الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر توجّه الركاب الشريف إلى الديار المصريّة
وذلك لمّا كان الثالث من شهر رمضان المعظّم خرج الدهليز المنصور متوجّها إلى الديار المصريّة وصحبته النوّاب بالممالك الشأميّة، مع القضاة والأيمّة والأمرا وضرب بالجسورة. وفى يوم السبت سادس الشهر وصل مملوك من المماليك الأشرفيّة، من الديار المصريّة، وأخبر أنّ بيبرس الملقّب بالمظفّر فى ضايقة (6) عظيمة، وأنّه يريد الهروب أو يحصّن القلعة، وأنّ الأمير سيف الدين سلاّر عند خيله وبيدّعى أنّه متمارض. ثمّ وصل ستّة نفر من المماليك السلطانيّة، وأخبروا أنّ ساير العساكر المصريّة من الأمرا والجند منتظرين الركاب الشريف الناصرىّ، وأنهم مع بيبرس بالأجسام، والقلوب مع الأسد الضّرغام، والملك الهمام، السلطان الملك الناصر سلطان الإسلام. فلمّا كان يوم الثلثا تاسع رمضان المعظّم خرج الركاب الشريف السلطانىّ الملكىّ الناصرىّ عزّ نصره من دمشق المحروسة ضحى نهار أوّل الثالثة. وفى ركابه الشريف جميع النواب بالممالك الإسلاميّة لم يتأخّر منهم عن خدمته أحد، وكذلك ساير الأمرا والجند. وكان قد تقدّم الجيش الصفدىّ قبل ذلك، حسبما ذكرنا
قال الملك الكامل: وكان مولانا السلطان فى ذلك اليوم لابس قباء أطلس أبيض بطرز زركش مصرىّ. -قلت: فعاد كالبدر بين المرّبخ والمشترى، أو كالشمس عند الإشراق لا عند المغيب، قد كتب السعد على تاجه {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (19) وكان مقدّم الميمنة الأمير جمال الدين آقوش الأفرم نايب الشأم، ومقدّم الميسرة الأمير سيف الدين
(6) ضايقة: دايقه
(19)
السورة 61 الآية 13
قبجق نايب حماة والأمير شمس الدين قراسنقر إلى جانبه. وخرج صحبته القاضى نجم الدين بن صصرى وقاضى القضاة الحنفىّ، والقاضى جلال الدين الخطيب والقاضى كمال الدين بن الزملكانىّ مع الموقّعين وكتّاب الجيش.
فلمّا كان العشرين من الشهر وصل الأمير سيف الدين بهادر آص من الديار المصريّة. وكان قد سيّر أحضره إلى الديار المصريّة بيبرس لمّا ذكر عنه أنّه كان السبب فى حركة ركاب مولانا السلطان من الكرك المحروس وحضوره إلى دمشق. فأقام بمصر إلى هذا التأريخ، عاد إلى الركاب الشريف السلطانىّ عزّ نصره
وكان وصول الركاب الشريف إلى غزّة المحروسة يوم الخميس تاسع عشر الشهر المبارك. ثم تبادروا الأمرا المصريّين إلى غزّة، وأخبروا أنّ بيبرس خلع نفسه من الملك، وأنّه خرج عن الديار المصريّة وملكها. وكان ذلك يوم الثلثا سادس عشر رمضان المعظّم، وأنّ الأمرا والمقدّمين من المصريّين واصلين
قلت: هذا جميعه حديث الملك الكامل للعبد فى دمشق فى سنة إحدى عشرة وسبع ماية حسبما تقدّم من ذكر ذلك. وأما ما شاهده المملوك واضعه ومؤلّفه (16) وجامعه ومصنّفه بالمعاينة لا بالسماع، فإنّ نحن كنّا ببلبيس فى ذلك التأريخ، وكان العبد بالقاهرة، أشاهد جميع هذه الأحوال وأطالع بها الوالد رحمه الله ببلبيس أوّلا فأوّلا. وكان قد بلغ بيبرس عنّا من جماعة من العرب كانوا يصحبوه من بنى عبيد من جذام يقال لهم أولاد زامل، بالغ وعامر. فوشوا لبيبرس أنّ نحن مطّلعين على رسول
(16) ومؤلفه: ومآلفه
