الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنّه تناول منها حملا كبيرا (1). فرسم مولانا السلطان عزّ نصره للقاضى فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة أن يعيّن من يكشف عن ذلك. فقال القاضى: ما لهذا الأمر مثل عبد الله الدوادارىّ المهمندار بدمشق. - وذلك لما كان يتحقّقه من الوالد من الأمانة الزايدة والنهضة (4) والكفاية والشفقة على مال مولانا السلطان. فكتب له بذلك من الأبواب العالية.
فتوجّه وكشف القلاع الفوقانيّة مثل كحتا وكركر وبهاسنا والبيرة وقلعة الروم وغيرهم. ورجع إلى القلاع التحتانيّة على البريد المنصور. فوصل إلى وادى يعرف بالزرقا وهو طالب قلعة عجلون. فزلق به الفرس، وقع من تقدير عشر قامات إلى الوادى ووقع الفرس على صدره، وكانت منيّته وأجله. فحمل إلى مدينة أذرعات، ودفن بها قريبا (10) من قبر أبيه وأمّه، رحمه الله وساير (11) أموات المسلمين
ذكر ما كان من أمر قراسنقر بالبلاد
والواقعة بين خدابنداه وطقطاى فى هذه السنة
(13)
وذلك أنّه لمّا رجع الركاب الشريف السلطانىّ أعزّ الله أنصاره، وأعلى مناره إلى الديار المصريّة، وقد بلغ من هروب أعدايه غاية الأمنيّة، وردت الأخبار على قراسنقر من قصّاده: إنّ صاحب مصر رجع إلى الديار المصريّة، وأنّه قبل خروج ركابه الشريف إلى الشأم رسم على أولادك،
(1) حملا كبيرا: جمل كبيرة
(4)
النهضة: النهظه
(10)
قريبا: قريب
(11)
وساير. . . المسلمين: بالهامش
(13)
فى هذه السنة: بالهامش
واحتيط على ساير أموالك وأملاكك. -فلمّا سمع ذلك انقطع ظهره وحار فى أمره. وعلم أنّه هو الجادع أنفه بظلفه، وأنّه كان الباغى، والباغى ساع (3) فى حتفه. فاجتمع بالأفرم وقال: قد بلغنى ما صورته كيت وكيت. وقد عزمت على أن أخاطب القآن وأحشد الحشود، وأجمع الجموع، وأغار على الممالك الحلبيّة والبلاد الشأميّة، وأقتل من وجدت فى طريقى من ساير البريّة. -فقال له آقوش الأفرم: يامير شمس الدين، ما كفى ما عدنا مرتدّين، وعن باب الله مطرودين حتى نسعى فى هلاك الإسلام؟ فكيف نلقى الله والنبىّ عليه السلام؟ -فقال: يامير جمال الدين، لا تظنّ أنّى أنا وحدى قد أصابتنى هذه المصيبة! وإنّما أنت أيضا قد أخذت أولادك وأموالك وأملاكك. وهذا القاصد قد عاين جميع ما لك يباع فى أسواق دمشق. فقم بنا ولا تعطى نفسك رخصة ودعنا نموت كراما (11)، ولا نموت غبنا (12)، وأولادنا فى الحبوس والتراسيم ونحن نسمع ونكاشر. وأنا أعرف جيش مصر ما بقى فيه أمير له صورة ولا كبير يرجع إلى رأيه، والجميع صبيان كاينة، والخروف الرضيع لا يقاوم الكبش فى النطاح.
وقد صار سودى الجمدار موضعى بحلب، وتنكز الحسامىّ موضعك بدمشق، وتمر الساقى فى طرابلس مكان أسندمر. فكيف لنا صبر على هذا وأمثاله؟ - قال، فهما على عزم ما يفعلاه من المناحس، إذ حضر إليهما ما أشغلهما وتملّكهما عمّا كانوا قد عزموا عليه، وذلك أنّ الأخبار وردت على الملك وتملّكهما عمّا كانوا قد عزموا عليه، وذلك أنّ الأخبار وردت على الملك خدابنداه أنّ طقطاى قد تحرّك عليه، وأنّ جيوشه واصلة إليه
وكان قراسنقر قد تمكّن فى بلاد المغل تمكّنا كبيرا (20) ورتّب جميع الأحوال على قاعدة بلاد الإسلام، وجعل البلاد إقطاعات للأمرا من المغل،
(3) ساع: ساعيا
(11)
كراما: كرام
(12)
غبنا: غبن
(20)
تمكنا كبيرا: تمكن كبير
ورتّب لهم الأستاداريّة والدواوين، وازدادت ارتفاعات البلاد شيئا كثيرا (1) جدّا. وأقطع البلاد الخراب للتركمان والأكراد، وألزمهم بإقامة الأبقار واستخراج الأراضى وتنظيفها (3) من الخرش. فجاءت بعد ذلك طوفان غلال.
