المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر القبض على بيبرس من الطريقوعودته إلى الأبواب العالية - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٩

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر الوقعة التى كانت بين التتارودخول سلامش الديار المصريّة

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وتسعين وستّ ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر وقعة نوبة غازان بوادى الخزندار

- ‌ذكر ما جرى لدمشق من الأحوال الناكدة

- ‌ذكر رجوع غازان إلى الشرق

- ‌ذكر عودة جيوش الإسلامبالنصر إلى بلاد الشام

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع ماية هجريّة

- ‌ولنذكر الآن ما يخصّ حوادث الزمان:

- ‌ذكر عودة غازان خايب الآمال

- ‌ذكر لباس النصارى واليهود الأزرق والأصفر

- ‌ذكر ما جرى فى هذه السنة بين ملوك الهند

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما جرى للمجيرى عند حضورهبين يدى غازان

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر نصرة الإسلام على التتار الليام

- ‌ذكر حدوث الزلزلة فى هذه السنة

- ‌ذكر ما جاء من القول فى حدوث الزلزلة

- ‌ومن كتاب عجايب المخلوقات وبدايع الموجودات

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر دخول العساكر الإسلاميّة سيس

- ‌ذكر وفاة غازان وتملك خدابنداه

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌[نسخة مكتوب السلطان الناصر إلى غازان خان بعد معركة شقحب]

- ‌تتمّة كلام المجيرىّ للوالد رحمهما الله تعالى جميعا

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان بين عسكر حلب وأهل سيس

- ‌ذكر واقعة الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة رحمه الله

- ‌ذكر ما جرى للشيخ تقىّ الدين بمصر المحروسة

- ‌ذكر السبب الموجب لهذه الفتن المذكورة

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان بين التتار وبين أهل كيلان

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر تغلّب بيبرس الجاشنكير على الممالكحتى عاد بسوء تدبيره هالك

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌أشاير البشاير

- ‌ذكر عودة الركاب الشريف السلطانىّ المالكىّالناصرىّ إلى محلّ ملكه بالديار المصريّة وهى المملكة الثالثة

- ‌ذكر دخول مولانا السلطان عزّ نصره دمشق المحروسة

- ‌ذكر توجّه الركاب الشريف إلى الديار المصريّة

- ‌ذكر سبب توجّه القاضى علاء الدينابن الأثير فى ركاب مولانا السلطان إلى الكرك

- ‌ذكر نزول بيبرس عن الملك وهروبه

- ‌ذكر ما اتّصل بنا من مدايح التهانى البديعات الألفاظ والمعانى

- ‌ذكر القبض على بيبرس من الطريقوعودته إلى الأبواب العالية

- ‌ذكر [حوادث] سنة عشر وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر سبب مسك بكتمر الجوكندار وكراىوبقيّة النوّاب

- ‌ذكر سبب تقفيز قراسنقر وآقوش الأفرمومن معهما ووصولهم إلى التتار

- ‌ذكر تعدية قراسنقر إلى التتار

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتى عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر توجّه الركاب الشريف عزّ نصرهإلى الشأم المحروس بنيّة الغزاة

- ‌ذكر سبب مأتى التتار إلى الرحبة والسببفى عودتهم خايبين

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان من أمر قراسنقر بالبلادوالواقعة بين خدابنداه وطقطاى فى هذه السنة

- ‌ذكر الواقعة التى كانت بين الملكين خدابنداه وطقطاى

- ‌ذكر ما جرى لعسكر طقطاى لمّا عادوا هاربين

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر أخذ ملطية وصفتها

- ‌ذكر الروك المبارك الناصرىّ

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة عشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر تملّك الملك عماد الدين حماة وركوبه

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سبب دخول المأمون على بوران

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وعشرين وسبع ماية

- ‌[ما لخص من الحوادث]

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر ما تجدّد فى هذه السنة المباركة

- ‌ذكر عدّة ما استجدّ من الجوامع المعمورة بذكر الله تعالىفى أيّام مولانا السلطان

- ‌[ذكر أنكاد الزمان:]