مولانا السلطان الذى يحضر من الكرك المحروس إلى الديار المصريّة، وكانوا يعنون عن شخص كان فى خدمة مولانا السلطان يسمّى عثمان الركاب. فلمّا ذكروا لبيبرس عنّا ذلك سيّر إلينا سيف الدين بثار-وكان هذا المسمّى بثار أصله مملوك الحاجّ بهادر وعاد عند بيبرس-وعلى يده كتاب من بيبرس ضمنه: أن بلغنا أنّك تطّلع على عثمان الركاب عند ما يدخل ويخرج من الديار المصريّة وعلى يده كتب الناصر صاحب الكرك. ونحن نقسم بالله تعالى: متى صحّحنا هذا عنك أمرنا بتسمير ولدك قدّامك، ثم بتسميرك بعده، ثمّ بتوسيطه قدّامك، ثم بتوسيطك بعده. وإن هذا كان ما هو صحيح عنك فتجتهد فى تحصيل عثمان الركاب المذكور وإحضاره إلينا. فإذا فعلت ذلك سوف ترى ما نفعله معك ومع ولدك من الإحسان الذى يسرّ الصديق ويكمد العدوّ، وفيه تشديد، ووعد ووعيد. -فلمّا قرأه الوالد قال: يا سيف الدين، كلّ أحد يعلم أن العرب أعدايى، وهو أيضا يتحقّق ذلك. وإذا سمع من أعدايى فى حقّى يفعل ما استعمله الله عز وجل وما هى دنيا بلا آخرة. فأنا رجل لا اطّلعت لا على عثمان ولا على غيره. - فقال له بثار: يا جمال الدين، احترز! فإنّ والله أولاد زامل عمّالين عليك عنده. وأنت خشداش أستاذى القديم وقد نصحتك. -فقال الوالد:
فى الله الكفاية. -ثمّ إنّه احترز على نفسه ونفّذنى إلى القاهرة وقال:
اخفى نفسك ولا تظهر، وكشّف ساير ما يتجدّد (18) وطالعنى به أوّلا فأوّلا! - ثمّ إنّه ما عاد يقيم إلاّ بالبرّيّة، ولفّ عليه جماعة من عرب العايد، شخصا (20) يسمّى بهادر العايدىّ وجماعته، وجماعة من بنى وليد يوسف بن إبراهيم وأولاد شمخ. وأجمع رأيه، متى حضر إليه من يرى منه شرّ
(18) يتجدد: يتحرر--فأولا: باولا
(20)
شخصا: شخص
مسكه، وتوجّه فى البرّيّة إلى خدمة مولانا السلطان الملك الناصر بالكرك.
وكان هذا الحال عند تحريك الركاب الشريف إلى دمشق أوّل مرة
ودخل العبد إلى القاهرة. واختفيت وعدت أستملى الأخبار من بهاء الدين أرسلان الدوادار. فإنّ كان بينى وبينه أخوّة قديمة من حين كان فى بيت طقجى. وتأكّدت الصحبة والأخوّة فى بيت سلاّر. فكان يخبرنى بكلّ ما يتجدّد، وأنا أطالع به الوالد. ثمّ إنّ بيبرس أشغله الله تعالى عنّا بما هو أهمّ من أمرنا
وكان هذا الكتاب الذى ورد على الوالد رحمه الله من بيبرس على يد بثار بخطّ المولى كمال الدين محمد بن الأثير رحمه الله، وكان بيننا من الصحبة القديمة ما لا تحدّ بوصف، وكأنه اطّلع على ما نواه لنا بيبرس.
فكتب للمملوك كتابا (11) فيه تشوّق واستيحاش، ومن جملته يقول: والمولى المخدوم الوالد بحمد الله سديد الرأى. -ففكرت فى هذه اللفظة إذ هى ليست من بلاغته المشهورة. وإذا هو قد عنى ولوّح إلى واقعة سديد الملك مع جلال الدولة صاحب حلب، وقد تقدّم شرحها فى هذا التأريخ ممّا يغنى عن إعادتها ولاشتهارها. فلمّا فهمتها علمت أنّها قصده بذكر سديد فأجبته: إن مملوك مولانا المخدوم وعريق بابه الوالد لم (16) يكن له رأى فيما اتّهم به. -فلمّا حصل للمملوك الاجتماع بخدمته بعد ذلك رأيته كثير التعجّب من إدراكى لذلك، وكان ما يبرح يذكر ذلك فى الملا والخلا ببديع ألفاظه (19) الحسان، ويكسونى وأنا عريان، رحمه الله تعالى وعوّضه عن دنياه بالجنان!
