المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر سبب مأتى التتار إلى الرحبة والسببفى عودتهم خايبين - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٩

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر الوقعة التى كانت بين التتارودخول سلامش الديار المصريّة

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وتسعين وستّ ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر وقعة نوبة غازان بوادى الخزندار

- ‌ذكر ما جرى لدمشق من الأحوال الناكدة

- ‌ذكر رجوع غازان إلى الشرق

- ‌ذكر عودة جيوش الإسلامبالنصر إلى بلاد الشام

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع ماية هجريّة

- ‌ولنذكر الآن ما يخصّ حوادث الزمان:

- ‌ذكر عودة غازان خايب الآمال

- ‌ذكر لباس النصارى واليهود الأزرق والأصفر

- ‌ذكر ما جرى فى هذه السنة بين ملوك الهند

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما جرى للمجيرى عند حضورهبين يدى غازان

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر نصرة الإسلام على التتار الليام

- ‌ذكر حدوث الزلزلة فى هذه السنة

- ‌ذكر ما جاء من القول فى حدوث الزلزلة

- ‌ومن كتاب عجايب المخلوقات وبدايع الموجودات

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر دخول العساكر الإسلاميّة سيس

- ‌ذكر وفاة غازان وتملك خدابنداه

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌[نسخة مكتوب السلطان الناصر إلى غازان خان بعد معركة شقحب]

- ‌تتمّة كلام المجيرىّ للوالد رحمهما الله تعالى جميعا

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان بين عسكر حلب وأهل سيس

- ‌ذكر واقعة الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة رحمه الله

- ‌ذكر ما جرى للشيخ تقىّ الدين بمصر المحروسة

- ‌ذكر السبب الموجب لهذه الفتن المذكورة

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان بين التتار وبين أهل كيلان

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر تغلّب بيبرس الجاشنكير على الممالكحتى عاد بسوء تدبيره هالك

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌أشاير البشاير

- ‌ذكر عودة الركاب الشريف السلطانىّ المالكىّالناصرىّ إلى محلّ ملكه بالديار المصريّة وهى المملكة الثالثة

- ‌ذكر دخول مولانا السلطان عزّ نصره دمشق المحروسة

- ‌ذكر توجّه الركاب الشريف إلى الديار المصريّة

- ‌ذكر سبب توجّه القاضى علاء الدينابن الأثير فى ركاب مولانا السلطان إلى الكرك

- ‌ذكر نزول بيبرس عن الملك وهروبه

- ‌ذكر ما اتّصل بنا من مدايح التهانى البديعات الألفاظ والمعانى

- ‌ذكر القبض على بيبرس من الطريقوعودته إلى الأبواب العالية

- ‌ذكر [حوادث] سنة عشر وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر سبب مسك بكتمر الجوكندار وكراىوبقيّة النوّاب

- ‌ذكر سبب تقفيز قراسنقر وآقوش الأفرمومن معهما ووصولهم إلى التتار

- ‌ذكر تعدية قراسنقر إلى التتار

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتى عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر توجّه الركاب الشريف عزّ نصرهإلى الشأم المحروس بنيّة الغزاة

- ‌ذكر سبب مأتى التتار إلى الرحبة والسببفى عودتهم خايبين

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان من أمر قراسنقر بالبلادوالواقعة بين خدابنداه وطقطاى فى هذه السنة

- ‌ذكر الواقعة التى كانت بين الملكين خدابنداه وطقطاى

- ‌ذكر ما جرى لعسكر طقطاى لمّا عادوا هاربين

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر أخذ ملطية وصفتها

- ‌ذكر الروك المبارك الناصرىّ

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة عشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر تملّك الملك عماد الدين حماة وركوبه

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سبب دخول المأمون على بوران

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وعشرين وسبع ماية

- ‌[ما لخص من الحوادث]

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر ما تجدّد فى هذه السنة المباركة

- ‌ذكر عدّة ما استجدّ من الجوامع المعمورة بذكر الله تعالىفى أيّام مولانا السلطان

- ‌[ذكر أنكاد الزمان:]

