المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُفي ترجمة الإمام أحمد

- ‌الفَصْلُ الثَّانيفي ترجمة مؤلّف "العمدة

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌الحديث الثالث

- ‌ باب:

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المزي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحيض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،

‌الحديث الخامس

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللهِ! إنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ إذا رَأَتِ الماءَ"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (278)، كتاب: الغسل، باب: إذا احتلمت المرأة، واللفظ له، و (130)، كتاب: العلم، باب: الحياء في العلم، و (3150)، كحَاب: الأنبياء، باب: خلق آدم - صلوات الله عليه - وذريته، و (5740)، كتاب: الآداب، باب: التبسم والضحك، و (5770)، باب: مالا يستحيا من الحق للتفقه في الدين، ورواه مسلم (310 - 314)، (1/ 250 - 251)، كتاب: الحيض، باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، وأبو داود (237)، كتاب: الطهارة، باب: في المرأة ترى ما يرى الرجل، والنسائي (195، 196، 197)، كتاب: الطهارة، باب: غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، والترمذي (122)، كتاب، الطهارة، باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل، وابن ماجه (600، 601)، كتاب: الطهارة، باب: في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 79)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 291)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 187)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 147)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 568)، و"شرح =

ص: 419

(عن) أم المؤمنين، (أم سلمة) هندٍ بنتِ أبي أمية، واسمه: سهيلُ بنُ المغيرة بنِ عبد الله بن عمرو بن مخزوم رضي الله عنها (زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم)، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد.

ويقال: إن أم سلمة أولُ ظعينةٍ دخلت المدينة مهاجرةً. وقيل: غيرها.

فولدت له في أرض الحبشة زينبَ.، وولدت له سلمةَ، وعمرَ، ودُرَّةَ.

ومات أبو سلمة سنة أربع، أو ثلاث، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليالٍ بقين من شوال من تلك السنة، وتوفيت سنة سبع وخمسين، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: ستين.

قال في "شرح الزهر البسام"(1): والأول أصح.

قلت: الذي جزم به ابن القيم في "جلاء الأفهام": أنها توفيت سنة اثنتين وستين، ودفنت بالبقيع. قال: وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتًا، وقيل: بل ميمونة (2).

وكان عمرها: أربعًا وثمانين سنة.

روي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث مئة وثماني وسبعون حديثًا، اتفقا على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري: بثلاثة، ومسلم: بثلاثة عشر (3).

= مسلم" للنووي (3/ 219)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 99)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 215)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 340)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 388)، و"عمدة القاري" للعيني (2/ 211)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 275).

(1)

تقدم التعريف به.

(2)

انظر: "جلاء الأفهام" لابن القيم (ص: 252).

(3)

وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 86)، و"الاستيعاب" لابن =

ص: 420

(قالت) أم سلمة رضي الله عنها: (جاءت أم سُلَيْم) بضم السين المهملة، وفتح اللام-، واسمها: سهلةُ -على المشهور-، وقيل: رُمَيلة، وقيل: رُمَيثة، وقيل: أُنيفَة -بضم أوائلها على التصغير في الكل-.

وقيل: مُلَيكة -بضم الميم وفتح اللام-، وقيل: -بفتح الميم وكسر اللام-.

وقيل: اسمها الرُّمَيصاء، ويقال: الغُمَيصاء -بالغين المعجمة- على ظاهر ما في "منتخب المنتخب".

وصرح في "شرح الزهر"، فقال: بالغين المعجمة.

قال ابن الجوزي: والرُّميصاء والغُمَيصاء واحد؛ لأنه يقال: الرَّمَص والغَمَص؛ كما يقال: الرَّيْن والغَيْن.

وهي: أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنتُ مِلحان -بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة-، واسمه: مالك بنُ خالد بنِ زيد بن حَرام، الأنصاريةُ النجاريةُ.

كانت تحت مالك بن النضر، أبي أنس بن مالك، فولدت له أنسًا، ثم قُتل عنها مشركًا، وأسلمت، فخطبها أبو طلحة وهو مشرك، فدعته إلى الإسلام فأسلم، فقالت: فإني أتزوجك ولا آخذُ منك صداقًا لإسلامك، فتزوجها (1)، فولدت له عبدَ الله، وأبا عمير الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم:

= عبد البر (4/ 1920)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 329)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 317)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 201)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 150)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (12/ 483).

