المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المكاسب التي حرمها الله ورسوله كأجرة الغناء والموسيقى وبيع المحرمات. - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌موضوع العددالحكورات

- ‌المسألة الثانية: الزيادة في الأجرة أثناء المدة:

- ‌ نقول عن بعض الفقهاء

- ‌الفتاوى

- ‌ احتشاش المرعى وبيعه واختصاص من يحش ويبيع فيه ضرر وتضييق على أرباب السوائم

- ‌ باع بقرة على رجل لا يعرفه ثم إن البقرة شردت من بيت مشتريها إلى بيته

- ‌ القيام عند القبر للاستغفار أو الدعاء للميت بعد دفنه

- ‌ الزكاة في حلي المرأة

- ‌ ترجمة القرآن

- ‌ لبس البدلة

- ‌ الأضحية عن الميت

- ‌الرضاع الذي يحصل به التحريم

- ‌ أفطر بالبلد ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس

- ‌المرأة التي توفي عنها زوجها بعد العقد وقبل الدخول تلزمها العدة والإحداد

- ‌تخصيص يوم السابع ويوم الأربعين أو يوم آخر سواهما بذبيحة تذبح عن الميت

- ‌كمال هذا الدين:

- ‌سبيل المؤمنين:

- ‌الكتاب والسنة مصدر كل سعادة:

- ‌ذم التفرق وبيان أسبابه:

- ‌حفظ هذا الدين وبقاؤه:

- ‌وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة:

- ‌المرجع عند التنازع:

- ‌حكم الإحداث في الدين:

- ‌حرص الصحابة على لزوم الكتاب والسنة والبعد عن البدع:

- ‌ من أقوال التابعين وغيرهم من السلف في الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع

- ‌ الفارق والميزان الذي نميز به بين البدعة والسنة

- ‌أمثلة من البدع الشائعة بين المسلمين:

- ‌الانقطاع للعبادة وترك الكسب الحلال وإقامة المآتم وقراءة القرآن

- ‌ بدعة الاحتفال بعيد مولده صلى الله عليه وسلم

- ‌رحلاته:

- ‌حالة المسلمين عند ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌أصول دعوة الشيخ رحمه الله

- ‌المراحل التي مرت بها دعوة الشيخ محمد

- ‌المراجع التي يعتمد عليها الشيخ رحمه الله وعلماء الدعوة من بعده

- ‌ثمرات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآثارها:

- ‌الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ والرد عليها:

- ‌نشأة علم نقد الحديث

- ‌ الأسباب التي دعت إلى الاهتمام بنقد الحديث:

- ‌ صغار الصحابة يحتاطون في قبول الحديث:

- ‌ نقد الحديث في دور التابعين:

- ‌ النقد في عصر أتباع التابعين:

- ‌ نبذ عن الأئمة النقاد في عصر التابعين:

- ‌ ظهور التقعيدات العامة للنقد:

- ‌أقوال العلماءفي حكم من تاب من الكسب الحرامكالربا وأنواع المكاسبالمحرمة الأخرى

- ‌ماذا يفعل من تاب من الكسب الحرام كالرباوأنوع المكاسب المحرمة الأخرى

- ‌المقدمة

- ‌ الربا

- ‌ أنواع المكاسب المحرمةمن ربا وغيره

- ‌(فصل في الحلال والحرام والمشتبه فيه وحكم الكثير والقليل من الحرام)

- ‌ حكم المال المغلول

- ‌ مقتطفات من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوثالعلمية والإفتاء في كيفية التخلص من المكاسب المحرمة

- ‌مصادر البحث

- ‌وصف المخطوط

- ‌نص الرسالة

- ‌قضية البعثفي ضوء الوحي والعقل

- ‌من المشهود إلى المحجوب

- ‌بين الحياة والموت

- ‌الرحلة الجديدة

- ‌شهادة كونية

- ‌ونسي خلقه

- ‌الأصل المفقود

- ‌بلى شهدنا

- ‌من المسؤول

- ‌موجود فوق المادة

- ‌ذلك هو الإنسان

- ‌ليس الموت بالعدم المحض

- ‌مناط الثواب والعقاب

- ‌الأحلام والرؤى

- ‌الله أنبتكم

- ‌صمام الأمن

- ‌الحاجة إلى الرسالة:

- ‌الإسلام بمعناه العام:

- ‌إعلان الوحدة الكبرى للدين:

- ‌قاعدة التصور الإسلامي وآثارها:

- ‌التوحيد قاعدة كل رسالة من عند الله:

- ‌التوحيد مفتاح دعوة الرسل:

- ‌حقيقة واحدة:

- ‌ثبات. . لا تطور

- ‌لا نفرق بين أحد من رسله:

- ‌الكفر بواحد من الرسل كفر بالجميع:

- ‌التصور الإسلامي لوحدة الرسالة والرسل:

- ‌ولله في هذا حكمة:

- ‌هذا الدين وهذه الأمة:

- ‌بين الإيمان والإسلام:

- ‌معنى الإيمان لغة:

- ‌معنى الإسلام لغة:

- ‌موازنة بين الإسلام والإيمان في اللغة:

- ‌الإيمان والإسلام في الاصطلاح الشرعي:

- ‌معنى الإيمان شرعا:

- ‌معنى الإسلام شرعا:

- ‌هل الإيمان والإسلام مترادفان أم متغايران

- ‌أصل معنى كلمة " الإسلام

- ‌الدين واحد والشرائع متعددة:

- ‌كل دين عقيدة ومنهج حياة:

- ‌هل اسم الإسلام خاص بهذه الأمة

- ‌لماذا سمي الدين بالإسلام

- ‌وهذه الأمة. . . الأمة المسلمة:

- ‌الأقليات الإسلامية.ظروفها وآمالها وآلامها

- ‌حديث شريف

الفصل: المكاسب التي حرمها الله ورسوله كأجرة الغناء والموسيقى وبيع المحرمات.

المكاسب التي حرمها الله ورسوله كأجرة الغناء والموسيقى وبيع المحرمات. فإذا من الله سبحانه وتعالى على من كان يتعاطى أمثال ما ذكر من هذه المكاسب المحرمة ووفقه للتوبة وأراد أن يتخلص مما في يده من الأموال المحرمة التي تحصل عليها فماذا يفعل؟ هذا ما أريد الكتابة عنه بعون الله تعالى وتوفيقه.

وستكون الكتابة على النحو التالي:

أ- فيما يتعلق بالربا.

ب- أنواع المكاسب المحرمة الأخرى ويدخل فيها الربا.

جـ- حكم المال المغلول.

د- مقتطفات من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في كيفية التخلص من الأموال المحرمة.

أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه ويرزقنا التوبة النصوح إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ص: 211

(1) سورة البقرة الآية 278

(2)

سورة البقرة الآية 279

ص: 211

لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (1)

يعني جل ثناؤه بذلك إن تبتم فتركتم أكل الربا وأنبتم إلى الله عز وجل فلكم رؤوس أموالكم من الديون التي لكم على الناس دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربا منكم كما حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (2) المال الذي لهم على ظهور الرجال جعل لهم رؤوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا، حدثني المثنى قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال وضع الله الربا وجعل لهم رؤوس أموالهم. حدثني يعقوب قال حدثنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (3) قال ما كان لهم من دين فجعل لهم أن يأخذوا رؤوس أموالهم ولا يزاد عليه شيئا، حدثني موسى بن هرون قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (4) الذي أسلفتم وسقط الربا، حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح:«ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أبتدئ به ربا العباس بن عبد المطلب (5)» حدثنا المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «إن كل ربا موضوع، وأول ربا يوضع ربا العباس (6)» .

القول في تأول قوله تعالى {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (7).

يعني بقوله لا تظلمون بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل الإرباء على غرمائكم منهم دون أرباحهم التي زدتموها ربا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذه أو لم يكن لكم

(1) سورة البقرة الآية 279

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سورة البقرة الآية 279

(4)

سورة البقرة الآية 279

(5)

صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).