- ‌[أنكاد] القرن الأوّل

- ‌[أنكاد] القرن الثانى

- ‌[أنكاد] القرن الثالث

- ‌[أنكاد] القرن الرابع

- ‌[أنكاد] القرن الخامس

- ‌[أنكاد] القرن السادس

- ‌ذكر الجوامع المباركةالتى انتشت فى دولة مولانا السلطان عزّ نصره

- ‌ذكر المستجدّ أيضا من الجوامع المباركةبالممالك الشاميّة

- ‌والمستجدّ أيضا بدمشق المحروسة

- ‌والمستجد أيضا بطرابلس

- ‌ذكر تتمّة الحوادث

- ‌ذكر سبب دخول سيس

- ‌ذكر عمارة قلعة جعبر فى هذا الوقت

- ‌[خاتمة الكتاب]

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر سبب مأتى التتار إلى الرحبة والسببفى عودتهم خايبين

‌ذكر سبب مأتى التتار إلى الرحبة والسبب

فى عودتهم خايبين

إنّما قدّمنا القول فى ذكر ما كان من أمر العساكر الإسلاميّة، والجيوش المحمديّة، وأخّرنا ذكر ما كان من جيوش التتار، وعساكر الكفّار، لما قبل <من الطويل>:

أيا دهرنا نعماك فينا أتمّها

ودع أمرهم إنّ المهمّ المقدّم

والآن فنبتدى بما كان من أمور التتار، وسبب مأتاهم إلى تلك الديار.

وذلك أنّ القول تقدّم من العبد بما كان من أمر قراسنقر ورفقته المرتدّين، المغضوب عليهم إلى يوم الدين. وكان قد سيّر قراسنقر قصّادا (9) من البلاد ليخبروه بما كان وبما فعله مولانا السلطان فى حقّ بنيه، وحاشيته وذويه.

وقد حسّن للملك خدابنداه الدخول إلى الشام، وأنّه يأخذ له البلاد من غير قتال ولا كلام. وسيّر إلى ساير ممالك التتار، من ساير الأقطار، وجنّد الجنود، وحشد الحشود. هذا والأفرم ملتهى مع الملك خدابنداه فى حسو الخندريس، وقد صار أقرب إليه من كلّ جليس. فبينما قراسنقر وجوبان يحزّبون الأحزاب، ويسبّبون الأسباب، إذ ورد على قراسنقر إحدى قصّاده، ومن كان عليه اعتماده بكتب من عيونه، يخبروه عن أولاده، بما قرّت به عيونه، وأنّ المراحم الشريفة لم تؤاخذهم بما فعله آباؤهم من سوء الاعتماد، ولا ما جناه من الفساد، وأنّه أنعم عليهم (18) بأمريات، وجعلهم فى صحيفته من جملة الحسنات، وأملاكك بتجبيها جباتك، وتحمل إلى خزاين أولادك،

(9) قصادا: قصاد

(18)

عليهم: عليهما

ص: 251

ولم يفقدوا غير نظرك عليهم. وقد زاد مولانا السلطان فى إحسانه إليهم.

هنالك داخله الندم، لما عليه من الفساد قد قدم، ولا عاد يقدر ليستدرك ما فرط، ممّا (3) وقع فيه من الغلط

وفى جملة ما ذكر القاصد لقراسنقر أنّ العساكر الإسلاميّة متفرّقة فى بلادها يربعوا (5) خيولهم من أمرايها وأجنادها، ولا عندهم مهلة حتى ليستغلّوا مغلاّتها، فإنّ أخبار البيكار، شايع فى ساير الأقطار. والسلطان فى الصيد ليس عنده من جموعكم هذه اكتراث، وفى عزمه أن يسقى خيله هذه السنة من ماء الفراة. فأخذ قراسنقر ذلك القاصد، وأتى به إلى الملك خدابنداه قاصد، وحدّثه مشافاه، بما عاينه وسمعه ورآه. فقال خدابنداه: فماذا عندك، يامير شمس الدين، من الرأى؟ فنحن لرأيك متّبعين، ولقولك مستمعين. -فلم يمكنه الرجوع عمّا كان هو السبب فيه، وخشى أن تشمت به أعاديه، ويجدوا للقول فيه بابا (11) مفتوح، ويعود كأنّه غير نصوح. فقال: يا ملك، وأيش من الرأى غير دوس الشام، فى هذا العام؟ فقلاعها حاصلة فى يديك، والجميع تسلّم إليك، من غير حرب ولا قتال، ولا تعب ولا نضال. وأوّل ما نجعل نزولنا على الرحبة، ونضرب من بابها الرقبة، والذى عندى أنّه يسلّم إلينا المفتاح عند أوّل حملة، ولا يطيق حصارا (16) ولا يعطى نفسه مهلة. - هذا (17) وجوبان يسمع الكلام ولا يبدى جواب، وقد داخله من الحنق حتى لا يحير خطاب، ولو مكّن من قراسنقر ورفقته لما كان لهم عنده غير ضرب الرقاب (19)