(1)

رواه النسائي (3341)، كتاب: النكاح، باب: التزويج على الإسلام، عن أنس رضي الله عنه.

ص: 421

"يا أبا عُمير! ما فعل النُّغَير؟ (1) ".

وشهدت رضي الله عنها أُحدًا وحُنينًا.

وقال صلى الله عليه وسلم: "دخلتُ الجنةَ، فسمعت خشفةً (2)، فقلت: ما هذا؟ فقيل: الرُّميصاءُ بنتُ مِلحان"(3).

كان يزورها صلى الله عليه وسلم، وصلَّى في بيتها تطوعًا.

روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر حديثًا، اتفقا منها على حديثٍ، وانفرد البخاري بآخر، ومسلمٌ بحديثين (4).

وهي: (امرأة أبي طلحة)، واسمه: زيدُ بنُ سهل بن الأسود الأنصاريُّ النجاريُّ، شهد العقبة وبدرًا وأُحدًا، والمشاهد كلها.

وهو القائل: [من الرجز]

أَنَا أَبُو طَلْحَةَ وَاسْمِي زَيْدُ

وَكُلَّ يَوْمٍ في سِلَاحِي صَيْدُ

(1) رواه البخاري (5778)، كتاب: الأدب، باب: الانبساط إلى الناس، ومسلم (2150)، كتاب: الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته، عن أنس رضي الله عنه.

(2)

جاء على هامش الأصل المخطوط: قوله: "خشفة" هو -بفتح الحاء، وسكون الشين المعجمة-: الحس والحركة.

(3)

رواه مسلم (2456)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أم سليم، عن أنس رضي الله عنه.

(4)

وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 424)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 461)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1940)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 365)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 304)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 45)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (12/ 497).

ص: 422

وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لصوتُ أبي طلحةَ في الجيشِ خيرٌ من فِئَةٍ" (1)

وقد غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع الصدِّيق حتى مات، ومع عمر حتى مات، فقال له أنس: دعنا ننفرْ عنك، فقال: قد قال الله - تعالى-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41]، لا أرى رَبَّنا إلا استنفرنا شبابًا وشيوخًا، يا بني! جهزوني، فغزا البحر، فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه فيها وهو لم يتغير؛ رواه البيهقي بسندٍ صحيح (2).

وقيل: مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: أربعين، وله سبعون سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش أبو طلحة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، وكان يسرد الصوم، وهذا مخالف لقول الجمهور.

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما قال ابن الجوزي - خمسةٌ وعشرون حديثًا؛ اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديثٍ، ومسلم بآخر (3).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 111)، وأبو يعلى في "مسنده"(3983)، والحاكم في "المستدرك"(5554)، وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه.

(2)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 21)، ورواه أبو يعلى في "مسنده"(3413)، وابن حبان في "صحيحه"(7184)، والحاكم في "المستدرك"(5508)، وغيرهم.

(3)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 554)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 381)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 137)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 553)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (19/ 391)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 361)، و"تهذيب الكمال" للمزي (10/ 75)، و"سير أعلام =

ص: 423

(إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بجاءت (فقالت) أم سُليم رضي الله عنها: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)؛ أي: لا يأمر بالحياء في الحق.

وقدمت أم سُليم هذا الكلام بسطًا لعذرها في ذكر ما تستحيي النساء بذكره بحضرة الرجال؛ ولهذا قالت لها عائشة -كما ثبت في "صحيح مسلم"-: فَضَحْتِ النساء (1).

والذي يحسن الابتداء في مثل هذا: أن الذي يُعتذر به إذا كان متقدمًا على المعتذَر منه، أدركته النفسُ صافيًا من العيب، فإذا تأخر العذر، استقبلت النفسُ المعتذَر عنه، فتأثرت بقبحه، ثم يأتي العذر رافعًا، وعلى الأول يأتي دافعًا (2).

قال ابن دقيق العيد: قد تكلم العلماء في تأويل قولها: إن الله لا يستحيي من الحق.

ولقائلٍ أن يقول: إنما يحتاج إلى تأويل الحياء إذا كان مثبتًا، كما جاء:"إن الله حَيِيّ كريمٌ"(3)، وأما في النفي، فالمستحيلات على الله تعالى تُنفى، فلا يشترط في النفي أن يكون المنفيُّ ممكنًا.