وقد تقدّم القول بما فعله فى حقّ الخواتين، وما صنع لهنّ (4) من المصاغات والزراكش حتى أخذ بعقولهنّ. وعادوا معه فى ساير أحواله. وهؤلاء التتار فأمورهم راجعة إلى نساهم بخلاف المسلمين
قال الناقل: فلمّا عاين جوبان تمكّن قراسنقر من الدولة ومحلّه من قلب القآن وقلوب الخواتين، ولا عاد خدابنداه يقطع أمرا (8) دون أمره، داخله الحنق والغيظ، وخلا بالملك خدابنداه وقال له: أمنت لهذا العيّار، كما أمن أخوك غازان (10) لقبجق وبكتمر السلحدار، وخدعوه وأقاموا عندنا وعملوا علينا. ولولا أنّ الله تعالى نصرنا عليهم وإلاّ كانوا قد قصدوا مسكنا بذقوننا وتسليمنا للمسلمين المصريّين. ثمّ إنّهم رجعوا إلى أصحابهم، ومات أخوك غازان مغبونا (13) منهم وفى قلبه لهيب النار. -فقال له الملك: دع هذا الكلام! فإنّ هذا الرجل قد نصحنى وأقام منار ملكى، واستجار بى، وهذا ورفيقه كانا ملوك الشأم وخدموا الملك الناصر صاحب مصر أتمّ خدمة، ولا وفى بهم، وأخبارهم جميعها عندى مفصّلة، والله العظيم، وتربة أبغا وهلاوون، لا خنتهم أبدا ولا تخلّيت (17) عنهم حتى أعيدهم ملاّك الشأم من قبلى، فلا ترجع تعاودنى فى شى من أجلهم
قال الناقل: ثمّ إن الملك خدابنداه استحضرهم وطيّب قلوبهم، وقال لقراسنقر: قد أقمتك مقام نفسى ومن خالفك مات، فافعل جميع ما تراه
(1) شيئا كثيرا: شى كثير
(3)
تنظيفها: تنضيفها
(4)
لهن: لهم
(8)
أمرا: أمر
(10)
غازان: قازان
(13)
مغبونا: مغبون
(17)
تخليت: اتخلت
مصلحة. -وأخلع عليه وعلى الأفرم والزردكاش وبلبان الدمشقىّ ولاعبهم وضاحكهم. ومن جملة كلامه لهم: يا شمس الدين بيك، أىّ من أعجبك من أولاد المغل خذه اعمله خلفك سلحدار، ومن يمنعك يموت. ولا تقاسى غبن التجّار. -فقال آقوش الأفرم: والمملوك، يا خوند؟ -فقال: يامير جمال الدين، أنا وأنت لنا مذهب غير مذهب الأمير شمس الدين وجوبان، قال. -فقال جوبان: أنا برى من الأمير شمس الدين ومن مذهبه. -وتلاعبوا وضحكوا، وأخلع الملك أيضا على الأمير جوبان، وأعطاه حياصة ذهب من تقدمة قراسنقر، ورسم أن يكون الأمير جمال الدين الأفرم حريفا (9) لا يردّ عنه لا ليلا ولا نهارا، وإيده مطلوقة فى الخزاين والأموال، وأن يكون الأمير شمس الدين قراسنقر ملك الأمرا على العساكر وترتيب المملكة، والزردكاش أمير غارة وفى خدمته جماعة كبيرة من المغل يرسم الغارات، وبلبان الدمشقىّ أمير جاندار على باب الدهليز الذى رتّبه قراسنقر، وجوبان أخلع عليه ورسم له أن يكون ملك النوّاب ويتوجّه لكشف ساير البلاد
قال الناقل: لمّا تحدّث جوبان مع القآن فى حقّ قراسنقر بما تحدّث نقلوا الخواتين المجلس بكماله لقراسنقر، قال: فخلا قراسنقر بجوبان قبل سفره، وقال له: أمّا أنا فما هربت من قدّام أستاذى وابن أستاذى إلاّ خلّصت رأسى من الموت لمّا تعاين لى الهلاك، وأتيت إلى باب القآن مستجيرا (19) وعمرى فى باب أستاذى. ما خامرت ولا كاتبت ولا داجيت. وأمّا أنت فقسيم القآن فى ملكه، وحاكم على جميع ما ملّكه
(9) حريفا: حريف--لا ليلا ولا نهارا: لا ليل ولا نهار
(19)
مستجيرا: مستجير
الله تعالى من الأرض. وقد جانى من عندك عشرين كتابا وعشرين قاصدا وهم فلان وفلان وفلان-وعدّدهم له-بأنّك تريد تدخل إلى عندنا وتخامر على أستاذك والذى خوّلك فى نعمته. فسيّرت إليك أقول لك:
ما تعدّى إلى عندنا إلاّ بنفسك مع عشرة من خواصّك وخمسة مماليك وسلحدار واحد، وتتوجّه إلى خدمة السلطان فى البريد ويجى مرسوم بتخلية عسكرك بالتعدية، فنمكّنهم بعد ذلك. فسيّرت تقول لى:
أشتهى تصبر علىّ حتى أتوجّه وآخذ خراج الروم وأخربه وأدخل إلى سيس وأقبض على صاحبه تكفور، وأقعد فيها وأكون نايب السلطان الملك الناصر بتقليد ومرسوم من جهته. وكتبت أنا إليك الجواب: إذا صحّ هذا سيّرت وعرّفت مولانا السلطان ينجدك بالعساكر والجيوش، واتّفقت معك على هذا، وهذه كتبك جميعها معى حاضرة
قال الناقل: فلمّا سمع جوبان ذلك خاف خوفا عظيما (12) وسيّر لقراسنقر تقادم عظيمة مع عدّة كثيرة أكاديش، وقال: يامير شمس الدين، من اليوم تعاملنا ومن هذا الوقت تعارفنا، وابقينى وأبقيك، قال: وبلغ الحديث جميعه للملك خدابنداه، فطلب قراسنقر وطيّب خاطره. وقال له: يامير شمس الدين، جميع ما قصد جوبان يفعله عرفت به، وعندى أخباره بمكاتباته لصاحب مصر، ولكن لا بدّ له معى من وقت. -وأخلع عليه وبسط يده وأعلى كلمته ونفّذ أحكامه. ودخل قراسنقر على الملك خدابنداه بالسحر والمكر وكذلك على جميع كبار المغل وخواتينها حتى عاد صاحب الوقت
(12) خوفا عظيما: خوف عظيم