(3) مما. . . الغلط: بالهامش

(5)

ربعوا. . . حتى: بالهامش

(11)

بابا: باب

(16)

حصارا: حصار

(17 - 19) هذا. . . الرقاب: بالهامش

ص: 252

فعند ذلك قوى العزم المخذول، على الركوب والدخول، لما كان فى قلوبهم من نوبة شقحب من الدجول. ورسم لصاحب ماردين بجرّ المناجيق (3) إلى شطّ الفراه، وبجرّ عساكره بنفسه من وراه. وكان صاحب سيس، النجس الخسيس، قد جهّز الأخشاب والحواصل، وحمّل البغال والمسامير والسلاسل. وركب الملك خدابنداه من الأردوا طالبا للفراه، وجيوشه قد طبّقت الأرض من قدّامه ووراه، ومماليك قراسنقر يلعبون قدّامه بالنار، وقد علا الدخان وزاد القتار، وضرب قدّامه الزمر والطار. هذا وقد أظلّتهم الظلمة والوحشة، وقد أخذتهم الحيرة والدهشة، ومسلمين البلاد تدعو عليهم بالخذلان، ويلعنوا قراسنقر ورفقته سرّا وإعلان

فاجتمع قراسنقر بالأفرم فى ذلك الوقت وقال له: يامير جمال الدين، ترى نحن فى اليقظة (11) أو فى الأحلام؟ قد عدنا فى جيوش الكفر بعد جيوش الإسلام، وما كفانا حتى نكون (12) السبب فى تجهيز أمّة الكفر إلى أمّة النبىّ عليه السلام، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم، -قال، وبكيا جميعا. وقال الأفرم: أو يخذلهم الله تعالى ونرجع مكسورين؟ والله يعلم أنّ نحن على ذلك مجبورين

قال الناقل: وحضر عسكر الكرج، وصاحب سيس، والتقاهم الملك الصالح صاحب ماردين بالإقامات والعلوفات، ورتّب ذلك فى ساير المنازل. وقدّم للملك خدابنداه تقادم عظيمة من صلب ماله. ثمّ إنّه تحدّث مع الملك خدابنداه بمسمع من قراسنقر وقال: قد جانى قاصد من مصر، وعرّفنى أنّ صاحب مصر دخل من الصيد وطلع القلعة ونفق فى

(3) المناجيق: المناجنيق

(11)

اليقظة: اليقصه

(12)

نكون: نكون كنا

ص: 253

العساكر، وخرجت السلحداريّة، وطردوا الخيول من على المرابط. وقد سيّر البريد إلى الشأم مع جميع الممالك الإسلاميّة بخروج الجيوش للغزاة، وكذلك بتحصيل الإقامات لأجل حركته. -فقال خدابنداه: أيش تقول، يامير شمس الدين؟ قال: الله يحفظ القآن، جميع ما قاله صحيح وجاتنى الأخبار بذلك، وصاحب مصر ملك جسور، والأموال عنده كثيرة.

وجيوشه مزاحة الأعداد. ولا بدّ ما يفعل الله أمرا كان مقدورا. -قال:

فانكسر قلب الملك من ذلك الوقت، وتحقّق أنّ جيوشه تضعف عن الملتقى، على أن كان هذا خدابنداه ليس من رجال الحروب، وإنّما كان صاحب شراب ولذّة ومنادمة. ولولا حملوه واستحى لا يريهم من نفسه العجز لما كان تحرّك بحركة. قال الناقل: فقال لصاحب ماردين: ما عندك من الرأى؟ نلتقى صاحب مصر وخيل المغل ضعاف ونخشى الغايلة؟ -فعلم صاحب ماردين أنّه قد داخله الهلع، فقال: الله يحفظ القآن، ننزل على الرحبة ونحاصرها ونريح الخيول وإلى ما يجينا صاحب مصر ورأى القآن المصلحة فى العود إلى البلاد رجعنا. ويكون ذلك أيضا ممّا يضعف المصريّين. فإنّ كلّ حركة عليهم ينفدوا فيها جمل أموال. فإنّ كلفتهم أكثر من كلفتنا. وإذا عزم القآن فى العام القابل نكون نحن أقوى منهم. - قال. واتّفق رأى الملك خدابنداه مع رأى صاحب ماردين على ذلك

ثمّ إنّهم ساقوا وعدّوا الفراة ونزلوا على قلعة الرحبة سبع حلق، فكان آخر حلقتهم منزلة قباقب، وذلك فى مستهلّ شهر رمضان المعظّم.

