الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[نسخة مكتوب السلطان الناصر إلى غازان خان بعد معركة شقحب]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما جدّد لنا من النعمة التامّة، وسمح به <من> الكرامة العامّة، حين أعاد البدر إلى كماله، والسرور إلى أتمّ أحواله، فاشتاقت النفوس إلى عوايدها، وارتاحت القلوب إلى ملايذها، وأضاءت شموس المعالى، وطلعت بدورها بالسعد المتوالى، وارتاحت القلوب إلى معجز برهانها التالى، وكانت غلطة من الدهر فاستدركها، وسقطة خطب غطّته فما ملكها، فقرّت تلك العيون، وتحقّقت فى بلوغ الآمال الظنون. فلله الحمد الجزيل، ما لاح فى الجوّ بارق، وعرا فى الليل طارق
وبعد: فليعلم الملك محمود غازان جامع الوفود، وحاشد الحشود، أنّه قد كان ما جرى وقدّر فى القدم، فلا رادّ لما قضى وبرم وحكم، فحملنا ذلك أنّه كان من ربّنا تقدير، وأنّه ليس لأحد فيما أراد الله تعالى تدبير، فما لبثت إلاّ اليسير من المدّة، حتى أرسلت رسلك إلينا مجدّة، تطلب الصلح وتحثّ عليه. وتذكر السلم وتندب إليه، بعد ما اعتمدت الفساد فى الأرضين. وكان من الواجب علينا وعليك إصلاح ذات البين. فأكرمنا رسلك إكراما يليق بجميل فعالنا، وجاوبناهم بمقتضى حالهم لا حالنا. وأعدناهم إليك، وقلّدناك من البغى ما عاد وباله عليك. فعدت وأرسلت تطلب منّا رسلا تسمع كلامك، وقد فهمنا مقصدك ومرامك. فأرسلنا إليك ما طلبت، وركّبناك فرس البغى، فيابئس ما ركبت!
فما كان إلاّ عند وصول رسلنا، جهّزت عساكرك وأظهرت الغدر لنا، وحرّضتهم بما عاد وباله عليهم، وما رأوه حاضرا لديهم. ثمّ شيّعتهم
من هناك، ورجعت طالبا للسلامة من الهلاك، فما كان إلاّ أن دخلوا البلاد، وفعلوا ما أمرتهم به من الفساد، ونزلوا بالقرب من حلب، وشنّوا الغارة وجدّوا فى الطلب. وسيّرت من جيشك جماعة إلى القريتين، فشاهدهم يزكنا المنصور مرأى العين، فوجدوهم وقد أخذوا أغنام التركمان، فتلقّوهم يزكنا بأضيق (5) مكان، فلم يلبث الباغون {إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ} وطلبوا الهزيمة والفرار، فلم يمهلوا حتى عجّل الله بأرواحهم إلى النار، وبقّى أجسادهم ملقاة بأرض عرض، إلى يوم العرض. ثمّ سارت عساكرك طالبين الغوطة، ولم يعلموا أنّ بها أسودا (8) مربوطة، وعساكرنا تتأخّر عنهم قليلا قليلا، وأعيننا ترقبها بكرة وأصيلا. فلمّا عاينوا دمشق ظنّوا أنّهم يدخلوها ولأهلها يأسرون، وما علموا أنّهم فى تجارتهم يخسرون، فإن سجيّة الغدر للهلاك، ومصرع البغى ليس منه فكاك. فلم تغرب الشمس حتى فرّقناهم على أديم الأرض، وشتّتنا بعضهم عن بعض
والتجأ من بقى منهم إلى الجبل، وباتوا وهم من سيوفنا على وجل.
وأقاموا عليه ليلة الأحد، وظنّوا أن ليس مقابلهم أحد. فلمّا دقّت نصف الليل كوساتنا المنصورة، تحقّقوا أنّهم الفية الباغية المكسورة. فعند ما أصبحوا نظروا الأرض، وقد سالت عليهم خيلا ورجلا حتى ضاقت بهم عن المجال. فعندها ندموا حيث لا ينفعهم الندم، وأيقنوا (17) بعد السلامة بالعدم.
