الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خزانة الخاصّ، والنوّاب بالممالك الشأميّة: الأمير سيف الدين تنكز ملك الأمرا بالشأم المحروس بدمشق المحروسة، والأمير علاء الدين ألطنبغا بحلب المحروسة، والأمير سيف الدين كستاى بطرابلس المحروسة إلى حين (3) وفاته فى هذه السنة، وتولّى الأمير شهاب الدين قرطاى الحاجب بدمشق، (4) والأمير سيف الدين أرقطاى نايب صفد بحكم عودة بكتمر الحاجب إلى الديار المصريّة، واستقرّ بها أميرا مقدّما، والأمير علم الدين الجاولى بغزّة
والملوك بأقطار الأرض حسبما وصل إلى العبد من ذكرهم. فيها سلطن مولانا السلطان الملك عماد الدين إسماعيل وملّكه حماة
ذكر تملّك الملك عماد الدين حماة وركوبه
وذلك لمّا كان يوم الخميس سابع عشر شهر الله المحرّم من هذه السنة، برزت المراسم الشريفة السلطانيّة الملكيّة الناصريّة-لا زالت تعلى ممالك الملوك من ذوى الاستحقاق، وتعيدها إلى مراتبها العليّة فى ساير الآفاق-بأن يملّك الملك المؤيّد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل نور الدين علىّ بن الملك المظفّر تقىّ الدين (14) محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفّر تقىّ الدين (15) عمر بن شاهنشاه بن أيّوب مملكة حماة، على ما كان عليه أجداده الملوك الكرام، ومولانا السلطان عزّ نصره عضده وحماه. ولبس خلعة الملك بالمدرسة المنصوريّة، وشقّ القاهرة فى التأريخ المذكور بثلاثة سناجق، أحدهم خليفتىّ، وتحته فرس برقىّ، وحملت الغاشية السلطانيّة بين يديه، وضربت الشبابة قدّامه، وزعقت الجاويشيّة
(3 - 4) إلى حين. . . بدمشق: بالهامش
(14 - 15) تقىّ الدين. . . الملك المظفر: مكرر بالهامش
أمامه. ونزل الأمير سيف الدين أرغون النايب بالديار المصريّة والتقاه من تحت القلعة من عند الطبلخاناه السلطانيّة. ولبس فى ذلك اليوم الأمير سيف الدين ألماس أمير حاجب أطلس كامل بكلوتة زركش وحياصة ذهب، وكذلك الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدىّ أمير جاندار مثله، وكذلك الأمير علاء الدين أيدغمش أمير آخور مثله، وكذلك الأمير سيف الدين قجليس أمير سلاح مثله، وشهاب الدين بن المهمندار أمير نقبا الجيوش طرد وحش كامل، والأمير شمس الدين صواب الركنىّ مقدّم المماليك السلطانيّة مثله، وصاروجا النقيب كنجىّ أحمر، ومحمد الجاويش بغلطاق، وكلّ من هؤلاء فى منزلته على جارى العادة عند ركوب مولانا السلطان عزّ نصره. وحصل له من الجبر والإنعام فوق ما كان فى أمله، وهذه من جملة ما يعتدّ بها من حسنات مولانا السلطان خلّد الله ملكه، واستقرّ صاحب حماة
وصاحب اليمن: الملك المؤيّد هزبر الدين داود بن الملك المظفّر بحاله، وصاحب ماردين: الملك الصالح بن الملك المنصور بن المظفّر الأرتقىّ المقدّم ذكره، وصاحب مملكة التتار بالعراقين وخراسان: الملك أبو سعيد ابن خدابنداه المقدّم ذكره، وصاحب مملكة التتار أيضا بما ورا النهر:
الملك كبك بن جبار بن قيدوا بن قنجى، وصاحب مملكة التتار أيضا ببلاد بركة: الملك أزبك بن (18). . . .، وصاحب مملكة التتار بالبلاد الشماليّة: الملك كلك بحكم وفاة أبيه منغطاى فى هذه السنة، وصاحب التخت ببلاد الصين: الملك قاآن قلاصاق شرمون بن منقلاى، وصاحب
(18) بعد «بن» بياض ثلث السطر يسع بقية الاسم
الهند ببلاد دلى: الملك المسعود محمود بن شيخو عتيق أيتامش الغورى، وملوك المغرب حسبما اتّصل بنا فى هذا الوقت ما نحن ذاكروه:
صاحب مرّاكش:. . .، صاحب تونس:. . .، صاحب الأندلس:. . . (4) فهؤلاء ما اتّصل بنا من أسماء هؤلاء الملوك فى هذا التأريخ المذكور، وما وراهم، فعلمهم عند الله عز وجل. ولعلّ من يعلم من أمورهم ما لا نعلمه
وفيها حضر ناصر الدين محمد بن الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب من الحجاز الشريف، وخبّر بقتل حميضة بن أبى نمىّ صاحب مكّة فى العشرين من شهر جمادى الآخرة. واستقرّ بمكّة أخواه رميثة وعطيفة (9)، وناصر الدين منصور بن جمّاز بن شيحة صاحب المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بحاله
وفيها أفرج الله تعالى عن جماعة من المعتقلين وهم: الشيخ علىّ الكبير، ومنقجار (13)، ومنكلى السلحدار، وعشرة نفر لم يكونوا أمرا. وفى يوم الخميس خامس عشر صفر أحضر من الإسكندريّة من الاعتقال عشرة نفر، أفرج الله تعالى عن أربعة وهم: سنجر الأحمدىّ، وطوغان نايب البيرة، والصارم العينتابىّ، وطاجار البكرىّ، وأودع البقيّة الاعتقال بقلعة الجبل المحروسة. وفى يوم السبت سابع عشر صفر أفرج الله أيضا عن جماعة أخر وهم: قبجق الطويل الساقى، ومغلطاى السيواسىّ، وأيدمر الشيخىّ، والحاجّ بلبك، ومغلطاى إيتغلى، وسنقر الكمالىّ الصغير. وفى يوم الأحد خامس عشرين صفر أحضر بهادر الإبراهيمىّ وأيدغدى التقوى، وأكحلا،
(4) مكان الأسماء بياض فى الأصل
(9)
وعطيفة: بالهامش
(13)
ومنفحار: كذا فى الأصل
وذلك أنّهما كانا معتقلين (1) بثغر الإسكندريّة، فتحيّلا وهربا من السجن.
وكان معهما شخص آخر من المماليك السلطانيّة يسمىّ سيف الدين رمضان، فلم يوافقهما على الهروب. فأفرج عنه، وأنعم (3) عليه بإقطاع جيد
نكتة: كان أيدغدى التقوى لمّا خرج أمير الركب إلى الحجاز الشريف، كان فى الركب ولد لنور الدين ريّس الكحّالين يسمّى صدر الدين، أسود اللون، وكانت أمّه سودا. فحصل منه ما أدّى (6) التقوىّ أنّه أنزله عن مركوبه، وتركه فى البرّ الأقفر بغير زاد ولا مركوب وأراد هلاكه. وكان فى أجله تأخير، فتوصّل إلى الديار المصريّة بعد الركب بأشهر. فلمّا رسم بتكحيل هذين النفرين أكحلهما (9). ثمّ قيل إنّهما ينظران، فأحضرا ثانى دفعة. وأحضروا من يكحلهما. فأجمعوا الأطبّاء أنّهما لا يفيد فيها إلاّ الحديد بشى من عدّة الكحل يسمّى أبى عيشى، أجارنا الله تعالى، فرسم بذلك. فلم يقدم على ذلك أحد. فتقدّم هذا صدر الدين بن نور الدين الذى كان فعل معه ما فعل وقال: أنا أكحلهما بأبى عيشى. - فلمّا تقدّم للتقوىّ قال له: من أنت؟ -قال: أنا الذى أردت هلاكى، وأراد الله بقايى حتى مكّننى منك. -فقال: افعل ما يستعملك الله! - ففقأ أعينهما بالمبضع المذكور. فانظر إلى صنع الله عز وجل