= النبلاء" للذهبي (2/ 27)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 607)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (3/ 357).

(1)

تقدم تخريجه عنده في حديث الباب، برقم (310 و 313). وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (1/ 229).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 99).

(3)

رواه أبو داود (1488)، كتاب: الصلاة، باب: الدعاء، والترمذي (3556)، كتاب: الدعوات، باب:(105)، وابن حبان في "صحيحه"(876)، عن سلمان رضي الله عنه.

ص: 424

والجواب: أنه لم يرد النفي على الاستحياء مطلقًا، بل ورد على الاستحياء من الحق، ويفهم منه إثباتُه من غير الحق، فيعود بالمفهوم إلى الإثبات.

قال: ومعنى الحديث: أن الله لا يأمر بالحياء في الحق، ولا يبيحه، أو لا يمتنع من ذكره.

قال: وأصل الحياء: الامتناع، أو ما يقاربه من معنى الانقباض (1).

وتعقبه الحافظ ابن حجر في كتاب: الأدب، من "شرح البخاري": بأن الحق أن الامتناع من لوازم الحياء، ولازم الشيء لا يكون أصله، ولما كان الامتناع لازِمَ الحياء، كان في التحريض على ملازمة الحياء حضٌّ على الامتناع عن فعل ما يعاب. انتهى (2).

وتقدم أن الحياء -بالمد- لغةً: تغيرٌ وانكسار يعتري الإنسان من خوفِ ما يُعاب به.

وشَرْعًا: خُلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.

وقيل: المعنى: أن سنة الله وشرعه أَلَّا يُستحيا من الحق.

واستقرب ابن دقيق العيد أن يكون على حذف مضاف تقديره: إن الله لا يمتنع من ذكر الحق، والحق هنا خلاف الباطل، وهو كون الواقع مطابقًا له وموافقًا. ويكون معنى الكلام: أن نقتدي بفعل الله سبحانه في ذلك (3)،

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 99).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 521).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام"، لابن دقيق (1/ 100).

ص: 425

ونذكر هذا الحق الذي دعت إليه الحاجة، وهو المشار إليه بقولها:(هل) يجب (على المرأة من غسل إذا هي) ضميرُ فصلٍ جيء به لتأكيد الكلام وتحقيقه، ولو أسقطت "من"، لتم أصل المعنى (احتلمت؟)؛ أي: رأت في منامها أنها تُجامَع.

وفي رواية الإمام أحمد من حديث أم سُليم: أنها قالت: يا رسول الله! إذا رأت المرأة أن زوجَها يُجامعها في المنام تغتسل؟ (1).

فهو افتعالٌ من الحُلْم -بضم الحاء المهملة وسكون اللام-: وهو ما يراه النائم في نومه. يقال: منه حَلَم -بفتح اللام-، واحتلم، واحتلمت به، واحتلمته. قالـ[ـه] ابن دقيق العيد (2).

وفي "القاموس": الحُلُم -بالضم، وبضمتين-: الرؤيا، والجمع أحلامٌ، وحَلَم في نومه، واحتلم، وتحلَّم [وانْحَلَم، وتَحَلَّم] الحلمَ: استعمله. وحَلَم به، وعنه: رأى له رؤيا أو رآه في النوم، والحُلُم -بالضم- والاحتلام: الجماع في النوم، والاسم: الحُلُم كعُنُق؛ انتهى (3).

وكذا في "المطالع"، وعبارته: والحُلُم -بضم اللام أيضاً وبسكونها-: رؤيا النوم، والفعل منه: حَلَم -بفتح اللام-، والمحتلِم والحالم سواء، وهو البالغ.

وقد نفى الاحتلامَ عنه عليه الصلاة والسلام بعضُ الناس، كما في "المطالع"، وغيرها؛ لأنه من الشيطان، ولأنه لم يرو عنه أثرٌ في ذلك.

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 377).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 100).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1416)، (مادة: حلم).

ص: 426

قال: ويحتمل جوازُه عليه، ولا يكون من الشيطان، لكن من الطبع البشري عند اجتماع الماء، والبعد من الجماع (1).

