشيُّ بنُ حرب، فوحشيٌّ رماه بالحربة التي رمى بها حمزة رضي الله عنه، وأجهز على مُسيلمة عبدُ الله بنُ زيدٍ
(1) وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1141)، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير (4/ 130)، و"تهذيب الكمال" للمزي (21/ 237)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 580)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (7/ 362)، و"تقريب التهذيب" له أيضاً (تر: 4842).
بسيفه، وكان مسيلمةُ قد قَتَلَ خبيبَ بنَ زيدٍ أخا عبد الله بن زيدٍ، فقضى الله أن شارك في قتله.
قال الحافظ عبد الغني المصنف رحمه الله ورضي عنه -: وقد روي من وجهٍ غريبٍ عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: أنا قتلت مسيلمة، فيحتمل-أيضاً- أن يكون شاركه فيه.
وقُتِلَ عبدُ الله بن زيد رضي الله عنه يوم الحرة بالمدينة سنة ثلاثٍ وستين من الهجرة، وهو ابن سبعين سنةً (1).
وهو غير عبد الله بن زيدِ بنِ عبدِ ربِّه الذي نادى بالأذان، وَرُوِيَ حديثُهُ - كما قاله الحفاظ - من المتقدمينَ والمتأخرين، وغَلَّطوا سفيانَ بنَ عيينةَ في قوله: إنه هو، وممن نصّ على غَلَطِهِ البخاري (2).
وتوفي عبدُ الله بن زيدٍ هذا سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن أربعٍ وستين سنةً.
(عن وُضُوء) متعلقٌ بـ: "سأل"(رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
(فدعا) عبدُ الله بنُ زيدٍ رضي الله عنه (بِـ) إحضار (تَوْرٍ) - بالتاء المثناة -.
قال في "المطالع"(3): التور: مثل قدح القدر من الحجارة، ويطلق
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 295)، و"تهذيب الكمال" للمزي (31/ 474)، و"الكاشف" للذهبي (تر: 6218)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/ 227)، و"تقريب التهذيب" له أيضاً (تر: 7612).
(2)
قال البخاري في "صحيحه"(1/ 343): كان ابن عيينة يقول: هو صاحب الأذان، ولكنه وهم؛ لأن هذا عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مازن الأنصار.
(3)
لابن قُرقُول -بضم القافين- إبراهيم بن يوسف الوهراني الأندلسي، المتوفى سنة =
على الطست، وهو المراد هنا (1).
(من ماء)؛ أي: فيه ماء، (فَتَوضَّأَ) عبدُ الله بنُ زيدٍ رضي الله عنه (لهم)؛ أي: للسائل، بيان كيفية وضوء رسول الله، والحاضرين (وُضُوءَ) هُ؛ يعني: نحو وضوءِ (النبي صلى الله عليه وسلم).
(فَأَكْفَأَ) أي: كبَّ من الماء، يقال: كفأه؛ كمنعه: صَرَفَهُ، وكَبه، وقلبه، كأكفأه، قاله في "القاموس"(2)، وقال: كبه: قلبه، وصرعه، كأكبه، وكبكبه، فأكب، وهو لازمٌ متعد (3).
وفي "النهاية": كفأتُ الإناءَ، وأكفأْتُهُ: إذا كببتُهُ، وإذا أَمَلْتُهُ. ومنه حديث الهِرة:"أنه كان يَكفأُ لها الإناءَ"(4)؛ أي: يُميله لتشربَ منه بسهولة (5).
= (569 هـ)، كتاب:"مطالع الأنوار على صحاح الآثار" فيما استغلق من كتاب: "الموطأ" و"البخاري" و"مسلم"، وإيضاح مبهم لغاتها في غريب الحديث، اختصر فيه "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، واستدرك عليه، وزاد فيه أشياء. انظر:"كشف الظنون" لحاجي خليفة (2/ 1715) والشارح رحمه الله ينقل عنه في مواضع كثيرة.
(1)
وانظر: "لسان العرب" لابن منظور (4/ 96)، (مادة: تور).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 64)، (مادة: كفأ).
(3)
المرجع السابق (ص: 164)، (مادة: كبب).
(4)
رواه أبو داود (75)، كتاب: الطهارة، باب: سؤر الهرة، والنسائي (68)، كتاب: الطهارة، باب: سؤر الهرة، والترمذي (92)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في سؤر الهرة، وابن ماجه (367)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك، عن أبي قتادة رضي الله عنه، وفيه:"فأصغى لها الإناء". وكذا رواه الأئمة وأصحاب الحديث.
(5)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 182).