(6)

صحيح مسلم كتاب الحج (1218)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).

(7)

سورة البقرة الآية 279

ص: 212

قبل (ولا تظلمون) يقول ولا الغريم الذي يعطيكم ذلك دون الربا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الأجل يبخسكم حقا لكم عليه فيمنعكموه؛ لأن ما زاد على رؤوس أموالكم لم يكن حقا لكم عليه فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول وغيره من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثني قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} (1) فتربون ولا تظلمون فتنقصون، وحدثني يوسف قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (2) قال لا تنقصون من أموالكم ولا تأخذون باطلا لا يحل لكم (3).

وقال القرطبي: رحمه الله تعالى (الرابعة والثلاثون) قوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (4) روى أبو داود عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (5)» .

وذكر الحديث فردهم تعالى مع التوبة إلى رؤوس أموالهم وقال لهم لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رؤوس أموالكم فتذهب أموالكم ويحتمل أن يكون لا تظلمون في مطل؛ لأن مطل الغني ظلم. فالمعنى أن يكون القضاء مع وضع الربا، وهكذا سنة الصلح، وهذا أشبه شيء بالصلح. ألا ترى «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى كعب بن مالك في دين أبي حدرد بوضع الشطر فقال: كعب

(1) سورة البقرة الآية 279

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

تفسير الطبري المسمى (جامع البيان في تفسير القرآن)، - المجلد الثالث، ص 72.

(4)

سورة البقرة الآية 279

(5)

سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه المناسك (3055).

ص: 213

نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر قم فاقضه (1)»، فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات. إلى أن قال رحمه الله تعالى:

(الخامسة والثلاثون) قوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (2) تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه، فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد، كما إذا اشترى مسلم صيدا ثم أحرم المشتري أو البائع قبل القبض بطل البيع؛ لأنه طرأ عليه قبل القبض ما أوجب تحريم العقد، كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم يقبض؛ لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض، ولو كان مقبوضا لم يؤثر، هذا مذهب أبي حنيفة وهو قول لأصحاب الشافعي. ويستدل به على أن هلاك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد خلافا لبعض السلف، ويروى هذا الخلاف عن أحمد. وهذا إنما يتمشى على قول من يقول: إن العقد في الربا كان في الأصل منعقدا وإنما بطل بالإسلام الطارئ قبل القبض. وأما من يمنع انعقاد الربا في الأصل لم يكن هذا الكلام صحيحا، وذلك أن الربا كان محرما في الأديان والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين، وأن ما قبضوه منه كان بمثابة أهوال وصلت إليهم بالهبة فلا يتعرض له، فعلى هذا لا يصح الاستشهاد على ما ذكروه من المسائل، واشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا مشهور مذكور في كتاب الله تعالى كما حكى عن اليهود في قوله تعالى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (3) وذكر في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (4)

فعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به، نعم يفهم من هذا العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ إذا كانت معقودة على فساد.

(1) صحيح البخاري الصلاة (457)، صحيح مسلم المساقاة (1558)، سنن النسائي آداب القضاة (5408)، سنن أبو داود الأقضية (3595)، سنن ابن ماجه الأحكام (2429)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 454)، سنن الدارمي البيوع (2587).

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سورة النساء الآية 161

(4)

سورة هود الآية 62

ص: 213

ثم بين رحمه الله تعالى حكم المال الحلال إذا خالطه حرام فقال:

السادسة والثلاثون: ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب؛ لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال والذي بقي هو الحرام. قال ابن العربي: وهذا غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه والاختلاط إتلاف لتمييزه، كما أن الإهلاك إتلاف لعينه، والمثل قائم مقام الذاهب، وهذا بين حسا بين معنى والله أعلم.

