الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عودة غازان خايب الآمال
وذلك لمّا كان ثالث عشر شهر الله المحرّم من هذه السنة المذكورة.
وردت الأخبار بقصد التتار إلى الشأم المحروس، ووقع الجفل فى البلاد.
وكثرت الأراجيف بجميع تلك الديار. ووصلت القصّاد إلى الأبواب وأخبروا أنّ غازان حشد حشودا (5) كثيرة، ونادى الغزاة إلى الديار المصريّة. وعند ذلك وقع الجفل العظيم فى ساير الممالك الشأميّة. وتوجهوا إلى الديار المصرية.
وكان ذلك من أوّل شهر صفر، واستمرّ كذلك إلى سلخ جمادى الأولى من الفراة إلى غزّة. فمنهم من قصد الحصون. مثل الصبيبة وعجلون وصرخد وغيرهم. ومنهم من طلب الديار المصريّة وهم الأكثر من الناس. وعادت الأخبار تزيد وتنقص: هذا <ما> جرى بالشأم
وأمّا ما كان بالديار المصرية: فلمّا بلغ ذلك المسامع الشريفة السلطانيّة الناصرية لازالت موفورة ببشاير النصر، فى كل حين ووقت وعصر، برزت المراسم الشريفة بخروج العساكر المنصورة، وبرز الدهليز المنصور وخيّم بمسجد التبن. وخرجت العساكر كالجراد المنتشر، وخيّموا حول الدهليز المنصور. كأنّهم القشاعم والنسور. وكان توجّه الركاب الشريف طالبا للغزاة المبرورة ورحيله من مسجد التبن طالبا للغزاة بنيّة صادقة، وقلوب من جيوشه على ذلك موافقة، يوم السبت ثالث عشر صفر، فوصل إلى منزلة بدعرش، وخيّم بها الدهليز المنصور. فأقام بهذه المنزلة إلى سلخ شهر ربيع الآخر
فحصل للناس فى هذه السنة مشقّة عظيمة من البرد العظيم الزايد عن حدّ القياس، حتى أقامت تمطر على الناس، أربعين يوما ليلا ونهارا (21)،
(5) حشودا: حشود
(21)
ليلا ونهارا: ليل ونهار
لا ينظرون الشمس. وانقطع الجالب للأوحال العظيمة بالطرقات. ووقع الغلاء الزايد حتى بلغ الحمل التبن الذى أكثره تراب لا ينتفع به أربعين درهما، وخمسين درهما، ولا كان يحصّل إلاّ بالدبابيس وأىّ من قوى أخذه. ولم يقدروا على الوصول إلى دمشق البتّة
هذا ما جرى للجيوش الإسلاميّة. وأمّا التتار، فإنّ غازان لم يزل على طغيانه وسيره حتى نزل على مصطبة السلطان بحلب. ووصل يزكيّته إلى قرون حماة وإلى بلاد سرمين والمعرّة. ونفذ أكثر الجيوش إلى بلاد أنطاكيّة وجبال السماق، فنهبوا من تلك النواحى شيئا عظيما (8) من الأغنام والأبقار، وسبوا عالما عظيما (9) من النسا والأطفال. وذلك أنّه فى سنة تسع وتسعين كان قد التجأ (10) إلى هذا الجبل عالم كثير واختلفوا فيه ولم يشعروا بهم التتار ولا قصدهم منهم أحد. فلمّا كان هذه السنة طلع إلى هذا الجبل أكثر من تلك العالم بأضعاف، طمعا فى السلامة بالنسبة إلى تلك السنة. فلمّا أقام غازان ببلاد حلب سيّر أكثر الجيوش، ففعلوا ما ذكرناه بحيث أباعوا الأسير بعشرة دراهم (14). واشترى صاحب سيس منهم خلقا كثيرا. وأوسقوا مراكب، وسيّروهم إلى بلاد الفرنج بالجزاير. ثمّ أرسل الله تعالى على التتار من الأمطار والثلوج بحيث أقامت عليهم أحدا وأربعين يوما ليلا ونهارا.
وذكر أن وقع عليهم ثلج أحمر لم يعهدوا بمثله. وتلف من جيوش التتار خلق عظيم، ولحق الدوابّ الذين لهم طابق كثير. ورجعوا إلى بلادهم أنحس
(8) شيئا عظيما: شئ عظيم
(9)
عالما عظيما: عالم عظيم
(10)
التجأ: التجا
(14)
دراهم: الدراهم--خلقا كثيرا: خلق كثير