الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيس الذى عمل عليهم وعلى أسرهم، قال للأمرا: أنا ما بينى وبينكم إلا قول لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله. -وأسلم، وقال للأمرا: أنا أتوجّه صحبتكم إلى خدمة السلطان وآخذ معى ألف فارس وأفتح للسلطان من نهر جاهان إلى جبال ابن قرمان، فتكون بلاد سيس والروم بكمالها للمسلمين. - فقالوا: حتى نشاور السلطان على ذلك
وفيها فى خامس عشر ذى القعدة وصل قصّاد من الشرق من سنجار وأخبروا بوفاة غازان فى سابع شهر شوّال، وجلس أخوه خذابنداه. - وخطب باسمه بسنجار يوم (8) الجمعة خامس عشر الشهر المذكور
ذكر وفاة غازان وتملك خدابنداه
كان سبب هلاك غازان أنّ زوجته هميا خاتون سمّته. وهذه كانت زوجة بلغاق شاه، وكانت (11) من قبل زوجة أبيه. وكان قبل موته قد أمر بعمل سفن كثيرة لأجل أنّه ينصب جسرا (12) على الفراة. وكان قصده فى تشارين يقصد الشأم. فأخرم الدهر عليه حسابه، وعجل الله فى النهاية (13) مصابه، وفى الآخرة عقابه. وكان قد تغيّر على الأمرا المغل والتوامين من أيّام الكسرة وشرع يهدّدهم ويعنّفهم. فاتّفقوا مع زوجته على هلاكه، فسمّته فى منديل.
فلمّا كان بينهما المجامعة مسحته بذلك المنديل فنزلت أمعاؤه (16) وبطل نصفه.
وقيل: إنّهم شقّوا له جوف أربعين بغل وقيل أكثر. -وسقى جواهر عظيمة فلم تفده. وقيل: إنّه انصلح قليلا، ثمّ نقض عليه حتى عاد هالك. -وانتقل من ملك العراقين إلى مملكة مالك. ولمّا توفّى حضر إليه
(8) يوم. . . المذكور: بالهامش
(11)
كانت: كان
(12)
جسرا: جسر
(13)
فى النهاية: بالهامش
(16)
أمعاؤه: أمعاه
عالم عظيم. وكانت وفاته بالقرب من همدان، وحمل إلى تربته بظاهر تبريز بمكان كان سمّاه الشأم ودفن به، والله أعلم
وفيها كان مهاجرة الأمير بدر الدين جنكلى بن البابا إلى الأبواب العالية السلطانيّة، وصحبته جماعة من كبار التتار، من جملتهم أخو الأمير سيف الدين قطلو بك. وكان منزلة هذا الأمير بدر الدين جنكلى ومقامه عند آمد، وله مدّة يكاتب الأبواب الشريفة، وكان جدّه البابا فى زمان الملك أبغا أميرا كبيرا ولقبه جمال الدين. وأبو هذا الأمير بدر الدين يسمّى شمس الدين محمد بن جمال الدين بابا، له آثار حسنة فى الإسلام، وهو الذى ردّ التتار عن بلاد الإسلام فى أيّام الملك أرغون بن أبغا، وكان مقدّم جيوش التتار قد نزل من خراسان يسمّى أرعضون (10) وقصدوا دخول الشأم، فاحتال هذا الأمير شمس الدين محمد بن البابا وقرّر مع أناس قصّاد أن قالوا للتتار:
إنّ البلاد مملوءة بالعساكر الإسلاميّة، وأخافهم حتى ردّهم على أعقابهم. (12) - وكان عمّ هذا الأمير بدر الدين أيضا مسلما حسنا يسمّى شرف الدين مغلطاى- (13)
وفيها يوم الاثنين سابع عشر شوّال تولّى الوزارة بالديار المصرّية ناصر الدين الشيخىّ بعناية الأمير ركن الدين الجاشنكير عوضا عن البغدادىّ
وفيها يوم الثلثا الخامس والعشرين من رجب توفّى الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار الظاهرىّ، رحمه الله. وفى ثانى جمادى الأولى توفّى الأمير عزّ الدين أيبك الحموىّ، رحمهما الله تعالى
(10) أرعضون: كذا فى الأصل ولعل صوابه «أرغون»
(12 - 13) ان البلاد. . . شرف الدين مغلطاى: بالهامش
وفيها كان خروج الوالد-سقى الله تربته-للكشف على عربان بالشرقيّة، وهم ثعلبة وجذام والعايد. وندب صحبته من ديوان الاستيفا القاضى المرحوم مخلص الدين أبو شاكر بن العسّال
