المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر نصرة الإسلام على التتار الليام - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٩

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر الوقعة التى كانت بين التتارودخول سلامش الديار المصريّة

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وتسعين وستّ ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر وقعة نوبة غازان بوادى الخزندار

- ‌ذكر ما جرى لدمشق من الأحوال الناكدة

- ‌ذكر رجوع غازان إلى الشرق

- ‌ذكر عودة جيوش الإسلامبالنصر إلى بلاد الشام

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع ماية هجريّة

- ‌ولنذكر الآن ما يخصّ حوادث الزمان:

- ‌ذكر عودة غازان خايب الآمال

- ‌ذكر لباس النصارى واليهود الأزرق والأصفر

- ‌ذكر ما جرى فى هذه السنة بين ملوك الهند

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما جرى للمجيرى عند حضورهبين يدى غازان

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر نصرة الإسلام على التتار الليام

- ‌ذكر حدوث الزلزلة فى هذه السنة

- ‌ذكر ما جاء من القول فى حدوث الزلزلة

- ‌ومن كتاب عجايب المخلوقات وبدايع الموجودات

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر دخول العساكر الإسلاميّة سيس

- ‌ذكر وفاة غازان وتملك خدابنداه

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌[نسخة مكتوب السلطان الناصر إلى غازان خان بعد معركة شقحب]

- ‌تتمّة كلام المجيرىّ للوالد رحمهما الله تعالى جميعا

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان بين عسكر حلب وأهل سيس

- ‌ذكر واقعة الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة رحمه الله

- ‌ذكر ما جرى للشيخ تقىّ الدين بمصر المحروسة

- ‌ذكر السبب الموجب لهذه الفتن المذكورة

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان بين التتار وبين أهل كيلان

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر تغلّب بيبرس الجاشنكير على الممالكحتى عاد بسوء تدبيره هالك

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌أشاير البشاير

- ‌ذكر عودة الركاب الشريف السلطانىّ المالكىّالناصرىّ إلى محلّ ملكه بالديار المصريّة وهى المملكة الثالثة

- ‌ذكر دخول مولانا السلطان عزّ نصره دمشق المحروسة

- ‌ذكر توجّه الركاب الشريف إلى الديار المصريّة

- ‌ذكر سبب توجّه القاضى علاء الدينابن الأثير فى ركاب مولانا السلطان إلى الكرك

- ‌ذكر نزول بيبرس عن الملك وهروبه

- ‌ذكر ما اتّصل بنا من مدايح التهانى البديعات الألفاظ والمعانى

- ‌ذكر القبض على بيبرس من الطريقوعودته إلى الأبواب العالية

- ‌ذكر [حوادث] سنة عشر وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر سبب مسك بكتمر الجوكندار وكراىوبقيّة النوّاب

- ‌ذكر سبب تقفيز قراسنقر وآقوش الأفرمومن معهما ووصولهم إلى التتار

- ‌ذكر تعدية قراسنقر إلى التتار

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتى عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر توجّه الركاب الشريف عزّ نصرهإلى الشأم المحروس بنيّة الغزاة

- ‌ذكر سبب مأتى التتار إلى الرحبة والسببفى عودتهم خايبين

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث عشرة وسبع ماية

- ‌ما يخصّ من الحوادث

- ‌ذكر ما كان من أمر قراسنقر بالبلادوالواقعة بين خدابنداه وطقطاى فى هذه السنة

- ‌ذكر الواقعة التى كانت بين الملكين خدابنداه وطقطاى

- ‌ذكر ما جرى لعسكر طقطاى لمّا عادوا هاربين

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر أخذ ملطية وصفتها

- ‌ذكر الروك المبارك الناصرىّ

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع عشرة وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة عشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر تملّك الملك عماد الدين حماة وركوبه

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ستّ وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة سبع وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر سبب دخول المأمون على بوران

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثمان وعشرين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة تسع وعشرين وسبع ماية

- ‌[ما لخص من الحوادث]

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة إحدى وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة اثنتين وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة ثلاث وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة أربع وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر [حوادث] سنة خمس وثلاثين وسبع ماية

- ‌ما لخص من الحوادث

- ‌ذكر ما تجدّد فى هذه السنة المباركة

- ‌ذكر عدّة ما استجدّ من الجوامع المعمورة بذكر الله تعالىفى أيّام مولانا السلطان

- ‌[ذكر أنكاد الزمان:]

- ‌[أنكاد] القرن الأوّل

- ‌[أنكاد] القرن الثانى

- ‌[أنكاد] القرن الثالث

- ‌[أنكاد] القرن الرابع

- ‌[أنكاد] القرن الخامس

- ‌[أنكاد] القرن السادس

- ‌ذكر الجوامع المباركةالتى انتشت فى دولة مولانا السلطان عزّ نصره

- ‌ذكر المستجدّ أيضا من الجوامع المباركةبالممالك الشاميّة

- ‌والمستجدّ أيضا بدمشق المحروسة

- ‌والمستجد أيضا بطرابلس

- ‌ذكر تتمّة الحوادث

- ‌ذكر سبب دخول سيس

- ‌ذكر عمارة قلعة جعبر فى هذا الوقت

- ‌[خاتمة الكتاب]