(على يَدَيْهِ مِنْ) ماء (التَّوْرِ، فغسلَ يديهِ) من ذلك الماء (ثَلاثاً) من المرافق، ولم يدخل يده في التور قبل غسلها، (ثم) بعد غسل يديه (أدخلَ يدَهُ في التور)، فتناول بها من الماء الذي فيه، (فمضمض) فمه بالماء، (واستنشق) في أنفه منه، (واستنثر)؛ أي: استخرج الماء الذي في أنفه (ثلاثاً)؛ أي: لكلٍّ من فيه وأنفه ثلاثاً ثلاثاً (بثلاث غَرَفات)، فكان يتمضمض ويستنشق ويستنثر من غرفةٍ، ثم يفعل ذلك ثانياً وثالثاً، وهذه إحدى كيفيات المستحب في المضمضة والاستنشاق؛ فإنه إن شاء فعلهما من غرفةٍ، وإن شاء من ثلاث، كما يرشد إليه هذا الحديث، وإن شاء من ست.
وتقدم أن المضمضة إدارةُ الماء في الفم، والاستنشاق: اجتذابُ الماء بالنَّفَس إلى باطن الأنف، والمستحَبُّ أن يتمضمض ويستنشق بيمينه، ويستنثر بشماله، وفي بعض ألفاظ حديث عثمان:"ثم غرفَ بيمينه، ثم رفعَها إلى فيه، فمضمضَ واستنشقَ بكفٍّ واحدةٍ، واستنثر بيساره، فعل ذلك ثلاثاً، ثم ذكرَ سائرَ الوضوء، ثم قال: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ لنا كما توضأتُ لكم، فمن كان سائلاً عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا وضوءه " رواه سعيد بن منصور (1).
وفي لفظٍ لهما: فمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثاً (2).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (188)، كتاب: الوضوء، باب: من مضمض واستنشق من غرفة واحدة، ومسلم (235)، (1/ 210)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(ثم أدخل) عبدُ الله بن زيدٍ رضي الله عنه (يَدَهُ) فاستخرج بها ماء، (فغسل) به (وَجْهَهُ)، فعل ذلك (ثَلاثاً، ثم أدخلَ يديه)، فأخرج بهما ماءً، (فغسلَهما) به (مَرَّتين) من رؤوس الأنامل (إلى المِرْفَقَين)، كما قدمنا ذلك في حديث عثمان، إلا أنه هنا لم يأت في غسل اليدين بالتثليث، بل اكتفى بمرتين، وترجم له البخاري: باب: الوضوء مرتين مرتين لكل عضوٍ، وذكر الحديث (1)، وليس فيه الغسل مرتين، إلا في اليدين إلى المرفقين، نعم روى النسائي من طريق سفيان بن عيينة، في حديث عبد الله بن زيدٍ هذا التثنيةَ في اليدين والرجلين، ومسحَ الرأس، وتثليثَ غسل الوجه (2). ونظر الحافظ ابنُ حجرٍ في هذه الرواية (3)، والله أعلم.
وفي مسلم من حديث عبد الله بن زيدٍ -أيضاً- رضي الله عنه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويده اليمنى ثلاثاً، والأخرى ثلاثاً (4).
(ثم أدخل يديه)، فاغترف من التور ماءً، (فمسح رأسه) بكلتا يديه، (فأقبل بهما)؛ أي: يديه بعد أن وضع إبهامي يديه على الصدغين من مقدم رأسه، ثم مرهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى مقدمه، وهو معنى قوله:(وأدبر).
فإن قيل: مقتضى الإقبال أن يبدأ من مؤخر رأسه مقبلاً إلى مقدمه، ثم يدبر بهما؛ لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبارٌ، ورجوعه إلى جهة الوجه إقبالٌ؟!
(1) رواه البخاري (157)، كتاب: الوضوء، باب: الوضوء مرتين مرتين.
(2)
رواه النسائي (99)، كتاب: الطهارة، باب: عدد مسح الرأس.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 259).
(4)
رواه مسلم (236)، (1/ 211)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
قلتُ: أجاب بعض العلماء عن هذا: بأن الواو لا تقتضي الترتيب، فالتقدير: أدبر وأقبل.
وأحسنُ من هذا قولُ ابن دقيق العيد: الإقبالُ والإدبار من الأمور الإضافية؛ أعني: أنه ينسب إلى ما يقبل إليه ويدبر عنه، والمؤخَّر محلٌّ يمكن أن يُنسب الإقبال إليه، والإدبار عنه، فيمكن حمله على هذا. ويحتمل أن يريد بالإقبال: الإقبال على الفعل لا غير.
