الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب والسنة مصدر كل سعادة:
وقال تعالى في معرض بيانه لشمول هذا الدين {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (1) فقوله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (2) أفاد شمول هذا القرآن لكافة أحكام الدين بما أودع الله فيه من تعاليم عامة صالحة للتطبيق على مر العصور والأزمان وفيها السعادة للبشرية جمعاء متى تمسكت بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وكذلك سنة نبيه صلى الله عليه وسلم القويمة التي تبين القرآن وتوضحه وتفصل مجمله وتقيد مطلقه وتخصص عمومه إلى غير ذلك من أنواع البيان. قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (3) وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4).
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني أوتيت الكتاب ومثله معه (5)» . والآيات والأحاديث الدالة على شمول هذا الدين وكماله وعدم حاجته إلى زيادة أو نقصان أجل من أن تحصر أو تعد في مثل هذا المقام. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى كمل الدين وتم بما أودع الله فيه من تشريع شمل كافة نواحي الحياة من عبادات ومعاملات وآداب وأخلاقيات وحدود وغير ذلك مما يكفل للبشرية كل أمن ورخاء وطمأنينة متى تمسكت بها وسارت على نهجها القويم.
(1) سورة النحل الآية 89
(2)
سورة النحل الآية 89
(3)
سورة النحل الآية 44
(4)
سورة الحشر الآية 7
(5)
رواه أبو داود في كتاب السنة (باب لزوم السنة).
ذم التفرق وبيان أسبابه:
إذا علم ذلك فإن الطريق الصحيح إلى النجاة هو التمسك بكتاب الله
تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهما حصن حصين وحرز متين لمن وفقه الله تعالى ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالبعد عن البدع والخرافات التي ابتدعها المبتدعون وأحدثها المحدثون وروجها المبطلون وأكلة أموال الناس بالباطل من دعاة النحل المختلفة والطرق المتشعبة التي ليست من الإسلام في شيء وقد ذم الله تلك الطرق المنحرفة الكثيرة التي جعلت المسلمين شيعا وأحزابا وشتتت شملهم وجعلتهم لقمة سائغة لأعدائهم لا لقلة عددهم وعدتهم وإنما نتيجة لتمزق شملهم وتفرق كلمتهم كما قال صلى الله عليه وسلم: «توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها) قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل (1)» . ومما لا شك فيه أنه لا شيء أعظم فسادا للدين وأشد تقويضا لبنيانه وأكثر تفريقا لشمل الأمة من البدع فهي تفتك به فتك الذئب بالغنم وتنخر فيه نخر السوس في الحب وتسري في كيانه سريان السرطان في الدم أو النار في الهشيم.
ولهذا جاءت النصوص الكثيرة تبالغ في التحذير منها وتكشف عن سوء عواقبها من التفرق والاختلاف في الدنيا والعذاب والخزي وسواد الوجوه في الآخرة، قال تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2) {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (3) {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (4) قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة.
(1) رواه أبو داود في " الملاحم " بهذا المعنى.
(2)
سورة آل عمران الآية 105
(3)
سورة آل عمران الآية 106
(4)
سورة آل عمران الآية 107
(5)
سورة الأنعام الآية 159
وقد نص المفسرون رحمهم الله على أن الآية تعني أهل البدع والأهواء نقلا عن كثير من السلف، ولا ريب أن من أعظم أسباب التفرق تلك البدع والمحدثات التي هي شرع لم يأذن به الله، وقد أخبر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة بسبب انحرافها عن سنته القويمة وما عليه صحبه الكرام من بعده كما روى أبو داود وابن ماجه والترمذي وغيرهم بأسانيد صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة. وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة (1)» ، وفي رواية «أن أمته تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة (2)» والجماعة هي من كانت على الحق الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضوان الله عليهم-. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) فقيل: ومن هم الغرباء؟ فقال: (الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي (3)» .
ولقد أحدث المسلمون في دينهم من البدع والدخيل ما انحرف بكثير منهم عن سواء السبيل، وشوه عليهم حقيقة الدين، ولبس عليهم حتى أصبح الكثير منهم لا يفرق بين الحق والباطل، ولا يعرف البدعة من السنة، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون وأغرقوا في ذلك حتى رأوا الحسن قبيحا والقبيح حسنا على حد قول القائل:
يقضى على المرء في أيام محنته. . حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة وهي قوله تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (4){الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (5) فما يفتح لهم الشيطان بابا من الضلال إلا ولجوه، ولا يزين لهم
(1) سنن الترمذي الإيمان (2640)، سنن أبو داود السنة (4596)، سنن ابن ماجه الفتن (3991)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 332).
(2)
سنن الترمذي الإيمان (2641).
(3)
رواه مسلم في " الإيمان " بهذا المعنى.
(4)
سورة الكهف الآية 103
(5)
سورة الكهف الآية 104