الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الواقعة التى كانت بين الملكين خدابنداه وطقطاى
قال الناقل: وفى هذه السنة كانت الوقعة العظيمة بين الملك خدابنداه وبين عساكر طقطاى. وأتته الأخبار بوصول جيوش طقطاى إلى بلاده وأنّ المقدّم عليها صاروبغا بن تكلان، وهم فى ثلاث ماية ألف. وقد سيّروا رسلهم إلى الأكراد بجبل هكّار وإلى بلاد شل وصورة (5) وإلى صاحب العماديّة بأنّهم يكونوا معهم عليك ويأتوا من خلفك إذا لاقيتهم. -وتوجّه إليهم الفرمانات، وهذه قلاع المسلمين جميعهم فرحوا بذلك، وشالوا النار لبعضهم بعض. قال: فلمّا سمع الملك خدابنداه هذا الحديث اشتغل خاطره، وطلب للوقت قراسنقر ورفقته، وأخبرهم بما سمع من الأخبار، المزعجة. فقال قراسنقر: يا خوند، لا يهولك ما سمعت من كثرتهم، فإنّهم عدّة بلا عدّة، ولا هم رجال حرب، وسوف يرى القآن ما يسرّه.
وبمرسوم القآن أفعل ما أراه. -فقال: يامير شمس الدين، أنت المفضّل وقد سلّمت إليك الأمور وأقمتك مقام نفسى، ومهما رأيت من المصلحة افعل ولا تشاور، -قال. فعندها سيّر وطلب جميع العساكر وكانوا قريبين حوالى الموصل وسنجار وإربل ومثل هذه الأماكن القريبة. ثمّ إنّه دخل على الملك وضرب جوك وقال: بمرسوم القآن أنقّى من هذه الجيوش عشرة آلاف فارس بعشرة مقدّمين توامين ممّن أعرفهم وألبسّهم عدد عسكر مصر وأكون شاليش وينظر القآن ما أفعل، وأريك (18) قتال جيوش الإسلام كيف يكون، وأرجو من الله تعالى بياض وجهى عند القآن بالنصر
(5) شل وصورة: كذا فى الأصل
(18)
وأريك: وأوريك
إنشا الله تعالى. -فقال: يامير شمس الدين، ما أنا القايل لك من قبل هذا الحال: مهما أردت افعل ولا تشاور؟
قال الناقل: فخرج قراسنقر من بين يدى القآن وطلب عشرة مقدّمين توامين نقاوة عسكر خدابنداه، وهم بيدرا بن قطلوجا بهادر، وتلك ابن صمغار بهادر، وطقتمر بن بولاى بهادر، وأمير حسن بن ششكت بهادر، وكجرك بن عليناق بهادر (6)، وزيرك بن بخشى بهادر، وأحمد شاه ابن قنغرطاى بهادر، وقزلجق بهادر، وعلىّ قجا بن زريك بهادر، وما باجى بهادر. قال الناقل: وهؤلاء المذكورون كلّهم شباب نشأوا جهّالا (9) لا يعرفون الموت، وهم جمرة المغل الحمرا. قال: وأعطاهم قراسنقر العدد الملاح والخيول الجياد وألبسهم القرقلات الأطلس والخوذ البهادريّة، وألبس خيولهم البركستوانات الأطلس، وجعلهم شعلة نار، وتقدّم قدّام عسكر الملك خدابنداه بيومين. وأعطى مماليكه الزرّاقين آلات النفط، وكانوا مايتى مملوك. وقال لهؤلايك المقدّمين: أنتم وحدكم آخذ بكم بلاد بركة، وأفتح بكم إلى آخر المشرق
وركب الملك خدابنداه فى أثره فى بقيّة جيوشه ومغله. وتلاحق به صاحب الكرج، وصاحب ماردين، وصاحب سيس مع ساير ملوك المغل.