وكان صاحب سيس قد أحضر شيئا كثيرا (20) من التقادم للملك خدابنداه

(20) شيئا كثيرا: شى كثير

ص: 254

من الأموال على البغال والأكاديش، وماية ألف تطبيقة (1) ثقال بمساميرها، وجملة عظيمة من الأغنام والأبقار، وخوشخاناه من ساير الأصناف، وقمح وشعير على ثلاثين ألف حمار، مع وزيره الشيخ إسحاق بن دينار، وسبق عسكره بسبعة أيّام. ثم حضر عسكره خمسة عشر مقدّم وهم: سير ميدوم، وسر كليام، وسحرج، وباسيل، ويحيى بن داقر، وبولص، وجرجس، وابن مريمة، وجريح، وبرصوما، وسرليس، وبرطلما بن قرقار، ولوقان، ودويب، وصليب بن عصار، وكورا، وسيدوم، وصحبة كلّ ملعون منهم خمسين ملعون من الأرمن تحت سنجق الصليب. ولمّا وصلوا أعرضهم جوبان وقراسنقر، فإنّهما كانا المتحدّثين (9) فى الجيوش. ثمّ وصل عسكر الكرج والمقدّم عليهم دمر خان ومعه من أمراه الكبار من نذكر وهم: طاليش، وطبجوا، وطرطح، وطرطق، وبيكار، وبيكرى، وشلقيم، وكربك.

وأوجى، وكرباس، وبازار، وبغلوقرا، وجقل، وجاغان، وقبترى، وجمقار (13)، وقردم، وكنجار، وهؤلاء قوم كبار اللحى، غليظين الطباع، شديدين الأجسام، عظيمين الكفر، لا يعرفون الحلال من الحرام، لا لهم عيشة غير الخمر والطرب. فقال قراسنقر لجوبان: أرمى هؤلاء الحمير فى الأوّل فى الحصار، والنقب وللرمى بالأحجار

قال الناقل: وتقدّم هذا الملعون مقدّم الكرج دمر خان-وهو كأنّه قطعة من جبل-بنفسه وهو جاهل بالحرب والحصار. فجاه من القلعة زنّار فى صدره طلع من ظهره، فخرّ لوجهه، وعجّل الله بروحه إلى النار، وبئس القرار. وكان عزاء من جوبان، فأخذ الزنّار وتقدّم إلى عند

(1) تطبيقه: ططبيقه

(9)

المتحدثين: المتحدثان

(13)

وجمقار: وحمقار

ص: 255

خدابنداه وقال: قد جانا مفاتيح القلعة ومعها هذه الهديّة الحسنة-، وهو يضحك، وأرمى الزنّار بين يدى الملك خدابنداه كأنّه رمح أو ناشر، وأراد بهذا الكلام تكذيب قراسنقر بجميع ما قال. وكان قراسنقر حاضرا (3)، ففهم غرضه فى ذلك. وقال خدابنداه: إذا كان أصغر القلاع ترمى بهذا الزنّار العظيم، كيف يكون حالنا فى القلاع الكبار؟ -والتفت إلى قراسنقر وقال:

أيش تقول، شمس الدين بيك؟ -فقال قراسنقر: يحفظ الله القآن ويطيل فى عمره، ما يموت أحد إلاّ بأجله، ولو كان فى بطن أمّه، هذا كان مكتوبه.

