الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر [حوادث] سنة تسع وسبع ماية
النيل المبارك فى هذه السنة: الماء القديم
ما يخصّ من الحوادث
الخليفة: الإمام المستكفى بالله أبو (4) الربيع سليمان أمير المؤمنين، والمتغلّب على الممالك الإسلاميّة: الملقّب بالملك المظفّر بيبرس الجاشنكير المنصورىّ، ومولانا السلطان الأعظم: الملك الناصر عزّ نصره بالكرك المحروس فى عيش لذيذ ووقت سعيد منتهزا للفرص، فى الصيد والقنص. قد ظهرت له أشاير، تدلّ على بشاير، ودلايل، تنبى عن أمور جلايل، متواترة فى كلّ عشيّة وغداة، أنّه الناصر المنتصر على أعداه، ذات ألسن (9) صادقة، كأنّها ناطقة
أشاير البشاير
وذلك أنّ مولانا السلطان أيّد الله عزماته، مسعودا فى ساير حركاته وسكناته، ضرب حلقة صيد فى سادس يوم من شهر المحرّم من هذه السنة.
فصاد أربعين حمارا وحشيّا (14). فكان ذلك إشارة لعدّة من مسك من أعداه فى أوّل وهلة، من غير مهلة. وعاد إلى الكرك المحروس، وهى تتجلّى فرحا به كالطاووس، وتميس إعجابا كالعروس. ثمّ خرج ثانية فى خامس صفر، فظهرت له دلايل خفيّة، وأشاير مخفيّة، يحلّها أولو (17) العقول الوفيّة، وذلك أنّه قبض على بومة، وقد كسرها عقاب، وقد عادت معه فى أشدّ العقاب. فكانت الإشارة، بمعنى العبارة، أنّ العقاب ملك
(4) أبو: ابى
(9)
ألسن: اللسن
(14)
حمارا وحشيا: حمار وحش
(17)
أولو: اولوا
الطير بأسره، برّه وبحره فى أسره، واليوم أرذلها وأحقرها وأنحسها وأقذرها. فكان الرمز الظاهر، أنّ هذا العقاب الكاسر، هو الملك الناصر، وأنّ هذا البوم المكسور، بيبرس الباغى المقهور. وذلك مطابق لقياس الجنسيّة، يفهمه من كان فيه ذوق وحسّيّة: فإنّ جنس مولانا السلطان الملك الناصر أشرف جنوس الترك من يافثها، وجنس بيبرس أبذأ (5) أنجس جنوسها وأخبثها
وأعظم الأدلّة أيضا فى هذا الباب، ما يشهد به عدد الجمّل فى الحساب، وذلك أنّ أعداد حروف (عقاب) سبعة عشر عددا محرّرا: فالعين بعشرة، والقاف بأربعة، والألف بواحد والباء باثنين، وأعداد حروف (الناصر) كذلك: فالألف بواحد، واللام (10) بستّة والنون باثنين، والألف محذوف فى رسوم الخطّ، والصاد ساقط من الأعداد، والراء بثمانية. فحصلت المطابقة بين هذين الاسمين فى الأعداد والحساب. فكان الناصر هو العقاب، من غير شكّ ولا ارتياب. وكذلك أنّ أصل اسم (البومة) بومهة، وهى لفظة فارسيّة، معناها وجه ابن آدم. ذكر ذلك الجاحظ فى «كتاب الحيوان (14)» وهو مشتقّ من كهرومرت الذى هو عند الفرس آدم، وقد تقدّم القول فى ذلك.
فأعداد (بومهة) اثنين وعشرين، الباء باثنين، والواو بستّة، والميم بأربعة، والهاء بخمسة، والهاء الثانية بخمسة، فالجملة اثنين وعشرين، و (بيبرس) كذلك:
فالباء باثنين، والياء بعشرة، والباء الثانية باثنين، والراء بثمانية، والسين ساقط، فالجملة اثنين وعشرين. فحصلت المطابقة فى هذين الاسمين أيضا. فكان بيبرس هو البومهة فى أعداد الحساب، من غير شكّ ولا ارتياب. فهذه نكتة ظاهرة، وآية باهرة
(5) أبذأ: أبزا
(10)
واللام: والام
(14)
لم نجد هذا النص فى «كتاب الحيوان» نشرة الحلبى
ثم خرج أيّده الله إلى الصيد المبارك، والسعد قرينه والتوفيق له مشارك.
