الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن كتاب عجايب المخلوقات وبدايع الموجودات
(1)
قوله تعالى جلّ وعزّ {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَااسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (3) فقال بعضهم: لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديرا أملس، وكانت (4) مياه البحار تغطّيها من جميع جهاتها وتحيط بها إحاطة كرة الهواء (5) بالماء. فبطلت الحكمة المودعة فى المعادن والنبات والحيوانات، فاقتضت الحكمة الإلهيّة وجود الجبال لوجود ذلك
وقال بعضهم: إنّ الجبال سبب (7) لوجود الماء العذب السايح على وجه الأرض الذى هو مادّة حياة النبات والحيوان. وذلك لأنّ سبب هذا الماء انعقاد البخار فى الجوّ، فيصير سحابا، فالجبال الشامخة الطّوال فى الشرق والغرب والجنوب والشمال تمنع الرياح أن تسوق البخار، بل تجعلها منحصرة حتى يلحقها البرد. فتصير مطرا أو ثلجا. فلو فرضت (11) الجبال مرتفعة عن وجه الأرض لكانت الأرض كرة لا غور فيها ولا نتوء. فالبخار (12) المرتفع لا يبقى فى الجوّ منحصرا إلى وقت يضرّ به البرد. بل يتحلّل ويستحيل هواء، ولا يجرى الماء على وجه إلاّ قدر ما ينزل مطرا. ثمّ تنشفه الأرض، فيعرض من ذلك أنّ الحيوان والنبات يعدم الماء فى الصيف عند شدّة الحاجة إليه كما فى البادية البعيدة. فاقتضى التدبير الإلهى وجود الجبال
(1) ما ينقل من «كتاب العجائب» يبتدئ من ص 104، راجع الهامش الأول هنالك-- الموجودات: الموجدات--وبدايع: فى عنوان كتاب القزوينى «غرائب»
(3)
السورة 16 الآية 15 والسورة 31 الآية 10
(4)
وكانت زق: ولكان
(5)
الهواء: الهوى
(7)
سبب: +زق
(11)
فرضت زق: فوصت
(12)
فالبخار زق: فالعال
لتحصر الماء المرتفع من الأرض بين أغوارها وتمنعه من السيلان وتمنع الرياح أن تسوقها، فيبقى فيها محفوظا إلى أن يلحقه البرد زمان الشتا فيجمّده ويعصره فيصير ماء. ثمّ ينزل مطرا أو ثلجا، والجبال فى أجزايها مغارات وأودية (4) وأوشال وكهوف، فتقع على قللها الأمطار والثلوج، وتنصبّ إلى تلك المغارات والأوشال، وتبقى فيها (5) مخزونة وتخرج من أسافلها من أماكن تسترقها من منافذ ضيّقة، وهى العيون التى تكون فى الجبال وأسفاحها، فيسيح منها على وجه الأرض، فينتفع به الحيوان والنبات، وما فضل منه ينصبّ إلى البحار. فإذا فنى ما استفادته (8) من الأمطار والثلوج لحقتها (9) نوبة الشتا، فعادت إلى ما كانت عليه. ولا يزال هذا دأبها إلى أن {يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} (10) والله أعلم
وفيها ظهرت نار عظيمة بأرض الشأم والسواحل، وعمّت جميع أرض الشأم مع السواحل والأغوار وبلاد حوران وزرع وأذرعات، وجفل منها السباع وجميع الوحش. وكانت إذا مرّت بشى من الزراعات أو من الأشجار المثمرة لا تؤذيه. ولقد ذكر لى بعض فلاّحى قرية خسفين الجولان من أرض حوران: أنّهم كانوا يرون هذه النار وهى على رءوس الشجر وأعلى الزرع ويخشون منها على الأثمار وعلى الزروعات فلم يحصل منها أذى ولله الحمد
(4) وأودية: واهويه، مصحح بالهامش--فتقع زق: وتقع
(5)
فيها زق: فيه
(8)
استفادته زق: استفاد
(9)
لحقّها زق: لحقها--هذا: +زق
(10)
السورة 2 الآية 235