المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُفي ترجمة الإمام أحمد

- ‌الفَصْلُ الثَّانيفي ترجمة مؤلّف "العمدة

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌الحديث الثالث

- ‌ باب:

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المزي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الحيض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي

‌الحديث الثاني

عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ في الصَّعِيدِ كَما تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بيَدَيْكَ هَكَذَا"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبةً واحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَىَ اليَمِينِ، وظَاهِرَ كفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (340)، كتاب: التيمم، باب: التيمم ضربة، وانظر:(331)، باب: التيمم هل ينفخ فيهما؟ و (336)، باب: التيمم للوجه والكفين، و (339)، باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش، تيمم. ورواه مسلم (368)، (1/ 280 - 281)، كتاب: الحيض، باب: التيمم، واللفظ له، وأبو داود (321 - 328)، كتاب: الطهارة، باب: التيمم، والنسائي (312)، كتاب: الطهارة، باب: التيمم في الحضر، و (317)، باب: نوع آخر من التيمم، و (319)، باب: نوع آخر، و (320)، باب: تيمم الجنب، والترمذي (144)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم، وابن ماجه (569)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم ضربة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 98)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 239)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 219)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 613)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 56)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 111)، و"العدة في شرح العمدة" لابن =

ص: 470

(عن عمار بن ياسر) بنِ عامر بنِ مالك بنِ كنانةَ بنِ قيسٍ العَنسْيِّ -بالنون-، مولى بني مخزوم، وحليفهم، وذلك أن ياسرًا والدَ عمار قدم مكة مع أخوين له، يقال لهما: الحارث، ومالك، في طلب أخٍ لهم رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة، فحالف أبا حذيفةَ بنَ المغيرة بنِ عبد الله بنِ عمرَ بنِ مخزوم، فزوجه أبو حذيفة أمةً له يقال لها: سُمَيَّة -بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثناة تحت-، فولدت له عمارًا، فأعتقه أبو حذيفة، فعمار مولى أبي حذيفة.

أسلم عمار رضي الله عنه قديمًا هو وأبواه، وكان إسلامُ عمار وصهيب في وقت واحد، حين كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بعد بضعة وثلاثين رجلًا.

وكان هو وأبواه من المستضعَفين الذين عُذِّبوا بمكة؛ ليرجعوا عن الإسلام، وأحرقه المشركون بالنار، فكان صلى الله عليه وسلم يمرُّ به، وهم يعذبونه بالنار، فَيُمِرُّ يده عليه، ويقول:"كوني بردًا وسلامًا على عمَّار، كما كنت على إبراهيم"(1).

ويقول: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فإنَّ مَوْعِدَكمُ الجَنَّةَ"(2).

= العطار (1/ 241)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 43)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 444)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 17)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 95)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 332).

(1)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 248)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 372)، عن عمرو بن ميمون، مرسلًا.

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(5646)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1631)، عن ابن إسحاق: أن رجالًا من آل عمار أخبروه. ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(769)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 343)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 368)، عن عثمان رضي الله عنه.

ص: 471

وقتل أبو جهلٍ سمية رضي الله عنها، وَجَأهَا بحَرْبَةٍ في قُبُلها، فكانت أولَ شهيدة في الإسلام.

وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وصلَّى إلى القبلتين، وشهد بدرًا والمشاهدَ كلها، فأبلى فيها.

قال ابن الجوزي في "منتخب المنتخب": لم يشهد بدرًا ابنُ مؤمنينِ غيرُه، وسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الطَّيِّبَ المُطَيَّبَ"، كما في "مسند الإمام أحمد"، و"سنن الترمذي"(1).

قُتل عمار رضي الله عنه بصِفِّين مع سيدنا عليِّ بن أبي طالب - رضوان الله عليه - في ربيع الأول، وقيل: الآخر، سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَ عَمَّار تقتلُه الفئةُ الباغِيةُ، يدعوهم إلى الجنةِ، ويَدْعونَه إلى النار". رواه الإمام أحمد، والبخاري، وغيرهما (2).

فكان ذلك من أعلام النبوة.

وأوصى عمار رضي الله عنه أن يدفن في ثيابه، فدفنه علي رضي الله عنه في ثيابه، ولم يغسله.

(1) رواه الترمذي (3798)، كتاب: المناقب، باب: مناقب عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (146)، في المقدمة، باب: فضل عمار بن ياسر، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 99)، وابن حبان في "صحيحه"(7075)، والحاكم في "المستدرك"(5662)، عن علي رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري (436)، كتاب: المساجد، باب: بنيان المسجد، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 90)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 472

وفي عمار نزل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]. قال ابن عبد البر بإجماع المفسرين (1).

روى عنه: علي، وابن عباس، وأبو موسى، وأبو أُمامة، وجابر، وغيرهم من الصحابة والتابعين كثير.