وممّا يحكى من جملة سعادة مولانا السلطان-زاده الله زاده وزاده، وبلّغه فى الدارين غاية الأمل والإرادة-أن بلغ المسامع الشريفة فى هذه السنة أنّ ببلاد البحرين حصانا (19) أشقر قليل المثل فى وقته، فأرسل مولانا
(1) معتقلين: معتقلان
(3)
وأنعم. . . جيد: بالهامش
(6)
أدى: اوذا
(9)
أكحلهما: أكحلاهما
(19)
حصانا: حصان
السلطان فى طلبه، وعاد الخاطر الشريف متعلّقا به، لكثرة ما وصف له من صفات ذلك الحصان المذكور. ثمّ اتّصل بالمسامع الشريفة أنّ الفرس المذكور وصل إلى الشأم المحروس. فأرسل البريد فى طلبه ورسم ألاّ يشتريه أحد (4) من العربان ولا من غيرهم. وعاد مولانا السلطان كثير التطلّع إلى أخباره والحثّ على حضوره. فلمّا وصل البريد المتوجّه فى طلب الفرس إلى سبخة السوادة وجد الفرس المطلوب بها، وهو مع جماعة من العرب قادمين به إلى مولانا السلطان، ومعه حجرة أخرى تقاربه فى صفاته. وقرّب الله البعيد، على طلب هذا الملك السعيد، ووصل إلى مولانا السلطان بعد مدّة ستّة أيّام من سماع خبره. وكان اسم صاحبه برجس بن سلطان العامرىّ من عرب البحرين. وكان وصول الفرس المذكور يوم الخميس سادس ربيع الآخر. وقد قال فى ذلك جلال الدين الصفدىّ البريدىّ أبياتا فالمستحسن منها:
(13)
…
يا مليك الأرض الذى أصبحت
نعمته بين الورى جاريه (13_)
إنّ الحصان الأشقر الصيحمى
…
أتى يمشى فى خدمته جاريه
يجرى إلى الخدمة مستبشرا
…
والحجرة أيضا معه جاريه
وفى غد قد أقبلت حجرة
…
تدعى الكحيلية لا الجاريه
وستّة هن خوات لها
…
الكلّ ستات بلا جاريه (17)
وفيها قبض على الأمير علم الدين سنجر الجاولى الأمير سيف الدين ألماس أمير حاجب وسيّر إلى الأبواب العالية تحت الحوطة صحبته ثمانية مماليك من مماليك ألماس. وكان العبد قد توجّه على البريد لتجهيز الخيول
(4) أحد: احدا
(13 - 17) الأبيات من بحور مختلفة ومضطربة الوزن
(13_) الذى: التى
بالمنازل لأجل توجّه القاضى كريم الدين الكبير إلى القدس الشريف.
فوصل الأمير علم الدين إلى المنزلة السعيديّة ثانى يوم من شهر رمضان المعظّم من هذه السنة المذكورة، وسلّم إلى الأمير علاء الدين مغلطاى الجمالىّ ثالث يوم من رمضان. فأخذه من بستان مولانا السلطان من بركة الحجّاج وتوجّه به فى الحرّاقة إلى ثغر الإسكندرية، فأقام بها حتى أفرج الله عنه فى تأريخ ما يأتى ذكره، ثمّ خرج الأمير صارم الدين الجرمكىّ على حوطته. ثمّ ولى مكانه بغزّة الأمير حسام الدين لاجين الصغير من أمرا دمشق
وفى خامس عشرين ربيع الأوّل وصل الأمير سيف الدين أطرجى (9) من بلاد بركة من عند الملك أزبك وصحبته الآدر الشريفة بنت أخى أزبك، وحضر معها رجل مقعد، وقاضى يسمّى نور (11)، وقالوا: إنّ هذا القاضى هو الذى أهدى الملك أزبك إلى الإسلام، ومعهم جمع كبير. وأنزل بها فى الميدان الظاهرىّ، وحضر أيضا معهم رسل كبار من جهة الملك أزبك ورسل الفرنج. وحضر صحبتهم سكران التاجر الإفرنجىّ ورفيقه.