فنادى لسان حالهم-وقد قصّروا فى أعمالهم-أعتقنا أيّها الملك الرحيم، واعف عنّا فإنّك حليم. فأمرنا جيوشنا أن تفتتح لهم طريقا منها يخرجون، وتركناهم من أمرنا يعجبون، ففرّوا فرار الشاة من الأسد، ولم يلتفت منهم الوالد على الولد
(5) بأضيق: باظيق--السورة 46 الآية 35
(8)
أسودا: أسود
(17)
أيقنوا: ايقنوا
فلو رأيت، أيّها الملك، عساكرك-إمّا ذليلا أسيرا، أو جريحا عفيرا {وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً} (2) يوم تضاعف فيه المقتول والمأسور، وتصاحب فيه الذياب والنسور، وعادوا أصحابك طعاما (3) للذياب-لعضّيت على يديك وقلت {يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً!} (4) فبادر، أيّها الملك إلى حمد الله العادل، الذى لم ير عينك هذه المحافل، ومرورها على سمعك أهون من العيان، ونظرك إلى عورات أصحابك يغنيك عن البيان. فإنّه كان يوما مشهودا، وكان الملايكة فيه شهودا، ولقد نصحتك فما ارعويت، وبذلت لك القول فما وعيت، وركبت فرس البغى أحمر (8) كميت، فمن أجل ذلك عاد كلّ حىّ من جيشك ميت. وقلنا لك: من جرّد سيف البغى فهو به مقتول، فلا تعبأ بالقول ولا تفهم ما تقول، فاستحببت الكفر على الإيمان، فبئس ما سوّل لك الشيطان، فإن شيت أن تقف معنا على الكتاب المبين {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (12) فنخرج أنا وأنت عن بغداد والعراق، ونتركها لخليفة رسول الله إلى يوم التلاق، وإن سوّلت لك نفسك بخلاف ذلك، فأنت لا محالة هالك. وعمّا قليل يخلو (14) منك العراق والعجم، وتندم حيث لا ينفعك الندم، وقد أوضحنا لك الحقّ فلا تميل، وهديناك إلى أقوم سبيل، وتتقدّم بإرسال رسلنا المرسولة إليك، ولا تعوّقهم يكون وبالا عليك، وكأن قد خيّلت لك نفسك أنّ جيوشك تعبر الديار المصريّة، صدقت، ولكن على غير حالة مرضية، أمّا الخيول فعلى
(2) السورة 25 الآية 26
(3)
طعاما: طعام
(4)
السورة 78 الآية 40
(8)
أحمر: احمرا
(12)
السورة 2 الآية 60 والسورة 7 الآية 74 والسورة 11 الآية 85 والسورة 26 الآية 183 والسورة 29 الآية 36
(14)
يخلو: يخلوا
أيدى عساكرنا مجنوبة، والطبول فى أعناقهم مقلوبة، وأمّا الرجال، ففى أعناقهم الحبال، والسلاسل والأغلال، فعادت مغلك كالكلاب، فى أيدى أسود الغاب، فاختر لنفسك إمّا الدخول إلى خراسان سريعا، وإمّا الخروج عن الروم والعراق جميعا
وفى آخر هذه الرسالة هذين البيتين <من المتقارب>:
<و> إن كان أعجبكم عامكم
…
فعودوا إلى الشأم فى قابل
فإنّ السيوف التى ورّخت
…
مواقعها فى يد القاتل
وفيها كان إصراع العبد المؤلف لهذا التأريخ بالبندق فى شهر ربيع الآخر رابع عشرين منه. وتفضّل المولى المحسن المالك المرحوم شمس الدين بن دانيال الحكيم رحمه الله، ونظم أبياتا حسانا تتضمّن قدمة العبد. ونحن نذكرها هاهنا لما فيها من الفوايد فى وصف عدّة الطير الواجب وأصنافه وحسن صناعة التأليف، وأيضا لحفظ تأريخ الإصراع والقدمة، وهذه الفايدة تختصّ بالعبد دون غيره. فالقارئ يحتمل الإساءة فى إثباتها بشفاعة ما قبلها وبعدها إذا انتهى إلى حدّها وهى <من الكامل>:
عج بالسدير (15)
…
فإنّ فيه مرامى
فعلى السدير تحيّتى وسلامى
واد به طير الجليل معرّسا
…
وا طول شوقى نحوه وغرامى
وإذا أتيت جنابه متنزّها
…
انزل به لتفوز بالإنعام
أشتاق هاتيك الوجوه وحسنها
…
واهوى مقامات به ومرامى
(15) بالسدير: بالهامش «السدير: واد حسن بالعباسة وبه كان الإصراع» --تحيّى وسلامى: تحيه وسلام