وفي "مسند الإمام أحمد" بسندٍ منقطع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عادى عمارًا، عاداهُ اللهُ، ومن أبغضَ عمارًا، أبغضَه اللهُ"(2).

وكان يكنى: أبا اليقظان، وهو المراد بقول ابن عبدون في قصيدته الرائية الفريدة المشهورة:[من البسيط]

وَمَا رَعَتْ لأَبِي اليَقْظَانِ صُحْبَتَهُ

وَلَمْ تُزَوِّدْهُ إِلَّا الضَّيْحَ في الغُمَرِ

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثنان وستون حديثًا، اتفقا على حديثٍ واحد، وهو هذا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلمٌ بواحد (3).

قال عمار (رضي الله عنه: بعثني) بعثه؛ كمنعه: أرسله؛ كابتعثه فانبعث، والناقةَ: أثارها، وفلانًا من منامه: أَهَبَّه، والبَعْثُ -ويُحرَّك-: الجيش (النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبتُ)؛ أي: أصابتني جنابة، أو تعاطيتُ ما صرت به جنبًا. يقال: أجنب الرجل، وجَنُب -بالضم-، وجَنَب -بالفتح-، كما تقدم (4).

(1) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1136).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 89)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8269)، وابن أبي شيبة في "المصنف"" 32252 "، والطبراني في "المعجم الأوسط"(4796)، والحاكم في "المستدرك"(5674)، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه.

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 211)، (مادة: بعث).

(4)

وانظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 111).

ص: 473

(فلم أجد الماء) لأغتسل به من جنابتي، (فتمرغت في الصعيد)؛ أي: التراب (كما تَمَرَّغُ الدابة) -بفتح المثناة وضم الغين المعجمة-، وأصله: تتمرغ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا.

وفي الرواية الأخرى: فتمَعَّكْتُ في التراب (1)؛ أي: تقلبت.

وكأنه رضي الله عنه استعمل القياسَ في هذه المسألة؛ لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء، وقع على هيئة الوضوء، رأى أنَّ التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل.

ويستفاد منه: وجودُ اجتهاد الصحابة في زمنه صلى الله عليه وسلم، وأن المجتهد لا لومَ عليه حيثُ بذل وُسْعَهُ، وإن لم يصب الحقَّ، وأنه إذا عمل بالاجتهاد، لا يجب عليه الإعادة.

وقال ابن حزم الظاهري: في هذا الحديث إبطالٌ للقياس؛ لأن عمارًا قدَّر أنَّ المسكوت عنه من التيمم للجنابة، حكمُه حكمُ الغسل للجنابة؛ إذ هو بدل عنه، فأبطل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعلمَهُ أن لكل شيء حكمَه المنصوصَ عليه فقط.

والجواب عمَّا زعم: أن الحديثَ دلّ على بطلان هذا القياس الخاصِّ، ولا يلزم من بطلان الخاص بطلان العام.

والقائلون بالقياس لا يعتقدون صحةَ كلِّ قياس، على أن الأصل الذي هو الوضوء قد أُلغي فيه مساواةُ البدل له، فإن التيمم لا يعمُّ جميعَ أعضاء الوضوء، وحيث أُلغيت مساواة بدل الأصل، فلأَنْ تُلْغى في الفروع أولى.

بل لقائلٍ أن يقول: في الحديث دليلٌ على صحة أصلِ القياس؛ لقوله -

(1) وهي رواية البخاري ومسلم، وقد تقدم تخريجها في حديث الباب.

ص: 474

عليه السلام -: "إنما كان يكفيكَ

إلخ" يدل على أنه لو كان قليلًا، لكفى.

وذلك دليلٌ على صحة قولنا: لو كان فعله، لكان مصيبًا، فلو كان فعله لكان قائسًا التيمم للجنابة على التيمم للوضوء، على تقدير كون اللمس المذكور في الآية ليس هو الجماع (1).

قال عمار رضي الله عنه: (ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك)؛ أي: ما فعلت من تمرغي في التراب (له) صلى الله عليه وسلم، (فقال) عليه الصلاة والسلام:(إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا).

استعمل القول في معنى الفعل، وقد استعملت العرب القول في كل فعل، و"أَنْ" وما بعدها من الفعل في تأويل مصدر فاعل يكفيك.

(ثم ضرب بيديه الأرض)، وفي رواية: فضرب بكفيه الأرض، وفي لفظ: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم (2)(ضربة واحدة)، وسياقه يدل على أن التعليم وقع بالفعل من النبي صلى الله عليه وسلم.

ووقع للإسماعيلي، من طريق يزيد بن هارون، وغيره، عن شعبة: أن التعليم وقع بالقول، ولفظه:"إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، [ثم تنفخ]، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك"(3).

ورواية الجمهور: أن التعليم وقع بفعله صلى الله عليه وسلم.