(11) كتابا: كتاب
(16)
لم: لن
(19)
ألفاظه: الفاظه
ثمّ إنّ بيبرس لمّا بلغه تقدّم الركاب الشريف الناصرىّ من الكرك إلى دمشق، وأنّ ساير النوّاب أذعنوا له بالسمع والطاعة، وكان يظنّ أنّ الأمر بخلاف ذلك، وكان معتقدا على اثنين يظنّ أنّهما لا يدخلا تحت الطاعة: الأمير شمس الدين قراسنقر نايب حلب والأمير جمال الدين نايب الشأم. فأمّا قراسنقر فكان فى أوّل الحال قاتلا (5) ومقتولا عليه إلى حيث زرّق عليه من أسقى ولده ناصر الدين محمدا (6) رحمه الله، وتحقّق قراسنقر ذلك منه وقتل أستاداره الذى كان أسقى ولده فخر الدين ألطنبا أستاداره (7). فعاد من ذلك الحين يراييه ويداجيه. وكان ظنّ بيبرس أنّ قراسنقر ما فى نفسه منه شى، وأنّه ما (9) فهم عنه أنّه الذى سقى ولده. فهذا كان سبب انحراف قراسنقر عنه. وأمّا الأفرم فإنّه ما دخل تحت الطاعة إلاّ عن غلوبية ومن تحت القهر
ثمّ إنّ الناس عادوا يغشّون بيبرس فى الكلام، ولا ينصحونه لبغضهم فيه. ثمّ إنه رأى أن يؤمّر (13) جماعة من مماليكه، فأمّر تقدير أربعين نفرا منهم طومان وصفنجى وقرمان وتكا وعلم الدين أستادار وصديق وبيبرس الجمدار واللقمانىّ وجعله جاشنكيرا مع جماعة أخر فى تعدادهم طول بغير فايدة. ولقد بلغنى عن صديق أنّه لمّا فرّق مثالات إمرته على من استخدمه ردّ شخص منهم مثالا (17)، فقال له: يا أخا القحبة، ما ترضى تخدمنا دولة المشمش أربعين يوما؟ -فكانوا يتحقّقون أنّ هذه الإمريات لا تتمّ لهم. ثمّ إنّ بيبرس نفق فى الجيش المصرىّ بكماله
(5) قاتلا ومقتولا: قاتل ومقتول
(6)
محمدا: محمد
(7)
فخر الدين الطنبا أستاداره: بالهامش--الطنبا: كذا فى الأصل، لعل المقصود ألطنبغا
(9)
نفسه منه شى وأنه ما: بالهامش
(13)
يؤمر: يأمّر
(17)
مثالا: مثال--أخا: اخو
وبلغنى ممّن أثق به أنّه لمّا نفق فى الجيش فتح له فأل من الختمة المطهّرة، فطلع فى أوّل سطر {لَوْ (2)} أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (3) قال: فطبّق الختمة وبكى، وقال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم
ثمّ إنّه جرّد العساكر وجعل المقدّم عليهم الأمير سيف الدين برلغىّ، وكان أخاه (6) ومعتقدا عليه اعتقادا عظيما، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار عين مصريّة. وخرجت العساكر كما قال الله تعالى {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى} (8) فتقدّم الأمير جمال الدين آقوش الأشرفىّ نايب الكرك ونزل بمنزلة الصالحيّة بمن معه من الأمرا. ونزل الأمير سيف الدين برلغىّ بمنزلة الخطّارة