- ‌استدراك

الفصل: ‌ذكر نصرة الإسلام على التتار الليام

‌ذكر نصرة الإسلام على التتار الليام

لمّا كان العشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة برزت المراسم الشريفة السلطانيّة الناصريّة أعلاها الله تعالى، بتجهيز عشرة آلاف فارس من أعيان الناس بالجيوش المنصورة، يقدمهم الأمير حسام الدين أستادار والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ويتوجّهون لحفظ الشأم المحروس، وذلك لمّا صحّت الأخبار بقصد التتار إليه، لتطمئنّ قلوب أهله. فتقدّمت هذه التجريدة فى ذلك التأريخ

ثمّ وردت الأخبار أنّ التتار عدّوا الفراة البعض منهم، وغاروا على أطراف البلاد. فعند ذلك برز الدهليز المنصور السلطانىّ، وكان توجّه الركاب الشريف من الديار المصريّة العشرين من شهر رجب الفرد من هذه السنة، والسعد قدّامه، والنصر أمامه، والتوفيق رفيقه، والرفيق الأعلى قد سهّل طريقه، والملايكة قد حفّت أعلامه وصناجقه. وقد توكّل على الله خالقه، وروايح النصر قد عطّرت بشذاها الآفاق، ولوايح القهر قد ظهرت بقدرة العزيز الخلاّق، فنزل بالدهليز المنصور، وقد أحاط به الظفر بأعداه إحاطة كإحاطة السور. وليس فى الجيش إلاّ من هو فى إلفه وحلفه {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} (17) فاستقرّ أيّده الله بالملايكة المقرّبين، وبكتابه المبين، إلى الخامس من شعبان المكرّم، فركب طالبا للعدوّ المخذول. وقد جعل

(17) السورة 13 الآية 11

ص: 82

النوم على جفنه الشريف محرّما (1)، إلى أن يبلّغه الله فى أعداه، غاية قصده ومنتهى مناه

وكان بيبرس الجاشنكير لم تبرح آرايه معكوسة، وأحواله منحوسة، لما كان يضمره ويخفيه، من مكره الذى كان فيه، حتى عاد وكلّ رأى يظنّ أنّه ينجح، يلقى من تلقايه لا أفلح. فكان من عكس رأيه وسوء تدبيره أنّه كان مقيما بالتجاريد التى خرجت صحبته بدمشق، وهو يهدر ويرعد، ويرغى ويزبد، ويقول: وما هم التتار؟ أنا ألقاهم (7) وأبدّد شملهم بهذا الصارم البتّار. -وهو يظنّ أنّهم لا يقدمون على البلاد، إذا بلغهم أنّه فى تلك العدّة والسواد. فلمّا تحقّق مأتاهم، وتعيّن له لقياهم، أدركه الزّمع، وظهر عليه الهلع، وتزايد اصفراره، ودخلت فكوكه وطال منقاره. وخرج من دمشق وصناجقه ملفوفة، وطبوله مكفوفة، وأهل دمشق يسبّوه على هذه (12) الفعال، وكونه منع الجفّال، من الجفل فى أوّل حال، وغرّه لهم بالمحال، وخرجت فى أثره الأهل والعيال، والنسا والأطفال مع البنات ربّات الحجال، فى أنحس الأحوال، لا تعى الرجال على النسا ولا النسا على الرجال. وليس فيهم إلاّ من يدعو عليه، وهو يسمع ذلك منهم بأذنيه.

فلم يزل ذلك دابه. وقد غاب صوابه، ولا يردّ على أحد جوابه

وما برح على هذه الصورة، حتى ظهرت السناجق المنصورة، التى عليها آيات النصر بالتلاوة مقصورة، فلمّا عاين الجيوش الناصريّة سكن جأشه بعد الفرق. ولمّا شاهد العساكر المحمديّة حمد الله تعالى ربّ الفلق، وزال ما كان قد اعتراه من القلق، ولم يزل كذلك حتى

(1) محرما: محرم

(7)

ألقاهم: للقاهم

(12)

هذه: هذا

ص: 83

وقعت عينه على الأسد الهصور، والليث الكسور. والعقاب الجسور، الملك الناصر المنصور، وشاهد من وجهه سواطع النور، وهو كاللبؤة (2) إذا فارقت أشبالها، وجيوشه المنصورة قد طبّقت سهول الأرض مع جبالها، قد حفّت به الملايكة المقرّبين من كلّ ملك كريب (4)، وقد كتب بالنور على تاجه {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (5) فلمّا عاين من قدرة الله تعالى ما لعقله قد حيّر، وللبّه قد أبهر، ونظر، فإذا مكتوب بقلم النور على علمه الأصفر {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} (8) ثمّ حقّق النظر عن يمينه، فإذا على طرازه مكتوب: فتح الله ونصر، وعلى يساره مكتوب: الله أكبر، هذا الملك المؤيّد بالظفر. هنالك علم أنّ هذا ليس فى قدرة البشر، وأنّه تأييد إليه تعالى فقدّر، ليحيّر فى لطايف صنعه العقول والفكر، ليعتبر بذلك كلّ من بغى عليه ولنعمته كفر، فلم يملك نفسه دون أن رمى بها، ولثم التراب.

