الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر [حوادث] سنة ثمان وعشرين وسبع ماية
النيل المبارك فى هذه السنة: الماء القديم، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا
ما لخص من الحوادث
الخليفة الإمام المستكفى بالله أبو (5) الربيع سليمان أمير المؤمنين، ومولانا السلطان الأعظم: الملك الناصر، مدّ الله على البسيطة ظلاله، وأسبغ عليه نعمه وأفضاله
والأبواب العالية فى هذه السنة بغير نايب، بحكم انتقال الأمير سيف الدين أرغون إلى نيابة حلب، حسبما سقناه من قبل، والمتحدّث بالأبواب العالية يومئذ: الأمير سيف الدين ألماس أمير حاجب، والحاجب فى خدمته: الأمير سيف الدين آقول المحمدىّ، وكذلك الأمير بدر الدين مسعود بن خطير متّخذا فى الحجبة بين يدى المواقف الشريفة السلطانيّة، والوزير: الأمير علاء الدين الجمالىّ إلى حين انفصاله من الوزارة فى هذه السنة، والنوّاب بالممالك: الأمير سيف الدين تنكز ملك الأمرا بالشأم المحروس بدمشق، والأمير سيف الدين أرغون ملك الأمرا بحلب، والأمير سيف الدين طينال النايب بطرابلس، والأمير سيف الدين الحاجّ أرقطاى نايب صفد، والأمير حسام الدين لاجين الصغير نايب غزّة
والملوك بالأقطار: مكّة شرّفها الله تعالى مع الأميرين رميثة وعطيفة، صاحب المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: كبيش بن ناصر الدين منصور بن جمّاز بن شيحة، وصاحب (20) حماة: الملك المؤيّد عماد الدين
(5) أبو: ابى
(20)
وصاحب. . . اسماعيل: بالهامش
إسماعيل، وصاحب اليمن: الملك المجاهد علاء الدين علىّ بن الملك المؤيّد المقدّم ذكره، وصاحب الهند بدلى: شمس الدين محمد بن الملك المسعود محمود بن سنجر المقدّم ذكره، وصاحب ماردين: الملك الصالح شمس الدين صالح بن المنصور بن المظفّر إيلغازى، وصاحب العراقين وخراسان: الملك أبو سعيد بن خدابنداه وهو صالح، وصاحب ماورا النهر من ملوك التتار: الملك كوبك المقدّم ذكره، وصاحب بلاد بركة: الملك أزبك نسيب الأبواب العالية الناصريّة أعلاها الله تعالى، وصاحب البلاد الشماليّة من ملوك التتار: كباك بن منغطاى بن قنجى المقدّم ذكره، وصاحب التخت ببلاد الصين: قآن قلاصاق بن شرمون بن منغلاى المقدّم ذكره، وملوك الغرب ما اتّصل بنا فى هذا التأريخ حسبما نذكر من أسمايهم: صاحب مرّاكش:. . .، صاحب الأندلس:. . . .، صاحب تونس:. . . . (12)
وفيها كان وصول دمرداش بن جوبان صاحب الروم وما معها.
وكان سبب حضوره إلى الأبواب العالية، أنّ القول تقدّم من العبد أنّ أبا سعيد لمّا تملّك كان دون البلوغ، وكان فى كفالة جوبان، وأنّ من أولاد جوبان دمشق خجا، وأنّه كما قيل إنّ أمّ أبى (16) سعيد كانت ترى له، وكان الغالب على أمر الملك بسبب نظر الخاتون إليه. فلمّا كبر أبو سعيد وبلغ حدود الرجال، وعرف لذاذة الملك ونفوذ الأمر، رأى أنّ ما له تصرّف مع دمشق خجا لعناية أمّه به وتمكّن أبيه (19) جوبان من دولته. وانتشى أيضا مع أبى سعيد جماعة من الصغار الذين ضمّهم المربى. فحسّنوا له
(12) مكان أسماء الملوك بياض فى الأصل
(16)
أبى: ابا
(19)
أبيه: ابوه
قتل دمشق خجا، فنصب له الحبايل حتى قتله. وكان أبوه جوبان فى تجريدة نحو خراسان. فلمّا بلغه ذلك حشد الحشود وجمع الجموع وأقام شخصا (3) من عظم القآن يسمّى ساؤور، وقصد خلع أبى سعيد من الملك وإقامة هذا الرجل الذى من عظم القآن، لعلمه أن ملك التتار لا يقوم به إلاّ من يكون من أصل العظم، على ما أسّسه لهم جكز خان من اليسق الذى لا يخرجون عنه. وجوبان فليس من عظم الملك. ثمّ إنّه قصد الأردوا طالبا لأبى سعيد وانتزاعه من الملك، وإقامة ذلك الشخص ساؤور. وجوبان يظنّ أنّ الأمر بيده وهو قادر عليه لتمكّنه فى الدولة ولطاعة التتار لأمره. ولم يعلم أنّ ما خاب إلاّ ظنين، ولا هزل إلاّ سمين. فلمّا بلغ أبا (9) سعيد قرب جوبان إليه، وما قد عزم عليه، خرج له فى عساكره ومن هم فى طاعته حافظين عهوده، وعهود آبايه وجدوده. فما كان إلاّ حيث وقعت العين فى العين وقفزت جميع التوامين الذين كانوا مع جوبان، وأتوا تحت الطاعة لأبى سعيد.
