الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن قاضى صرخد <من الطويل>:
رمتنا صروف الدهر منها بسبعة
…
فما أحد منّا من السبع سالم
غلاء وغازان وغزو وغارة
…
وغدر وإغبان وغمّ ملازم
ذكر رجوع غازان إلى الشرق
لمّا كان يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الأوّل عزم غازان على الرجوع إلى بلاده، لا ردّه الله. وأنّه يترك نايبا وعسكرا من التتار بالشأم.
ثمّ رحل بطغاته وجيوشه وترك عدّة من التتار، واليزك لم يبرح حول القلعة، وكان الحصار ظاهر البلد حول القلعة وكذلك من داخل، ويرمون من القلعة بحجارة كبار، ويكثرون من رفع الأصوات، بذكر الله تعالى والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. ولمّا رحل غازان ترك بهاء الدين قطاو شاه نايبه مع جمع كثير
ورسم يوم السبت بإخلاء المدرسة العادليّة، ووقف التتار على بابها، فخرج أهلها وعاد كلّ من خرج فتّشوه ويأخذون ما يختارون أخذه.
وأحرقوا جامع العقيبة، وعادت التتار تعمل فيه أيّاما وسقطت منارته.
ولمّا كان يوم الأحد الحادى والعشرين منه أحرقوا المدرسة العادلية، واحترق بها كتب كثيرة. فلمّا رأوا (16) أهل المدرسة الظاهريّة ذلك انتقلوا منها، وعادوا يرمون قماشهم من سطح حمام أسد الدين وحمام العقيقىّ، ولا ينزلون من الباب خوفا من اليزكيّة. وأمّا باب البريد فما عاد
(16) رأوا: راو
يعرف ما حوله من الأماكن لحرابها. وأمّا دار السعادة فخربت جملة كافية. ولم يزل الحال مستمرّا إلى يوم الثلثا توجّه أيضا قطلو شاه، وخرج قبجق إلى وداعه. وفى أثناء هذا اليوم دقّت البشاير بالقلعة وهربت جماعة من التتار ليلة الأربعا، وأصبح يوم الأربعا قطعت أخشاب المنجنيق. واشتدّ الطلب على من كان يلوذ بالتتار، وحمل القمىّ وغيره إلى القلعة، وطلب أبناء الشيخ الحريرىّ فاختفيا. وفى ذلك اليوم نودى بالبلد: طيّبوا قلوبكم وافتحوا دكاكينكم وتهيّوا لملتقى سلطان الشأم سيف الدين قبجق، واخرجوا له بالشموع! وفى مناداة أيضا:
قد دفع الله عنكم العدوّ المخذول! -فتعجّب الناس من ذلك
وحكى الشيخ علم الدين البرزالىّ (10)، قال: اجتمعت يوم الخميس الخامس والعشرين من الشهر بالشيخ تقىّ الدين بن التيمية، فذكر أنّه اجتمع بهاء الدين قطلو شاه، وذكر له أنّه من عظم جكز خان، ولحية (12) قطلو شاه أجرود ولا شعرة بوجهه أصلا، وأنّه كان له فى ذلك العهد من العمر اثنتين وخمسين سنة، وأنّه ذكر له أنّ الله عز وجل ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنّ جكز خان جدّه كان مسلما (15)، وكلّ من خرج من ذرّيّته مسلمين، ومن خرج من طاعته فهو خارجىّ، وذكر أيضا اجتماعه بالملك غازان، والوزير سعد الدين، ورشيد الدولة الوزير المتطبّب، وكذلك بالشريف قطب الدين ناظر الخزانة، والكاتب صدر الدين، والنجيب الكحّال اليهودىّ، وشيخ الشيوخ نظام الدين محمود، وأصيل الدين بن النصير الطوسىّ ناظر الأوقاف، وهؤلاء كانوا أعيان دولة الملك غازان، وذكر أيضا أنّه
(10) البرزالى: الورالى
(12)
ولحية: وحلية
(15)
مسلما: مسلم