قالوا أصف طير الجليل معجّلا
…
فى واجب الأصناف بالإحكام
فأجبتهم كركى ووزّ لغلغ (2)
…
وأنيسة عنارها وتمام
صوغ وأرنوق ونسر حبرج (3)
…
وأكىّ قاضى نسبة الحكّام
وعقابها ومرازم وشبيطر
…
يشتاق ملقاها ذوو الأفهام
من بعد ما نجلى الجليل فنبتدى
…
بمديح إسراع الجناب السامى
ابن الدويدارى الذى قد شرّفت
…
بجنابه الملعوب فى الأعوام
يا سيف دين الله ما بين الورى
…
ومسامى الصدّيق فى الإسلام
لم أنسه لمّا استوى بمقامه
…
كالبدر فى صحو بغير غمام
شبّهته فى حلّة مسودّة
…
بدر تجلّى فى دجاء ظلام
وكأنّه أسد هزبر كاسر
…
همّاته فاقت لكلّ همام
وقد انتضى قوسا (11)
…
بكفّ شماله
حلو الصياغة صاغة الحزّام
لا فطر فيه ولا مبيّض كعبه
…
<و> قد استخير له قنا ولحام
يذرف دموعا من محاجر عينه
…
لمّا تراهقه كفوف الرامى
ولغالغا طاروا عليه وأقبلوا
…
وقد ابتدا بمقامه القدّام
فرمى إليهم بندقا من كفّه
…
فهوى كسكران بغير مدام
ومعفّرا وجه الثرى من خدّه (16)
…
لا يستطيع لنهضة وقيام
حسن له إبن الحظابى (17)
…
جاره
أحسنت لا شلّت يمين الرامى
وجرى إليه محصّلا عن نفسه
…
<لكنه> لا يستطيع يحامى
(2) لغلغ: ولغلغ
(3)
حبرج: وحبرج
(11)
قوسا: قوس
(16)
من خده: بخده --لنهضة: لنهظه
(17)
الحظابى: كذا فى الأصل
لمّا تقضّى (1)
…
الوجه جاء لحمله
ما بين سادات الرتوت كرام
وأتابكى (2)
…
كان الكبير وبعده
ابن الشجاع السنتب الضرغام
قد كان ثالثه الكبير منيعما (3)
…
والمجد رابعهم بصدق نظام
وجماعة حملوا له من بعدهم
…
سلكوا العدالة منهجا وكلام
وقد ادعى لجناب ليث كاسر
…
إنّ المعزّى فخر كلّ غلام
ملك أمير حازم متورّع
…
كفؤ أثير باسل كحسام
فى سبع ماية وأربع إصراعه
…
تأريخه مسطور بالأقلام
بربيع الآخر كان أوّل رميه
…
رابع وعشرين من الأيّام (8)
ما كان أبرك وجه بكرة عنده
…
يوم الأحد الضاحك البسام (9)
ها إبن دانال يشرّف (10)
…
نظمه
ولسانه من سيآت الفحش والآثام
وفيها حجّ الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ومسك حميضة ورميثة أولاد أبى نمىّ أصحاب الحجاز الشريف بمكّة، وأحضرهما إلى الأبواب العالية. وعادا يجلسا مع الأمرا فى الخدمة، ولبّسوهما كلاوت زركش وأقبية وسيوف وحوايص. وأقام عوضهما بمكّة أخويهما عماد الدين أبو الغيث وسيف الدين عطيفة
وفيها قبض على ناصر الدين الشيخىّ الوزير فى غيبة بيبرس فى الحجاز، باتّفاق كان بينه وبين الأمير سيف الدين سلاّر، وضرب بالمقارع حتى مات تحت العقوبة، لأمور كانت جرت منه. وكان قصده فتنة لما
(1) تقضى: انقضى
(2)
وأتابكى: والاتابكى--السنتب: الشيته
(3)
منيعما: منيعم
(8)
المصراع الأول مضطرب الوزن
(9)
المصراع الثانى مضطرب الوزن
(10)
يشرف: شرف--المصراع الثانى مضطرب الوزن
كان تعلّق به أمله الكاذب، فرجع وبالا عليه. وهذا ناصر الدين الشيخىّ كان أقباعيّا (2) يخيط الأقباع. ثمّ إنّه كان بماردين وحصل. منه مكاتبة ومناصحة للأبواب العالية السلطانيّة. ثم وصل إلى مصر وأخذ الإقطاع وعمل شادّ الكيّالة بالقاهرة المحروسة. ثمّ ولى القاهرة. ثم تنقّلت به الأحوال حتى وزر وانتهت أيّامه فقتل (5_) حسبما ذكرناه. و (5) كان يعرف بالغايب، وأبوه كان هنديّا (6) وأخوه يعيش إلى حين وضع العبد هذا التأريخ، يسمى الشيخ علىّ، رجل فقير، وما كان يعترف به فى حال سعادته (7)
ووزر بعده سعد الدين بن عطايا بعناية الأمير علم الدين الجاولى الأستادار. وكان الأمر راجعا (9) فى ذلك الوقت لتاج الدين بن سعيد الدولة.