وفي قوله: واحدة" دليلٌ لمذهبنا ومن وافقه.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 111 - 112).

(2)

هي رواية البخاري المتقدم تخريجها برقم (331) عنده.

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 444).

ص: 475

قال في "الفروع" -في صفة التيمم بعد النية والتسمية-: ويضرب بيديه مُفَرَّجَتَي الأصابع واحدةً، ويمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه، نصَّ عليه -يعني: الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه -، واستحب القاضي وغيرُه ضربتين؛ واحدةً لوجهه، وأخرى ليديه إلى مرفقيه، وحُكِيَ روايةً، ولا يجب ذلك، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، ولمالك في رواية (1).

والحديث نصٌّ في المذهب.

وعند الإمام أحمد، وأبي داود بإسناد صحيح، من حديث عمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم: ضربة للوجه والكفين. وهو صحيحٌ (2).

قال إسحاق: حديث عمار في التيمم ضربة للوجه والكفين صحيح (3).

وقال الإمام أحمد: من قال: ضربتين، إنما هو شيءٌ زاده (4).

وذلك لأن حديث جابر عند الدارقطني: "ضربة للوجه، وضربة لليدين" موقوف -على الصواب- (5).

(ثم مسح صلى الله عليه وسلم الشمال) من يديه (على اليمين) منهما، (و) مسح (ظاهرَ كفيه ووجهه)، وهذا لفظ مسلم.

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 193 - 194).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 263)، وأبو داود (327)، كتاب: الطهارة، باب: التيمم.

(3)

ذكره الترمذي في "سننه"(1/ 270).

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 154).

(5)

رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 181) بلفظ: "التيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين"، وقال: رجاله كلهم ثقات، والصواب موقوف.

ص: 476

وفي رواية للبخاري: فضرب النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه واحدة (1).

وكذا لمسلم، من حديث الأعمش:"إنما كان يكفيك أن تقول هكذا"، وضرب بيديه الأرض، فنفضَ يديه، فمسح وجهَه وكفيه (2).

وفي لفظٍ، فقال:"يكفيك الوجه والكفين"(3).

وفي لفظٍ للبخاري: وضرب بكفيه ضربة على الأرض، ثم نفضهما، ثم مسح ظهر كفه بشماله، أو ظهرَ شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه (4).

وكذا بالشك في جميع رواياته.

وفي رواية أبي داود تحريرُ ذلك من طريق أبي معاوية، ولفظه: ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه (5).

ورواه أيضاً الإمام أحمد كذلك (6)، لكن قد قال الإمام أحمد: هذه غلط، والله أعلم.

ويستفاد من مجموع الأحاديث: أن الواجب في التيمم مسحُ الوجه والكفين، وما زاد على الكفين ليس بفرض كما علم، كما هو معتمد مذهبنا.

(1) تقدم تخريجه برقم (331) عنده، إلا أنه لم يقل فيه:"واحدة".

(2)

تقدم تخريجه برقم (368)، (1/ 280) عنده.

(3)

رواه البخاري (334)، كتاب: التيمم، باب: التيمم للوجه والكفين.

(4)

تقدم تخريجه برقم (340) عنده، إلا أنه وقع هناك قوله:"بكفه" بدل "بكفيه"،

و"نفضها" بدل "نفضهما"، و"مسح بها" بدل "مسح بهما".

(5)

تقدم تخريجه في حديث الباب برقم (321) عنده.

(6)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 264).

ص: 477

وإليه ذهب إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن خزيمة، ونقله ابن أبي الجهم، وغيرُه عن الإمام مالك، ونقله الخطابي عن أصحاب الحديث (1).

وقال النووي: رواه أبو ثور وغيره عن الشافعي في القديم، وأنكر ذلك الماوردي وغيره.

قال: وهو إنكار مردود؛ لأن أبا ثور إمامٌ ثقة.

قال: وهذ! القول، وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب، فهو القوي في الدليل، ذكره في "شرح المهذب"(2).

وما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين، من أن ذلك شرط في الوضوء (3)، فجوابه: أنه قياس في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه أصحابنا من أن إطلاق اليد إنما هو إلى الكوع؛ بدليل آية السرقة؛ وليس في ذلك كبيرُ فائدة مع وجود النص الثابت عن الشارع صلى الله عليه وسلم (4).

تنبيه:

ربما يؤخذ من مجموع الأحاديث: عدمُ اعتبار الترتيب في التيمم.

قلت: وهو صحيحٌ حيث كان التيممُ لجنابةٍ، كما هو الواقع في الحديث، ومن استدل به على عدم الترتيب مطلقًا، أو على عدمه في الوضوء؛ فقد استدل بما لا دليل له فيه، والله الموفق (5).

* * *

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 445).

(2)

انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (2/ 241 - 242).

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 61).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 446).

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 113).

ص: 478