الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان جانبها الواحد دبّابى والآخر سلقىّ. وذلك ما نقله كرجىّ البريدىّ فى العشرين من شوّال، ثمّ توجّه فى طلبها. وكانت هذه القطعة المذكورة وقعت لعلم الدين سنجر الزمرّدىّ ضامن الزمرّد فى ذلك الوقت، أباعها على يد لؤلؤ الحكّاك لشخص يسمّى ابن عفانة الكارمىّ بتسع ماية دينار.
فلمّا شاع خبرها طلبوا ابن عفانة بسببها، فأنكرها وتوجّه بها إلى اليمن.
فجابت له ثلاثة آلاف دينار فلم يبيعها. ثمّ ورد بها إلى مصر وسعى به سنجر الضامن لمّا طالبوه بالحمل، وذكر أنّها رهن عند ابن عفانة على تسع ماية أو قال:
ستّ ماية دينار. فطلب ابن عفانة وأخذت منه وحملت إلى الخزاين المعمورة بقلعة الجبل المحروسة بالديار المصريّة. فلم يعيش بعدها ابن عفانة سوى ثمانية أيّام وتوفّى غبنا عليها. قلت: وهذا معدن الزمرّد من أكبر عجايب الدنيا ولا يوجد إلاّ بإقليم مصر بصعيدها. وذكر المسعودىّ صاحب التأريخ أنّ بمكان آخر من بلاد الشمال معدن زمرّد، ولم أجد أحدا ذكر ذلك غيره، والله أعلم
ذكر واقعة الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة رحمه الله
وذلك لمّا كان يوم الاثنين ثامن شهر رجب الفرد من هذه السنة المذكورة، طلب القضاة والفقها والشيخ تقىّ الدين بن التيميّة إلى مجلس الأمير جمال الدين الأفرم نايب الشأم المحروس بدمشق، وكان اجتماعهم بالقصر الأبلق. ثمّ سألوا الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة عن عقيدته. فأملى شيئا منها. ثمّ أحضر عقيدته الواسطة وقريت فى المجلس المذكور، وبحث فيها وتأخّر منها مواضع إلى مجلس آخر. ثمّ اجتمعوا يوم الجمعة ثامن عشر الشهر المذكور. وحضر المجلس أيضا صفىّ الدين الهندىّ. وبحثوا مع
الشيخ تقىّ الدين وسألوه عن مواضع خارجا (1) عن العقيدة. وجعل الشيخ صفىّ الدين يتكلّم معه كلاما كثيرا (2). ثمّ إنّهم رجعوا عنه واتّفقوا أن كمال الدين بن الزملكانىّ يحاققه من غير مسامحة، ورضوا بذلك الجميع.
وانفصل الأمر بينهم أنّه أشهد على نفسه الحاضرين أنّه شافعىّ المذهب، يعتقد ما يعتقده الإمام الشافعىّ رضى الله عنه. ورضوا منه بهذا القول، وانصرفوا على ذلك
فعند ذلك حصل من أصحاب الشيخ تقىّ الدين كلام كثير وقالوا:
ظهر الحقّ مع شيخنا. -فأحضروا واحدا (8) منهم إلى عند القاضى جلال الدين الشافعىّ فى العادليّة، فصفعه وأمر بتعزيره، فشفعوا فيه. وكذلك فعل الحنفىّ بآخر وآخر من أصحاب الشيخ تقىّ الدين
ثمّ لمّا كان يوم الاثنين ثانى وعشرين الشهر قرأ الجمال المزّىّ المحدّث فصلا فى الردّ على الجهميّة من كتاب «أفعال العباد» تصنيف البخارىّ رضى الله عنه، قرأ ذلك فى مجلس العامّ تحت النسر. فغضب بعض الفقها الحاضرين وقالوا: ما قرئ هذا الفصل إلاّ ونحن المقصودون بهذا التكفير. -قال: فحملوه إلى قاضى القضاة الشافعىّ، فرسم بحبسه.
فبلغ الشيخ تقىّ الدين ذلك، فقام حافيا فى جماعة من أصحابه، وأخرج المذكور من الاعتقال. فعند ذلك اجتمع القاضى بملك الأمرا، وكذلك الشيخ تقىّ الدين والنقبا عند ملك الأمرا، واشتطّ تقىّ الدين على القاضى، وذكر نايبه جلال الدين وأنّه آذى أصحابه بسبب غيبة نايب السلطان فى الصيد.
