الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة علم نقد الحديث
للدكتور محمد لقمان السلفي.
1 -
الأسباب التي دعت إلى الاهتمام بنقد الحديث:
إن ظهور الإسناد في علم الحديث النبوي كان سببه الأساسي المشكلات التي أثيرت في المجتمعات الإسلامية من قبل بعض الذين دخلوا في الإسلام غير مخلصين، دخلوا فيه لأهداف ولكن بشاشته لم تخالط قلوبهم، بل كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على هذا الدين.
وقد اختاروا لأهدافهم المشبوهة طريقة التظاهر بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين، والكذب عليه -صلوات الله وسلامه عليه-. وقد وجدوا في شمال الجزيرة العربية أرضا خصبة لزرع الفتن وبث السموم وانتحال الكذب فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«الفتنة من هاهنا: الفتنة من هاهنا، الفتنة من هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان (1)» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الشام وأحاديثهم: وأما أهل الكوفة فلم يكن الكذب في أهل بلد
(1) راجع البخاري 6 / كتاب الطلاق، 8/ 95 كتاب الفتن 4/ 153، 156 كتاب المناقب. وصحيح مسلم 4/ 2228، 2229، كتاب الفتن، باب الفتنة من الشرق، حديث 45/ 46 / 47/ 48 / 49/ 50، وترتيب المسند 24/ 18 باب ذكر الجهة التي تجيء منها الفتن. وقد رواه الترمذي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه وقال حسن صحيح.
أكثر منه فيهم. ففي زمن التابعين كان بها خلق كثيرون منهم، معروفون بالكذب، لا سيما الشيعة فإنهم أكثر الطوائف كذبا باتفاق أهل العلم.
ولأجل هذا يذكر عن مالك وغيره من أهل المدينة أنهم لم يكونوا يحتجون بعامة أحاديث أهل العراق، لأنهم قد علموا أن فيهم كذابين ولم يكونوا يميزون بين الصادق والكاذب (1).
وكان الرافضة ينتحلون الكذب على أهل البيت. وبالأخص عبد الله بن سبأ الذي وضع لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة، وأنه ظلم ومنع حقه. وقال: إنه كان معصوما. وغرض الزنادقة بذلك هدم الإسلام (2).
وحدثت بدعة الخوارج المتعلقة بالإمامة والخلافة وتوابع ذلك من الأعمال والأحكام الشرعية. ثم كانت خلافة معاوية رضي الله عنه ووجد في عصره رضي الله عنه ما وجد من المشكلات والخلافات، فلما توفي معاوية رضي الله عنه جاءت إمارة يزيد، وجرت فيها فتنة قتل الحسين بالعراق وفتنة أهل الحرة بالمدينة وحصر مكة عند قيام عبد الله بن الزبير. ثم مات يزيد وتفرقت الأمة: ابن الزبير بالحجاز، وبنو الحكم بالشام ووثب مختار بن أبي عبيد وغيره بالعراق وذلك في أواخر عصر الصحابة. وحدثت بدعة القدرية والمرجئة فردها بقايا الصحابة مع ما كانوا يردونه من بدعة الخوارج والروافض. وظهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:«ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف ولا يستحلف (3)»
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 20/ 216.
(2)
الفتاوى 22/ 367.
(3)
الترمذي كتاب الشهادات 6/ 588 وكتاب الفتن 6/ 289 باب في لزوم الجماعة عن عمر بن الخطاب موقوفا. وقد رواه ابن ماجه مرفوعا في كتاب الأحكام 2/ 791.
وحدثت ثلاثة أشياء: الميل إلى الرأي، والكلام، والتصوف. وحدث التجهم وهو نفي الصفات، وحدث بإزائه التمثيل.
وكذلك المبتدعة والمنحرفون كانوا يبحثون عن مستندات عن النصوص يعتمدون عليها في كسب أعوان لهم.
وكان جمهور أهل الرأي من الكوفة، إذ هو غالب على أهلها مع ما كان فيهم من التشيع الفاحش وكثرة الكذب في الرواية مع أن في خيار أهلها من العلم والصدق والسنة والفقه والعبادة أمرا عظيما. لكن الغرض أن فيها نشأ كثرة الكذب في الرواية (1) فقد روي عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري أنه قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة رضي الله عنها ونحن عندها جلوس، مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت له يا عبد الله بن شداد: هل أنت صادق عما أسألك عنه، تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي؟ قال: وما لي لا أصدقك؟ قالت فحدثني عن قصتهم إلى أن قالت: فما قول علي حين قام عليه، كما يزعم أهل العراق؟ قال سمعته يقول: صدق الله ورسوله. قالت: هل سمعت منه أنه قال غير ذلك؟ قال اللهم لا، قالت: أجل، صدق الله ورسوله، يرحم الله عليا إنه كان من كلامه لا يرى شيئا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون في الحديث (2).
وقد روى ابن سعد عن سليمان بن الربيع أنه دخل هو ونفر من أصحابه من أهل البصرة على عبد الله بن عمرو بن العاص، فطلبوا منه أن يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ممن أنتم؟ قالوا: من أهل
(1) راجع الفتاوى 1/ 356، 57، 58
(2)
ترتيب المسند 23/ 159 - 160 أبواب ما جاء في خلافة علي بن أبي طالب.
العراق. قال: إن من أهل العراق قوما يكذبون ويكذبون ويسخرون (1) وقد قال عبد الرحمن بن مهدي لمالك: يا أبا عبد الله، سمعنا في بلدكم المدينة أربع مائة حديث في أربعين يوما ونحن في العراق في يوم واحد نسمع هذا كله. فقال له: يا عبد الرحمن ومن أين لنا دار الضرب التي عندكم (2).
وعن النعمان بن راشد قال: سمعت الزهري يحدث بحديث زيد بن أنيسة فقلت: يا أبا بكر، من حدثك بهذا؟ قال: أنت حدثتنيه، ممن سمعته؟ فقلت رجل من أهل الكوفة قال: أفسدته، إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا (3).
وقال الحسن بن الربيع: سمعت ابن المبارك يقول: ما دخلت الشام إلا لأستغني عن حديث أهل الكوفة (4).
وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: سمعت عبد الله بن إدريس الكوفي (5) يقول: قلت لأهل الكوفة: يا أهل الكوفة، إنما حديثكم الذي تحدثونه في الرخصة في النبيذ، عن العميان والعوران والعمشان، أين أنتم عن أبناء المهاجرين والأنصار (6).
ولم يكن الزنادقة أقل نصيبا في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فعبد الكريم ابن أبي العوجاء (7) وضع أحاديث كثيرة بأسانيد يغتر بها من لا معرفة له
(1) طبقات ابن سعد 4/ 267.
(2)
منهاج السنة / 88.
(3)
الجامع للخطيب جـ 2 ص344.
(4)
الجامع للخطيب البغدادي ج 2 ص 344.
(5)
من الثامنة ثقة فقيه عابد، راجع التقريب
(6)
السنن الكبرى 8/ 306.
(7)
زنديق مغتر قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة (راجع ميزان الاعتدال رقم 1567 في 2/ 104).