وكنت قد ظهرت بعد ذلك وخرجت إلى الوالد. فكنّا مع الأمير سيف الدين برلغىّ. فلمّا كان يوم الأحد رابع عشر رمضان المعظّم حضر إلينا شخص بدوىّ من العايد يسمّى ركاب بن ريّس وقال لنا: هذا ثوى من عند الملك الناصر وعاينته بعينىّ هاتين، وهو كالأسد وجميع النوّاب فى خدمته. -وعدّدهم واحدا واحدا (15). فلمّا سمع الوالد ذلك منه أخذ البدوىّ وأتينا به إلى الأمير سيف الدين برلغىّ وهو جالس بالشّتر الكبير بمنزلة الخطّارة. فلمّا رأى الوالد طلبه إلى عنده وتحدّث معه ساعة. وأذّن المغرب فصلّينا جميعا. وقام برلغىّ إلى الخيمة المناميّة وقال: جمال الدين، أحضر لى هذا البدوىّ! -فتوجّهت أنا وأحضرته. ودخل إلى عنده الخيمة المناميّة. فقال له: حدّثنى ولا تكذب، أشنقك. -فشرع
(2) لو: ولو--ما فى: ما
(3)
السورة 8 الآية 63
(6)
أخاه: أخوه
(8)
السورة 59 الآية 14
(15)
واحدا واحدا: واحد واحد
يحدّثه من أوّل قدوم مولانا السلطان إلى دمشق إلى حين ما قال: ووصل إليه الأمير شمس الدين قراسنقر من حلب، -فقال برلغىّ: تكذب، يا قوّاد، الأمير شمس الدين ما جاءه. -فقال: يا خوند، وحياة رأسك، رأيته بعينىّ هاتين-وأشار بإصبعه إلى عينيه-وأنا رفيقهم إلى الرملة. -فقال برلغىّ:
كذبت يا فاعل يا تارك! يا جمال الدين، أخرج وسّط (5) هذا القوّاد! -فقال:
يا خوند، أنا قد حصّلت، (فإن ردت توصطن وصطن، وإن ردت تشنقن اشنقن)(7). فأنا، والطلاق يلزمنى (7_) ثلاثا، رأيته بعينىّ وهو مع الملك الناصر فى قلب الحلقة. -يقول البدوىّ بهذا اللفظ: بعينه، وأنا أسمع، فسكت ساعة. وقال: أخرج وسّطه! -وعيّط عيطة قوية. فجرّينا البدوىّ وأخرجنا <هـ> وجرّدناه من ثيابه. وجذب السيّاف السيف ومدّيناه. فخرج مملوك اسمه قرا، فقال: إن صدق لا توسّطه. -هذا كلّه والبدوىّ يصيح:
وحياة الأمير! ما كذبت. واجعلنى عندك فى الزنجير! فإن كنت (كذبت وسّطن)(13)، وأنت فى حلّ من دمى. -فرسم: أرجع أن ندعه فى الزنجير. - ثمّ طلب والدى وقال: يا جمال الدين، خذ هذا القوّاد إلى عندك ولاطفه واستصحّ خبره، ولا تنام حتى تردّ على (15) خبره. -فأخذناه وأتينا به وطاقنا وغلبنا فيه وهو ما يخرج عن قوله
فبينا نحن معه فى الكلام إذ حضر مملوكه قرا وقال: أمير جمال الدين، كلّم الأمير. فخرجنا أتينا إليه، فوجدناه لابس خفّه ببغلطاق تترى مسدود وقدّامه موكبيه. فلمّا رأى الوالد تحرّك له وأقعده وقال: أيش
(5) وسط: وصط
(7)
فان ردت توصطن وصطن وان ردت تشنقن اشنقن: لعلها لهجة بدوية فى «أردت أن توسطن وسطن وإن أردت أن تشنقن اشنقن
(7_) يلزمنى ثلاثا: يلزمه ثلاث
(13)
كذبت وسطن: كذب وصطن
(15)
على: عليه
صحّ عندك من حديثه، يا جمال الدين؟ -فقال: والله، يا خوند، الحق أبلج والبدوىّ صادق، ما فيه شكّ. والأمير بحمد الله ملك، وعقلك يوازن الجبال. والمصلحة تقتضى أن تبادر أمرك فى مصلحة يعود نفعها عليك، والرأى رأى الأمير. -فقال: والله، يا جمال الدين، أنا أعرف دينك وأمانتك، ولا أشكّ فى نصحك. وأنا علمت أنّ من أوّل يوم جلس هذا الرجل أنّه ما يفلح يعنى عن بيبرس. -فقال الوالد: يا خوند، الأمور بيد الله تعالى ولا لأحد تصريف، والملك ملكه يهبه من يشا. -فالتفت إلى مماليكه، فأشار إليهم، فخرجوا الجميع، وأنا فى جملتهم، وتحدّث مع والدى ساعة. ثم طلبنى فدخلت، فأنعم علىّ بخمسين دينار ولبّسنى بغلطاق نارنجى بسنجاب. وخرجنا من عنده
