الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِه؛ فَأَبَّدَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بصَرهُ؛ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ، فَقَضَمْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثم دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَنَّ بهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَاناً أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ، أَوْ إصْبَعَهُ، ثُمَّ قالَ:"في الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، ثَلاثاً، ثُمَّ قَضَى، وكانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بين حَاقِنَتِي وذَاقِنَتِي (1).
وفي لفظ: فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْه، وَعَرَفْتُ اَّنه يُحِبُّ السِّوَاك، فَقُلْتُ: آخُذُهُ
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4174)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، واللفظ له. ورواه أيضاً بطرق وألفاظ مختلفة برقم:(850)، كتاب: الجمعة، باب: من تسوَّك بسواك غيره، و (1323)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، و (2933)، كتاب: الخمس، باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وما نسب من البيوت إليهن، و (4181)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، و (4184 - 4186)، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم، و (4919)، كتاب: النكاح، باب: إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهنَّ، فأذِنَّ له.
لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ؛ أَنْ: نَعَمْ، هَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ (1)، وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (2).
* * *
(عن عائشة) أمِّ المؤمنين (رضي الله عنها، قالت: دخلُ عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ الصديقِ) رضي الله عنهم.
كان عبدُ الرحمن بنُ أبي بكرٍ الصديق يكنى: أبا محمد، ويقال: أبا عبد الله، ويقال: أبا عثمان، أسلم عامَ الحُديبية، وحسن إسلامه، وكان اسمه: عبدَ الكعبة، وقيل: عبد العزى، فسماه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: عبدَ الرحمن، وكان أسنَّ أولادِ أبي بكرٍ الصديقِ، وأمُّه أُمُّ رومان؛ فهو شقيقُ عائشةَ رضي الله عنهما.
شهد مع قومه بدراً وأُحُداً، ثم أسلم وحسن إسلامه، وهاجر إلى المدينة قبل الفتح، وكان رضي الله عنه من أشجع قريشٍ، وأرماهم بسهمٍ.
(1) وهو المتقدم تخريجه برقم (4184).
(2)
لعلَّ الحافظ رحمه الله يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد يقول: "أين أنا اليوم؟ أين أنا غداً؟ " استبطاء ليوم عائشة. قالت: فلما كان يومي، قبضه الله بين سحري ونحري. رواه مسلم (2443)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، به. وهذا الطريق أحد طرق البخاري التي أخرجها في "صحيحه"، وتقدم تخريجها قريباً، وسيشير الشارح إلى هذا في شرحه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (7/ 451)، و"شرح مسلم" للنووي (15/ 208)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 68)، و"فتح الباري" لابن حجر (8/ 138)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 33)، و"عمدة القاري" للعيني (18/ 65).
قال الحافظ ابن الجوزي في "منتخب المنتخب": دعي عبدُ الرحمن رضي الله عنه يومَ بدرٍ إلى المبارزة، فنهض إليه الصدِّيقُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمْتِعْنا بنفسِكَ"، قال: ثم أسلم عبدُ الرحمن في هدنة الحديبية، وهاجر، ومات سنة ثلاثٍ وخمسين فجأةً بالحُبْشِيِّ، وهو جبلٌ بينه وبين مكة ستة أميال، فحمل إلى مكة، فدفن بها، فقدمت عائشة، فأتت قبره، فصلّت عليه، وتمثَّلَتْ:[من الطويل]
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيْمَةَ حِقْبَةً
…
مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
وَعِشْنَا بِخَيْرٍ فِي الْحَيَاةِ وَقَبْلَنا
…
أَصَابَ المَنايا رَهْطَ كِسْرَى وَتُبَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكاً
…
لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا (1)
روي لعبد الرحمن رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيةُ أحاديثَ، اتفقا منها على ثلاثةٍ (2).
(على النبي صلى الله عليه وسلم) متعلق بـ"دخل".
قالت عائشة رضي الله عنها: (وَأَنا مُسْنِدَتُهُ)؛ أي: النبيَّ صلى الله عليه وسلم (إلى صَدْري) جملة "وأنا مسنِدَتُه" إلخ، من المبتدأ والخبر جملة حالية، (وَ)
(1) رواه الترمذي (1055)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الرخصة في زيارة القبور، والحاكم في "المستدرك"(6013)، وغيرهما، إلا أنه لا يوجد في روايات الحديث المشهورة أنها تمثَّلت بالبيت الثاني الذي أورده الشارح، والله أعلم.