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم)؛ أي: عليها غسل مُقَيَّدٌ وجوبُه عليها بشروط، وهو: ما (إذا رأت الماء)؛ أي: تحققت خروجَ المني منها بالرؤية، أو غيرها؛ من لمس وشمٍّ ونحوهما؛ بخلاف ما إذا رأت في المنام أنها تجامع، ولم ينزل منها ماء؛ فإنها لا يلزمها غسل؛ كالرجل.

نعم، إن أحسَّت بانتقاله بعد إفاقتها من نومها، وجب، على معتمد المذهب؛ من جعلِهم إحساسَ الانتقال بمجرده موجبًا، وإن لم يبرز، وربما كان هذا الحديث حجةً على قائلي ذلك.

إلا أن نقول: هذا في النائم، وإحساسُه والتذاذُه وعدمُه حينئذٍ سواء.

وفي "مسلم": عن أنس رضي الله عنه، قال: جاءت أم سُليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له -وعائشة عنده-: يا رسول الله! إن المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، وفيه: فقالت عائشة: يا أم سليم! فضحتِ النساء، تربَتْ يمينُكِ، فقال صلى الله عليه وسلم:"بل أنتِ تربت يمينُك، نعم، فلتغتسلْ يا أُمَّ سُلَيم إذا رأتْ ذلك"(2).

وفي روايةٍ في "مسلم" -أيضاً-: فقالت أم سلمة: فاستحييتُ من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فمِنْ أين يكون الشبهُ؟ إنَّ ماءَ الرجلِ غَليظٌ أبيضُ، وماء المرأة رقيقٌ أصفرُ، فمن أَيِّهما علا، أو سبق، يكون منه الشبهُ"(3).

(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 196).

(2)

تقدم تخريجه في حديث الباب، برقم (310) عنده.

(3)

تقدم تخريجه في حديث الباب، برقم (311) عنده.

ص: 427

وفي لفظٍ: فقال لها؛ أي: لأم سليم: "إذا كان منها ما يكونُ من الرجل، فلتغتسلْ"(1).

وفي لفظٍ لها: فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلمُ المرأة؟ فقال: "تربتْ يداك، فبمَ يُشبهها ولدُها؟ ". زاد "البخاري": فقالت أم سلمة: تعني وجهها، وقالت: يا رسول الله! وتحتلم

الحديث (2).

وفي طريق البخاري: فضحكت أم سلمة، فقالت: أتحتلم المرأة؟ (3).

وفي روايةٍ لمسلم عن أم سلمة: قالت: قلتُ: فضحتِ النساء (4).

وفي لفظٍ له عن عائشة: فقلت لها: أُفٍّ لكِ، أترى ذلك المرأةُ؟! (5).

وفي آخر: فقالت لها عائشة: تربَتْ يداك وأُلَّت (6).

وهذا يدل على أن كتمان ذلك من عادتهن؛ لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال.

وأُلَّت: على وزن غُلَّت، وصوب بعضهم كونه: أُلِلْتِ على وزن طُعِنْتِ: بمعنى اقتصرت.

والأل: الشدة. وقال ابن فورك: هو مُصَحَّف من قالت، كذا قال (7).

(1) تقدم تخريجه في حديث الباب، برقم (312) عنده.

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (130)، وعند مسلم برقم (313)، (1/ 215).

(3)

تقدم تخريجه برقم (5740) عنده.

(4)

تقدم تخريجه برقم (310) عنده.

(5)

تقدم تخريجه برقم (314) عنده.

(6)

تقدم تخريجه برقم (314) عنده.

(7)

انظر:"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 31)، و "شرح مسلم" للنووي (3/ 225)

ص: 428

وفيه: إذا علا ماؤها ماءَ الرجل، أشبهَ الولدُ أخوالَه، وإذا علا ماءُ الرجل ماءها، أشبه أعمامه.

ويمكن الجمع: بأن كلًا من عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما كانتا حاضرتين (1) -

والأشبه: أن ابتداء الكلام كان بحضور أم سلمة، ثم حضرت عائشة.

واستدل به بعضهم على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعضٍ؛ ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك، ولكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجودَ المني من أصله، فلهذا أنكر عليها (2).

وفيه: ردٌّ على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها، والله أعلم (3).

* * *

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 229).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

المرجع السابق، (1/ 389) نقلًا عن "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 101).

ص: 429