وأعرضت العربان بصوة العبّاسة بالأسما والحلى، وسبب ذلك أنّ هؤلاء العربان أمرا ولهم أخباز من جهة السلطنة المعظّمة، وهم عدّة ألف وسبع ماية فارس مستخبزة، ومن تحت أسماءهم قوم يأكلون من غير هذه العدّة يسمّون المحرّمة، وهؤلاء العربان عليهم إقامة خمس عشرة منزلة بمنازل الرمل بالطريق الشأميّة، أوّلها من جهة مصر منزلة السعيديّة وآخرها من جهة الشأم كان فى ذلك الوقت منزلة رفح. وإنّما فى هذا الوقت عند الرّوك الناصرىّ تضوّروا العربان من اتّساع الدرك، فحمل عنهم السلطنة منزلتين، وهما رفح والزّعقة، وصار آخر أدراكهم منزلة تعرف بالخروبة. ويقيمون فى هذه الخمس عشرة منزلة ماية وخمسين فرسا، فى كلّ منزلة عشرة أرؤس برسم البريد المنصور. هذا يختصّ بقبيلتى جذام وثعلبة، وعليهم خفر (14) ساير هذه الطرقات إلى عند دار الضيافة التى تحت القلعة مع جبل المقطّم، مقرّر عليهم خفر ذلك من تقادم السنين من أوّل وقت، وعلى قبيلة العايد خفر الطريق البدريّة، وهى الطريق الفوقانيّة بالبرّيّة، عرضها ثمانية أيّام تسلكها التجار المشوّرين عن الحقوق السلطانيّة الموجبة بقطيا.
وهذه الطريق كانت المسلك إلى الديار المصريّة من الشأم أيّام كانت الفرنج ملاّك الساحل. ثمّ لمّا فتح الله تعالى البلاد على يد السلطان المرحوم صلاح الدين الملك الناصر بن أيّوب أوّل ملوك بنى أيّوب ارتجعت الطريق هذه المتقرّة ودثرت هذه الطريق البدريّة. وما برحت الملوك بالديار المصريّة مجتهدين
(14) خفر: بالهامش
فى دثور هذه الطريق بالإجماع ومنع السالك منها، فإنّها عادت مضرّة على الديار المصريّة من عدّة وجوه: من تشوير التجّار عن الحقوق الموجبة عليهم بالطرق السلطانيّة من الشأم إلى مصر، ومن تطرّق القاصد والجاسوس من جهة العدوّ المخذول، فإنّه يعبر ويخرج من الديار المصريّة ولا يعلم به
وكان الوالد رحمه الله اجتهد فى حفظ هذه الطريق ومنع السالك منها، وألزم هؤلاء العايد بحفظ أدراكهم فيها. فإنّ السالك فى هذه الطريق لا يقدر يعبر إليها إلاّ بدليل من هؤلاء القبيلة العايد. فإنّها طريق مشقّة ومفاوز، وهى فى التيه ولا لها درب سالك. وإنّما فى النهار يسيرون على رءوس الروابى والآكام، يعرفوها هؤلاء العرب المذكورون، وفى الليل يسيرون على النجوم، ويوردون ماء ويصدرون عن آخر، لا يكاد يبيتون إلاّ على ماء، ولكلّ ماء اسم يعرف به. ما يزيد عن أربعين ماء فى طول هذه المسافة وعرضها. والذين (12) يشوّرون فى هذه الطريق أكثرهم-إذا كانوا من الديار المصريّة-يشوّرون من الصعيد بالأصناف النافقة بالشأم مثل الكتّان والشقاق الخام وغيره. فيتوجّهون البعض من إطفيح والبعض من شرونة والبعض من قبال مدينة أسيوط، ثمّ من أخميم، ويخرجون بعد ذلك حيث شاءوا بعد أن يتعدّون قطيا. فمن شا منهم خرج من منزلة الواردة، ومن شا خرج من منزلة العريش أو الزعقة أو رفح وغيرهم فى طول منازل الرمل. فهذا درك عرب العايد إلى عقبة الحجّاج الكبيرة. وأمّا درك الطور وهو طور سينا، فهو على عرب يقال لهم بنى سليمان، ومنهم أدراك بنى عقبة عرب الكرك والشوبك
(12) والذين: والذى
وهذا الطور فمن عجايب الدنيا. وهو الذى كلّم الله تعالى فيه موسى تكليما (2). وله درج إلى أعلاه عدّة سبع ألف وثمانى ماية درجة. وهناك دير عظيم ما بنى فى جميع الأديرة له نظير. ومقيم بها نيّف وأربع ماية راهب، أكثرهم ملوك وأولاد ملوك من الفرنج، قد خرجوا عن الدنيا وانقطعوا عن العالم، يعبدون الله عز وجل على دينهم وأمرهم إلى الله تعالى. وهذا الطور على بحر المالح، ومأكلهم السمك الكثير يعملوه عدّة ألوان (7). والتمر والعجوة والرطب الكثير. فإنّ ثم هناك نخيلا كثيرة فى غاية الحسن. وأكثرهم متموّلين وفيهم خير. وعندهم لم تبرح القمصان الخام والطواقى والمشّايات يؤثروا (9) بها الحجّاج التايهين من الرّكب. وربّما أنّهم كانوا فى غير هذا الوقت إذا وصل إليهم إنسان وشكى لهم فاقة وفقرا (11) وعايلة وتحقّقوا ذلك منه يقولون له: تقترض للآخرة؟ -فإن قال: نعم، أعطوه على قدر ما يروه من الألف والألفين وأكثر وأقلّ.