قال ابن دقيق العيد: ويضعفه قوله: وأدبر (1).
(مرةً واحدةً) فلا يستحب في مسح الرأس التثليث، وهو مذهبنا؛ كالحنفية والمالكية. والأحاديث وردت مطلقةً ومقيدةً بمرةٍ واحدة، فحمل المطلق على المقيد.
(ثم غسل رجليه)، وفي رواية لمسلمٍ: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما (2).
وتقدم الكلام على غسل الرجلين.
(وفي رواية) في كيفية مسح الرأس: أن عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه (بدأ) في مسحه (بمقدم رأسه)، بأن وضع إبهامي يديه على صدغيه، وأصابعَ يديه على حدِّ منابت شعره؛ فإنه حد الرأس من مقدمه من حيث لا يسمى وجهاً، وهو ما يحاذي النزعتين والتحذيف والصدغين والمفصل والجبينين (حتى ذهبَ بهما)؛ أي: يديه، ماراً بالماء على رأسه مسحاً إلى
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 42).
(2)
تقدم تخريجه قريباً، إلا أنه عنده:"فضل يده" بدل "فضل يديه".
أن انتهى بذلك (إلى قَفاهُ)؛ أي: إلى قفا رأسه من الزرقتين التي وراء الأذنين إلى ما يسمى قفا.
وليس ظهر الرقبة من الرأس، فلا يجب مسحها، بل ولا يستحب، خلافاً للحنفية؛ فالأذنان والبياض الذي فوقهما من الرأس -كما قدمناه في حديث عثمان-.
ويجب أن يبلغ بالمسح إلى جزءٍ من الوجه، كما يبلغ بغسل الوجه إلى جزء من الرأس؛ ليحصل الاستيعاب؛ من باب: ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجبٌ، (ثم رَدَّهما)؛ أي: ردَّ عبدُ الله بنُ زيدٍ رضي الله عنه يديه راجعاً بهما إلى جهة وجهه، (حتى رجعَ إلى المكانِ الذي بدأ) بالهمز (منه)، وهو مقدَّم رأسه، وهذا يرد قولَ من قال: يبدأ بمؤخر رأسه، ويمر إلى جهة الوجه، ثم يرجع إلى المؤخر محافظةً على ظاهر قوله:(أقبل وأدبر).
وينسب الإقبال إلى ناحية المقدم والوجه، والإدبار إلى ناحية المؤخر؛ فإن الحديث مصرحٌ بكيفية الإقبال والإدبار صريحاً، لا يحتمل التأويل، والحديث صحيحٌ متفقٌ على صحته.
(وفي رواية) في حديث عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه: (أتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجَنْا له ماءً في تَوْرٍ). وفي لفظٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ في إناءٍ (من صُفْرٍ) -بضم الصاد المهملة -أي: من نحاسٍ، وفاعله يقال له الصفَّار؛ كما في "القاموس" (1). ولم يذكر مسلم: إناء الصفر، وإنما ذكره البخاري.
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 546)، (مادة: صفر).
(قال) الحافظ أبو محمد المصنف (رضي الله عنه: التور: إناءٌ يشبه الطَّسْت). تقدم أن التور -بالتاء المثناة-.
والطست -بكسر الطاء المهملة وفتحها وبإسقاط التاء-، وجمعه طساس، ويجمع على طسوس، وفي حديث الإسراء: واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساس من زمزم (1).
قال في "القاموس": الطَّسُّ الطَّسْتُ؛ كالطَّسَّة، والطِّسَّة، والجمع: طُسوس، وطِساس، وطَسيس، وطَسَّاتٌ، والطَّسَّاسُ صانعُه، والطِّساسةُ حِرْفته (2).
قال في "النهاية": والهاء فيه بدل من السين، فجمع إلى أصله (3).
وفي "القاموس": الطست: الطسُّ، أبدل من إحدى السينين تاءً، وحكي بالشين المعجمة (4).
وفي "المطالع": التور: مثل قدح القدر من الحجارة (5).
والحاصل: أنه إناءٌ لا من جملة الأوعية يكون من نحاسٍ، وهو الطست، ومن غير نحاسٍ، والله أعلم.
وفي الحديث: جواز الاغتراف للطهارة من الماء القليل، وأنه لا يستعمل لذلك، ولا تعتبر نية الاغتراف، والله أعلم.
* * *
(1) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(15/ 6)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
انظر: " القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 714)، (مادة: طسس).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 124).
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 199).
(5)
تقدم ذكره عند الشارح.