الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعتقدون ما يعتقده الإمام محمد بن إدريس الشافعىّ رضى الله عنه، وهو قوله: آمنت بالله وما جا عن الله عن من آمن بالله، وآمنت برسول الله وما جا عن رسول الله عن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر السبب الموجب لهذه الفتن المذكورة
وذلك أنّ بعض أصحاب الشيخ تقىّ الدين بن التيميّة أحضر للشيخ كتابا (6) من تصانيف الشيخ محيى الدين بن العربىّ يسمّى «فصوص الحكم» وذلك فى سنة ثلاث وسبع ماية، فطالعه الشيخ تقىّ الدين، فرأى فيه مسايل تخالف اعتقاده. فشرع فى لعنة ابن العربىّ وسبّ أصحابه الذين يعتقدون اعتقاده. ثمّ اعتكف الشيخ تقىّ الدين فى شهر رمضان وصنّف نقيضه وسمّاه «النصوص على الفصوص» وبيّن فيه الخطأ الذى ذكره ابن العربىّ.
وبلغه أنّ شيخ الشيوخ كريم الدين شيخ خانقاه سعيد السعدا بالقاهرة المحروسة له اشتغال بمصنّفات ابن العربىّ، وأنّه يعظّمه تعظيما كبيرا وكذلك الشيخ نصر المنبجىّ. ثمّ إنّ الشيخ تقىّ الدين صنّف كتابين فيهما إنكار كثير على تأليف ابن العربىّ، ولعنه فيهما مصرّحا ولعن من يقول بقوله، وسيّر الكتاب الواحد للشيخ نصر المنبجىّ والآخر للشيخ كريم الدين. فلمّا وقف عليه الشيخ نصر حصل عنده من ذلك أمر عظيم، وتألّم له تألّما بالغا (16) وحصل له إنكاء شديد
وكان الشيخ نصر كما قد تقدّم من الكلام منزلته عند الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير العالية. وأنّ بيبرس لا يقوم ويقعد إلاّ به
(6) كتابا: كتاب
(16)
تألما بالغا: تألم بالغ
فى ساير حركاته. وكان ساير الحكّام من القضاة والأمرا وأرباب المناصب يتردّدون إلى عند الشيخ نصر لأجل منزلته عند بيبرس الجاشنكير، فحضر عنده القاضى زين الدين بن مخلوف المالكىّ عقيب وقوف الشيخ نصر على كتاب الشيخ تقىّ الدين، فأوقف القاضى على الكتاب المذكور.
فقال له القاضى: أوقف الأمير ركن الدين عليه وقرّر معه ما أحببت، وأنا معك كيف شئت. وألزم الأمير ركن الدين بطلبه إلى الديار المصريّة وتسأله عن عقيدته. فقد بلغنى أنّه أفسد عقول جماعة كبيرة، وهو يقول بالتجسيم، وعندنا من اعتقد هذا الاعتقاد كفر ووجب قتله. -فلمّا حضر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عند الشيخ نصر على عادته، أجرى له ذكر ابن التيميّة وأمر عقيدته، وأنّه أفسد عقول جماعة كبيرة، ومن جملتهم نايب الشأم وأكبر (11) الأمرا الشأميّين، والمصلحة تقتضى طلبه إلى الأبواب العالية ويطلب منه عقيدته، وتقرأ على العلماء بالديار المصريّة <من> المذاهب الأربعة، فإن وافقوه وإلاّ يستتيبوه ويرجعوه ليرجع عن مذهبه واعتقاده ساير من لعب بعقله من الناس أجمعين.
ثمّ ذكر له ذنوبا أخر حتى حرّض بيبرس على طلبه
ثمّ بعد ذلك جرت فتن للحنابلة بمدينة بلبيس. ثمّ انتقل الحال إلى القاهرة، وحصل لبعض الحنابلة إهانة (17) واعتقل منهم جماعة. وجرت فتن عظيمة بين الأشاعرة والحنابلة بالشأم، وكان النايب غايبا بالصيد، فلمّا حضر أمر بإصلاح ذات البين، وأقرّ كلّ طايفة على حالها. وجرى فى القاهرة أيضا على الحنابلة أمور شنيعة، وألزموهم بالرجوع عن العقيدة
(11) وأكبر: واكبرا
(17)
إهانة: اهنه
وأن يقولوا: إنّ القرآن العظيم هو المعنى القايم بالنفس، وإنّ ما فى الصحف عبارة عنه، وإنّ ما هو (2) فى الصحف موجود ومحفوظ فى الصدور ومقرّ بالألسنة مخلوق، وإنّ القديم هو القايم بالنفس، وألزموا بنفى مسألة الغلوّ والتصريح بذلك، وأنّ جميع ما ورد من أحاديث الصفات لا يجرى على ظاهرها بوجه من الوجوه. وجرى عليهم كلّ مكروه. وكان القاضى شرف الدين الحنبلىّ قليل البضاعة فى العلم، ولم يدرى ما يجيب (6) به، وكان أكبر من تحدّث فيهم وألزمهم بذلك، القاضى زين الدين المالكىّ رحمه الله، انتصارا للشيخ نصر فى ذلك الوقت. وكان القاضى زين الدين عالما جيّدا (9) وفقيها حسنا رضى الله عنه، يتحدّث فى المذاهب الأربعة. وكذلك ساعدوه جماعة من الشافعيّة، فكان هذا سبب أصول الفتن المذكورة، وسيأتى ذكر (11) بقيّة ما جرى لتقىّ الدين بن التيميّة فى سنة ستّ وسبع ماية إنشا الله تعالى
وفيها كان ابتدا الحفير بالخليج الناصرىّ الواصل إلى ثغر الإسكندريّة.
وكان شادّ حفره الأمير بدر الدين بكتوت أمير شكار نايب ثغر الإسكندريّة المحروس، وغرم عليه أموال جمّة، وحصل فيه التعب الكثير، لكن أورث ذلك راحة عظيمة ومنفعة عامّة شاملة، وكان رأى سعيد وتدبير حسن، ونظر مبارك موفّق ناجح، ولله الحمد والمنّة
(2) هو: بالهامش
(6)
يحيب: يجب
(9)
عالما جيدا وفقيها حسنا: عالم جيد وفقيه حسن
(11)
ذكر: بالهامش