هذا كان من قبل هذا الوقت، وإنّما فى هذا الوقت ما عادوا يعطون إلاّ من يخشوا منه، والله أعلم
ثمّ إنّ على هؤلاء العربان المذكورين (15) السياق السلطانىّ، وهو ألف جمل يحملوا عليهم أثقال السلطنة عند توجّه الركاب الشريف السلطانىّ إلى الشأم المحروس. ثمّ إنّ كلّ من توفّى من هؤلاء العربان لا ينزل ولده كان أو أخوه أو ابن عمه أو إذا كان ماله وارث كان من أقرب أقاربه أو من طايفته حتى يزن ما على ذلك الإقطاع من الرسم المقرّر، وهو كلّ إقطاع عليه رسم قد قرّر من قديم الزمان على قدر العبرة، فمن خمس ماية دينار إلى ثلاثين دينار حبشيّة
(2) كلم. . . تكليما: قارن السورة 4 الآية 164
(7)
ألوان: اللوان-- نخيلا: نخيل
(9)
يؤثروا: يامروا
(11)
فقرا: فقر
(15)
المذكورين: المذكورون
فكان موجب خروج الوالد إلى العربان لوجهين: لانكسار خيل البريد وقلّة اكتراثهم بمن يخرج إليهم من الأمرا وغيرهم، ولأجل أنّهم كانوا إذا توفّى منهم أحد دخلوا إلى ديوان العربان وصانعوه بشئ وركّبوا اسما (3) على اسم بغير الرسم المقرّر. فاطّلع نايب السلطان الأمير سيف الدين سلاّر على ذلك، وتحقّق أنّ أىّ من أخرجه من الأمرا دخلوا عليه وقدّموا له الخيول والجمال والأغنام، فلا يظهر السلطان بعد ذلك على شى. وكان يعرف الوالد من أيّام الشهيد الملك المنصور والشهيد الملك الصالح، ويتحقّق منه الأمانة والتصميم (7) على حفظ مال السلطان، فألزمه بذلك صورة كشف وتعوّد. ثمّ درّجه حتى ولاّه الأعمال الشرقيّة مضافة للعربان بأمره. فاستقرّ إلى حين عودة الركاب الشريف من الكرك المحروس ثالث مملكة. فاعتفى من الولاية، فأعفاه مولانا السلطان، عفى الله عنه فى الدنيا والآخرة، وخيّره بين الإقامة بمصر أو الشأم، فاختشى أن يستدركوا فيه الفارط، ويعود إلى الولاية. فطلب الشأم فتصدّق عليه بإمرة بالشأم، ورتّب مهماندارا بالشأم المحروس. ثمّ لمّا تولّى الأمير سيف الدين كراى المنصورىّ نيابة الشأم كاتب فيه وأضاف إليه شادّ الدواوين بدمشق اغتصابا لا اختيارا منه. فأقام إلى أن تولّى الأمير جمال الدين نايب الكرك نيابة الشأم، فاستعفى، فأعفى فى حديث طويل جرى عليه من الدماشقة. وأرادوا قتله، فسلّمه الله تعالى بنيّته المباركة. وعلى الجملة إنّه أقام فى الأعمال الشرقيّة إحدى عشرة سنة، وأضيف إليه بها نظر قطيا وأشمون الرمّان. ولمّا توجّه إلى الشأم لم يكن معه ما يصلح به حاله للسفر حتى أباع ملكه سكنه بثمانية عشر ألف درهم وتجهز بها حتى خرج إلى الشأم. ولمّا توفّى رحمه الله بدمشق
(3) اسما: اسم
(7)
والتصميم: والتصمم