وكان هذا ابن سعيد الدولة مسلمانيّا (10)، وكان فيه دهاء ومكر. فانتهى إلى خدمة الشيخ نصر المنبجىّ، قرّبه إليه شخص جندىّ كان يلوذ بالشيخ نصر، يقال له المعظّمىّ. وكان الشيخ نصر لا يقوم ولا يقعد إلاّ بالمعظّمىّ وجعله حاجب بابه. وبلغنى ممّن أثق به أنّ الشيخ نصر قال فى وقت:
أطلعت على الجنّة، فوجدت المعظّمىّ قايما (14) على باب الجنّة مع رضوان يأذن لمن أحبّ ويمنع من أختار، فلذلك جعلته صاحب الإذن علىّ. -فلمّا قرّب المعظّمىّ لابن سعيد الدولة للشيخ دخل على الشيخ بخرده (16) ومكر ودين وخشوع حتى بلغنى أنّه قال عنه: هذا ابن سعيد الدولة يتصرّف فى الجنّة كيف شا، فلا أقلّ أنّه يكون متصرّفا فى أمور الدنيا. -وكان الشيخ الغالب على أمر الأمير ركن الدين، لا يفعل شئ إلاّ بإذنه وعن إشارته. فأشار بأن يكون ابن سعيد الدولة مدبّر الدولة. فعاد كذلك حتى
(2) أقباعيا: أقباعى
(5_) فقتل: فقيل
(5 - 7) وكان يعرف. . . حال سعادته: بالهامش
(6)
هنديا: هندى
(9)
راجعا: راجع
(10)
مسلمانيا: مسلمانى
(14)
قايما: قايم
(16)
بخرده: كذا فى الأصل
بلغ من أمره إذا كتب (1) عن مولانا السلطان كتاب فى ساير التعلّقات الخاصّة والعامّة يعرض على ابن سعيد الدولة حتى يكتب عليه: يحتاج إلى الخطّ الشريف، -ثمّ بعد ذلك يقدّم للعلامة الشريفة السلطانيّة. ثمّ إن ابن سعيد الدولة عمل له ناموسا عظيما حتى لا كان أحد (4) يجسر أن يسلّم عليه فى الطريق ولا يمشى أحد (5) قدّامه ولا خلفه غير عبد واحد يحمل دواته، والويل لمن جهل منه ذلك فسلّم عليه فى الطريق، فما يسلم من الأخذ والإهانة (6) إلاّ بالجهد العظيم. وكان له بستان قد جعل فى وسطه مكان خالى من الأشجار تقدير فدّانين، وفى وسط تلك البقعة تخت جريد يجلس عليه ومن شا من ألزامه الخصيصين به. وكان أكثرهم مجالسة فى قراية المناحس والتفكّر فى ما يفعلوه شخص من أقاربه كان يسمّى التقىّ الأحول، وكان يقارب التاج فى المكر والخبث ويفوق عليه، وربّما كان التاج ابن سعيد الدولة يغترف من بحره، فكان غالب الأوقات جليسه فى ذلك المكان. وكان قصده بخلوّ ذلك المكان من الأشجار والخلوة فيه خشية ما سامع يسمع ما هما فيه من الكلام، فإذا دخل إليه داخل نظره من بعد. كلّ ذلك من حسابه البعيد وغوره فى المناحس. ثمّ إنّ ابن سعيد الدولة حجر على ساير التصرّفات السلطانيّة ومنع أشيا كثيرة كبيرها وحقيرها. جليلها وقليلها. هذا ومولانا السلطان يلاحظ هذه الأحوال، صابرا على هذه الأهوال، قد سلّم أموره إلى الله مولاه، فهو يلاحظه ويكلاه
وفيها ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الآخر ولد لمولانا السلطان عزّ نصره ولد ذكر (20)، ولقّب بالملك المظفّر
(1) كتاب: كتابا
(4)
أحد: احدا
(5)
أحد: احدا
(6)
والإهانة: والاهنة
(20)
ولد ذكر: ولدا ذكرا