ثمّ بعدها قبّل الركاب، وهو يقرأ فى نفسه {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} (14) والحسد من حينئذ قد داخله. ولم يزل به حتى كان قاتله، فلله درّه ما أعدله. بدا بصاحبه فقتله. فلو كان له فى نفسه بصيرة، لألقى معاذيره (16). وإنّما أراد الله تعالى أن يقضى مقاديره، لتكون سيرته الشريفة أعظم من كلّ سيرة. وكان ملتقى العساكر الإسلاميّة بعضهم ببعض، وامتلأت بهم الأرض، نهار السبت مستهلّ شهر رمضان المعظّم أوّل النهار المبارك، وفيه كان النصر للإسلام مشارك

(2) كاللبؤة: كالبوه

(4)

من كل ملك كريب: بالهامش، هكذا بالأصل ولعله كروب

(5)

السورة 61 الآية 13

(8)

السورة 48 الآيتين 1 و 2

(14)

السورة 38 الآية 39

(16)

نفسه. . . معاذيره: قارن السورة 75 الآيتان 14 و 15

ص: 84

فلمّا كان بعد صلاة الظهر ظهرت جيوش المغل تتعثّر، كالجراد الأحمر، وذلك أنّهم لمّا بلغهم أنّ بيبرس الجاشنكير خرج عن دمشق وأخلاها، وأنّها لهم خلاّها، ظنّوا أنّ ذلك منه خدعة حتى يدخلون إليها ويشتغلون بنهبها. فيعود عليهم سرعة، وكان هذا ممّا أرماه الله تعالى فى قلوبهم من الهيبة، حتى يعودوا مكسورين بالخيبة، وصان دمشق وحماها بلطفه وكلأها

ثمّ التقى الجمعان، وعمل الضرب والطعان، وصبر الشجاع وفرّ الجبان، وعمل الصارم، وليمته فى الجماجم، وخطر الأسمر، يميس فى لباسه الأحمر، وغنّى الحسام، وانقطع الكلام، لمّا زادت الكلام، ورقصت الخيول، على دقّات الطبول، وهاجت بلابل الشجعان، لمّا عاد الجبان، خرسان من الخرسان (11)، وسهام الحداق فى الأحداق، والمهنّد قد {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ} (12) وعاد الأسمر بين الصفوف فى الحىّ (12_) يميل، فكم عاد له من حىّ قتيل.

فلمّا تهيّأت الجزور، بعد فوران تلك القدور، تقدّمت إلى تلك الدعوة الوحوش والنسور، فأمعنوا من لحوم لا عاد لها نشور، إلاّ يوم النشور.

وكلّ من الجنسين عاد للجيشين شكور، ولهذا اليوم المذكور ذكور، مع علمه أنّه فى شكره قاصر، لما فعله فى ذلك اليوم السلطان الأعظم الملك الناصر. فلمّا نظر الأسد إلى صبره وثباته، صغرت عند نفسه وثباته، وعلم أنّ ثباته بإقدامه، أعظم من وثباته وأقدامه. ولمّا عاين الذئب هذه الجسارة، علم أنّ جسارته بعدها خسارة، فقال الضبعان: لسان حالى يقصر عن وصف شجاعة هذا السلطان، وإنّما أدعو له إذا مشيت، وأنا من وليمة أسيافه

(11) خرسان من الخرسان: خرصان من الخرصان

(12)

السورة 38 الآية 33

(12_) فى الحى: بالهامش

ص: 85

شبعان. -فقال النسر للعقاب: ما آن لنا أن نروى من دم هذه الرقاب، وكيف نلام إذا حلّقنا على صفر الأعلام؟ وكيف لا يكن كلّ منّا لهذا الملك الإمام غلام؟ -فقال العقاب: أنا من قبلك بهذا البيت أتشرّف، إذ كنت لم أزل (4) غلام أعلام أخيه الأشرف، فعرف لى هذه الحقوق، ولم يبرح بارّا لا عقوق. - (5) فقال لسان الحال، فهو صاحب هذا المقال <من الكامل>:

ذو راحة وكفت ندا وكفت ردى

تقضى بهلك عداته وعداته

كالغيث فى إروايه وروايه

والليث فى وثباته (7) وثباته

ولم تزل هذه الوليمة بين جيوش بنى يافث، وهم فى غاية الازدحام، إلى أن فرّقت بينهم جيوش حام. والجيوش الناصريّة قد أشرفت، وفى إهراق دما التتار قد أسرفت، إلى أن التجئوا إلى تلّ هناك، وقد تعيّن لهم عين الهلاك. وأحاطت بهم الجيوش إحاطة من آمن بمن كفر، لا إحاطة الهالة بالقمر. وباتوا بليلة مسودّة شيّبتها بوارق السيوف، طويلة قصّرها عندهم انتظار الحتوف.

وقد يروى أنّ ليالى الهموم طوال، وهذه الليلة مع همومهم كانت عليهم أقصر من طيف الخيال. وإن {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ} (15) وكان صباحهم كثامن يوم عاد، كأنّهم كانوا وهم على ميعاد، فأصبحوا جاثمين و {فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} (17) فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم من الويل. وقد انحدرت عليهم الجيوش الإسلاميّة انحدار السيل، تحقّقوا أن لا مناص.