- ‌[أنكاد] القرن الأوّل

- ‌[أنكاد] القرن الثانى

- ‌[أنكاد] القرن الثالث

- ‌[أنكاد] القرن الرابع

- ‌[أنكاد] القرن الخامس

- ‌[أنكاد] القرن السادس

- ‌ذكر الجوامع المباركةالتى انتشت فى دولة مولانا السلطان عزّ نصره

- ‌ذكر المستجدّ أيضا من الجوامع المباركةبالممالك الشاميّة

- ‌والمستجدّ أيضا بدمشق المحروسة

- ‌والمستجد أيضا بطرابلس

- ‌ذكر تتمّة الحوادث

- ‌ذكر سبب دخول سيس

- ‌ذكر عمارة قلعة جعبر فى هذا الوقت

- ‌[خاتمة الكتاب]

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر القبض على بيبرس من الطريقوعودته إلى الأبواب العالية

ركابه الشريف إلى ديار مصر المحروسة رسم أن يوسّطوا على حكم العدل وأخذ القصاص، ولم يكن لهم من الموت خلاص

‌ذكر القبض على بيبرس من الطريق

وعودته إلى الأبواب العالية

قد ذكرنا أنّ مولانا السلطان سيّر إلى بيبرس الأميرين بيبرس الدوادار وبهادر آص، وأن يأخذاه ويتوجّها به إلى قلعة صهيون. وكان مولانا السلطان قد رقّ له ورجع إلى لينه الشريف الطاهر. فلمّا وصلا إليه وهو بالصعيد وبلّغاه ذلك، وجدوه مصمّما (8) على غير ما أرادوه منه ووجدوا مماليكه الغالبين على أمره. وقد حسّنوا له أن يضرب إلى عيذاب ويعدّى من هناك إلى الحجاز ويدخل اليمن. وجاه المرسوم بصهيون، فعاد متفرّق الآرا مقسّم الفكر. فلمّا رأوه مماليكه على ذلك أجمعوا رأيهم أن يقتلوه وينهبوا الخزاين التى معه، ويقصد كلّ أحد هواه. واطّلع بيبرس الدوادار على ما عزموا عليه. فاختشى العاقبة فخلا به، وقال: قد بلغنى كيت وكيت. وأنت ما يقتلك سوى هذا المال الذى معك. ونقتل نحن أيضا بك. والمصلحة تقتضى أن تعطينى هذا المال، أتوجّه به فى هذه الحرّاقة فى البحر، وأعيده إلى السلطان لنزيده رضى عليك، وينقطع طمع هؤلاء الصبيان الجهلة-. ولم يزل به حتى أنعم، فأخذ الأمير ركن الدين الدوادار المال، ونزل فى الحراقة سرّا فى الليل. فلم يصبح له أثر، وأحضر به إلى الأبواب العالية. فلمّا علموا المماليك أنّ المال فرط فيه الفرط، انقطع

(8) مصمما: مصمم

ص: 197

شوقهم إلى ما كانوا قد عزموا عليه. ثمّ إنّ الأمير ركن الدين الدوادار لمّا اجتمع بمولانا السلطان قال له: هذا رجل قد دخل فى رأسه دخان المشعل وما يجى منه خير. -فتغيّرت عليه الخواطر الشريفة بخلاف ما كانت نيّته له. ثمّ إن بهادر آص لم يزل يثنيه عن كلّ مقصد حتى أجاب إلى التوجّه إلى صهيون. هذا ما كان من بيبرس

وأمّا مولانا السلطان-خلّد الله ملكه، وجعل الأرض بأسرها ملكه- فإنّه طلب الوالد ورسم له أن يتوجّه فى خدمة الأمير شمس الدين قراسنقر وأن يجعل من العربان عيونا (8) وأرصادا على بيبرس فى الطريق البدريّة، ويكونوا يردّوا على الأمير شمس الدين قراسنقر خبره، منزلة بمنزلة وماء بماء. فامتثل الوالد المراسم الشريفة، وتوجّهنا صحبة قراسنقر فى الدرب الشأمىّ. وأخبار بيبرس ترد علينا من عرب العايد منزلة بمنزلة، حتى إذا كنّا بمنزلة رفح انقطع عنّا خبره. فخشى قراسنقر وخاف وطلب الوالد وقال له: يا جمال الدين، والله ما أعرف تحصيله إلاّ منك، فإنّ نحن خرجنا متّكلين على عربك، وهذا أمس واليوم ما جانا خبر. وقد رسم لى مولانا السلطان أنّى لا أطلب أخباره إلاّ منك. -فقال الوالد: يا خوند، نحن سبقنا ولا تخشى! فهو ما يفوتنا بمعونة الله وسعادة مولانا السلطان، لكن ندخل من هاهنا البرّيّة ونفترق ثلاث فرق، وأىّ فرقة وقعت عليه حصّلته. -فقال: أفعل ذلك. -فافترقوا عليه ثلاث فرق: الواحدة مع أنغاى قبجق والأخرى مع أركتمر والثالثة مع قراسنقر. وسيّر الوالد مع كلّ فرقة عربا (20) أدلاء من العايد. ودخلنا البّريّة صلاة الصبح