فصاد كركيّين. فكان فيهما من الإشارة، ممّا يوجد بالقيافة والزجارة، بوجه التصحيف، وقيافة التعريف، وذلك إن صحّف كركيّين، كرك ثبت. كان تقدير الكلام أنّ صاحب الكرك ثبّت، فهو ثابت دون غيره.
وإن صحّف كركيّين كرك نبت، كان تقدير الكلام أنّ صاحب الكرك نبّت، فهو ثابت دون غيره. وإن صحّف كركيّين كرك يثب، فهو وثّاب (7) على ملكه، وكلّ وثوب صايد لما يثب عليه. وإن صحّف كرك يبن، فتقدير الكلام أنّه سيبن ويشيّد البناء وكان ذلك. وعلى الجملة فجميع هذه الأشاير صحّت معانيها، حتى بلغت الأيّام أمانيها، فلله الحمد، من قبل وبعد (10)
وأمّا بيبرس المكسور، فإنّه لم يزل فى نفسه محصور، وفى حركاته مخذول، وقد تباين له مبادئ الخمول. وقويت شوكة الأشرار، حتى علوا (13) على الأخيار. وتحرّكت فى ذلك العام الأسعار، وحصل لأرباب المعايش البوار، وانقطعت بوادر التجّار، لمّا تحقّقوا أنّ ما ثمّ راحة، وأنّ بضايعهم قد عادت للطمّاعة مباحة، وأن ليس بمصر سلطان تخشى صولته، وكلّ من البرجيّة <هو> الغالب على دولته. فانقطعت السبل وقلّ السالك، ومن كابر له كابر، استهلك ماله وعاد هالك
ثم إنّ النيل المبارك تأخّر فى هذا العام، عن جريانه العامّ، حتى (18) عاد لسان حال الوجود ناطق، بلسان صادق. فأمّا لسان حال النيل، فإنّه كما قيل: وعزّة الرحمن، ومن أجرانى من الجنان، وطهّر (20) بى
(7) وثاب: وثابا
(10)
فلله. . . وبعد: قارن السورة 30 الآية 4
(13)
علوا: علو
(18)
حتى: بالهامش
(20)
وطهر. . . النفوس: بالهامش
النجوس، وأحيا بى النفوس! لولا شيوخ ركّع، وأطفال رضّع، ودوابّ رتّع (2)، لتوقّفت ولم أطلع. ولو علمت أنّ مصر بلا ناصر، وخالية من نورها الباصر، لما استبشرت منّى بجريان، ولا أصبح فيها قاع ريّان
فأجابه أخوه الغمام، وهو فى غاية الآلام: وحقّ من أحيا بمزنى البلاد، وجعلنى رحمة للعباد، وأراهم (5) برقى خوفا وطمعا، ورعدى زمجره سايقى سرعا، لولا أنّ هذه الأمّة مرحومة، لما جدت بديمومة. وإن قطّرت قطرات فى هذه الآفاق، فإنّها دموع مشتاق، قد آلمه من المليك الناصر الفراق، وراجيا منه بالتلاق. وكيف لا؟ وهو أخونا فى الجود، حتى عمّ الوجود. ولولا ما وعدنا به مجرينا، أنّه على عوايده الجميلة يجرينا، وبعيده على ما كان من عوايده الحسان، لتعطّش منّا كلّ مكان، وخلت من مصر والشأم السكّان
وقالت القاهرة، وهى كالوالهة الحايرة: وحقّ من أذلّنى بعد عزّى، وأعزّنى بناصرى بعد معزّى، لولا أدين بالرجعة، لما أبقيت من معالمى على بقعة، ولكنت أطبّق أسوارى على سكّانى. ولو عاد لى جوهر ثانى، لما شيّد بنيانى. ولكنّنى أرجو (15) عودة ناصرى، لتقرّ به بواطنى وظواهرى
فقالت القلعة، وهى لا ترقى لها دمعة: وتربة الكامل غاية منايى، وأوّل من جدّد معالمى وبنى بى، لولا تحقّقى أن الناصر أجلّ الملوك من سكّانى، وأنّه سيشدّنى ويعلى (19) أركانى، حتى يعود ذكرى فى ساير الآفاق، على ألسنة (20) الرفاق، وتحدو بحسن معالمى حداة النياق، فتمدّ
(2) لولا. . . رتع: إرجع إلى الحديث رقم 882 فى «المقاصد الحسنة»
(5)
وأراهم. . . وطمعا: قارن السورة 13 الآية 12
(15)
أرجو: ارجوا
(19)
ويعلى: ويعلو
(20)
ألسنة: اللسنه
طربا لذكر محاسنى الأعناق، وتجعل قصورى مساكن الحور، والولدان من البدور، والليوث من الأسود، وتمحى عنّى هذه الرسوم السود، ويرجع الزمان ويداريه، ويعود الماء إلى مجاريه، لكنت جعلت سمايى أرضا، وطولى عرضا، ولا كنت بهذا الذلّ أرضى. وإنّما سيكون لى شأن-وأىّ شأن! -إذا شيّدت بالبنيان. وعمر فىّ بيت للرحمن، يعلن فيه بالأذان، بأصوات حسان، ويتلى فيه القرآن، مزخرفا كزخرفة الجنان. فلذلك صبرت على هذا الذلّ والهوان، فى هذا الأوان
فقال نسيم النيل: أنا النسيم العليل، شوقا إلى ذلك الملك الجليل.