(2)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 242)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 824)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 462)، و"تهذيب الكمال" للمزي (11/ 311)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 471)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 325)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (6/ 133).
الحالُ أنه (مَعَ عبدِ الرحمنِ) أخي رضي الله عنه؛ أي: في حال دخوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم (سواكٌ رطبٌ)، وهو الذي لم يجفَّ بعدُ، فهو ضد اليابس (يَسْتَنُّ) عبدُ الرحمن (به)؛ أي: بذلك السواك الرطبِ (فَأبَّدَه)؛ أي: أطالَ النظرَ إليه (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ).
يقال: أَبَّدْتُ فلاناً النظرَ: إذا طَوَّلته إليه، وكأن أصله من معنى التبديد الذي هو التفريق، قاله ابن دقيق العيد (1).
وفي "المطالع": فَأبَّدَهُ بصرَه؛ أي: أمدَّه. قاله الحربي. قال الضَّبي: معنى أَبَّدَ: أَمَدَّ، وقيل: طَوَّل (2).
فقالت عائشة رضي الله عنها: آخذه لك؟ فأشار صلى الله عليه وسلم برأسه أن نعم، كما يأتي.
قالت رضي الله عنها (فأخذْتُ السواكَ) من عبدِ الرحمن بنِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما، (فقضَمْتُه)؛ أي: مضغتُه بأسناني.
(فطيبته)؛ أي: لَيَّنْتُهُ، (ثم دفعتُه)؛ أي: السواكَ (إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاسْتَنَّ به) -بسكون السين المهملة، وفتح المثناة، وتشديد النون- من السَّنِّ -بالكسر أو الفتح-؛ إما لأن السواك يمد على الأسنان فيجليها ويَصقُلها، أو يَسُنُّها؛ أي: يُحَدِّدُها.
وفي "القاموس": استنَّ: استاك (3).
قالت عائشة رضي الله عنها: (فما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استَنَّ)؛ أي: استاك (استِناناً)؛ أي: استياكاً.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 68).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 80).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1558)، (مادة: سنن).
(أحسنَ منهُ)؛ أي: من ذلكَ الاستياك الذي فعلَه صلى الله عليه وسلم حينئذٍ.
(فما عدا)؛ أي: ما تجاوزَ (أن فرغَ) أن -بفتح الهمزة وسكون النون -: مصدرية؛ أي: ما عدا فراغَ (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) من استنانه بالسواك، حتى (رفعَ يدَه). وفي روايةٍ:"ثم نصبَ يده"(1)، (أو) قالت: رفع (إصبعَه).
وفي روايةٍ: "فرفع برأسه إلى السماء"(2)، (ثم قال) صلى الله عليه وسلم بعد رفع يده أو إصبعه أو رأسه، ولا تدافع في شيء من ذلك؛ لأنه رفع إصبعه المسبحة بعد نصب يده، ورفع رأسه ليرمُقَ السماءَ:(في الرفيق الأعلى، ثلاثاً) من المرَّات، إشارةً إلى قوله - تعالى -:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
قال ابن دقيق العيد: قوله صلى الله عليه وسلم: "الرفيق الأعلى": يجوز أن يكون الأعلى صفةً من الصفات اللازمةً التي ليس لها مفهومٌ يخالف المنطوق، كما في قوله:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117]، وليس ثَمَّ داعٍ إلهاً له به برهان، وكذلك:{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61]، ولا يكون قتلُ النبيين إلا بغير الحق، فيكون الرفيق لم يطلق إلا على الذي اختص الرفيق به، ويقوي هذا ما ورد في بعض الروايات، "وأَلْحِقْني بالرفيق"(3) ولم يصفه بالأعلى، وذلك دليل على أنه
(1) وهي رواية البخاري المتقدم تخريجها برقم (4184) في حديث الباب.
(2)
وهي رواية البخاري المتقدم تخريجها برقم (4186) في حديث الباب.
(3)
رواه البخاري (4176)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ومسلم (2444)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها.