(8) عيونا وأرصادا: عيون وارصاد

(20)

عربا: عرب

ص: 198

فلمّا كان بعد العصر رأينا (1) -ونحن فى فرقة قراسنقر-نجّابا على راحلة عن بعد. فساقوا وأحضروه إلى قراسنقر. فلمّا رأيناه عرفناه، وإذا هو نجّاب بيبرس اسمه يوسف بن جنيد. فقال الوالد للأمير شمس الدين: هذا نجّابه، يا خوند. -فقال له قراسنقر: أين خلّيته، والك؟ -قال: يا خوند، قد حصل سعادة السلطان، وترى قد أخذه أنغاى ونهب جميع ما معه. وأنا ركبت هذه الجادّة هاربا (6)، وتراه خلف هاتيك الرابية. فسقنا إلى هناك فلم نصل إلاّ (7) أذان المغرب، فنجد أنغاى قد مسكه وأخذ جميع ما معه حتى سيفه وحياصته وبها ميره، ولم يترك عليه غير قرضية سودا بوجه عنابى مشايخى، وهو جالس على تلّ وأنغاى يتعرّض فى خزانته. فلمّا عاين قراسنقر نهض (10) وعاد يجرى إليه. فترجّل له قراسنقر واعتنقه، وعاد بيبرس يبكى وقراسنقر يتباكى. ثمّ إنّ قراسنقر نهر أنغاى، وأعاد على بيبرس سيفه وحياصته وقماشه. وأعرض خزانته فوجد فيها ستّة آلاف دينار وأربعة صناديق بغاليّة دراهم، وأربع عشرة حياصة ذهب، وعشرين كلوتة زركش وقماش وبغالطيق وغير ذلك.

فأعرضه وكبته وأعاده إلى أماكنه على هجنه، وركبنا فى الليل

وقال: يا جمال الدين، نريد نطلع من هونى (16) إلى الزعقة، وتسيّر بدويّا مع هؤلاء (17) المماليك إلى الوطاق يرحّلوهم إلى غزّة، ويقيموا بها إلى حين رجوعنا إليهم. فقد عزمت على الدخول معه إلى مصر وأسأل فيه مراحم السلطان وأصحبه معى إلى صهيون. -ثمّ عملنا الليل كلّه نسير على النجوم، فأصبحنا

(1) رأينا: رينا--نجابا: نجاب

(6)

هاربا: هارب--هاتيك: هاديك

(7)

إلا: إلى

(10)

نهض: نهظ

(16)

هونى: ربما المقصود «هنا» --بدويا: بدوى

(17)

هؤلاء: هذا

ص: 199

الزعقة: ومن هناك كتب قراسنقر مطالعة لمولانا السلطان بمسك بيبرس وسيّرها صحبة ولده أمير علىّ ومملوكه بيخان والأمير سيف الدين أركتمر الجمدار

وقال للمملوك الوالد: توجّه صحبتهم على البريد، وابتتل بخدمتهم فى المنازل إلى بلبيس، فإذا بطّقت لك بطاقة من الصالحيّة جهّز الإقامات للأمير شمس الدين قراسنقر، وتسيّر إلينا الإقامات فى المنازل أوّلا (7) بأوّل. -ففارقتهم من منزلة الزعقة، وصحبت الأمرا المذكورين إلى بلبيس. فلمّا كان سادس يوم وقعت البطاقة بتجهيز الإقامة ببلبيس، فجهّزت شيئا (9) كثيرا!

فلمّا كان نهار الخميس (10) عشيّة ذلك اليوم أذان العصر، وصل أمير علىّ ابن قراسنقر وبيخان والأمير سيف الدين أركتمر على البريد من الأبواب العالية عايدين إلى قراسنقر. فنزلوا عند العبد ببلبيس، فأحضرت لهم ما راج. فقال أمير علىّ بن قراسنقر: هذا شى كثير. كيف كان مهيّئا (13) لنا؟ -فقلت: هذا ممّا عملناه لأجل ملك الأمرا وحضوره، وطلبنى إلى عنده. -وقال: ملك الأمرا ما بيجى إلى هاهنا وهو بيرجع من مكان نلتقيه.