وكان قراسنقر أيضا قد رتّب قدّام عسكر الملك خدابنداه خمس ماية زرّاق، علّمهم اللعب بالنفط وآلاته. ورتّب له ثلاث ماية حمل كوشات على البخاتى. فركب فى دست عظيم لا يعهد قبله مثله، وكان عدّة جيشه أحد عشر تومان خارجا (20) عن الجيش الذى كان نقّاهم قراسنقر. وركب
(6) عليناق بهادر: «بهادر» بالهامش
(9)
نشأوا جهالا، نشو جهال
(20)
خارجا: خارج
خدابنداه فى القلب وإلى جانبه الأمير إسماعيل بن ألجاى خاتون بن سردار، وهذا أيضا من عظم هلاوون. ودقّت الكوسات من خلفه فدوى لها الجبال، وأرعدت البرارى والقفار
ورتّب فى الميمنة برأسها من التوامين من نذكر وهم: سرطقتوا بهادر، وطمغاجى بهادر، وأنغطاى بهادر، وعلىّ آغا بهادر (5)، وصغرجى بهادر، وقيمش بهادر، وكربيه بهادر، وطقجى بهادر، وحسن بك بهادر (6)، وقرلوا بهادر، وقرايغدى بهادر، وكرباى بهادر، ودرباى بهادر، ونمجى بهادر (8)، وقزلجى بهادر، وأرطق بهادر، وكجرك بهادر، وسلمان شاه، وجغنان، وطلمايس، وإيت أغلى، وقرغاجى، وطينال، ودمر، وقطرمش، وبراق، وأمير داود، وبكلمش، وقرتقا، وجنقر وسواطوا، وبجاق، وقرا محمد، وأبغا، وقرابغا، ونغاى، ودماجى، وأسن جك، وحسنجى، وطاشار بهادر. وكان إلى جانب الملك من الأمرا أمير يحيى، وبلجك بهادر، وقستا بهادر، وقراقان بهادر، وبلدق بهادر، وسوباى بهادر، وأمير علىّ بهادر، وصلغاى بهادر، وأمير علم حامل سنجق (15) الأرنب، وكان راجل طويل جدّا غليظ فجّ الكلام، كأنّه بعير شديد الحيل، يأكل فى كلّ يوم ثلاثة أرؤس غنم أو نصف رأس بقر سمين، واسمه كرباى بن خنفار. وترتّب الجيش، ووقف الملك خدابنداه، ولعبت الزرّاقين بالنار، وأظلمت البرارى والقفار، وكلّ أحد قد تعاين له الموت.
قال الناقل: هذا ما كان من أمر خدابنداه وأمرايه وجيوشه وأسماهم وعدّتهم على التحقيق من غير زيادة ولا نقصان، حسبما اتّصل بنا من
(5) آغا بهادر: «بهادر» بالهامش.
(6)
بك بهادر: «بهادر» بالهامش
(8)
ونمجى بهادر: «بهادر» بالهامش
(15)
سنجق: السنجق--راجل: هكذا فى الأصل
أخبارهم، ونقلناه من آثارهم جهد الطاقة وحدّ الاستطاعة، بعون الله وحسن توفيقه وبركة إلهامه
وأمّا عسكر طقطاى فنذكر أيضا ما اتّصل بنا من أخبارهم وأسما أمرايهم وعدّتهم، وما كان من أمرهم وكسرتهم ورجوعهم إلى بلادهم مكسورين، بما صنعه معهم قراسنقر ورفقته مفصّلا مبرهنا بحول الله وقوّته:
قد ذكرنا أن المقدّم كان على هذا الجيش اسمه صاروا بغا بن تكلان، وهو أخو براق ملك جبال القار وما معها. وكان فى عسكر كثيف، نيّف وثلاث ماية ألف أو يزيدون، حتى ملا البرارى والقفار، ودكدك الجبال والأوعار، وقطع الأشجار، وأفنى الثمار، ونشّف العيون والأنهار.