ولا من الموت خلاص، لاموا بعضهم بعض، وقالوا: أما كان لنا معتبر (19)

(4) لم ازل: مكرر بالهامش--أخيه: أخوه

(5 - 7) فقال. . . وثباته: بالهامش

(15)

السورة 69 الآية 177

(17)

السورة 37 الآية 177

(19)

معتبر: معتبرا

ص: 86

بما تمّ على أصحابنا بعرض؟ وأين غازان؟ لقد عرّضنا للهوان. فلو كان بهذا المكان، لطلب الأمان، من سيّد ملوك الزمان. ولم يبق منهم إلاّ من ندم وتاب، وأقلع وأناب

فلمّا نظر الله تعالى إلذى ذلّهم وكسرهم، أوحى إلى قلب مولانا السلطان بجبرهم، فحنى عليهم بقلب رءوف، وأجارهم من حتوف السيوف، وعلم أنّ الإيمان من الكفر قد اشتفى، وأنّه قد قدر وعفى <من البسيط>:

شمس العداوة حتى يستقاد لهم

وأكثر الناس أحلاما إذا قدروا

(8)

وذلك بعد ما استشار الأمرا الكبار. فلمّا علموا الأمرا أنّه داخلته الرحمة، وأنّه رأى إطلاقهم شكران هذه النعمة، أشاروا بإطلاقهم، وفك خناقهم. وذلك عند وقت الهاجرة، ففتحوا وعتقوا تلك الأمّة الفاجرة.

فلمّا علموا أنّهم عادوا عتقا، ومن قبضة بأسه طلقا، صرخوا صرخة عظيمة، وولّوا الأدبار بالهزيمة، ولم يلوى منهم الوالد على الولد، ولم يزل السيف يعمل فيهم إلى آخر يوم الأحد. وعلى الجملة: فإنّه لم يصل إلى بلادهم (15) إلاّ النادر، والنادر لا حكم له، والذى وصل لم يقم إلاّ أيّاما وهلك بمرض اعتراه كالوله

وكان فى يوم السبت، وهو أوّل الملتقى، حملت ميسرة التتار-وكان جمرتهم-على ميمنة المسلمين، فكسرت وقتل من أمرا المسلمين بها وأعيانهم

(8) البيت: بالهامش--شمس: شم، انظر ديوان الأخطل طبع بيروت 1891 ص 104.

(15)

إلى بلادهم: الا بلادهم--حكم: حلم

ص: 87

من يذكر، وهم: الأمير حسام الدين أستادار، وأولياء بن قرمان، وأمير علىّ بن دودا، وسنقر الكافرىّ، وأيدمر الرفا، وأيدمر النقيب، وأيدمر القشّاش، وآقوش أمير آخور، ولاجين الموصلىّ الخطّابىّ، والحسام بن ناخل مع جماعة أخر من أمرا الشأميّين، ختم الله لهم بالسعادة، وفازوا بالشهادة، عوّضهم الله الجنّة

ونصر الله تعالى هذه الأمّة المحمّديّة، والعساكر الناصريّة المحمديّة، وأيّد الله الإسلام، واطمأنّت نفوس أهل الشام. ودخل مولانا السلطان خلّد الله ملكه مؤيّدا بالنصر والظفر، على رغم أنافى التتر، إلى دمشق يوم الثلثا ثالث يوم الوقعة المباركة بأرض شقحب. وزيّنت دمشق لدخوله وكان يوم عظيم بدمشق. ثمّ عاد الركاب الشريف إلى الديار المصريّة، فى جيوشه الناصريّة. وزيّنت القاهرة زينة عظيمة، ما شهد مثلها فى الأزمنة القديمة. وأقام الفرح والسرور، والغبطة والحبور، بالديار المصريّة، وبالقاهرة المعزّيّة، ما ينيف عن خمسين يوم، وكأنّها كانت فى النوم. ولمّا حلّ ركاب مولانا السلطان، وأيّده الله بالقرآن، شقّ القاهرة المحروسة، والقاهرة بزينتها كالعروسة، والأمرا من التتار بين يديه على خيولهم مجنوبة، وطبولهم البعض مشقوقة والبعض مقلوبة.

وكان يوما مشهود، لم ير مثله مذ كان الوجود. وكان دخول مولانا السلطان عزّ نصره إلى القاهرة المحروسة، وشقّها وطلوعه إلى قصره واستقرار ركابه الشريف بكرسىّ مملكته وديار مصره <الثالث والعشرين (19) > من شوّال من هذه السنة العظيمة الأمن والبركة، السعيدة الإقبال والحركة

(19) الثالث والعشرين: أضيف من زت

ص: 88

<من الطويل>:

وألقت عصاها واستقرّ بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

<من الكامل>:

وتآنست (4)

بالقادمين منازل

كانت عليها وحشة مذ بانوا

ونطقت بعد ذلك ألسن أهل الفضل من الأكابر، الذين لأقدامهم صيغت رءوس المنابر، فممّا استحسن واستجيد، قصيدة القاضى شرف الدين ابن الوحيد، ابن عميد الوقت أو عبد الحميد، التى أوّلها، يقول <من الطويل>:

لقد تمّت النعمى وأوضحت البشرى

وقد أعبق الفتح المبين لنا نشرا

حبانا إله الخلق بالنصر والهدى

على الشرك والإيمان قد غلب الكفرا

ولمّا غزا غازان عقر ديارنا

وأعطاه من يعطى ومن يمنع النصرا

تمرّد طغيانا وتاه تجبّرا

ولم يرتفق سعيا ولم يستفيق سكرا

وجاءت ملوك المغل كالرّمل عدّة

وقد ملأت (13) سهل البسيطة والوعرا

فأنصفت الأيّام فى الحكم بيننا

فكانت له الأولى وكانت لنا الأخرى

وأقبل سلطان الزمان مؤيّدا

يقود الجياد الجرد والعسكر المجرى

وكان نهار السبت بالنصر شاهدا

بصدق وكان الوقت قد قارب العصرا

فلله درّ الترك كم سفكوا دما

وكم قطعوا رأسا وكم جزروا نحرا

فولّت ولاذت بالجبال تحصّنا

ولولا تخاف القتل لاختارت الأسرا

فحمد لسلطان الزمان (19)

محمد

وشكر لمولى قد أباد العدى قسرا

(4) وتآنست. . . بانوا: بالهامش--منازل: منازلا

(13)

ملأت: ملكت زت

(19)

لسلطان الزمان: لسان الزمان--العدى: الاعادى، مصحح بالهامش

ص: 89

أجلّ ملوك الأرض والناصر الذى

أذاق العدى ضيقا وأوسعنا صدرا

فلا زالت الأقدار تحت مراده

ولا زال يعلو فوق هام السّهى قدرا

وقال الآخر <من الخفيف>:

ملك أينما توجّه تلقا

هـ سحاب ورحمة ورخاه

فهو غيث الثّرى وغوث البرايا

أينما حلّ حلّت النّعماء

وقال الآخر <من الخفيف>:

ما سمعنا من قبلهم بملوك

يسبق الريح وفدهم حين يسرى

بينما قيل إنّهم فى شآم

فإذا (8) هم يرون فى أرض مصر

كيف راحوا وكيف جاءوا ترانا

حيرة فى أمورهم ليس ندرى

نحن معهم وليس معنا حديث

عنهم بالذى من الأمر يجرى

أتراهم ملايكا أم ملوكا

فى عفاف وفى اختفاء ونصر (11)

وكقول الآخر <من البسيط>:

بيض العوارض طعّانون من لحقوا

من الفوارس سلاّلون للنّعم (13)

قد بلّغوا بقناهم فوق طاقتهم

وليس يبلغ ما فيهم من الهمم (14)

فى الجاهليّة إلاّ أنّ أنفسهم

من طيبهنّ به فى الأشهر الحرم

(8) فاذا زت: واذا

(11)

ونصر: ونصرى

(13)

للنعم: النعمى

(14)

الهمم: الهممى

ص: 90

ومن ذلك قصيدة نجم الدين بن العينىّ التى منها يقول <من الكامل>:

وإذا نظرت إلى السهول رأيتها (2)

تحت الضّباب فوارسا وجنايبا

فكأنّما كسى النهار بها دجى

داج وأطلعت الرماح كواكبا

خيل فوارسها (4)

الأسود يقودها

أسد تصير لها الأسود ثعالبا

ومن ذلك قصيدة محمد البزّاز المنبجىّ يمدح مولانا السلطان عزّ نصره وهى <من البسيط>:

وافى على قدر ما يختاره القدر

وجاء عمّا جناه الدهر معتذر

وإن أساءت لياليه التى سلفت

ظلما فقد أحسنت أيّامه الأخر

وبعد إدراكك الثارات منتصرا

فكلّ ذنب جناه قبل مغتفر

بشاير طار بالإقبال طايرها

لمثلها كانت الأيّام تنتظر

فتح على جبهة الإسلام أسعده

بالجدّ والسعد والتأييد منتظر (11)

ما شاهد الناس فتحا مثله أبدا

إلاّ فتوحا تولّى أمرها (12) عمر

سارت بأخبارها الركبان واقعة

لم تحو أمثالها الأخبار والسير

وفى الليالى إذا عدّت محاسنها

أسمار فى كلّ ناد ذكرها سمر

عمّ السرور بها كلّ النفوس فما

للناس فى لذّة من بعدها وطر

إنّ البغاة بنى خاقان أقدمهم

على هلاكهم الطغيان والأشر

(2) رأيتها: رئيتها

(4)

فوارسها: فورسها

(11)

منتظر: مقتطر

(12)

أمرها: أمره

ص: 91

راموا، وقد حشدوا، غلبا فما غلبوا

وحاولوا النصر تضليلا فما نصروا

أتوا وقد مكر الله العزيز بهم

فردّ طغيانهم بالغيظ إذ مكروا

وضيّقوا الأرض من سهل ومن جبل

كأنّما هم جراد فيه منتشر

داسوا بلادك لا يثنى أعنّتهم

عن قصدها جهلهم والتّيه والبطر

غرّتهم فلتة فى الدهر عن غلط

منها فخلّت بهم من بعدها العبر

وأمّلوا أنّها مثل التى (6)