فأين معك خبره هذه الليلة يكون؟ -. قلت: فى منزلة الخطّارة. وكان الاتّفاق أنّهم يبيتوا هذه الليلة ببلبيس (17). -فقال: هذا حال انفصل حكمه. -ثمّ ركبوا البريد وتوجّهوا

فلمّا كان قبل المغرب وصل الأمير شمس الدين سنقر صهر الأمير سيف الدين أسندمر على البريد. فأخبر المملوك أنّ الأمير سيف الدين أسندمر واصل

(7) أولا: أول--المذكورين: المذكورون

(9)

شيئا كثيرا: شى كثير

(10)

الخميس: الأحد، مصحح بالهامش

(13)

مهيئا: مهيى

(17)

ببلبيس: بلبيس

ص: 200

مع عدّة من الأمرا والمماليك السلطانيّة، رسم لهم من الموكب بقبّة النصر. فخرجوا بغير أهبة ولا مأكول ولا مشروب إلاّ على الفور من الموكب. ورسم له أن يتسلّم بيبرس من الأمير شمس الدين قراسنقر، ويعود قراسنقر إلى الشأم. وأنعم عليه مولانا السلطان بجميع ما كان مع بيبرس من الأموال. ووصل سنقر المذكور سابقا لهم. ثمّ إنّه طلب من المملوك قبا فرو يلبسه عارية لكونه عرق من السّوق، والوقت كان فى أوّل فصل الخريف. فأعطيته ما طلب. وقال لى: اخرج القى الأمير سيف الدين أسندمر، فإنّهم متعشّين فى هذا الظلام. يقول بهذا اللفظ، لفظ الشأميّين.

فركبت وأخذت المشاعل وأوقفتهم على قبّة سبت ظاهر بلبيس بالجسر وسقت وجدت أوايل الخيل <فى> غيثا، وهم فى تلك الظلمات لا يدرون أين يتوجّهون، وكان أواخر الشهر. فاجتمعت بأسندمر وأخذتهم من ظاهر بلبيس بجهة الحوف على الجسر، وأنزلتهم فى قسوريّة ظاهر بلبيس.

وأحضرت لهم جميع ما كنت قد صنعته لقراسنقر ورفقته، وكان شيئا كثيرا (13)، عشرين خروفا ما بين شوا وشرايح وجدابة (14) ولبن وخمسين طاير دجاج، عشرين منوّعة محشوّة وثلاثين فى شوربا. وكان أسندمر أوّل ما لقيته قال للمملوك: إليك وإلاّ للذيب. -فقلت: لعن الله أبا (16) الذيب، يا خوند، ارسم وبس! -بهذا اللفظ. فقال: الجوع، نحن وخيلنا، ولا مكّنّا من الإمهال أن نستصحب معنا شيئا (18) -. فقلت: زال الشرّ بسعادة السلطان وسعادة الأمير. -فلمّا رأى ما قدّمناه أعجبه إعجابا كثيرا جدا، إذ كان ظنّه بخلاف ذلك. ثمّ أحضرت ثلاثين أربعين مخلاة وعلّقت فيهم

(13) شيئا كثيرا: شئ كثير

(14)

وجدابة: كذا فى الأصل

(16)

أبا: ابو

(18)

شيئا: شى

ص: 201

على خيله خاصّة نفسه. وعدنا نجمع كلّ خمس أرؤس جميع على عباه (2) وعلى جل حتى كفينا الجميع. وأكل ذلك العسكر بكماله حتى عادوا الغلمان يتراجموا باللحم ويقولوا: هذه (3) الراية على هذا الأمير بالوفا، -وأسندمر يستمع ويعجبه.

