الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوّاب فى هذه السنة حسبما سقناه من ذكرهم فى السنة الخالية بمصر والشأم إلى حين دخول التتار البلاد-لا أعادهم الله تعالى-حسبما يأتى من ذكرهم فى تأريخهم مفصلا إنشاء الله تعالى
ولمّا صحّت أخبار التتار وقصدهم الشأم المحروس توجّه الركاب الشريف السلطانىّ من الديار المصريّه بجميع الجيوش المنصورة إلى نحو الشأم، ونزل بمنزلة تلّ العجول. فاتّفقت الأوراتيّة، وهم طايفة من التتار الذين كانوا دخلوا الديار المصريّة فى أيّام كتبغا وقد تقدّم ذكرهم، على قتل الأمير سيف الدين سلاّر والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، فاطّلعوا على أمرهم، فمسكوهم وشنقوهم واعتقلوا بقيّتهم. (9)(وقتل برنطاى لكندغدى النقيب ومسك برنطاى ووسّط فى فرقته)(10). ثم رحل الركاب الشريف من منزلة تلّ العجول ونزل عسقلان، وذلك فى شهر المحرّم إلى ثامن شهر ربيع الأوّل
فتواترت (12) الأخبار، بوصول التتار، فتوجّه الركاب الشريف إلى دمشق المحروسة، ونفق فى الجيوش المنصورة
ذكر وقعة نوبة غازان بوادى الخزندار
ولمّا وردت الأخبار، وصحّت أنّ التتار، عدّوا الفراة إلى ناحية الشأم خرج الركاب الشريف من دمشق المحروسة نهار الأحد سابع عشر شهر ربيع الأوّل. ولم يكن عند المسلمين فى تلك النوبة اكتراث (17) بالتتار، ولا كأنّهم عندهم عدوّ، بل مشمّرين الذيول، كانحدار السيول، لملتقى العدوّ
(9 - 10) وقتل. . . فى فرقته: بالهامش
(12)
فتواترت: تواترت
(17)
اكتراث: اكتراثا
المخذول {وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً} (1)، ولبس الجيش قبل الملتقى بثلاثة أيّام، ولم يزالوا على ظهور الخيل فى تلك المدّة ليلا ونهارا (2)، وحصل التعب والملال، للخيل والرجال. ثمّ وردت الأخبار أنّ التتار ولّوا هاربين، وإلى وراهم راجعين، وبأنفسهم ناجعين، وذلك لما بلغهم من كثرة الجيوش الإسلاميّة، والعساكر المحمّديّة، وما هم عليه من العدّة والسلاح، وقوّة عزمهم على طلب الكفاح، وكان هذا كلّه مكرا منهم وخديعة للإسلام، وغشا (7) لأمّة محمد عليه السلام. فظنّ المسلمون أنّ ذلك حقّا، وأنّ التتار قد عجزوا عن الملتقى
فلمّا كان نهار الأربعا تاسع وعشرين ربيع الأوّل التقى الجيشان، والتحم الضرب والطعان، وذلك أنّ المسلمين (10) ركبوا بعد صلاة الصبح من ذلك اليوم بالحدّ والحديد، والجدّ الأكيد، ركضا بالمقرعة والمهماز، وعاد الأمر حقيقة لا مجاز. وكان الطالع فى ذلك اليوم أنّ الطالب مغلوب، دون المطلوب، لكن عمّيت للأمر المقدّر القلوب، ليكون ما كان كامنا من المقدور فى الغيوب. ولم يزل (14) المسلمون على ذلك المشوار، إلى الخامسة من ذلك النهار. فأشرفوا على جموع التتار، وهم نزول على مواقد النار، مستريحون الخيول والأبدان. ولا يشكّ أنّ الراحة والتعب ضدّان، وبون بين المستريح والتعبان، وكلّ ذلك للأمور المقدّرة والأحكام المدبّرة. وحملت ميمنة المسلمين (18) على ميسرة التتار فأفنوهم
(1) السورة 33 الآية 38
(2)
ليلا ونهارا: ليل ونهار
(7)
غشا: غش
(10)
المسلمين: المسلمون
(14)
ولم يزل: ولم تزال
(18)
المسلمين: المسلمون
بالصارم البتّار، وركنوا إلى الفرار، ولم يعدم من ميسرة (1) المسلمين إلاّ النادر القليل، وكذلك القلب من المسلمين، فإنّه فعل فعلا (2) جميل. ثمّ حصل تخاذل من الله عز وجل، فهربت ميمنة (3) المسلمين وتبعها من كان ورا السناجق السلطانيّة، فصاروا من المنهزمين، وانتصرت الطغاة الباغون ف {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} (5) وذلك بعد العصر، وحصل للمسلمين حصر، وأيّما حصر! وساق مولانا السلطان فى طايفة يسيرة نحو بعلبكّ، والجيش بأمره قد اشتبك، وعادت الغنايم والأموال، والعدد والأثقال، ملقاة ملو الأرض، فى طولها والعرض، ورموا الجند ساير عددهم ليخفّوا عن خيولهم. وقد تحيّرت لتلك النازلة عقولهم، وتفرّقوا ثلاث فرق، وتمزّقوا كلّ ممزّق. فأمّا الفرقة التى سلكت البرّيّة هلكت بأسرها، وكذلك التى طلبت السواحل بالمالح لم ينجو منهم إلاّ من كان فى أجله تأخير، وذلك النادر. ونفذ فيهم مقدور القادر. ولم يسلم من هذه الطايفة التى سلكت الساحل إلاّ من رافق الأمير سيف الدين بلبان الطبّاخىّ. فإنّه جمع مماليكه وثقله وعبر فى تلك الطريق على حميّة فى فارس وسبع ماية، والتأم به خلق كثير من الجند، فسلم من شرور الجبليّة. وأمّا الفرقة التى سلكت الجادّة فإنّها سلمت، ولم يعدم منها إلاّ القليل. وكان الجبليّة والعربان على الناس أشدّ من التتار، حتى كأن كان لهم على الإسلام تار
ثم إنّ التتار ظنّوا أنّ تلك الهزيمة مكيدة من المسلمين، وكان ذلك لطفا من ربّ العالمين. فإنّهم لم يتبعوا تلك الليلة للإسلام، إلى أن انقضى
(1) ميسرة: كان أصلها «ميمنة» وصححها الناسخ
(2)
فعلا: فعل
(3)
ميمنة: كان أصلها «ميسرة» وصححها الناسخ
(5)
السورة 2 الآية 156