المراد بلفظ "الرفيق الأعلى"، ويحتمل أن يراد بالرفيق: ما يعم الأعلى وغيره، وذلك على وجهين:
أحدهما: أن يخص الفريقان معاً بالمقربين المرضيين، ولا شك أن مراتبهم متفاوتةٌ، فيكون صلى الله عليه وسلم طلب أن يكون في أعلى مراتب الرفيق، وإن كان الكل من السعداء المرضيين.
الثاني: أن يطلق الرفيق بالمعنى الوضعي، الذي يعم كل رفيق، ثم يخص منه الأعلى بالطلب، وهو مطلب المرضيين، ويكون الأعلى بمعنى العالي، ويخرج منه غيرهم، وإن كان اسم الرفيق منطلقاً عليهم، انتهى (1).
وقال ابن قرقول في "المطالع": قوله: "في الرفيق الأعلى"؛ أي: اجعلني وألحقني بهم، وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون المذكورون في قوله - تعالى -:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، وهو يقع على الجمع والواحد، وقيل: أراد: رفق الرفيق، وقيل: أراد: مرتفق الجنة،؛ وقال الداودي: هو اسم لكل سماء، وقال:"الأعلى"؛ لأن الجنة فوق ذلك. قال: وأهل اللغة: لا يعرفون هذا، ولعله تصحيفط من الرفيع.
وقال الجوهري: الرفيق: أعلى الجنة، انتهى (2).
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في "الرفيق الأعلى": الملائكة، أو مَنْ في آية الذين أنعم عليهم، أو المكان الذي تحصل فيه مرافقتُهم، وهو الجنة، أو السماء، أقوالٌ.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 69).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 296 - 297).
قال الحافظ ابن حجر: الثالثُ هو المعتمد، وعليه اقتصر أكثر الشراح، انتهى (1).
قال السيوطي: وقيل: المراد به: الله - جل وعلا - لأنه من أسمائه.
قال السهيلي "في اختياره": هذه الكلمة تتضمن التوحيد، والذكرَ بالقلب، حتى يستفاد منه الرخصة لغيره؛ لأنه لا يشترط الذكر باللسان.
قال: وقد وجدت في بعض كتب الواقدي: أن أول كلمةٍ تكلم بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو مسترضَع عندَ حليمةَ: الله أكبر، وآخر كلمةٍ تكلم بها:"في الرفيق الأعلى".
وروى الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه: أن آخر ما تكلم به: "جلال ربي الرفيع"(2)، انتهى (3).
(ثم قضى) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: تُوفي.
قال الأزهري: القضاءُ في اللغة على وجوهٍ؛ مرجعها: إلى انقطاع الشيء وتمامه، وكل ما أُحكم عملُه، أو أُتِمَّ، أو خُتِم، أو أُدِّيَ، أو أُوجبَ، أو أُعلم، أو أُنفذ، أو أُمضي، فقد قُضي، انتهى (4).
وفي "القاموس": قضى عليه يقضي قَضياً وقَضاءً وقَضِيَّةً، وهي الاسم -أيضاً-، والصنع، والحتم، والبيان، والقاضية: الموت؛ كالقَضيِّ. ثم قال: قضى: مات، وعليه: قتله، انتهى (5).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 138).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4387).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 138).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 78).
(5)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1707).
(وكانت) عائشةُ الصديقةُ بنتُ الصديق رضي الله عنهما (تقول: ماتَ) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (بين حاقِنَتي)؛ أي: أسفل بطني، (وذاقِنَتي)؛ أي: ثُغرة نحري، وقيل: الذاقنة: طرف الحلقوم، كما قاله ابن دقيق العيد (1).
وفي "المطالع": الحاقنة: ما سفل من البطن (2)، والذاقنة: ما علا.
وقيل: الحاقنة: ما فيه الطعام، وقيل: الحاقنتان: الهيطتان اللتان بين الترقُوتين من الصدر وحبلي العاتق.
قال أبو عبيدٍ: الحاقن: ما يحقن الطعام في البطنِ، والذواقن أسفل من ذلك، وقيل: الذاقنة: ثغرة الذقن، وقيل: طرف الحلقوم (3)، انتهى (4).
وخرج البخاري أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تقول: إن من نعم الله عليَّ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تُوفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته (5).
قال في "النهاية": النحر: أعلى الصدر (6).
وفي " القاموس": السَّحْر، ويحرَّكُ ويضم: الرئةُ، والجمعُ: سُحور وأسحار (7).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 69).
