الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما كان بين التتار وبين أهل كيلان
حدّثنى الملك الكامل رحمه الله فى سنة عشرة وسبع ماية بدمشق المحروسة، قال: قال فتح الدين بن ضبرة: إنّ كان سبب خلاصه من الأسر ووصوله إلى الإسلام، ما كان من نصرة الكيلانيّة على التتار. وكان ذلك فى أوّل شهر المحرّم من هذه السنة. وذلك أنّ الملك خدابنداه طلب من أهل كيلان فتح طريق إلى بلادهم ومنها إلى خراسان. وكان ذلك مضرّة عليهم، فامتنعوا من ذلك، وراسلهم فى هذا الأمر دفوعا (7) عدّة، فلم يجيبوه إلى ذلك البتّة. فغضب وجرّد إليهم ستّين ألفا: مع قطلو شاه أربعين ألفا ومع جوبان عشرين ألفا. فتوجّهوا ووصلوا إلى بلادهم.
ونزل قطلو شاه مع أصحابه فى صخرات هناك. وانفرد جوبان وأصحابه فى مكان آخر. ففتح الكيلانيين عليهم من البحر مكانا (11) يعرفونه فى الليل.
فوصل إلى التتار الماء من كلّ جانب، ورموا أيضا فى تلك الغياض التى محتاطة بهم النار، فعملت فى تلك الأشجار المحدقة. فاضطربت التتار فى ذلك الليل البهيم. وعاد الماء يزيد عليهم حتى غرق منهم جمع كثير، فحاروا ودهشوا. وإن هربوا من الماء لقيتهم (15) النار، واحتاطت بهم أهل كيلان يقتلون ويأسرون، وعادوا يقتلون بعضهم بعضا (16)، وأصيب مقدّمهم قطلو شاه، وقتل وعدم منهم عالم عظيم
وأمّا أصحاب جوبان، فكانوا بعيدين من ذلك الماء، فسلم أكثرهم وولّوا هاربين، لا يعى الأخ على أخيه ولا الوالد على ولده. وذكر أنّ
(7) دفوعا: دفوع
(11)
مكانا: مكان
(15)
لقيتهم: لقيهم
(16)
بعضا: بعض
الملك خدابنداه كان معهم وأنّ بعض الكيلانيّة أخذه ونجا به. وفرح بموت قطلو شاه نايبه، فإنه كان غالبا على أمره. وذكروا التجّار أنّ هذه البلاد الكيلانيّة مسافة سبعة أيّام، فى عرض ثلاثة أيّام، والبحر محيط بها من جانب والجبال من جانب، ولها طريقين لا غيرهما. تزرع الأرزّ لأجل قوتهم. وهى بلاد ضيّقة حرجة كثيرة الوعر، وأكثر ما عليهم من المضرّة صاحب مازندران، لما بينهم من العداوة القديمة بسبب المجاورة لهم، والحروب بينهم لا تكاد تنقطع، والله أعلم
وفيها قتل الملك خدابنداه بولاى (8)، فإنّه بلغه عنه كلام كثير، قتله فى شهر ربيع الآخر. ثمّ إنّه أرسل الشيخ براق-الذى كان قدم إلى دمشق رسولا فى السنة الخالية-إلى الكيلانيّة، فقتلوه. فانزعج لذلك وجرّد إليهم جيشا فيه ماية ألف، ونزل بنفسه على المازندران. وكان عند خروج ابن ضبرة تركهم على ذلك
وفيها فى العشر الأوّل من شهر ربيع الأوّل، وصل الأمير حسام الدين مهنّا بن الأمير شرف الدين عيسى بن مهنّا إلى الأبواب العالية، واجتمع بالمقام الأعظم السلطانىّ، وحصل له من الإقبال والإنعام شئ كثير. وخاطب مولانا السلطان فى أمر الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة، فأنعم مولانا السلطان له بإطلاقه. فتوجّه إليه الأمير حسام الدين مهنّا بنفسه إلى السجن، وأخرجه يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأوّل، وأحضر إلى دار النيابة بحضرة الأمير سيف الدين سلاّر وأحضر له بعض الفقها، وحصل بينهم كلام كثير وبحث زايد يضيق هذا المجموع عن بعضه، وقربت صلاة الجمعة فافترقوا. ثمّ اجتمعوا وبحثوا إلى المغرب ولم ينفصل لهم أمر. ثمّ اجتمعوا يوم الأحد الخامس والعشرين من الشهر، وحضروا جماعة فقها أخر، وحضر
(8) بولاى: لبولاى
الشيخ نجم الدين بن رفعة، وعلاء الدين الباجىّ، وفخر الدين بن أبى سعد وشمس الدين الخطيب الجزرىّ، وعزّ الدين النمراوىّ (2)، وشمس الدين عدلان وصهر المالكىّ وجماعة أخر فى تعدادهم طول كثير. ولم تحضر الموالى القضاة، وطلبوهم فاعتذروا. وقبل عذرهم نايب السلطان، ولم يكلّفهم إلى الحضور.