استحضرهم مولانا السلطان عزّ نصره وتحدّث معهم. وكان معهم عدّة مماليك وجوار. ثمّ استحضر مولانا السلطان الرسل وذلك الرجل المقعد، وعقدوا العقد الشريف. ثمّ نزل الأمير سيف الدين أرغون النايب والأمير سيف الدين بكتمر الساقى والقاضى كريم الدين الكبير إلى الميدان، وطلعوا بالخاتون الجليلة، وهى على عربة صفة عجلة ملبسة الثياب المذهبة زىّ لبس البلاد. وذكروا أنّ الرسل والمماليك والجوارى (20) وسكران التاجر ورفيقه جميعهم كانوا فى مركب واحد، وأنّ مشتراه على صاحبه ثمانين
(9) أطرجى زت: اطوجى، انظر السلوك ج 2 ص 177
(11)
نور: نور
(20)
والجوارى: والجوار
ألف دينار، ولكنّه شراها خمسين ألف دينار وشيئين وطريده (1) استصحبوهم معهم. وكان عدّة الجماعة الواصلين ألفى نفر وأربع ماية نفر، توفّى منهم فى البحر أربع ماية نفر، ووصل الباقى إلى الأبواب الشريفة. وكان عدّة المماليك الواصلين مع التجّار أربع ماية نفر وأربعين مملوكا، اشترى منهم مولانا السلطان مايتى مملوك وأربعة مماليك بمبلغ ألف ألف درهم نقرة، والباقى اشتروهم الموالى الأمرا. ثمّ فى يوم الجمعة سلخ ربيع الآخر كتب القاضى علاء الدين بن الأثير رحمه الله الكتاب الشريف السلطانىّ فى شقّة أطلس أبيض بالذهب المحلول، فجا مدهشة لمن يراه، وكان مبلغه ثلاثين ألف دينار حالّة. وتضمّن الكتاب خطبة عظيمة القدر جامعة البراعة إلى البلاغة. وكانت نسختها عند العبد، فعدمت، ولم اقدر لها على نسخة، فأثبتها هاهنا
وممّا يؤرّخ من جملة سعادة مولانا السلطان-جعل الله سعده بداية بلا نهاية-ما حكاه لى والدى رحمه الله، أنّ السلطان الملك الظاهر رحمه الله طلب جرمك الناصرىّ وقال له: أريدك تحصّل لى رجلا عاقلا ديّنا كافيا (14) أرسله إلى بلاد بركة فى مهمّ. -فأحضر له رجلا (15) بهذه الصفة. فسفّره إلى بلاد بركة وأعطاه جملة مال وأوصاه أن يشترى ويتوقّع له على جارية تركيّة من تلك البلاد. فتوجّه وغاب مدّة طويلة وعاد، ولم يقدر على تحصيل جارية، ومولانا السلطان-أعزّ الله أوليايه، وخذل أعدايه فى أدنى إشارة من إشاراته! -حملت له بنت أكبر ملوكهم، وهو المخطوب لا الخاطب (20)، والمرغوب لا الراغب. وهؤلاء القوم أكبر بيوت التتار،
(1) وشيئين وطريده: كذا فى الأصل
(14)
رجلا عاقلا دينا كافيا: رجل عاقل دين كافى
(15)
رجلا: رجل
(20)
الخاطب: خاطب
فإنّهم بيت باتوا، وهذا باتوا أكبر عظم القآن جكز خان. وكان لهم من القسمة فى الغنايم من الفتوحات التى افتتحتها التتار من أوّل زمان الخمس، يحمل إلى بيت باتوا مهنّيا ميسّرا، من غير أن يكون لهم مع من يفتح البلاد جيش (4) ولا مقاتلة، بل يحمل لهم الخمس على سبيل الخدمة. وبيت هلاوون دونهم فى المنزلة وهم عندهم كالنوّاب لهم، لا يعتدّون لهم بأصالة فى عظمهم، وإنّما هؤلاء يعرفون بينهم بالمغربة، أعنى بيت هلاوون. وبيت باتوا من أكابر الأصول فى العظم، وهذا من أعظم سعادات السلطان، حضور بنت أزبك بخطبة من مولانا السلطان لها، وإجابتهم لذلك تقرّبا للخواطر الشريفة السلطانيّة. وهذا شى ما جرى لملك من ملوك مصر أبدا، فسبحان من أطاع لمولانا السلطان الملوك الجبابرة، ملاّك أملاك الأكاسرة والقياصرة
وفيها توفّى القاضى زين الدين المحتسب الأسعردىّ سادس عشر شهر رمضان المعظّم، وكان إنسانا جيّدا مباركا، عليه سكينة ووقار ورياسة وأمانة ونهضة (14) وسياسة، رحمه الله. وتولّى عوضه القاضى نجم الدين بن أخيه واستقرّ كذلك. وخرجت عنه وكالة بيت المال المعمور، ووليها القاضى قطب الدين السنباطىّ
(4) جيش: جيشا
(14)
ونهضة: ونهظة