رأى عند قطلو شاه صاحب سيس الملعون. وهو أشقر أزرق كثّ اللحية ومعه طايفة من الأرمن عليهم الذلّة والمسكنة. وكان سفر قطلو شاه ظهر يوم الثلثا الثالث والعشرين من الشهر. وكان سبب اجتماع الشيخ تقىّ الدين بهؤلاء الأسرا، وقال إنّهم يكتبون فى جميع فرامينهم بقوّة الله وبميثاق الملّة المحمّدية! وذكر أنّه اجتمع بشخص منهم فيه دين وسكون وصلاة حسنة. فسأله: ما السبب فى خروجك وقتالك المسلمين وأنت كما أرى منك؟ - فقال: أفتانا شيخنا بتخريب الشأم وأخذ أموالهم. لأنّهم لا يصلّون إلاّ بالأجرة ولا يؤذّنون (13) إلاّ لذلك ولا يتفقّهون إلاّ بمثل ذلك
وذكر وجيه الدين بن منجىّ وابن القطنة (14) أنّه هلك لكلّ منهما ماية وخمسين ألف درهم. وذكر ابن منجّى أنّ الذى حمل إلى خزانة غازان من المال ثلاثة آلاف ألف وستّ ماية ألف درهم سوى ما لحق ذلك من التراسيم والبراطيل والاستخراج لغيره من الأمراء والوزراء وغير ذلك. وأنّ الصفىّ السنجارىّ الذى كان على مستخرج، جبى لنفسه ثمانى ماية ألف درهم وحصّل لشيخ الشيوخ ستّ ماية ألف درهم. وأصيل الدين مايتى ألف درهم والأمير إسمعيل مايتى ألف درهم والوزير نحو من أربع ماية ألف درهم خارجا عن جماعة أخرى وعن البراطيل والتراسيم
وفى يوم الخميس عاد الأمير سيف الدين قبجق من توديع قطلو شاه ودخل من باب شرقىّ وخرج من باب الجابية فتحوهما بسببه. ثمّ نزل القصر الأبلق. وفى يوم الجمعة نودى فى البلد اخرجوا إلى بلادكم وضياعكم! وكان قبل ذلك نودى لا يغرّر أحد بنفسه! -فتعّجب الناس
(13) يؤذنون بأدنون
(14)
ابن القطنة ابن قطينة رت
من ذلك. وغلت الأسعار بدمشق ووصل القمح كلّ غرارة بثلاث ماية درهم وستّين درهما، والشعير إلى ماية وخمسين، والخبز رطل بدرهمين ونصف، وما أشبه ذلك من الأصناف المأكولة
وفى تاسع عشرين الشهر دخل قبجق والجماعة الذين معه إلى البلد ونزلوا تحت مأذنة فيروز بدار بهادر رأس نوبة ودار المطروحىّ وامتلأت تلك الناحية بهم، والأمير يحيى بدار طوغان داخل باب توما. ونودى فى آخر النهار: يا أهل القرى والضياع، اخرجوا إلى أماكنكم! رسم بذلك سلطان الشأم سيف الدين قبجق. -ثمّ استهلّ شهر جمادى الآخرة أوّله الثلثا، وهم ينادون كذلك. ثمّ إنّ قبجق أمّر من جهته أمرا، منهم علاء الدين أستاداره، وولاّه البرّ عوضا عن ابن الجاكىّ، وانضاف إليه جماعة كبيرة من الجند وكثر الناس على بابه. وفتحت أبواب البلد خلا الأبواب التى بجوار القلعة. وفى يوم الجمعة الرابع منه ضربت البشاير بقلعة دمشق وقيل: وضربت (13) على باب قبجق أيضا. -وصلّى فى ذلك اليوم الأمير يحيى بجامع دمشق وتصدّق بشى من المال على الفقرا. وكان قبجق يقوم بوظايف (14) السلطنة فى ساير أحواله، وركب بالعصايب والجاويشيّة، واجتمع عليه خلق كثير من أجناد دمشق وغيرها، وكتب التواقيع لأرباب الولايات، وعاد سلطانا مستقلاّ
وفى العشر الأوسط من هذا الشهر جرت عدّة أحوال. منها أنّه أمر ثلاثة نفر وركبوا بالشرابيش
ومنها أنّه نادى فى البلد بإدارة الخمر والفاحشة بدار ابن جرادة ظاهر باب توما، وضمن ذلك كلّ يوم بألف درهم نقرة