ذهبت

فعوّدوا ودماهم فى الفلا غدر

قابلتهم بجيوش ما لهم (7)

قبل

ببأسها فلقد قلّوا وإن كثروا

أفنيتهم بليوث منك باسلة

وهل تقاوم آساد الشرى الحمر

فكم قتيل له من بعد صولته

تحت السنابك أمسى وهو منعقر

عصابة لم تزل بالحقّ ظاهرة

فى الحرب بالله والأملاك تنتصر

من سيّد الرسّل بالتأييد قد وعدت

فالنصر يخدمها ما زال والظفر

يا وقعة المرج مرج الصفّر افتخرت

بك الوقايع فى الآفاق والعصر

رفعت بالنصر أعلام الهدى ولقد

جرّدت للشرك كسرا ليس ينجبر

يوم تدارك جمع المسلمين به

من لم يزل فى يديه النفع والضّرر

يا من أوامره والله يعضده

بها الليالى مع الأيّام تأتمر

لولا يثبّتك الله العزيز به

لم يبق للناس (16) لا سمع ولا بصر

قرّت به أعين الإسلام وابتهجت

به القلوب وكادت قبل تنفطر

يا مخجل السيف عزما وهو منصلت

والمرعب الليث بأسا وهو منتصر

والثابت الجأش والأقدام فى دحض

فيه التشبّت إلاّ أنّه عسر

(6) التى زت: الذى

(7)

لهم زت: لها

(16)

للناس زت: للدين

ص: 92

يا ناصر الدين يا من حسن دولته

أمست على دول الماضين تفتخر

أوقدت نيران حرب أصبحوا حطبا

للجمر منها لها شوك القنا شرر

دارت عليهم رحاء الموت فانهزموا

فما لهم (3) بعدها عين ولا أثر

وضاقت (4)

الأرض مذ ولّوا بما رحبت

عليهم فهم بالخوف قد حصروا

وألبسوا الذّلّ حتى إنّ أشجعهم

يأتى إليك بألف منهم نفروا

وبعدها قد أمنّا كلّ حادثة

فما لنابية ناب ولا ظفر

السيّد الناصر المنصور جحفله

زهت برونقه (7) الآصال والبكر

هزّت معاطفها الدنيا به فرحا

وطاب بالأمن فى أيّامه العمر

(9)

(أزال عنّا مخافات النفوس (9_) فما

يدور بالخوف أوهام ولا فكر

يا من به راقت الأوقات وابتسمت

بعد العبوس فما فى صفوها كدر

لا زال ملكك ملكا لا نفاد له

ما شقّ شقّة جلباب الدجى سحر) (11)

ومن قصايد البشاير ما نظم القاضى جمال الدين أبو بكر قاضى عجلون، نيّف وماية وخمسة عشر بيتا. وقد أثبتّها هاهنا بكمالها بحول الله وقوّته وهى <من البسيط>:

الله أكبر: جاء النصر والظفر

والحمد لله، هذا كنت أنتظر

(3) لهم زت: بجمعهم

(4)

وضاقت: زت وجافت

(7)

بروفقه زت: بروفقها

(9 - 11) أزال. . . سحر: بالهامش

(9_) مخافات النفوس زت: مخافات فى النفوس

ص: 93

وأبرز القدر المحتوم بارثه

سبحانه بيديه النفع والضرر

وهوّن الصعب بالفتح المبين لكم

ربّ يهون عليه المقفل العسر

ولم تزل شرعة الإسلام ظاهرة

اجزم به فبهذا صحّح الخبر

أين النجوم وتأثير القران وما

تخرّصوا فيه من إفك وما زجروا

قد دبّر الله أمرا (5)

غير أمرهم

وخاب ما زخرفوا فينا وما هجروا

وأقبل العسكر المنصور يقدمه

من الملايك جند ليس تنحصر

وقد أحفّوا (7)

به والأرض من زجل

ترتجّ إن سبّحوا لله أو ذكروا

كنانة الله مصر جندها ثبتت

لا ريب فيه وجند الله تنتصر (8)

ثاروا سراعا إلى إدراك ثأرهم

وهجّروا فى طلاب المجد وابتكروا

وأسهروا أعينا فى الله ما رقدت

أكرم بقوم إذا نام الورى سهروا

لله كم ديّنوا فى نصر دينهم

وأنفقوا فى سبيل الله ما ادّخروا

صانوا الجياد وسنّوا كلّ ذى شطب

وجدّدت للقسىّ النّبل والوتر

حماهم الله كم حاموا وكم منعوا

وكم أغاثوا وكم آووا (13) وكم نصروا

وخلّفوا خلفهم لذّات أنفسهم

وهاجروا ولذيذ العيش قد هجروا

وأوجفوا نفرا بالخيل ملجمة

وبالركاب ولا ملّوا ولا فتروا

حتى أتوا (16)

جلّقا فى يوم ملحمة

فيه الأسود أسود الغاب تهتصر

(5) الله أمرا زت: الله

(7)

أحفوا زت: حفوا--زجل: رحل--لله زت: الله

(8)

تنتصر: تنتصروا

(13)