وعاد جوبان فى شرذمة يسيرة من خواصّه وأهل بيته. فلم يمكنه غير الهرب والنجاة بنفسه. وحصل لذلك الرجل المسمّى ساؤور طعنة فى كتفه وولّى هاربا مجروحا. وعاد أبو سعيد وقد ثبتت قواعد ملكه واستقامت أحواله، وعاد يتطلّب أولاد جوبان وأقاربه من كلّ مكان. وكان هذا دمرداش نايبا بالروم، وكثيرا ما (17) كان يكاتب الأبواب الشريفة. وتردّد إليه فى الرسليّة شخص يسمّى عزّ الدين أيدمر الطويل، كان عند بيبرس العلايى نايب حمص. ثمّ عاد فى خدمة الأمير علاء الدين ألطنبغا نايب حلب.
ثمّ توصّل برسليّته حتى سأل دمرداش له دستورا (20) فى المثول بين يدى
(3) شخصا: شخص--أبى: ابو
(9)
أبا: ابو
(17)
وكثيرا ما: وكثير مما
(20)
دستورا: دستور
المواقف الشريفة السلطانيّة، والوفود إلى الأبواب العالية. وذلك لمّا بلغه ما كان من أمر أبيه جوبان وأخيه دمشق خجا مع بقيّة إخوته أولاد جوبان، وما قد وقع عليهم من حثيث الطلب من جهة الملك أبى (3) سعيد. فضاقت عليه الأرض بما رحبت. وسيّر يسأل المراحم الشريفة السلطانيّة-لا زالت ملجأ القاصدين وبحر الواردين-فى الوفود إلى الأبواب الشريفة. فأنعم مولانا السلطان بالجواب بقبول سؤاله، ولا خيّب قصده وآماله. فخرج من بلاد الروم طالبا للأبواب الشريفة {خائِفاً يَتَرَقَّبُ} (7) وكان وصوله إلى الأبواب الشريفة عشيّة يوم الأربعا سادس شهر ربيع الأوّل، والركاب الشريف السلطانىّ -أعلاه الله تعالى وقد فعل، وأذلّ له رقاب الملوك أولى (9) الخول وأرباب الدول، وإن كان على مثل ذلك لم يزل-فى برّ الجيزة بمنزلة الأهرام متوجّها للصيد المبارك. فلمّا كان نهار الخميس سابعه طلع الركاب الشريف إلى القلعة المحروسة، ودمرداش مترجّل (12) فى الخدمة الشريفة فى جملة الموالى الأمرا.
وكان هذا دمرداش قد ملك عدّة ممالك بالشرق، واحتوى على جميع إقليم الروم مملكة السلجوقيّة المقدّم ذكرهم وذكر ممالكهم. ولم يقنع بذلك، بل تسلّط (15) على جميع ما كان حوله من الممالك بتلك النواحى، وخافوه ساير ملوك تلك البقاع حتى تحصّنوا منه ومن شرّه فى الحصون المانعة، وليس بمانعتهم حصونهم (17). ووصل إلى الأبواب الشريفة منهم جماعة مستصرخين، وبالمراحم الشريفة من شرّه مستجيرين. وتغلّب على أكثر الممالك، وعاد فى ملك كبير جدّا. وكان رجلا (19) شديد البأس، لا يصطلى له بنار. وكان حضوره إلى الأبواب العالية من أكبر أسباب السعادة. وهذا أمر لم يتمّ
(3) أبى: ابو
(7)
السورة 28 الآية 18
(9)
أولى: اولو
(12)
مترجل: مترجلا
(15)
بل تسلط: على تسلط
(17)
بمانعتهم حصونهم: قارن السورة 59 الآية 2
(19)
رجلا: رجل
لأحد من ملوك الإسلام، منذ خروج التتار من بلاد قراطاغ وإلى ذلك التأريخ، ولا حضر مثل هذا ولا قريب من نظرايه، إلاّ إن كان سلامش ابن باكوا بن باجوا المقدّم ذكره. والآخر أيضا حضر فى أيّام مولانا السلطان، وداس بساط العدل ودخل تحت الطاعة. وكان أيضا من عظما التتار ومن عظم الملك. وإنّما لم يكن فى يد سلامش ما صار فى يد دمرداش من ملك الروم وغيره. ولا طالت أيّامه فى الملك بالروم كما طالت أيّام دمرداش. وعلى الجملة فسبحان من أذلّ لمولانا السلطان رقاب الملوك الجبابرة، من ملاّك ملوك أملاك الأكاسرة والقياصرة. وأقبل عليه مولانا السلطان إقبالا كثيرا (9)، ورتّب له الراتب الحسن، وفعل فى حقّه ما كان فوق من أمله. وأقام فى خدمته الأمير سيف الدين طوغاى الجاشنكير.
ومن جملة إحسان مولانا السلطان إليه أنّه شدّ له تعاليق حياصة بيده الشريفة، ونفذها إليه على ترتيب حوايص الموالى الأمرا. هذا كلّه لجبره وجبر خاطره، ولمّا كان يوم السبت سلخ ربيع الأوّل وصل طلب دمرداش ومن أصحابه جماعة منهم: محمود وماهنباه وأخى عثمان ويونس. وأنزلوا بالقلعة المحروسة، ورتّب لهم الرواتب الكثيرة جدّا من ساير المآكل الفخرة. فأقام دمرداش فى أنعم عيش وأرغده من تقريب مولانا السلطان له. وتوجّه فى الركاب الشريف إلى الصيد، فنظر من فروسيّة مولانا السلطان عزّ نصره وصبره على مداومة الركوب وقوّة الركض ما حيّره فى عقله، وصغرت عنده شجاعة نفسه. ثمّ إنّ البلاد لم توافقه، فحصل له توعّك، وسقط بالوفاة يوم الأربعا ثانى وعشرين ذى القعدة من هذه السنة المذكورة
(9) إقبالا كثيرا: اقبال كثير