ثم بين رحمه الله تعالى رأيه فيمن يريد التخلص مما بيده من الأموال الربوية فقال:

قلت: قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن التبس من وجوده فليتصدق بذلك عنه، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه، فإن التبس عليه الأمر ولم يدركم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده. حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه، فإن أيس من وجوده تصدق به عنه. فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين أو إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده إلا أقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبته وقوت يوم؛ لأنه الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليه وإن كره ذلك من يأخذه منه، وفارق هاهنا المفلس في قول أكثر العلماء؛ لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء بل هم الذين صيروها إليه، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة

ص: 215

لباسه، وأبو عبيد وغيره يرى ألا يترك للمفلس من اللباس إلا أقل ما يجزئه في الصلاة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته، ثم كل ما وقع بيد هذا شيء أخرجه عن يده، ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه (1).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} (2) أي بأخذ الزيادة ولا تظلمون الأموال أيضا بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن الحسن بن أشكاب حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن شبيب عن غرقدة المبارقي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: (ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب كله (3)» كذا وجده سليمان بن الأحوص، وقد قال ابن مردويه حدثنا الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى، أخبرنا مسدد، أخبرنا أبو الأحوص حدثنا شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (4)» . وكذا رواه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي حمزة المرقاشي عن عمرو هو ابن خارجة فذكره (5).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كلامه على آيات الربا:

ثم قال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (6) يعني إن تركتم الربا وتبتم إلى الله منه، وقد عاقدتم عليه، فإنما لكم رؤوس أموالكم

(1) تفسير القرطبي المسمى (الجامع لأحكام القرآن)، جزء (3)، من ص 365 إلى صفحة 376.

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه المناسك (3055).

(4)

سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (3087)، سنن ابن ماجه المناسك (3055).

(5)

تفسير القرآن العظيم لابن كثير، جزء (1)، صفحة 331.

(6)

سورة البقرة الآية 279

ص: 216

لا تزيدون عليها فتظلمون الآخذ، ولا تنقصون منها فيظلمكم من أخذها، فإن كان هذا القابض معسرا فالواجب إنظاره إلى ميسرة، وإن تصدقتم عليه وأبرأتموه فهو أفضل لكم وخير لكم، فإن أبت نفوسكم وشحت بالعدل الواجب أو الفضل المندوب فذكروها يوما ترجعون فيه إلى الله وتلقون ربكم فيوفيكم جزاء أعمالكم أحوج ما أنتم إليه (1).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا من تفسير المنار على قوله تعالى

{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2)

أي فمن بلغه تحريم الله تعالى للربا ونهيه عنه فترك الربا فورا بلا تراخ ولا تردد انتهاءا عما نهى الله عنه فله ما كان أخذه فيما سلف من الربا لا يكلف رده إلى من أخذه منهم بل يكتفى منه بأن لا يضاعف عليهم بعد البلاغ شيئا {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (3) يحكم فيه بعدله، ومن العدل ألا يؤاخذ بما أكل من الربا قبل التحريم وبلوغه الموعظة من ربه. ولكن العبارة تشعر بأن إباحة أكل ما سلف رخصته للضرورة وتومئ إلى أن رد ما أخذ من قبل النهي إلى أربابه الذين أخذ منهم من أفضل العزائم؛ ألم تر أنه عبر عن إباحة ما سلف باللام ولم يقل كما قال بعد ذكر كفارة صيد المحرم 5: 95 - {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} (4) وأنه عقب هذه الإباحة بإبهام الجزاء وجعله إلى الله والمعهود في أسلوبه أن يصل مثل ذلك بذكر المغفرة والرحمة، كما قال في آخر آية محرمات النساء 4: 23 -

{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (5) أباح أكل ما سلف قبل التحريم وأبهم جزاء آكله. لعله يغص بأكل ما في يده منه فيرده إلى صاحبه، ولكنه صرح بأشد الوعيد على من أكل شيئا بعد النهي فقال تعالى {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (6) أي ومن عاد إلى من كان يأكل من الربا المحرم بعد تحريمه فأولئك

(1) التفسير القيم لابن القيم، ص 172 و 173.