آووا زت: اوو

(16)

أتوا: اتو

ص: 94

لها (1)

السنابك فى الميدان قد حنيت

صوالجا ولها روس العدا أكر

وكوثر الحرب قد راقت مشاربه

تحت العجاجة والأبطال تعتكر (2)

والنّبل ينقط والأقلام كاتبة

والضرب يعرب والأبدان تستطر

حتى إذا عبّ مثل البحر جحفلنا

ومدّ فيضا على أعداينا جزروا

أصلوهم جاحما (5)

يشوى الوجوه وقد

حمى الوطيس ونار الحرب تستعر

وأحرقتهم سراعا كلّ صاعقة

من السيوف بنيران لها شرر

لاذو بشمّ شماريخ الجبال فما

حمتهم قلل منها ولا صور

ومزّقوا شردا بين الزحام فكم

شلو تنازع فيه الذئب والنّمر

أين المفرّ وقد حام الحمام بهم

هيهات لا ملجأ يرجى ولا وزر

نادى بهم صارخ أغرى الفناء بهم

فإن سألت فلا خبر ولا خبر

كم قد سهرتم دجى من خوفهم حذرا

فالآن ناموا فلا خوف ولا حذر

قولوا لغازان يا ذا ما لعلّك أن

تروع من مخلب الريبال يا بقر

تلك الجموع التى وافى يذلّ بها

تالله ما بلغوا سؤلا ولا نصروا

جاءوا وقد حفروا من مكرهم قلبا

ألقاهم الله قسرا فى الذى حفروا

(1) لها زت: --أكر زت: اكروا--بعد هذا البيت بيتان ذكرا فى زت وهما: والجو أغبر والأتراك راجفة مثل الجراد على الدنيا قد انتشروا وددت لو كنت بين الصف منجدلا قد ارتوت من دمى الخطية السمر

(2)

تعتكر: تعتكروا

(5)

جاحما زت: حماحما

ص: 95

وشكّروا فى أراضينا مباذرة

والآن قد حصدوا أضعاف ما بذروا

وافى بهم أجل يمشى على مهل

حتى محاهم فلا عين ولا أثر

لم ينفروا خيفة من كلّ قسورة

وفرّ جمعهم إلاّ وهم حمر

أمّوا الفراة وقد راموا النجاة فكم

حلّت بهم عبر فيها وما اعتبروا

مرائر (5)

القوم من خوف قد انفطرت

والكلّ من قبل عيد الفطر قد نحروا

جميعهم قتلوا صبرا وأعظمهم

جميعها بضواحى جلّق صبروا

لم يقبروا فى نواويس ولا جدث

وإنّما فى بطون الوحش قد قبروا

والطير ترعى نهارا لحمهم (8)

فإذا

ما الليل جنّ ففى أقحافهم تكر

فخذ عزاءك فيهم إنّهم أمم

هم اللعاوس إن قلّوا وإن كثروا

كم كابروا الحسن فى قصد الشآم وكم

قد جرّبوا حظّهم بالشأم واختبروا (10)

هبّوا إلى سيس من أحلام رقدتكم

وسارعوا فى طلاب الثأر وابتدروا

بكلّ غيران أخذ الروح همّته

فى غير نفس الردّى ماله وطر

أيرقد الليل فى أمن وفى دعة

عن كيد قوم لهم فى شأنكم سهر (13)

إن تتركوهم فإنّ القوم ما تركوا

يوما عليكم ولا أبقوا ولم يذروا

أما رأيتم وعاينتم وقد فعلوا

فى الصالحيّة ما لا تفعل التتر

(5) مرائر زت: امراير

(8)

لحمهم: فى لحومهم، مصحح بالهامش «نصفه: لحمهم فإذا»

(10)

بعد هذا البيت بيت ذكر فى زت وهو: فقاتلوهم جميعا إنهم تتر كم أرسلوا رسلهم تترى وكم مكروا

(13)

سهر زت: سهروا

ص: 96

اشفوا صدروكم إن كنتم غيرا

على نسايكم يا قوم وادّكروا

كم من عجوز ومن شيخ ومكتهل

ومن فتاة نماها الحسن والخفر

بيضاء خرعوبة بكر (3)

محجّبة

لا الشمس تنظرها صونا ولا القمر

وذات بعل مخبّأة مخدّرة

من دونها تضرب الأستار قد أسروا

ومطفل أثكلوا وجدا بواحدها

وحامل أخمصت خوفا وقد ذكروا

ومربع أقفر من بعد ساكنه

وعقد شمل نظيم جامع نثروا

وكم أراقوا وكم ساقوا وكم هتكوا

وكم تملّوا بما نالوا وكم فجروا

وحرّقوا فى نواحيها فوا حربا

وخرّبوا الشامخ العالى وكم دثروا

وجامع التوبة المحروق مهجته

يشير: لا توبة للقوم إن ظفروا

إشارة تترك الأنفاس صاعدة

لها الدموع من الآماق تنحدر

لهم حزازات فى قلبى مخبّأة (11)