فلمّا حضر نايب السلطان رسم بطلب كلّ من أكثر كلامه من الطايفتين، وأمر
(1) خارجا: خارج
(2)
كلاما كثيرا: كلام كثير
(8)
واحدا: واحد
باعتقالهم، ونودى فى البلد بمرسوم سلطانىّ: من تكلّم فى العقايد حلّ ماله ودمه ونهب داره وهتكت عياله. -وقصد نايب السلطان بذلك إخماد الفتنة الثايرة
ثمّ لمّا كان سلخ شهر رجب اجتمع القضاة والفقها وعقدوا مجلسا بالميدان بحضور ملك الأمرا وبحثوا فى العقيدة. فجرى من الشيخ صدر الدين بن الوكيل (6) كلام فى معنى الحروف وغيره. فأنكر عليه كمال الدين ابن الزملكانىّ القول فى ذلك. ثمّ قال للقاضى نجم الدين بن صصرى قاضى القضاة: أما سمعت ما قال؟ -فكأنّ نجم الدين تغافل عن ذلك طلبا لإخماد الشرّ. فقال كمال الدين بن الزملكانىّ: ما جرى على الشافعيّة قليل كون أن تكون رئيسها، إشارة على ما كان ادّعاه صدر الدين بن الوكيل. - فظنّ القاضى نجم الدين أنّ الكلام له، فقال: اشهدوا علىّ أنّنى قد عزلت نفسى! -وقام من المجلس فلحقه الحاجب الأمير ركن الدين بيبرس العلايى وعلاء الدين أيدغدى بن شقير وأعادوه (13) إلى المجلس. وجرى كلام كثير بعد ذلك يطول شرحه. ثمّ إنّ ملك الأمرا ولاّه الحكم، وحكم القاضى الحنفىّ بذلك وصحّة الولاية، وأنفذها المالكىّ وقبل الولاية بحضور ملك الأمرا. فلمّا عاد إلى داره لاموه أصحابه. وخشى على نفسه ورأى أنّ الولاية لا تصحّ، فعاد طلع إلى تربته بسفح قاسيون، فأقام بها وصمّم على العزل
فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام رسم ملك الأمرا لنوّابه بالمباشرة إلى حيث يرد جواب مولانا السلطان. فأمّا نايبه جلال الدين فإنّه باشر الحكم، وأمّا تاج الدين فامتنع
(6) بن الوكيل: بالهامش
(13)
وأعادوه: وعادوه
فلمّا كان ثامن عشرين شهر شعبان المكرّم وصل البريد من الأبواب العالية أعلاها الله تعالى وعلى يده كتابين، كتاب لملك الأمرا وكتاب للقاضى نجم الدين بعودته إلى الحكم العزيز. ومضمون الكتاب فى فصل منه يقول:
قد فرحنا باجتماع رأى العلماء على عقيدة الشيخ تقىّ الدين. -فباشر القاضى نجم الدين يوم الخميس مستهلّ شهر رمضان المعظّم، وسكنت الفتنة
فلمّا كان خامس رمضان، وصل من الأبواب العالية بريد، وهو الأمير حسام الدين لاجين العمرىّ بطلب القاضى نجم الدين بن صصرى والشيخ تقىّ الدين بن التيميّة وكمال الدين بن الزملكانىّ. وفى المرسوم الوارد يقول:
وتعرّفونا ما كان وقع فى زمان جاغان فى سنة ثمان وتسعين وستّ ماية بسبب عقيدة ابن التيميّة-وفيه إنكار عظيم عليه-وأن تكتبوا صورة العقيدتين:
الأولة والثانية. -فعند ذلك طلبوا القاضى جلال الدين الحنفىّ وسألوه عمّا جرى فى أيّامه. فقال: نقل إلىّ عنه كلام، وسألناه فأجاب عنه. وكذلك القاضى جلال الدين الشافعىّ لمّا طلب أحضر نسخة العقيدة التى كانت أحضرت فى زمان أخيه. ثمّ إنّهم تحدّثوا مع ملك الأمرا فى أن يكاتب بسببهم ويسدّ هذا الباب، فأجاب إلى ذلك
فلمّا كان يوم السبت عاشر رمضان المعظّم وصل مملوك ملك الأمرا على البريد المنصور، وأخبر أنّ الطلب على الشيخ تقىّ الدين حثيث، وأنّ القاضى زين الدين بن مخلوف المالكىّ قد قام فى هذا الأمر قياما عظيما (18)، وأنّ الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير معه فى هذا الأمر، وأخبر بأشياء كثيرة جرت ممّا وقع بمصر فى حقّ الحنابلة، وأنّ بعضهم أهين، وأنّ
(18) قياما عظيما: قيام عظيم