الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} (1) فقد أمرنا بطاعة الله ورسوله وطاعة ولاة الأمور في حدود طاعة الله تعالى ثم أرشدنا إلى رد ما تنازعنا فيه إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنة رسوله بل علق صحة الإيمان بذلك بقوله {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بسنته من أمته بأعظم بشارة وأشرف مقصد يطلبه كل مؤمن ويسعى إلى تحقيقه، من كان في قلبه أدنى مسكة من إيمان ألا وهو الفوز بدخول الجنة، جاءت هذه البشرى في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى (3)» ورفض للسنة أعظم من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وذلك بالإحداث والابتداع في الدين.
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7280)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361).
حكم الإحداث في الدين:
وبذا نعلم أن هذه النصوص دليل على أن كل من يقول باستحسان بدعة في الدين يكون له نصيب وافر، وجزاء كبير من الوعيد المذكور فيها، فإن من استحسن بدعة بعقله القاصر المحدود وحث الناس على التعبد بها ما هو إلا مشاقة ومصادمة لهذه النصوص وعليه تبعة ذلك إلى يوم القيامة، إذ أن من عمل خيرا وتبعه الناس عليه ضوعف له الأجر بقدر أجر من يتبعه في هذا الخير، وعلى النقيض من ذلك فإن من عمل سوءا كالابتداع مثلا والإحداث في الدين فإنه لا يعاقب بوزر ارتكابه تلك البدعة فحسب بل يضاعف له العقاب حيث يتحمل وزر من تبعه في هذا
الأمر، يدل لذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (1)» . وعلى هذا فإن أي إحداث في الدين مردود على من أحدثه وغير مقبول لما روى الشيخان وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)» . وفي رواية «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3)» .
وإنما كانت البدع مردودة على من عملها لأن إحداث مثل هذه البدع يفهم منه أن الله سبحانه، لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون المبتدعون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا ولا شك فيه خطر عظيم واعتراض على رب العالمين واستدراك على رسوله صلى الله عليه وسلم واتهام له بالخيانة والكتمان وحاشاه صلى الله عليه وسلم ذلك. كيف يكون هذا وهو القائل:«من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة (4)» . فهذا محال بالنسبة لسائر المؤمنين فكيف بقدوتهم وأسوتهم صلوات الله عليه وسلامه.
ومعلوم أن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة. . كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي
(1) صحيح مسلم العلم (2674)، سنن الترمذي العلم (2674)، سنن أبو داود السنة (4609)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 397)، سنن الدارمي المقدمة (513).
(2)
صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).
(3)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(4)
رواه الترمذي في " العلم " وابن ماجه في المقدمة بهذا المعنى.
إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم (1)».
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغا ونصحا، فلو كانت هذه البدع التي أحدثها الخالفون من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هي من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة منها ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وابن ماجه، بسند صحيح عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال رجل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، " وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (2)» .
وروى مسلم في صحيحه، «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر ويقول:(أما بعد- فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). زاد النسائي (وكل ضلالة في النار (3)».
وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا بها كأنهم
(1) رواه مسلم بهذا المعنى في " الإمارة".
(2)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (42)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(3)
صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7277)، سنن الدارمي المقدمة (207).
تقالوها. فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الآخر: أنا أصوم النهار أبدا ولا أفطر. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فقال:(أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني (1)». ولا ريب أن من أحدث عبادة من عند نفسه لم يشرعها الله قد رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم ما جاء من الوعيد في ذلك أن صاحب البدعة يحال بينه وبين التوبة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته (2)» .
ويخشى أن يكون أهل البدع والأهواء ممن يحال بينهم وبين الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجال دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم غيروا وبدلوا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم سحقا سحقا لمن غير وبدل (3)» . أي بعدا له فهذه براءة من النبي صلى الله عليه وسلم ممن أحدث في الدين وغير وبدل. ومما لا شك فيه أن هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي من أمة الإجابة يدل لذلك أنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث بأن عليهم آثار الوضوء وإنما حيل بينهم وبين الحوض لما أحدثوه في الدين من عند أنفسهم ولم ينزل الله به من سلطان، من تلك البدع والمنكرات والخرافات التي لا تعدو أن تكون من نسج خيالهم وبنات أفكارهم الضالة
(1) صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
(2)
رواه ابن ماجه في المقدمة بهذا المعنى في باب اجتناب البدع والجدل.
(3)
صحيح البخاري الرقاق (6576)، صحيح مسلم الفضائل (2297)، سنن ابن ماجه المناسك (3057)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 393).