تكاد من حرّها الأكباد تنفطر

فما قعادكم عن أخذ ثأركم

هبّوا سراعا وخافوا اللوم يا غير

وفّوهم الحرب إنصافا ومعدلة

وحرّروا نوب الأيّام واعتبروا

لا يظلمن بعضكم بعضا بخردلة

ولا يدع عنده حقا ولا يذر

وسارعوا واقتلوهم إنّهم قتلوا

وبادروا وأسروهم مثلما أسروا

وخرّبوا (16)

دارهم واسبوا حريمهم

وأوقروا ضعف ما أوعوا وما وقروا

سجلا بسجل فإنّ الدهر ذو نوب

من ذا يغالب ما يأتى به القدر

بزّوهم الملك قهرا عن جواركم

وخرّبوا كلّ ما شادوا وما عمروا

(3) بكر زت: بكرا

(11)

مخبأة زت: مخيبة

(16)

وخربوا دارهم: خربوا ديارهم

ص: 97

وسارعوا واقتلوهم إنّهم قتلوا

وبادروا وأسروهم مثلما أسروا (1)

فما يفكّر فى الإدبار عاقبة

ويحزم الأمر إلاّ من له نظر

ولا يعاف شراب الذلّ عن ظمإ

ويومق العزّ إلاّ من له خطر

فمهّدوا بالظّبا مجرى سوابقكم

ما يرفع الذكر إلاّ الصارم الذكر

وخلّدوا بالظّبا مجرى سوابقكم

ما يرفع الذكر إلاّ الصارم الذكر

وخلّدوا فى المعالى ما نعنعنه

عنكم وتروى به الأخبار والسّير

فكلّ ذنب جناه الدهر معتمدا (6)

فى جنب ما أبقت الأيام مغتفر

يا أهل جلّق أمنا فى مساكنكم

وعاملوا الله ربّ العرش وانزجروا

صوموا وصلوا وزكوا وارحموا وصلوا

وابغوا النجاة وحجوا البيت واعتمروا

دعوا التكاثر بالدنيا لمن رويت

فى جنب ما وعد الرحمن تنجبروا

فالوقت أقرب والأنفاس سايرة

والعيش منصرم والعمر مختصر

ولا تخافوا من التتار مجلبة

من بعد ما ارتفع التدليس والعور

لم يطلبوا جلّقا بغيا بظلمهم

إلا وردّوا على الأعقاب وانكسروا

حاشا دمشق من الأسواء تطرقها

أو أن تغيّرها عن وصفها الغير

ملايك الله (15)

تحميها وتحرسها

تعاقبا ولها من ربّها خفر

وفى جوار خليل الله ما برحت

وحضرة القدس قل لى: كيف تحتقر

بالله عدوى على من رامها بأذى

وبالخليفة والسلطان أنتصر

هما ملاذكم فى كلّ نايبة

بالروح أفديهما والسمع والبصر

لمّا تأمّلت (18)

فحوى سرّ حملهما

لم أدر أيّهما فى عدله عمر

(1) البيت مكرر فى الأصل

(6)

معتمدا: مغتفر، مصحح بالهامش

(15)

الله: الرحمن--تحتقر: تتحقر. مصحح بالهامش

(18)

لما تأملت: تأملت-- حلمهما: بالهامش عدلهما--لم أدر: م درى

ص: 98

ولو رأيتهما (1)

يوما لخالك أن

موسى بن عمران قد وافاك والخضر

<هما> رضيعا لبان عفّة وتقى

وحسن ذكر شذاه فائح (2) عطر

فذاك (3)

ملك لكم طابت أرومته

وذا أمير بأمر الله يأتمر

أبو الربيع سليمان الذى شهدت

بفضله المستقام البدو والحضر

وزمزم والصّفا والمأزمان معا

والبيت يعرفه والحجر والحجر

خليفة الله فى الدنيا وطاعته

فرض عليكم وهذا القول مختصر

ما زال مستكفيا بالله معتصما

مستنصرا مستعينا وهو منتصر

لولاه فى الأرض قد (8)

مادت جوانبها

وما سقاها إذا غيث ولا مطر

خليفة من بنى العبّاس باقية

به إلى الله نستسقى فنمتطر

ضاهت يداه عماد الغيث فانهملت

والغيث مندفق الشؤبوب منهمر

لو مسّ عودا يبيسا بطن راحته

أعاده وهو رطب يانع خضر

ماذا (12)

أقول بمدحيه وقد تليت

فى مدح آبايه الآيات والسور

جاءت بنعتهم التوراة معربة

ومحكم الذكر والإنجيل والزّبر

به إلى الله ضحّوا فى حوايجكم

وبعده بالمليك الناصر انتصروا

ملك أعيد به عصر الشباب لكم

مستوردا صافيا واستوفق العمر

ترى الملوك صفوفا حوله زمرا

من فرط هيبته لا يرجع البصر

تذلّ أعناقهم صغرى لطاعته

وليس يعصونه أمرا إذا أمروا

صونوا جيادكم اللاّتى بكم هميت

فى بارق الحرب والرّمضاء تستعر

إنّا لنرجوه من بغداد ينهلها

بماء دجلة يرويها فتصطدروا

(1) رأيتهما: ريتهما

(2)

فائح: فائحا

(3)

فذاك: فذا

(8)

قد: أضيف لأجل الوزن

(12)

ذا: بالهامش

ص: 99