وبعد هذا، القآن ما خرج إلاّ فى نيّة الحرب والقتال، والمحاصرة وقتل الرجال. ومن طلب عظيما (9) خاطر بعظيم. وإن كان الأمير جوبان يخاف من مثل هذا الزنّار وأنظاره فلا يتعرّض لقتال ويوفّر نفسه، ونحن ننوب عنه فى جميع ما يخشاه. فالمملوك قد شابت لحيته فى القلاع والمحاصرات والأحجار والزنّارات. وإلى الآن ما صابنى شى. ومن خاف سلم، ومن جسر كسر، -قال. فتعجّب الملك خدابنداه من قوّة كلامه، وفهم مراد جوبان بقوله. فقال: يامير شمس الدين، طيّب قلبك ولا تضيّق صدرك، وتربة أبغا، لا بدّ ما أملّكك الشأم جميعه. وخلّى أىّ من تكلّم تكلّم. -قال الناقل: وحصل من ذلك اليوم بين قراسنقر وجوبان المنافسة، ولا عادوا يتكالموا إلاّ مراياة لبعضهم البعض. واستمرّ الحصار على الرحبة طول شهر رمضان

هذا والجفل قد حصل فى جميع بلاد الشأم، من الفراة إلى أبواب الرمل وأخلت حمص وحلب. وعاد فى أبواب دمشق دقّة وزحمة. وعادت أهل القرى والضياع وحواضر دمشق يريدون الدخول إلى البلد، وأهل البلد

(3) حاضرا: حاضر

(9)

عظيما: عظيم

ص: 256

يخرجون منها ويقصدون الديار المصريّة والحصون من القلاع الشأميّة حتى بلغ الحمل إلى ديار (2) مصر ألف درهم نقرة ولا يلتقى. وأخرجت أمرا الشأم نساهم وحريمهم وطلبوا الديار المصريّة، وكذلك كبار الدماشقة. ولم يبق فى دمشق إلاّ من عجز عن الحركة أو من قوّى نفسه واتّكل على الله خالقه، فكان عقباه إلى السلامة وعدم الغرامة وتوفّر من الخوف والتعب

قلت، وممّا أحكيه بالمعاينة دون الإخبار: إنّ العبد كان فى ذلك الوقت عند الوالد رحمه الله بدمشق وجميع الأهل كذلك. فلمّا وقع هذا الجفل حصل للنسا الخوف العظيم. فإنّهم مصريّين ولا يعرفون الجفل ولا التتار.

فلمّا رآهم الوالد كذلك أجمع الرأى على إنفاذهم إلى قلعة صرخد. فتوجّهوا إليها، واستمرّينا نحن ننتظر ما يكون من فعل الله عز وجل

هذا والبطايق تصل على أجنحة الحمام من الرحبة يخبرون بما هم فيه من شدّة الحصار وعظيم القتال. ولم تزل البطايق واصلة إلى العشر الأخير من شهر رمضان انقطعت البطايق. فظنّ أنّ التتار قد أخذوا القلعة، فحصل عند الناس من الألم ما علمه الله تعالى. وعادوا الناس ينتظرون الفرج فى حضور الركاب الشريف السلطانىّ أعزّ الله أنصاره، وما يتجدّد من الأخبار السارّة

هذا والعرض واقع بالديار المصريّة، وقد وصلت أوايل الجيوش إلى غزّة، والاجتهاد عمّال. وإنّما حصل القلق من الشأميّين، ومولانا السلطان يفعل ما يراه من مصالح الجيوش، وأورى فى هذه العرضة من القوّة والنهضة (19) والخيول والسلاح وكثرة الجيوش ما كسر به قلوب التتار لمّا بلغهم ذلك.

(2) ديار: دياصر؟؟؟

(19)

والنهضة: والنهظة

ص: 257

وكانت هذه كلّها آراء (1) سعيدة وأمورا مفيدة حتى عادوا هاربين {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} (2)

وكان سبب تأخير الحمام بالبطايق من الرحبة أنّ التتار احتاطوا بها سبع حلقات، فعاد الحمام إذا طيّروه من القلعة رصدوه الملاعين فيرموه بالنشّاب.

فإن سلم من الحلقة الأولة ما يسلم من غيرها. هذا ما حكاه الأمير بدر الدين ابن الأزكشىّ نايب الرحبة للوالد وبقيّة الأمرا الذين توجّهوا لكشف أحوال الرحبة، وكان العبد فى الجملة حسبما أذكر من ذلك بعد هذا الكلام إنشا الله تعالى

ثمّ ورد الخبر أنّ تومانين من التتار قد وصلوا إلى القريتين وهم بها نزول. فلمّا صحّ ذلك جمع ملك الأمرا الأمرا الكبار والقرانيص من الناس.