لكنّه أكثره عربان، ليس معهم من آلة الحرب غير القسىّ والنشّاب والعصى الخلنج والمقلاع لرمى الحجارة، ولا لبس عليهم ولا على خيولهم، غير أنّهم أمّة كثيرة العدد جدّا. وهؤلاء بيت هلاوون أشجع منهم وأدرب بقتال لكثرة تجاربهم وتكرارهم فى الحروب وأكثر عددا (13) سيّما وقد رتّبهم قراسنقر هذا الترتيب الذى قدّمنا ذكره
قال الناقل لهذه الأخبار: فلمّا كان نهار الأربعا الرابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة التقى (16) الجمعان. وكان صاروا بغا فى القلب وقد رتّب جيوشه ثلاثة صفوف، فى كلّ صف عشرين ألف بهادر. وكان مقدّم الميمنة. . . (18) مع من يذكر من بهادريّته وهم: منكاى، وقبليقان، وأنجاق، وطرقاق، وكنباى، وقلودر، وايربشطى، ومنكوجار، وقلجق، وأوجى، وجاورجى، وبرديك، وبيغوش، وقراقبق،
(13) عددا: عدد
(16)
التقى: اللتقا
(18)
. . .: الذى له، يظهر أن الناسخ كتب هاتين الكلمتين عوضا عن اسم المقدم
وكشلوا، وسلجق، هؤلاء فى الميمنة، وبرأس الميسرة: طقجى بهادر، وطاجار، وطغرجى، وعكوك، وقرابغا، وقرطقا، وأرسلان، وعلىّ ايكا، وانوسلوك، وقرجى تمر، وعلىّ بك، وطبجا، وبغا ملك، وبغا كشكاز، وتكاجى، وقطلو خان، وآقبغا، وطرناى، وتكودر، وباجير، وشرنغاى، وككتمر، وكشلو خان، وقمزجاه، والجميع بالقسىّ والنشّاب والمقلاع والعصى الخلنج بغير رمح ولا سيف ولا دبّوس إلاّ الأمير فيهم أو الكبير، وذلك بين كلّ ألف واحد بعدّة وسلاح
قال: والتقى الجمعان، وعمل الضرب والطعان، وحامت النسور والعقبان، وحمل الشجاع وفرّ الجبان، وعلا الغبار، وثار القتار، وطلع من طنين السيوف الشرار، وكان يوما عسيرا (10) على جميع الكفّار. هذا وقراسنقر قد حمل فيمن استخاره من البهادريّة ممّن ذكرنا وإلى جانبه تلك بن صمغار، وعملا عملا عظيما حتى أدهش الأبصار. ولعبت مماليكه بالنفط والنار.
فولّت أكاديش القادمين من التتار، لقلّة خبرتهم بهذه الآثار. وكذلك حمل آقوش الأفرم والزردكاش وبلبان الدمشقىّ، وفعلوا أفعال الشجعان الأبطال، وحقّقوا ما ذكروه أرباب السير فى دلهمة والبطال (15).
ولم يزل السيف يعمل، والدم ينزل، ونار الحرب تشعل، إلى بعد الظهر تتعتع صاروبغا، وجفلت خيوله من النار ودقّ الكوسات ونعير البوقات.
وولّوا أكثر عساكره لا يلوون على شى. وثبتت البهادريّة وصبروا صبر الكرام، وقد صمّموا على الموت. وامتلأت تلك القفار من رمم القتلى، <و> عادت تلك البرارى من جيفهم ملأى (20)، إلى أن فنى نشّاب عساكر طقطاى، وعاد الذقن بالذقن. هنالك عملت السيوف، وحضرت
(10) يوما عسيرا: يوم عسير
(15)
دلهمه والبطال: كذا فى الأصل ولعل صوابه «ذوى الهمة والأبطال»
(20)
ملأى: ملآ
الحتوف، وانتقصت تلك الصفوف، لمّا طارت منهم الجماجم والكفوف، وولّى عسكر طقطاى طالب الديار، وقد تشتّتت جموعهم فى تلك البرارى والقفار. وتقنطر صاروبغا مقدّم الجيوش، ولولا كان فى أجله تأخير لكان عاد رزقا للوحوش. وقتل عليه نيّف وألف فارس.