فكلّ من لاذ (10) إليه يرتاح، ارتياح الأشباح إلى الأرواح، والخليع اللطيف إلى شرب الراح، وإلىّ فمزاجه يريد الإصلاح. وإنّى سأزوره وقت الإسحار، إذا غرّدت الأطيار، على الأشجار، وأجرّ أذيالى على تلك الأزهار، بتلك الرّبى وهاتيك الديار، وأهدى شذاها، إلى ساكن حماها، شذى يحيى بعطره النفوس، إلى ساكن حمى الكرك المحروس. وسأقرئه منكم السلام، وأبلّغه عنكم هذا الكلام، من بعد ما ألثم بملاثمى الثرى، بين يدى سلطان الورى. فلما أدّى النسيم رسالته، وبلّغ المقام الشريف مقالته، أجابته اللطايف العظيمة، والعواطف الرحيمة، بقول <من الطويل>:
نسيم الصبا أهلا وسهلا ومرحبا
…
حديثك ما أحلاه عندى وأعذبا
لقد سرّنى ما قد سمعت من الوفا
…
وأسكرنى ذاك الحديث وأطربا
ويا محسنا قد جاء بالبشر والهنا
…
ويا طيّبا أهدى من القول طيّبا
فإن عادت الأيّام تجمع بيننا
…
سجدنا لربّ العرش شكرا لما حبا
(10) لاذ: لا
ومن قول القاضى شهاب الدين محمود كاتب الإنشا الشريف فى توقّف النيل ذلك العام <من الكامل:>
يا أيّها النيل المبارك إن تكن
…
من عند ربّك تأت فاجر بأمره
أو إن تكن من عند نفسك تأتنا
…
فالله يبسط برّه فى برّه
كم من بلاد ليس تعرف نيلها
…
ملأ الإله بيوتها من برّه
يا ذا الوفاء أراك خنت (6)
…
عهودنا
والحرّ لا يشنى الوفاء بغدره
إن كان دفعك ما يجئ مبادرا
…
إلاّ بإذن مليكه فبعذره
قال الصليبىّ (8)
…
اللعين بجهله
والكفر يركض فى جوانب صدره
مسرى سرى والنيل أصبح واقفا (9)
…
قد فاتنا تغليقه فى شهره
ومضى النسئ وليس فيه زيادة
…
إنّ النسئ زيادة فى كفره (10)
تبّا له ولكفره (11)
…
ولنسئه
وشهيد شبراه وطينة بئره
نحن (12)
…
الذين لنا بجاه محمد
ما يرتجيه فقيرنا من فقره
يا ربّ إنّ القمح أصبح غاليا
…
فارخص بحقّك ما غلا من سعره
ارحم بفضلك ركّعا أم رضّعا
…
أم رتّعا فى ذى الوجود بأسره
وأغث عبادك فى بلادك بالوفا
…
وابسط على المقياس خلعة ستره
وأضف إلى تغليقه تغليقة
…
حتى يرى تخليقة فى مصره
وأفض على السّدّ المبارك ماؤه
…
واكسره ربّ فجبرنا فى كسره
إنّا تشفّعنا (18)
…
بجاه محمد
وبشهر مولده الشريف وعشره
(6) خنت: خنث
(8)
الصليبى: الصلبى
(9)
واقفا: واقف
(10)
المصراع الثانى: قارن السورة 9 الآية 37
(11)
ولكفره: بالهامش
(12)
نحن: فنحنا-- يرتجيه: يرتجيه غنينا
و(18) تشفعنا: تشفعنا إليك