فسألت والدى: أيش تحدّث معه؟ -فقال: قال لى، يا جمال الدين، والله كلّ هذا عمايل سلاّر وهو سبب هذه الفتنة أوّل وآخر. فلا جزاه الله خيرا (13)! أيش عندك من الرأى، فأنت قرناص ومملوك مصر قديم؟ فلا تغشّنى بدين الإسلام. فأنا وأنت فى هذا الوقت شى واحد، والنصح من الإيمان، -قال. فقلت (المستشار مؤتمن)(15) والله ما عندى من الرأى غير ركوبك فى هذه الساعة وتوجّهك إلى خدمته. فإنّ هذا الجيش جميعهم ما يعوقهم سواك. وو الله، يا خوند، لا تظنّ أنّ معك منهم أحدا (18) إلاّ بالظاهر ولا ينتظرون إلاّ حتى تقع العين فى العين، وقد توجّهوا الجميع إلى الملك الناصر. وهذا رأيى، وقد نصحتك والسلام. -فقال لى: جزاك الله خيرا (20)، والله العظيم، كأنّك مطّلع على ما فى باطنى، وهذا عزمى إنشا الله تعالى. فاخرج واكتم هذا الأمر! -قال والدى: ثمّ طلبك
(13) خيرا: خير
(15)
«المقاصد الحسنة» حديث رقم 1019
(18)
أحدا: احد
(20)
خيرا: حير
وأعطاك، فقلت له ما اختشيت: لا يكن قد أراد ينظر ما عندنا. فإنّ نحن متّهمون عندهم بمناصحة السلطان الملك الناصر. -فقال: والله، يا ابنى، وضع يده على يدى، أجدها أبرد من الرصاص وسمعت أمعاه تقرقر فى بطنه بأذنى. فعلمت أنّه قد داخله الزّمع. فلأجل هذا أبحت له ما كان عندى. -فلمّا كان تلك الليلة نصف الليل ركب وطلب الركاب الشريف الناصرىّ. وهذا كان أكبر أسباب توجّه برلغىّ، والله أعلم
وكان قبل التجاريد والنفقة وإمرة من أمّر من مماليكه وغيرهم قد عقدوا مجلسا، وأحضروا القضاة الأربعة، وقرءوا (8) الكتاب الذى زعموا أنّه أنفذه مولانا السلطان من الكرك بنزوله عن الملك. فقال القاضى بدر الدين بن جماعة: لا يمكن إثبات هذا الكتاب إلاّ بمن يشهد على لفظه أنّه نزل عن الملك اختيارا لا اضطرارا (11). وكان الكتاب بخطّ القاضى علاء الدين بن الأثير رحمه الله، وكان قد حضر من الكرك المحروس لمّا سيّر بيبرس إلى مولانا السلطان علاء الدين مغلطاى يت أغلى يطلب منه جميع ما عنده من آلات الملك ويرعد ويبرق. فاتّكل مولانا السلطان على الله عز وجل وسيّر جميع ما طلبه منه وثوقا منه بالله تعالى واتّكالا عليه. فأمر بيبرس فى ذلك الوقت أن يحضروا لعلاء الدين بن الأثير.
فخرج إليه اليونسىّ وبشّاش، فأحضروه وهو يرعد شبه القصبة لما فعلا به من النكال والتهديد. ثمّ لاقاه تباكز فى سلالم الرواق، وكان الاجتماع بدار النيابة، فقال له: اسمع! والك، والله متى لم تشهد على الملك الناصر أنّه رسم لك أنّك تكتب هذا الكتاب، وأنّه لفظ بالنزول عن الملك! أخرجت
(8) وقرموا: وقروا--الذى: الذين
(11)
اختيارا لا اضطرارا: اختيار لا اضطرار