(2)
في الأصل: "الأرض"، والتصويب من "مشارق الأنوار".
(3)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (4/ 322).
(4)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 209 - 210).
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4184) في حديث الباب.
(6)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 26).
(7)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 518)، (مادة: سحر).
وقال: نحر الصدر: أعلاه، أو موضعُ القلادة، مذكر، والجمع: نُحورٌ (1).
وحاصل هذا كله: أنه صلى الله عليه وسلم توفي ورأسه الشريف من جسد عائشة الصديقة رضي الله عنها ما بين عنقها وخاصرتها أو بطنها، والله أعلم.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: (وفي لفظٍ) للبخاري: قالت عائشة رضي الله عنها: (فرأيتُه)؛ أي: رسولَ الله (ينظرُ إليه)؛ أي: للسواك الذي بيدِ عبدِ الرحمن بن أبي بكرٍ يتسوك به، فعرفتُ، وفي لفظٍ:(وعرفْتُ أنه) صلى الله عليه وسلم (يحبُّ السواك)، قالت:(فقلتُ؛ آخذه)؛ أي: السواك (لك) من عبد الرحمن، (فأشار) صلى الله عليه وسلم (برأسه) الشريف (أن: نَعَمْ)؛ أي: خذيه لي.
(هذا لفظ) الإمام (البخاريِّ)، وتمامُ سياق حديث البخاري: قالت: عائشة رضي الله عنها: فتناولته، فاشتدَّ عليه، فقلتُ: أُلينه لك؟ فأشار أن: نعم، فلينته، فأمره، وبين يديه ركو أو علبة فيها ماء، فأمره، فجعل يُدخل يدَه في الماء، فيمسح بها وجهه، ويقول:"لا إله إلا الله، إن للموتِ سَكَرات"، ثم نصب يده، فجعل يقول:"في الرفيق الأعلى" حتى قُبض، ومالت يده (2).
وفي روايةٍ: ومرَّ عبدُ الرحمن وفي يده جريدةٌ رطبةٌ، فنظر إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فظننتُ أن له به حاجة، فأخذتها؛ أي: الجريدةَ، فمضغتُ رأسَها، ونفضتها، فدفعتها إليه، فاستنَّ بها أحسنَ ما كان مستناً، ثم ناولنيها، فسقطت يدُه، أو سقطَتْ من يدِه، فجمعَ الله بينَ ريقي وريقه في
(1) المرجع السابق، (ص: 617)، (مادة: نحر).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4184) في حديث الباب.
آخر يومٍ من الدنيا، وأولِ يومٍ من الآخرة (1).
(ولـ) الإمامِ (مسلمٍ) في "صحيحه"(نحوُه)، ففي "صحيح مسلم" من حديثها: فلما كان يومي، قبضه الله بين سحري ونحري (2).
وفي روايةٍ له عنها: أنها سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت، وهو مستندٌ إلى صدرها، وأصغت إليه وهو يقول:"اللهمَّ اغفرْ لي وارحمْني، وأَلْحِقْني بالرفيقِ الأعلى"(3).
وفي روايةٍ: فسمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحَّةٌ يقول:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، فظننته خُيِّرَ حينئذ (4).
وفي حديثها عنده: كنتُ أسمعُ أنه لن يموتَ نبيٌّ حتى يُخَيَّرَ بينَ الدنيا والآخرة (5).
وفي روايةٍ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: "إنه لم يُقبض نبيٌّ قطُّ حتى يرى مقعدَه في الجنة، ثم يُخيَّر". قالت عائشة: فلما نزل برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورأسُه على فخذي، غُشِي عليه ساعة، ثم أفاق، فأشخصَ بصرَه إلى السقف، ثم قال:"اللهمَّ الرفيق الأعلى". قالت عائشة: قلت: إذاً لا يختارُنا، قالت: وعرفت أن الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيحٌ
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4186) في حديث الباب.
(2)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
(3)
رواه مسلم (2444)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها.
(4)
رواه مسلم (2444)، (4/ 1893)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها.
(5)
هو صدر الحديث المتقدم تخريجه آنفاً.
في (1) قوله: "إنه لم يُقْبَضْ نبيٌّ قَطُّ حتى يرى مقعدَه من الجنةِ، ثم يُخير".