وفيها التاسع عشر من ربيع الأوّل وصل الأميرين آقطاى وسلطان أولاد مهنّا ومعهم جماعة كبيرة، وكان لهم مدّة زمانيّة قد قفزوا إلى التتار، وكانوا مضرّة (3) على الإسلام خصوصا على القفول الصادرة والواردة من الشرق. فكان عودهم رحمة للناس، فخبّروا أنّ غازان كان قبل موته قد جرّد خمسة عشر تومانا عدّة ماية وخمسين ألف فارس إلى نحو الشأم. فمات بالسبب المذكور قبل خروج التجاريد، فلله الحمد والمنّة
وفيها وصل رسول التتار وأخبر أنّ وراه رسلا (7) أيضا من الملك خدابنداه أخى (8) غازان صاحب تخت مملكة التتار بالعراقين وما معهما، وأنّ مع الرسل رسول المسلمين: الأمير حسام الدين المجيرىّ وعماد الدين بن السكّرىّ، وكذلك بدر الدين بن فضل الله. وأخبر أنّ الملك خدابنداه قرّب الرسل الإسلاميّة وأخلع عليهما وأنعم إنعاما كبيرا، وأنّ من جملة ذلك أنّه ناول لعماد الدين بن السكّرىّ من يده هناب قمز فتناوله من يده، ولم يشربه.
فسأله عن امتناعه، فقيل له: إنّه قاضى ولا يمكنه شربه. -فأخذه منه وناوله رغيف خبز صورة أمان، فأخذه وضرب له جوك. فأعجبه كلامه وقال: الملك الناصر آغا أطاسى، يعنى كبيرى وسميّى، فإنه محمد وأنا محمد، ونحن نطلب الصلح خمسين سنة، وأقلّ ما يكون اثنتا عشرة سنة حتى تعمر البلاد. -ثمّ قال: إنّ أخى غازان ما كان له عقل فى خراب البلاد، وكان مسلم الظاهر كافر الباطن، وما دخوله الشأم برضايى ولا برضا أمرا المغل، فلذلك قتله الله تعالى. وإنّ أمرا المغل يسلّمون على السلطان صاحب مصر ويطلبوا منه الصلح وإخماد هذه الفتن، وكان سبب هذا كلّه منهم أنّه بلغه
(3) مضرة: مظره
(7)
رسلا: رسل
(8)
أخى: اخو
أنّ الملك أنغاى قد عزم على غزوهم، فقصدوا أن يسدّوا الباب من هذه الجهة ويتفرّغوا لوجه واحد
وفيها وصل رسول أنغاى ابن أخى (3) الملك بركة ووصل صحبته جوار كثيرة ومماليك وهديّة سنيّة لمولانا السلطان عزّ نصره، وكان عدّة المماليك أربع ماية مملوك ومايتى جارية. فأخذ منهم مولانا السلطان ماية وعشرين مملوكا والباقى شروهم الأمراء. ومضمون الرسالة: إنّنا قد سيّرنا إلى خدابنداه نطلب منه من خراسان إلى توريز، وقد عزمنا على الركوب إليه.
فتجمع عساكرك وتدخل من قبلك ونحن من قبلنا، ونجتمع نحن وأنت على طردهم من البلاد، ونكون نحن وأنتم يدا (9) واحدة، وحيث ما وصلت خيلنا من البلاد فهو لنا، وحيث ما وصلت خيلكم من البلاد فهو لكم. -فلأجل ذلك كان ترقّق خدابنداه فى رسالته وسؤال (11) الصلح
وفيها تاسع شهر جمادى الأولى وصل من التتار مقدّمين ومعهم نحو من مايتى نفر بنسايهم وأولادهم. وذكروا أنّ فيهم أربعة من سلحداريّة غازان ومن جملتهم ابن سنقر الأشقر، وأخبروا أخبارا (14) طيّبة
وفيها وصل بدر الدين محمد بن فضل الله وعلاء الدين بن القلانسىّ وشرف الدين بن الأثير من بلاد التتار، وكانوا قد أخذوهم نوبة غازان. وكان دخولهم دمشق الثالث والعشرين من جمادى الآخرة
وفيها وصل الأمير حسام الدين المجيرىّ وعماد الدين السكّرىّ وصحبتهما رسل من جهة خدابنداه
(3) أخى: اخو--صحبته: صحبتهم
(9)
يدا: يد
(11)
سؤال: سآل
(14)
أخبارا: اخبار