الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي ظنوها حسنة وهي في الواقع من أقبح القبيح وأي قبيح أعظم من أن ينصب المرء نفسه مستدركا على الله ورسوله ومشرعا في دين الله بعد القرون المفضلة الأولى الذين هم خير الناس بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما قال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (1)» . وقد مضت تلك القرون المفضلة وليس لهذه البدع وجود أو رواج وإن وجد شيء منها فهو محدود وعلى نطاق ضيق يختفي أصحابها ولا يستطيعون الظهور لأنهم يشكلون أقلية بخلاف ما وصل إليه حال المسلمين اليوم فقد طغت البدعة ودرست السنة وتغيرت مفاهيم المسلمين وأصبح تصورهم للإسلام تصورا خاطئا وجعلوه في إطار ضيق، فقد وصل مثلا في بعض البلاد إلى حد كونه لا يعدو أن يكون مجموعة من الطقوس والاحتفالات التي قلدوا فيها أعداء المسلمين والإسلام مما جعلهم يوجهون سهامهم المسمومة إلى الإسلام بسبب ضلال من ضل من المسلمين عن الطريق السوي وانحرف كثير منهم عن الجادة الصحيحة التي رسمها لهم الإسلام وأمرهم أن يسيروا عليها ولا يحيدوا عنها يمينا أو شمالا كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2). إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي توضح هذا المنهج القويم.
(1) صحيح البخاري الشهادات (2652)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2533)، سنن الترمذي المناقب (3859)، سنن ابن ماجه الأحكام (2362)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 434).
(2)
سورة يوسف الآية 108
حرص الصحابة على لزوم الكتاب والسنة والبعد عن البدع:
ولقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أشد الناس حرصا على العمل بالكتاب والسنة وأشدهم عداوة وبغضا للبدع وأهلها، كذلك التابعون ومن جاء بعدهم ممن تبعهم بإحسان، وسأورد نماذج من أقوال الصحابة
والسلف الصالح في ذم البدعة والمبتدعين والحث على لزوم السنة.
من أقوال الصحابة في ذلك:
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: (إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيقه، إن الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني، وان زغت فقوموني). وهذا ابن مسعود رضي الله عنه ينكر على جماعة من المسلمين كانوا قد جلسوا يذكرون الله بذكر على غير الهيئة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الدارمي في سننه أن رجلا أخبر عبد الله بن مسعود أن قوما يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول كبروا الله كذا وكذا. وسبحوا الله كذا وكذا. واحمدوا الله كذا وكذا. قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم، فأتاهم فجلس فلما سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعود فجاء وكان رجلا حديدا، فقال: أنا عبد الله بن مسعود، والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلما ولقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما. فقال عمرو بن عتبة: أستغفر الله. فقال: عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخذتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا. فإذا كان ابن مسعود رضي الله عنه قد أنكر هذه الهيئة التي يذكرون الله بها رغم أن الذكر الوارد فيها مشروع بيد أنه أنكر عليهم الشكل والصفة وتخصيص هذا الوقت بالذات للذكر فكيف لو اطلع ابن مسعود على هذه الأذكار التي يذكر بها المسلمون اليوم وهي لا تمت إلى ذكر الله بصلة مما ابتدعه أصحاب الطرق الصوفية وغيرهم من الأذكار الإبليسية التي زينها لهم الشيطان منها ما يرددونه بصوت واحد من قولهم
(هو هو) أو (حي حي) وغير ذلك من ألوان الهذيان الذي يرددونه ويزعمون أنه ذكر لله في الوقت الذي لو سمعتهم وهم يترنمون بهذه الأذكار التي لا يفهم منها شيء في كثير من الأحيان لخيل إليك أن أمامك سباعا تتعاوى وتتهارش على فريسة بل تحولت أذكار كثير ممن ينتسب إلى الإسلام اليوم إلى أنواع من الرقصات المختلفة فضلا عما يصحب ذلك من آلات الطرب والمعازف واختلاط الرجال بالنساء وشرب المسكرات وغير ذلك من أنواع الفساد التي يمليها عليهم الشيطان، فيا ليت شعري، ماذا سيقول هذا الصحابي الجليل لو اطلع على هذه المناظر أو سمع تلك الأصوات المنكرة {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (1).
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكر على الصحابة لما رفعوا أصواتهم بالتكبير ويقول: «يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تنادون أصم ولا غائبا (2)» . ولا شك أن ذكر الله واجب من أعظم الواجبات التي حث عليها الإسلام كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (3){وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (4) ومن أعظم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله (5)» لكن لا بد أن يكون الذكر وفقا للمعايير التي جاء بها الكتاب والسنة، دون إفراط أو تفريط. وجاء عن ابن مسعود أيضا في ذم البدعة:(اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)، وقال ابن عباس لمن سأله الوصية:(عليك بتقوى الله والاستقامة اتبع ولا تبتدع)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:(كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة). وقد روى هذه الآثار الكثيرة
(1) سورة لقمان الآية 19
(2)
رواه البخاري في "الجهاد " باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير.
(3)
سورة الأحزاب الآية 41
(4)
سورة الأحزاب الآية 42
(5)
رواه الترمذي في الدعوات