الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك ليشدّ قوله عند مولانا السلطان. فاتّفق الحال على القاضى علاء الدين كرها (2) من أقاربه وبغير رضاهم، وجرت عليه منهم أمور كثيرة لمنعه. وهو لا يزداد إلاّ تصميما على السفر فى الركاب الشريف لسعادة جدّه وقوّة سعده، فخرج، وقد لحظته السعادة وحرّكته الإرادة. فوقع من مولانا السلطان موقع السهم من الغرض. فلمّا عاد الركاب الشريف وقصد أن يولّى ديوان الإنشا صاحبا، أعرض جماعة من كبار الموقّعين كلّ منهم يظنّ أنّه سحبان زمانه، وعبد الحميد فى بلاغته وبيانه. والإرادة قد سبقت للقاضى علاء الدين، من قبل ذلك الحين. ثمّ إنّ مولانا السلطان قال لشرف الدين ابن فضل الله: ما أنت القايل لى عن ذلك الشابّ الذى من بنى الأثير، ما قلت ووصفته بما وصفت، وإنّه من بيت هم أحقّ بهذه الوظيفة (10)، وأنتم دخلا عليهم؟ - فلم يمكنه أن يقول إلاّ: نعم، -فقال: وأنا أيضا جرّبته فوجدت جميع قولك فيه صحيحا (12). -ثمّ رسم له بالمكان دون أوليك النفر جميعهم، وأقيم من بينهم وأخلع عليه. وجلس ودخل أوليك الجميع، وقبّلوا يده، وصار من القاضى علاء الدين ما شاع وذاع، حتى تشرّفت بحسن مآثره الأسماع
ذكر نزول بيبرس عن الملك وهروبه
وذلك لمّا بلغه توجّه برلغىّ إلى الركاب الشريف الناصرىّ وصحّ ذلك عنده، نزل عن الملك وأبرأ الناس من بيعته فى تأريخ ما تقدّم. وخرج من القلعة طالبا للصعيد واستصحب معه الخزاين والأموال. وكان قبل ذلك بأيّام قد سلّطوا عليه العامّة والخرافيش. وعادوا يتردّدون إلى تحت القلعة ويقولون:
(2) كرها: كره
(10)
الوظيفة: الوضيفة
(12)
صحيحا: صحيح
قم واستحى من الله! وخلّى مكان الرجل! انزل عن مكان لا يصلح لك! - وأشيا قباح. وعادوا يخرجوا إليهم الوشاقيّة من الإصطبل، فيرجموهم ولا ينالوا منهم غرضا (3). فلمّا كان تلك الليلة عند نزوله وخروجه تعبّؤوا له ورجموه بالمقاليع وبالكفّ. فربّما أرموا لهم دراهم جيّدة اشتغلوا بها عنه حتى ساق وخلاّهم. وتوجّه صحبته مماليكه وجماعة من الأمرا البرجيّة وكريم الدين الكبير، ومشى فى برّ الشرق. هذا ما جرى لبيبرس
وأمّا ما كان منّا، فأصبحنا صبحة توجّه برلغىّ، فلم نجد ثمّ أحدا (7)، بل الناس جميعهم توجّهوا لملتقى مولانا السلطان الملك الناصر عزّ نصره.
وبلغنا هروب بيبرس، فالوقت ركب الوالد البريد ودخل القاهرة واجتمع بالأمير سيف الدين سلاّر وأخذنا جمال النفر السلطانىّ، وجهّزنا الإقامات الكبيرة. وخرج الوالد رحمه الله والعبد فى خدمته صحبة الإقامات، فلقينا الركاب الشريف السلطانىّ الملكىّ الناصرىّ-أعلاه الله تعالى على أرقاب أعداه، وجعله مؤيّدا بالنصر والظفر على كلّ من عاداه-بمنزلة الورّادة.
فنزلنا وقبّلنا الأرض بين يدى المواقف الشريفة، وفزنا بمشاهدة تلك الأخلاق اللطيفة. فحصل لنا من الجبر والإقبال، فوق الظنّ والآمال.
وألبسنا الخلع السنيّة، وقد بلّغنا الله تعالى غاية الأمنيّة. وكانت الإقامات شيئا (17) كفت جميع تلك الجيوش القادمة فى ركابه الشريف حتى شبعت منها الوحوش. وكان الوالد رحمه الله أرمغان (18) فى أموره وكفايته، لحسن يقينه بالله تعالى وتوكّله وأمانته. ولم نزل فى الركاب الشريف إلى أن نزل بركة الحجّاج، وجيوش مصر والشأم كأمواج البحر العجاج
(3) غرضا: غرض
(7)
أحدا: أحد
(17)
شيئا: شى
(18)
أرمغان: أمر معان
وكان طلوع الركاب الشريف إلى قلعة الجبل المحروسة، وأصبحت بعد الاستيحاش منه به مأنوسة، وحصلت الأفراح، وزالت الأتراح، واطمأنّت القلوب، وانفرجت الكروب، وعاد الحاكى فى الحسن يوسف على الحاكى فى الحزن يعقوب، غرّة شهر شوّال. وقد بلغت الديار المصريّة بحلول ركابه الشريف غاية الآمال، فكان ذلك العيد عيدا (5) فى عيد، لموافقة هذا العيد، حلول ركاب الملك الناصر السعيد. فلمّا استقرّ البدر فى الهالة، ووجب على كلّ من عليه نذر أن يوفّيه لمّا بلّغه الله آماله، فمن كان عليه صيام فليصمه ويؤدّيه (8)، ومن كان عليه صدقة فليطلب كلّ مستحقّ ويوافيه، ومن كان عليه عتق {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (9) ومن كان عليه حجّ فليسلك فى عامه طريق العقبة. فقد استحقّت جميع هذه النذور، لمشاهدتنا أنوار تخجل البدور. فلله الحمد على ما أولى، وله المنّة فى الآخرة والأولى
ثمّ برزت المراسم الشريفة، والأوامر العالية المنيفة، أن يتوجّها الأميران: وهما الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار والأمير سيف الدين بهادر آص ويلحقا بيبرس الجاشنكير، ويتوجّها إلى قلعة صهيون حسبما يأتى من ذكر ذلك بعد ذكرنا لمدايح التهانى، بقدوم الركاب الشريف السلطانىّ، عزّ نصره
(5) عيدا: عيد
(8)
ويؤديه: ويديه
(9)
السورة 58 الآية 3 وفى سور أخر