فلمّا فرغوا قال لى: أيش اسمك؟ -قلت: مملوك الأمير، أبو بكر. -فقال:

يا سيف الدين، هذا كان مجهّزا (5) لنا وعلمت بمجينا قبل حضورنا؟ -قلت:

لا والله، يا خوند، ما علمت بحضور الأمير إلاّ من الأمير شمس الدين صهر الأمير. -قال: فكيف صنعت فى أسرع وقت؟ -فقلت:

يا خوند، مولانا السلطان سعيد الأمور، ناجح الحركات، موفّق المراسم، وحيث أمر وجدوا الناس لأمره أحسن أثر. -فأعجبه أيضا هذا الكلام. ثمّ رسم لمملوك كان معه شابّ حسن اسمه قبليه، فأحضر لى كاملية جوخ مرشوش بفرو سنجاب طرىّ مناميّة، فألبسنى. فلمّا تقدّمت أقبّل يده، قال: أشتهى، يا خيّى، تعيرنى فروتك هذه الليلة لأغيّر، فما معى شى ألبسه. -فرأيت لكلامه لطفا كبيرا (13)، فقلعتها، ولبسها فى ساعته وقال: أين أخذت خبر الأمير شمس الدين؟ -قلت: بايت على الخطّارة. -قال: فأىّ وقت نصله؟ -قلت: متى يرسم الأمير يكون وصولك إليهم. -قال: طلعة الشمس. -قلت: يستكنّ الأمير وينام فى حفظ الله! والمملوك تحت رجليك إلى حين ما يتنحنح المملوك. - فغفا إلى أوّل الثلث الآخر، تنحنحت، فقام. وركبت فى خدمته وصرت أحدّثه وهو يستطرف كلامى ويعجبه حتى طلع الفجر بمنزلة

(2) على عباء وعلى جل: كذا فى الأصل

(3)

هذه: هذا

(5)

مجهزا: مجهز

(13)

لطفا كبيرا: لطف كبير

ص: 202

السعيديّة. فنزلنا وصلّينا الصبح، وركبنا فأشرفنا على الخطّارة أوّل الثانية

فلمّا رآنا قراسنقر ركب فى عشرة مماليك ووالدى معه، والتقى أسندمر، وساقا لبعضهم البعض، وتكارشا ونزلا جميعا ولم يكن معهما ثالث، وتحدّثا ساعة زمانيّة. هذا وأنا أنظر إلى ما يفعل بيبرس. فلمّا رأى أسندمر أيقن بالموت. فأخذ شربة نحاس ودخل الخربشت، وخرج توضّأ، وفرش منشفة ووقف يصلّى، فصلّى ركعتين خفيفتين وجلس فى صيوانه وفى يده مسبحة. ثمّ إنّ الأميرين مشيا نحوه، فخرج إليهما وعانقه أسندمر وجلسوا جميعا (9). ثم أحضروا كريم الدين الكبير وطومان وتكا، وقال قراسنقر لوالدى: يا جمال الدين، قيّد هؤلاء وسيّرهم على البريد. - فذاك الوقت وقعت الصرخة من مماليك بيبرس، وقطع طومان شعره وكذلك تكا، ورموهما على بيبرس وعاد بكا وعويل ونواح من تلك المماليك بالتركىّ. ثمّ أخذنا هؤلاء الثلاثة، وجاء الحدّاد وقيّدناهم تحت الحوض الذى بناه فيها القشّاش. وسفروا على البريد المنصور فى الترسيم.

ثمّ إنّ قراسنقر ركب وتوجّه إلى نحو الشأم، وركب أسندمر واستصحب بيبرس وتوجّه إلى ناحية القاهرة. وأخذوا فى ذلك الوقت سيفه وحياصته ومهاميزه، وركّبوه فرس بريد. وكان لم يزل فى دسته ومركوبه مع قراسنقر حتى تسلّمه أسندمر. ورجعنا ولم نزل سايرين إلى العصر أشرفنا على بلبيس. وأخذنا من ظاهرها القبلىّ بطريق الرمل، وبيبرس راكب فى وسط (20) الحلقة إلى جانبه سنقر صهر أسندمر، وأسندمر قدّامهما،

(9) جميعا: جميع

(20)

وسط: وصط

ص: 203

يتحدّث مع الوالد ويشكر من المملوك، وأعاد إلىّ الكامليّة. فبينما نحن كذلك وإذا بسنقر صهر أسندمر يصيح للمملوك. فرجعت إليه فقال لى: بيطلبك كلّمه، يعنى عن بيبرس. -فشاورت أسندمر فقال:

روح، ابصر أيش يريد؟ -فسقت إلى نحوه وقصدت أنّى أترجّل، فمنعنى وقال لى: أين بتنزلوا بنا؟ -قلت: حيث ترسم. -قال:

اشتهى تنزل بنا فى مكان تكون فيه موية تجرى، -يقول للمملوك بهذا اللفظ بعينه. فقلت: مرسومك. -ثمّ سقت إلى أسندمر فقال لى:

يا ناصر الدين، أيش قال لك؟ -وكأنّه نسى اسمى، فقلت: يا خوند.