وضرب مشور فى ذلك. فأجمعوا رأيهم أن يعيّنوا من العساكر الشأميّة بدمشق وغيرها عشرة آلاف فارس نقاوة الجيوش، وأن يخرجوا يكبسوا تلك الطايفة الذين بالقريتين، لعلّ أن يكون كنوبة عرض. واتّفق الحال على ذلك. فعيّنوا من دمشق الأمير سيف الدين بهادر آص والأمير سيف الدين كسكن والأمير شجاع الدين أغرلوا العادلىّ وعدّة من الأمرا الطبلخانات والعشرات، وثلاث ماية فارس من حلقة دمشق ومايتى مملوك من المماليك السلطانيّة الذين بدمشق، وأن يكون جملة العدّة من عسكر دمشق أربعة آلاف فارس. وكتب إلى نايب طرابلس بأن يحضر بنفسه، وكذلك إلى نايب حمص وصاحب حماة. فبينما الأمر كذلك والناس فى أشدّ الأحوال وأعظم الأهوال فكان كما قيل: تضايقى تضايقى تنفرجى {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (21) وكما قال الشاعر <من الخفيف>:

(1) آراء: آراى--أمورا: امور

(2)

السورة 6 الآية 45

(21)

السورة 65 الآية 7

ص: 258

ربّما (1)

تجزع النفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

فلمّا كان بين الصلاتين وقع الحمام محلّقا (2) من الرحبة. وبعد العصر حضر مملوك الأمير بدر الدين بن الأزكشىّ نايب الرحبة على البريد المنصور يبشّر بهروب التتار، ورحيلهم عن الرحبة إلى نحو الديار، وأنّ القلعة سالمة بحمد الله تعالى وبركة النبىّ عليه السلام. وضربت فى تلك الساعة البشاير، وفرح البادى والحاضر، واطمأنّت النفوس بعد الوجل، وطمعت آمال أهل الشأم بطول الأجل، وعادوا الناجعون من الديار، وقد اعتراهم الخجل

وسيّر مملوك الأمير بدر الدين بن الأزكشىّ على حاله صحبة أمير من الأمرا الكبار ليدرك الركاب الشريف قبل حركته من القلعة المحروسة. فلم يلحقوا ذلك إلاّ بمنزلة الصالحيّة. فأبت النفس الشريفة، والهمّة الملوكيّة العالية المنيفة أن تعود، حتى تبلغ من أعدايها المقصود، وقوى العزم الشريف المبارك على ذلك. وقال: لا بدّ من دوس بلادهم، واستيصال أموالهم وأسر أولادهم. وأتبعهم إلى مطلع الشمس، وأتركهم خبرا من الأخبار كالأمس، وأعرّف خدابنداه أن كعب قراسنقر ورفقته عليه من أيشم الكعوب، وإن كان قد رجع هاربا خايفا مرعوب، فليس الخبر كالعيان، ولا السماع كالبيان. -فلمّا نظروا الأمرا إلى هذه النفس الأبيّة، والهمّة العليّة، خشوا إن يعاودوه فى الكلام لا يعود، وتوقّعوا (17) من سطواته الشريفة بالانتقام. فلم يجسر أحد على ردّ الجواب، وقالوا بأجمعهم: هذا هو عين الصواب. - فأمر من وقته بالتوجّه إلى الشام، ولا ينطق أحد منهم بحرف من الكلام، للوقت نشرت الأعلام، وهدمت الخيام، ودقّت الكوسات، ونعرت

(1) ربما: بينما--له: لها--كحل: مثل حل. -انظر «نزهة الألباء» ص 32

(2)

محلقا: محلق

(17)

وتوقعوا: واقعوا؟؟؟

ص: 259

البوقات. وقصد الشأم طالع، فى أيمن سعد وأبرك طالع. هذا ما كان من ركاب مولانا السلطان

وأمّا ملك الأمرا بالشأم، فإنه علم أن الركاب الشريف لا بدّ له من القدوم إلى الشأم المحروس، ولبلاد العدوّ المخذول يدوس، لما يتحقّقه من شجاعة مخدومه، فانتدب لملتقاه وقدومه. وعلم أنّه لا بدّ أن يسأله عن كيفيّة نزول العدوّ المخذول، فيجب أن يكون عنده من ذلك الخبر اليقين، فجرّد من الأمرا والمقدّمين جماعة {مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} (7) وكان فى الجملة الوالد، سقى الله عهده وبلّ تربه. وأمرهم أن يتوجّهوا إلى الرحبة لكشفها وكيفيّة أحوالها، وكيف كان نزول التتار عليها، ليطالعوا بجميع ذلك المسامع الشريفة السلطانيّة مشافهة بعين الرؤيا (10)، لا بأذن السماع، عند حلول الركاب الشريف إلى دمشق المحروسة. وتوجّهت صحبة الوالد من طريق الشفقة عليه. فإن إقطاع المملوك كان بالديار المصريّة ولم يكن علىّ تجريد بالشأم. فقاسيناها منفّرة صعبة، شديدة التعب والخوف والبرد وقلّة المادّة بالبلاد بسبب خلوّها من جفل التتار. واستقبلتنا الروايح المنتنة من قباقب، وذلك لكثرة الجيف فى تلك الأراضى ووسخ التتار وقذارة منازلهم.