قالت عائشة: فكانت تلك آخرَ كلمةٍ تكلم بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قوله: "اللهمَّ الرفيق الأعلى"(2).
تنبيه:
في هذا الحديث من الفوائد -غير ما مر مما أشرنا إليه في شرحه-: الاستياكُ بالرطب.
وقال بعض الفقهاء: الأخضرُ لغير الصائم أحسنُ، وهذا مقتضى كلام علمائنا.
قال في "الإقناع" كغيره: يُسن التسوكُ بسواكٍ رطبٍ، أو أخضر، ويابس مُنَدًّى، ولصائمٍ بيابسٍ قبلَ الزوال، ويُباحُ له برطبٍ قبله (3).
ومنها: إصلاحُ السواك وتهيئته؛ لقول عائشة: فقضمتُهُ.
ومنها: تلينيه، حيث كان يابساً، فيندَّى بالماء، وبماءِ وردٍ أجودُ، ثم يُغسل قبل وضعه في الفم؛ لقول الحسنِ البصريِّ: إنَّ الشيطان يستاك به إن لم يُغْسَل؛ لأنه يأمن من جرح لثته لشدة يبسه.
ومنها: كونُ السواكِ من عُرجون النخلِ كما في الحديث.
قال في "الفروع": يتسوك بعودٍ لا يضره ولا يتفتت. قال: وظاهره التساوي. قال: ويتوجه احتمالُ: أن الأراك أولى؛ لفعله عليه السلام،
(1) في الأصل: "و" بدل "في"، والتصويب من "صحيح مسلم".
(2)
رواه مسلم (2445)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها.
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 31).
وقاله بعض الشافعية، وبعض الأطباء، وأنه قياسُ قولهم في استحباب الفطر على التمر، وأنه أولى في الفطرة؛ لفعله عليه الصلاة والسلام. وذكر الأزَجيُّ من علمائنا: أنه لا يُعْدَلُ عنه، وعن الزيتون والعُرجون.
وقال صاحب "التيسير"(1) من الأطباء: زعموا أنَّ التسوك من أصول الجوز في كل خامسٍ من الأيام، يُنْقي الرأس، ويُصَفِّي الحواسَّ، ويُحِدُّ الذهنَ (2). وفيه: الاستياك بسواك الغير.
وفيه: العمل بما يفهم من الإشارة والحركات.
ومنها: استحباب استعمال المسواك إذا كان للغير؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: فطيَّبتُه.
قال في "الفتح": استعمالُ سواكِ الغيرِ ليس بمكروهٍ -يعني: أنه لإباحة التسوك به -، إلا أن المستحب: أن يغسله، ثم يستعمله. وفيه حديث عن عائشة رضي الله عنها في "سنن أبي داود" قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعطيني السواك لأغسلَهُ، فأبدأُ به، فأستاكُ، ثم أغسلُه، ثم أدفعُه إليه (3). وهذا دالٌّ على عظيم أدبها، وكبر فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداءً؛ حتى لا يفوتها الاستشفاءُ بريقه، ثم غسلته تأدباً وامتثالاً.
(1) هو كتاب: "التيسير في المداواة والتدبير" لأبي بكر بن عبد الملك بن زهر الإيادي الإشبيلي، الطبيب الأندلسي البارع، المتوفى سنة (595 هـ). انظر:"سير أعلام النبلاء" للذهبي (21/ 325).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 95).
(3)
رواه أبو داود (52)، كتاب: الطهارة، باب: غسل السواك، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 39).
قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون المراد بأمرها بغسله: تطييبُه وتهيئتُه بالماء قبل أن يستعمله، انتهى (1).
وشديد حرص عائشة رضي الله عنها على الاستشفاء والتبرك بأثر ريقه يشعر بأن المراد باجتماع ريقه صلى الله عليه وسلم بريقها لكل من الطرفين، فإنه لما استن صلى الله عليه وسلم بالسواك، ناوله لها لم تكن لتدع فضلة ريقه والتبرك بها حتى تستاك بالسواك ليصدق الاجتماعُ لكل منها ومنه صلى الله عليه وسلم.
ومنها: ما في هذا الحديث من المزايا والمناقب لسيدتنا عائشة على غيرها، والله الموفق.
* * *
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 357).