الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من اختراعه ابتداء. . . وإن كان ذلك صحيحا بالنسبة إلى عمل الإنسان، أفليس هو أحق وأكمل بالنسبة إلى خالق الحياة والموت!!. . وكيف يعتري الشك إنسانا بقدرة ربه على إعادته إلى الحياة بعد الموت، وهو يرى إلى هذه القدرة ماثلة في كل ما يقع عليه البصر والسمع والحس!!!.
ويا لله ما أروع وأبدع ذلك الاستدارك المخجل لكل معاند {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} (2) هذا المغرور المأفون يقدم على وقاحة الإنكار بقدرة ربه ناسيا أن في نفسه وتركيبه، وحتى في لسانه الذي يحركه بمثل هذا الهوس أقرب الأمثلة على أفنه وغروره وتفنيد ضلاله!. .
(1) سورة يس الآية 81
(2)
سورة يس الآية 78
الأصل المفقود
.
على أن هذا كله من حقه أن يبعثنا على التساؤل كذلك: إذا كان للنبات بذوره التي تحمل خواصه الأساسية، وبها يرجع إلى استئناف حياته من جديد، فهل للإنسان من بذور يعود بها إلى استئناف الحياة كشأن هذا النبات؟. .
الظاهر أن الفصيلة الوحيدة التي يتم بها تواصل النسل الإنساني هي الوسيلة الوحيدة لاستمرار النوع، وهو أمر غير مضمون البقاء. إذ كثيرا ما نرى عقيما ينتهي وجوده بموته. . وقد يذهب الخسف أو الزلزال بأمة فلا تخلف وراءها من أثر. . كالنبتة التي تتلف بذورها فلا ينتظر لها من معاد. . وكالكائنات الحية التي أتى عليها الفناء فلم يبق من دليل على مرورها بالأرض سوى بعض الأحافير. . وبما أن البعث الذي يخبرنا به
القرآن العظيم هو عام لكل نفس مرت بهذه الحياة وجب أن يكون ثمة (أصل) لا نعرفه منه تنبثق العودة العظمى إلى الحياة الثانية. . . فما هو؟. . وأنى هو؟. .
في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما بين النفختين أربعون، ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، فبه يركب الخلق (1)» .
وقد توارد على رواية هذا الخبر العديد من كتب الحديث كمسلم والنسائي وأبي داود وأحمد. . وعلى الرغم من أننا لم نر هذا العجب ولم نعرف عن صفاته سوى ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من كونه كحبة الخردل (2)، فهو من الحقائق المسلمة عند أولي العلم والإيمان لصدورها بحق على لسان المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. . ومن هنا نطل على (الأصل) المفقود الذي من خلاله نطلع على منطلق الحياة إلى الدار الآخرة.
والظاهر كذلك أن هذا العجب قد خص به الخالق الإنسان دون غيره من سائر الخلق. . وبخاصة عالم النبات الذي زوده من أسباب التجدد بتلك البذور المساعدة على تواصل البقاء على هذه الأرض، حتى إذا بدلت الأرض غير الأرض انتهى دورها، وبدأ دور هذا الإنسان المميز بالتكليف والمعرض للمسؤولية عن أمانة الله، التي أقدم على تحملها بعد أن أحجمت الأرض والسماوات والجبال عن ذلك.
ومع جهلنا التام لماهية هذا العجب فقد فهمنا من كونه الشيء الذي (فيه يركب الخلق) أن له مثل خاصية البذرة النباتية ما إن يتوافر لها الجو الملائم حتى تشرع في التفاعل المتلاحق إلى أن تستكمل صورتها الأولى. .
(1) انظر كتاب التفسير من صحيح البخاري جـ 8، ص 552 و553، ط السلفية.
(2)
انظر كتاب التفسير من صحيح البخاري جـ 8، ص 552 و553، ط السلفية.