فكدت أموت من تلك الروايح. ثمّ وجدنا أوايل حلقتهم السابعة لمّا كانوا نزولا (17) بمنزلة قباقب، وداخلها حلقة وحلقة وحلقة إلى سابع حلقة المحتاطة بالرحبة. وذكر الأمير بدر الدين بن الأزكشىّ لنا لمّا وصلناه أنّه كان يبطق الحمام إلى دمشق، فيرموه التتار بالنشّاب ولا يخلص منهم، وذلك لكثرة الحلقات عليها، وذلك لمّا كان انقطع الحمام وظنّوا أهل دمشق أنّ الرحبة أخذت

(7) السورة 23 الآية 57

(10)

الرؤيا: الريا

(17)

نزولا: نزول

ص: 260

فلمّا وصلنا إلى قرب الرحبة خرج الأمير بدر الدين والتقانا وأنزلنا وأحضر إلينا رأس بقر ضعيف وقال: والله لم يتركوا التتار عندنا رزقا (2). - ثمّ إنّ الأمرا كشفوا الأحوال وطلعوا من النقوب التى كانوا نقبوها التتار وخاسفوهم الرحبيّين. ثمّ سئل (4) الأمير بدر الدين: كيف كان رحيلهم وما سببه؟ -فأحكى أنّه دبّر تدبيرا حسنا (5)، وإلاّ ما كانت الرحبة من القلاع التى بتعصى على مثل خدابنداه فى تلك الجموع. وذلك أنّه صانع جماعة من كبار الدولة مثل الوزير رشيد الدولة وغيره. وكذلك سيّر إلى مغنيّة كانت حظيّة (8) الملك خدابنداه تسمّى نجمة خاتون، وهى التى كانت تغنّى بين يديه هيلا ميلا، وكانت عنده ذات (9) وجاهة كبيرة. وكان هذا الملك خدابنداه ليس من رجال الحرب، وإنّما كان همّته الأكل والشرب والطرب والنساء والملاهى. ولولا حمل واستنهض من قراسنقر ورفقته وخشى الفضيحة أن يورّى فى نفسه العجز لما كان تحرّك بحركة. وكان إذا ركب فى الدجلة السماريات توقد له الشطّين ويعود فى جنوك عجميّة ودفوف وزمور وشبابات طول ليله. فلمّا أن دبّر بدر الدين بن الأزكشىّ ما دبّر وراسل نجمة خاتون وهاداها جلست تلك الليلة ووجهها غير عادته فى حال الرضى. فقال لها خدابنداه: أيش خبرك؟ -فقالت: الله يحفظ القآن، تركنا ورانا مثل دجلة ووقيدها ونزهها وما كنّا عليه من اللذّة والانفساح، وجينا إلى هذا المكان القذر وهذه الرايحة التى إن دامت علىّ (18) يومين آخرين متّ. -فقال: يا خاتون، كيف يقال عنّى إنّى نزلت بنفسى على مثل هذه القلعة اللاش (20) ورحلت عنها بغير أخذها؟ -فقال: الله

(2) رزقا: رزق

(4)

سئل: سأل

(5)

تدبيرا حسنا: تدبير حسن

(8)

حظية: حضيه

(9)

ذات: ذى

(18)

على: عليه

(20)