وتباحثوا ذلك اليوم فى مجلس الأمير سيف الدين سلاّر، وانفصل المجلس على خير. وبات الشيخ تقىّ الدين عند نايب السلطان، وكتب بيده كتابا (6) إلى دمشق مضمّنا (7) خروجه من السجن. وأقام بعد ذلك بدار ابن شقير بالقاهرة.
ورسم نايب السلطان بتأخيره عن التوجّه مع مهنّا لمصلحة فى ذلك
وفى يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر، عقد له مجلس (9) آخر بالمدرسة الصالحيّة بعد الصلاة. وكان مهنّا قد سافر، وبحثوا معه. ووقع الاتّفاق على تغيير الألفاظ (11) فى العقيدة، وانفصل المجلس على خير. واستقرّ بعد ذلك بالقاهرة، والناس يجتمعون به ويهرعون إليه، ولم يزل كذلك إلى أن سافر فى سنة اثنتى عشرة وسبع ماية. واستقرّ إلى أن توفّى رحمه الله تعالى فى تأريخ ما يأتى ذكره
وفيها ورد الخبر بوفاة أبى يعقوب يوسف المرينىّ صاحب المغرب، رحمه الله. وقام بأمر الملك ولده صالح
وفيها توفّى الأمير ركن الدين بيبرس الجالق فى تاسع عشر جمادى الأولى بظاهر الرملة. وحمل إلى القدس الشريف، فدفن فيه بوصيّة منه.
وكان أميرا كبيرا من جمداريّة السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب
(2) النمراوى: النمرواى
(6)
كتابا: كتاب
(7)
مضمنا: مضمن
(9)
مجلس: مجلسا
(11)
الألفاظ: اللفاظ
وأمّره السلطان الملك الظاهر، وهو آخر من أمّر من المماليك الصالحيّة.
حكى عنه أنّه قال: رأيت فى عمرى مرّتين ليلة القدر، فلم أدعوا إلاّ أن يطول الله فى عمرى. -فعاش من العمر ثمانين سنة وأكثر. وترك شيئا كثيرا (4) من الأموال لورثته. وكان كثير البرّ والخير والصدقة والمعروف، رحمه الله تعالى
وفيها توفّى الصاحب تاج الدين محمد بن فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين علىّ بن محمد بن سليم المصرىّ المعروف بابن حنا، يوم السبت خامس جمادى الآخرة ببركة الحبش، وحمل إلى القرافة ودفن بها بجوار الشيخ فخر الفارسىّ قريبا من تربة الإمام الشافعىّ رضى الله عنه. وصلّى عليه الشيخ أخو المرجانىّ أوّلا، ثمّ صلّى عليه الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة ثانيا. وكانت له جنازة مشهودة لم يرا مثلها. وأمّا رياسته ومعرفته وحسن تصرّفاته وجوده وكرم طباعه وحسن إسلامه وعقيدته واعتقاده فى الفقرا والصالحين وإيثاره لهم فلا تكاد تعدّ. ومن محاسنه رحمه الله هذا الأثر (14) النبوىّ الذى فى رباطه موقوفا بحسب البركة، وهو القصعة والمرود النحاس والمخصف، المثبوت أنّهم من أثر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، شراهم بستّين ألف درهم، وأوقفهم فى رباطه الذى بجسر الأفرم ظاهر مصر على النيل المبارك. فلو لم يكن من حسن اعتقاده سوى هذه لكان فيها الكفاية له، رحمه الله وساير المسلمين. وكان معلّم الطرفين:
جدّه لأبيه الصاحب بهاء الدين، وجدّه لأمّه الصاحب شرف الدين الفايزىّ.