وكان الذى قنطره تلك بن صمغار، فلم تزال جيوشه وبهادريّته حوله حتى ركّبوه بعد ما قتل منهم عليه عالم كثير. فلمّا ركب ولّى هاربا (6) وتبعه أصحابه. وركب جيش الملك خدابنداه أكتافهم قتلا وأسرا. وثمّ قراسنقر خلفهم بمن معه. وغرق أكثرهم فى تلك العيون والأنهار، وتبعوهم إلى آخر ذلك النهار. وكسب جيوش خدابنداه من الخيول والمماليك والجوار، ما لا يقع عليه عيار. وجرّد قراسنقر خلفهم عسرة مقدّمين، وقدّم عليهم الزردكاش، وطقتمر بن بولاى، وكجرك بن عليناق، وأمير حسن بن ششكت، وتلك بن صمغار. وساقوا خلفهم من أوّل الليل إلى أن طلع النهار، وردّوا المال الذى كان خلفهم من بعيد والأغنام والأبقار، وخيل القمز والدشار، والحريم والأولاد الصغار
وكان أكثر عساكر الملك خدابنداه قد كسب الكسب الكثير ودخل بين الأشجار. فردّ عليهم صاروا بغا فى جماعة تقدير عشرة آلاف فارس ليأخذ منهم ويخلّص من أيديهم الحريم والأطفال. فالتقاه الزردكاش فيمن توجّه معه ممّن ذكرنا، واصطدموا صدمة عظيمة أعظم من أوّل ملتقى.
وكان تلك بن صمغار، فارسا (19) كرّار، وبطلا مغوار، فعمل عملا عظيما إلى آخر ذلك النهار. وبلغ قراسنقر ذلك، فساق فى ثلاثة آلاف فارس
(6) هاربا: هارب
(19)
فارسا: فارس--وبطلا: وبطل--عملا عظيما: عمل عظيم
ملبّسة كأنّهم شعلة نار، ولحق الزردكاش وهو فى أشدّ الخناق، فأردفه.
وكانت الفيصلة بين الفريقين، وزعق فى عساكر صاروبغا غراب البين
ورجع قراسنقر وقد كسر الأعدا، وتبعهم إلى آخر مدى. وكان أيضا قد التقى تلك بن صمغار لصاروا ابغا فى هذه النوبة وطعنه طعنة ماكنة كاد يقضى عليه. فولّى وهو مجروح، وهو على نفسه ينوح. ووصلوا إلى عند الملك خدابنداه، ونزلوا وضربوا جوك، وهنّوه بالنصر والتأييد، وكيف بلّغه الله ما كان يقصد ويريد. فقرّب قراسنقر إليه، وقبّل رأسه وعينيه، وشكر له ذلك الصنيع. ثمّ عاد وتشكّر للجميع. فقال قراسنقر:
الله يحفظ القآن، اشكر الله تعالى على ما أولاك من نصره فى هذا اليوم الذى ما جرى لأحد من قبلك، لا من آبايك ولا جدودك! وهذا عسكر طقطاى كان قدر عسكر القآن أضعافا (11) مضاعفة. وإنّما التأييد كان من الله تعالى، وسعادة القآن عظيمة. -فقال الملك خدابنداه: هذا ما يعتدّ به إلاّ ببركتك وبركة الأمرا، والله يعيننى على مكافأتكم! -وأعرض قراسنقر عساكر خدابنداه، فنقص أحد عشر ألف فارس. وعدّوا قتلى عسكر طقطاى، فكانوا أحدا وثلاثين ألفا، خارجا عمّا غرق وهلك، وإنّما هؤلاء عدّة ما أفناهم السيف. وكانت هذه الوقعة بمرج جبل العشار، وتبعوهم إلى تمرقابوا
ورجع خدابنداه فرحا مسرورا بما أنعم الله عليه من النصر على أعداه، وفرّق على أصحابه الخيول والبخاتى والمماليك والجوارى (19). وأنعم على قراسنقر ورفقته بشى كثير. ونزل على نهر تزلك، وهو كثير الأعين والأشجار
(11) أضعافا: اضعاف
(19)
والجوارى: والجوار