اللاش: الاش

ص: 261

يحفظ القآن، والله هذه فى قبضتك، وجميع من فيها رعيّتك، وهم مسلمين. وفى مثل هذا الشهر الشريف قد بلغنى أنّ امرأة (2) فيها كانت جالسة تطبخ وفى حضنها صغير ترضعه فجاها زنّار أخرقها وأخرق ابنها وقدرتها، وأنّ أيضا الجامع جميعه انهدم من المنجنيق، والقآن-الله يحفظه-مسلم ويحبّ المسلمين. وهذا كلّه جرى ولا يجسر أحد يخاطب القآن. وارسم بسنجقك يطلّعوه ويدخلوا تحت الطاعة. -فقال: إن فعلوا ذلك رحلت عنهم. -فأنفذت إلى الأمير بدر الدين تعلمه بذلك. وسيّروا السنجق فأعلوه على القلعة وفتحوا الباب، ونزل القاضى، وأحضروا تلك المرأة وولدها التى أخرقها الزنّار وقدّموها بين يديه. فبكى لمّا رآها. وسيّر خلعة للأمير بدر الدين بن الأزكشىّ، ولبسها وقبّل له الأرض وما بين عقب السنجق. ثمّ إنه أجلس القاضى وتحدّث معه ورسم له بأربع ماية دينار لعمارة ما انهدم فى الجامع. ورحل من ساعته وأودع جميع الآلات من المناجيق وغيرها فى الرحبة، وهو يظنّ أنّها عادت له. فهذا كان سبب رحيله. -هذا جميعه حديث الأمير بدر الدين بن الأزكشىّ للأمرا، وأنا أسمع

وكان هذا بدر الدين بن الأزكشىّ فى أوّل حاله جنديّا كرديّا (16) من حلقة دمشق نازلا (17) بالصبيبات بظاهر دمشق، قدّمه كرمه وسماحة نفسه، وكان سبب تقديمه الأمير سيف الدين بهادر آص. وذلك ما حكوه للمملوك جماعة الدماشقة:

إنّ هذا بدر الدين نزل يبيع له بغلا (19)، فأباعه بألف ومايتى درهم نقرة. فاشترى

(2) امرأة: مره

(16)

جنديا كرديا: جندى كردى

(17)

نازلا: نازل-- بالصبيبات: بالقبيات

(19)

بغلا: بغل

ص: 262

لإصطبل الأمير سيف الدين بهادر آص. وحضر بدر الدين ليقبض المبلغ من الخزندار. فلمّا وزن له المبلغ قال له الخزندار: خشداش، حطّ البركة! - قال: فقسم المبلغ نصفين، فأخذ ستّ ماية وترك ستّ ماية، والخزندار يتفرّج فيه، وقال: يا خوند، هذه البركة. -فضحك الخزندار وظنّه أنّه بيلعب، فأخذ تلك الستّ ماية وخرج، ركب فرسه وأتى منزله. فطلبه الخزندار فلم يجده.

فتعجّب منه ودخل إلى الأمير وهو جالس فى الدهليز على عادته، فقال:

يا خوند، اشترينا هذا البغل من جندىّ مجنون، -وأحكى للأمير حكايته.

فرسم بطلبه فلم يجدوه، فطلبوا الدلاّل وطلبوه الدلاّل وطلبوه منه. فأحضره، فقال له الأمير: يا كردىّ، أنت عاقل أو مجنون؟ -فقال: لا والله، لولا أنا عاقل ما وصلت إلى الأمير. -فقال: الناس إذا طلبوا منهم البركة يطّوا خمس ستّ دراهم والنادر عشرة الدراهم. -كيف حطّيت ستّ ماية درهم؟ - فقال: الله يحفظ الأمير، هذا البغل رأس ماله علىّ (12) ستّ ماية درهم، شريته جحشا (13) وربّيته وكسبت فيه ستّ ماية درهم. فلمّا طلب منّى مملوك الأمير البركة، ما كان لمثلى أن يقابل الأمير إلاّ بهذا. ولو علمت أنّ الأمير يقبله بغير ثمن ما أخذت شيئا (15). -ونظر إليه الأمير فوجده رجلا فحلا. فأعجبه، فأخلع عليه. وعاد فى خدمته حتى خلت قلعة الصبيبة. فتحدّث له مع ملك الأمرا جمال الدين الأفرم فولاّه الصبيبة فقام بها أتمّ قيام. ثمّ خلت الرحبة، فنقل إليها، فاستمرّ بها إلى هذا التأريخ. فلمّا حلّ الركاب الشريف إلى دمشق حضر إلى بين يدى المواقف الشريفة. وشكر له هذا التدبير، وأنعم عليه مولانا السلطان بإمرة ماية فارس وتقدمة ألف. ولقد نظرته

(12) على: عليه

(13)

جحشا: جحش

(15)

شيئا: شى--رجلا فحلا: رجل فحل

ص: 263