ولم يبرحوا بيت رياسة وحشمة من أوّلهم إلى آخرهم
(4) شيئا كثيرا: شئ كثير
(14)
الأثر: الاثار--القصعة: القطعة القصعة
وفيها توفّى الشيخ الصالح عمر السعودىّ رحمه الله فى زاوية سيّدى الشيخ أبى (2) السعادات ودفن بها. وكان من الصلحا الفحول، الكبار العلم والعمل.
وكان له وجاهة عظيمة فى الدولة المنصوريّة والدولة الأشرفيّة، حتى كان الشهيد الملك الأشرف-إذا ركب نحو بركة الحبش-ركب الشيخ عمر هذا إلى جانبه حماره. وكان بينه وبين الوالد رحمه الله أخوّة وصحبة متأكّدة.
قال الشيخ عمر للوالد وأنا أسمع: إنّ السلطان الملك الأشرف كنت مسايره ذات يوم وهو بقرب الزاوية، فوقف الفرس الذى تحت السلطان وبال. فقال الشيخ: ينبغى أن يكون هنا تذكار حسن لمولانا السلطان. -فقال: ما هو -يا شيخ؟ -قال تحفر بير الزاوية وبحر الماء على قناطر إليها. -فأمر بذلك، فهى البير الجديدة التى تجرّ إلى الزاوية، وطلعت عذبة الماء بخلاف البير العتيق. وكانت الزاوية فى أيّامه يعجز الوصف عن جميع محاسنها وكثرة خيرها وترادف فتوحها. وكان يوم سبت العادة يروح بها أوقات عظيمة لا يتأخّر عنه كبير ولا معتبر ولا مقرئ ولا واعظ. والسعيد الذى يلحق نوبة للكلام مع التخفيف مع خيرات كانت تعمل! فسبحان من يغيّر ولا يتغيّر! ولمّا توفّى الشيخ عمر كأنه جرّ جميع ذلك معه، فمات ذلك الخير لموته. قال العبد الواضع لهذا التأريخ، أضعف خلق الله وأفقرهم إليه:
سمعت الشيخ عمر يقول: سمعت الشيخ مفتاح يقول: سمعت سيّدى الشيخ أبا (18) السعادات يقول: إنّ صاحبى الواحد، أو قال: الواحد من أصحابى، ليشفع يوم القيامة (19) فى سابع جار من جيران داره. -وهذا القول عن تمكّن كثير. ولسيّدى الشيخ أبى السعادات أحوال خوارق، أثبتّها حسبما اتّصل
(2) أبى: أبو
(18)
أبا: ابى
(19)
يوم القيامة: يوم القيمة
بى من سماعها من سيّدى الشيخ عمر فى مدّة صحبتنا له وتردادنا إليه فى جزء لطيف سمّيته «عادات السادات سادات العادات فى مناقب الشيخ أبى السعادات» ولولا خيفة الإطالة لأثبتّ هاهنا منه جملة لطيفة. وإنّما فى هذا الخبر الفرد الذى أوردته لكلّ مريد {أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (4) كفاية إذ لا بعده نهاية. فهذه كرامة فرديّة جزئيّة من مجمّديّة. و (5) كانت وفاة الشيخ عمر قدّس الله روحه ونوّر ضريحه فى اليوم الثانى من جمادى الآخر سنة سبع وسبع ماية (7)
وفيها توفّى الأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزورىّ، وكان من الأمرا (8) الكبار الأعيان المقدّمين الألوف، ومن شجعان المسلمين المشهورة، وفرسانهم المذكورة. وكانت له المنزلة الكبيرة عند الملوك. توفّى <فى> السابع والعشرين من ذى الحجّة، وخلّف أولادا (11) مجازفين لم يموتوا حتى سجدوا بالطرقات، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم، ونسأله أن يسترنا وذرّيّتنا إلى آخر دقيقة، بمحمد وآل محمد
وفيها توفّى الطواشى شمس الدين صواب الشهابىّ البحلاق، وكان جميع أولاد الأمرا الأعيان مضافين (15) فى تقدمته. فكان وطاقه إذا خرج كأنه زهر البستان، رحمه الله
وفيها توفّى الأمير شمس الدين المعروف بشلجونة، تولّى القاهرة مدّة كبيرة ثمّ ولى مصر وتوفّى (18) بها، رحمه الله وعفا عنه وعنّا وعن ساير أموات المسلمين
(4) السورة 50 الآية 37
(5 - 7) وكانت. . . سبع ماية: بالهامش
(8)
الأمرا: الامر
(11)
أولادا: اولاد
(15)
مضافين: مضافون
(18)
توفى: تفا