قال يريد ننزل فى مكان تكون فيه موية تجرى. -فقال لى: ما أسقع ذقنه! -فقلت: يا خوند، بدستور الأمير ننزل فى غيثا فى بستان بهادر المعزّىّ وما يضرّ من هذا شى. -فقال: نعم. -ثمّ نزلنا بهم فى ذلك البستان، وسبقت أنا بثوب سرج مبطّن أفرشه على حافّة المجرى (12). فمسك بيبرس طرف ثوب (13) السرج وأنا طرفه الآخر وبسطناه على المجرى، وجلس وعاد يأخذ بكفوفه من الماء ويترشّفه ويتنشّقه ويردّه، فعل كذلك مرارا (14) عدّة. ثمّ حضر أسندمر وجلس إلى جانبه وأحضرنا لهم ما يأكلوه بعد صلاة المغرب. فأكل أسندمر وعاد يعزم عليه. فأخذ ورك دجاجة محشيّة، وعاد يمضغ فيها وهى لا تنزل. ثمّ طلبوا الخيل وركبوا، وودّعناهم من غيثا ورجعنا إلى بلبيس. وتوجّهوا به إلى الأبواب العالية، وكان آخر العهد به، والله أعلم

ولمّا رجعنا إلى بلبيس عاد الوالد وهو يبكى ويسبّ الدنيا وغررها بالإنسان، والشيطان، كيف يلعب بعقل ابن آدم. ثمّ قال للمملوك: والله،

(12) المجرى: المجراء

(13)

ثوب: الثوب--المجرى: المجراء

(14)

مرارا: مرار

ص: 204

يا أبا بكر (1)، ما رأيت يوما كان مثل يوم فارقتنا أنت من الزعقة وتوجهت على البريد، وأخذنا نحن بيبرس وسرنا به راجعين متوجّهين إلى العريش.

فتقدّم نجّاب لقراسنقر اسمه خنافر وضرب ربابا (3) قدّام بيبرس وقراسنقر، وقال عليه غناء (4) مليحا قبيسى فى صورة الحال يبكى الحجارة، فبكى كلّ من كان فى العسكر. -ثمّ طلب الوالد لنقيب العربان يسمّى شرف ابن طراد وقال: قل لبو بكر الشعر الذى قاله لنا خنافر ذلك اليوم، فأنت تحفظه، -فقال شرف: قال خنافر <من الطويل>:

فراق الأخلاّ كالزجاج إذا انشظى

عسى فيكمو لى (8) من يداوى كسورها

عسى فيكمو أو منكمو لى (9)

مساعد

فقد بلغت الأرواح منّا نحورها

وسود الليالى ما وفت بعهودها

ألا بشّروا الأعدا بباقى سرورها

وكم ملك الدنيا ملوك كواسر

غدوا وتولّى غيرها فى قصورها

ولا بدّ ما يغتالنا غامق الثرى

وتطبق ذا الدنيا علينا قبورها

وكان شرف بن طراد أيضا يغنّى القبيسىّ جيدا، فلا زال يغنّيه لنا.

ونحن نبكى إلى بلبيس، وهذا آخر ما تحقّقته من أمر بيبرس، والله أعلم

وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك الخزندار رحمه الله، والأمير شمس الدين سنقر الأعسر رحمه الله قبل حلول الركاب الشريف إلى الديار المصريّة مؤيدا بالنصر

وفيها (18) توفّى القاضى بهاء الدين بن الحلّىّ ناظر الجيوش، وولى مكانه القاضى فخر الدين، وكان من قبل صاحب الديوان وكاتب الممالك السلطانيّة فاستقرّ كذلك إلى حين وفاته فى تأريخ ما يأتى ذكره إنشا الله تعالى (20)

(1) أبا بكر: ابو بكر--يوما: يوم

(3)

ربابا: رباب

(4)

غناء مليحا: غنا مليح

(8)

لى: الى

(9)

لى: الى--المصراع الثانى مضطرب الوزن

(18 - 20) وفيها توفى. . . إنشا الله تعالى: بالهامش

ص: 205