(13) وضربت: مكرر فى الأصل
(14)
بوظايف: بوضايف
ومنها أنّه نادى: من كان من غلمان مصر وعنده قماش لأستاذه فليحفظه
ومنها أنّ جماعة من القلعة ركبوا وساقوا إلى مسجد الذباب ظاهر باب الجابية، ورجعوا وبين أيديهم نفر من التتار. فظنّ العوامّ أنّ المصريّين قد وصلوا والتتار هاربين منهم، فقاموا على جماعة من التتار فقتلوهم، ولم يظهر لما ظنّوه خبر، فتشوّش البلد أيضا وغلّق باب الصغير وأرجف الناس بسبب الطلب بدم التتار المقتولين
ومنها أنّ الأمير سيف الدين قبجق جبى لنفسه أيضا مبلغا، ولم يعف منها أحد
ومنها أنّه اشتهر رجوع بولاى المقدّم من الأغوار بالعسكر الذين كانوا معه، وتخوّف الناس منهم
وفى العشر الأخير من الشهر المذكور نزل أيضا جماعة من القلعة وقتلوا جماعة من التتار وحصلت خبطة عظيمة. ومسك جماعة من الذين كانوا ينسبون إلى المشى مع التتار، وجبيت أيضا جباية أخرى (14) لبوليه مقدم التتار
ودخل الخطيب بدر الدين بن جماعة والشيخ ابن التيميّة إلى القلعة ومشوا فى الصلح بين أرجواش ونوّاب التتار. فلم يوافق أرجواش رحمه الله على ذلك، ولم يزل الأمر كذلك إلى مستهلّ شهر رجب الفرد
وفى الثانى من الشهر طلب قبجق أعيان البلد وحلّفهم للدولة المحموديّة بالنصح (19) وعدم المداجاة
(14) أخرى: الاخرى
(19)
بالنصح: بالبضح
وفى يوم الخميس توجّه الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة إلى مخيّم بولاى مقدّم التتار يسأل فى المأسورين، وكانوا خلقا (2) كثيرا. وتحدّث بولاى فى أمر يزيد بن معاوية مع الشيخ، وسأله: هل يجوز لعنته أم لا؟ -ففهم الشيخ أنّ فيه موالاة، فكلّمه بما لاق بخاطره بغير شى يكره. فقال: هؤلاء أهل دمشق هم قتلة الحسين بن علىّ صلوات الله عليه. فقال له الشيخ:
إنّه لم يكن من أهل دمشق من حضر قتلة الحسين عليه السلام (6)، وقتل عليه السلام بأرض كربلا من العراق. فقال: صحيح. وكانوا بنو أميّة خلفا الدنيا، وكانوا يحبّون سكنى الشأم. فقال الشيخ: وماذا يلزم من ذلك فى قتلة الحسين، وهذه الشأم ما برحت أرضا (9) مباركة ومحلّ الأوليا والصلحا بعد الأنبيا صلوات الله عليهم. -ولم يزل به حتى سكن غضبه على أهل الشأم. ثمّ ذكر للشيخ أنّ أصله مسلم من أهل خراسان. وجرى بينه وبين الشيخ كلام كثير
وفى عشيّة السبت رابع الشهر صحّ أنّه لم يبق بالطرقات ولا فى ضواحى دمشق أحد من التتار. ونودى بذلك، فاستبشر الناس بذلك. فسافرت الناس يوم الخميس إلى تاسع الشهر حصل تشويش بسبب رجوع طايفة من التتار.
وكان الناس قد خرجوا إلى غياض السفرجل، فرجعوا مسرعين فزعين.
ونهب بعضهم ورمى بعضهم نفسه فى النهر
وحصل للناس تشويش أيضا يوم الأربعا خامس عشر الشهر، وخرج الأمير سيف الدين قبجق وطلب الأبواب الشريفة السلطانيّة والناصريّة أعلاها الله تعالى، وصحبته الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار وبقيّة الأمرا.
وعادت دمشق خالية بغير من يحكم فيها. فنودى فى البلد من جهة أرجواش:
(2) خلقا كثيرا: خلق كثير
(6)
السلام: السلم
(9)
أرضا: ارض