(2)

سورة البقرة الآية 275

(3)

سورة البقرة الآية 275

(4)

سورة المائدة الآية 95

(5)

سورة النساء الآية 23

(6)

سورة البقرة الآية 275

ص: 217

البعداء عن الاتعاظ بموعظة ربهم الذي لا ينهاهم إلا عما يضر بهم في أفرادهم أو جميعهم (1).

وحول تفسير ما سبق من الآيات في الربا قال محمد بن أحمد بن رشد (فصل) فإن فات البيع فليس له إلا رأس ماله قبض الربا أو لم يقبضه. فإن كان قبضه رده إلى صاحبه، وكذلك من أربى ثم تاب فليس له إلا رأس ماله، وما قبض من الربا وجب عليه أن يرده إلى من قبضه منه، فإن لم يعلمه تصدق به عنه لقول الله عز وجل {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (2) الآية. وأما من أسلم وله ربا فإن كان قبضه فهو له، لقول الله عز وجل:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (3) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسلم على شيء فهو له» .

وأما إن كان الربا لم يقبضه فلا يحل له أن يأخذه وهو موضوع عن الذي هو عليه ولا خلاف في هذا أعلمه؛ لقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (4)

نزلت هذه الآية في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم، وكانوا قد اقتضوا بعضه منهم وبقي بعضه فعفا الله لهم عما كانوا اقتضوه وحرم عليهم اقتضاء ما بقي منه. وقيل نزلت في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا يسلفان في الربا فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله الآية بتحريم اقتضاء ما كان بقي لهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع:«ألا إن كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب (5)» .

خلاصة ما سبق من كلام المفسرين ما يلي: أن المرابي لا يخلو من إحدى حالتين:

(1) تفسير المنار، جزء (3)، ص 97 - 98.

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سورة البقرة الآية 275

(4)

سورة البقرة الآية 278

(5)

مقدمات ابن رشد، الجزء (الثاني)، صفحة 504.

ص: 218

الحالة الأولى:

أن يكون الربا له في ذمم الناس لم يقبضه بعد، ففي هذه الحالة قد أرشده الله تعالى إلى أن يسترجع رأس ماله ويترك ما زاد عليه من الربا فلا يستوفيه ممن هو في ذمته قال الله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض كلامه على أن التراضي بين الطرفين على فعل محرم لا يبيحه: قال: وهذا مثل الربا فإنه وإن رضي به المرابي وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمه. ولهذا له أن يطالبه بما قبض منه من الزيادة ولا يعطيه إلا رأس ماله وإن كان قد بذله باختياره (2) وقال أيضا: وهذا المرابي لا يستحق في ذمم الناس إلا ما أعطاهم أو نظيره، فأما الزيادات فلا يستحق شيئا منها، لكن ما قبضه قبل ذلك بتأويل يعفى عنه، وأما ما بقي له في الذمم فهو ساقط؛ لقوله تعالى:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (3) والله أعلم (4).

الحالة الثانية:

أن يكون التائب من الربا قد قبضه وتجمعت عنده أموال منه، وفي هذا قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: قاعدة في المقبوض بعقد فاسد؛ وذلك أنه لا يخلو إما أن يكون العاقد يعتقد الفساد ويعلمه أو لا يعتقد الفساد. فالأول: يكون بمنزلة الغاصب حيث قبض ما يعلم أنه لا يملكه لكنه لشبهة العقد وكون القبض عن التراضي هل يملكه بالقبض أو لا يملكه، أو يفرق بين أن يتصرف فيه أو لا يتصرف؟ هذا فيه خلاف مشهور في الملك هل يحصل بالقبض في العقد الفاسد؟

(1) سورة البقرة الآية 279

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، الجزء (الخامس عشر)، ص 126.

(3)

سورة البقرة الآية 278

(4)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جزء (29)، صفحة 437.

ص: 219

وأما إن كان العاقد يعتقد صحة العقد: مثل أهل الذمة فيما يتعاملون به بينهم من العقود المحرمة في دين الإسلام مثل بيع الخمر، والربا، والخنزير، فإن هذه العقود إذا اتصل بها القبض قبل الإسلام والتحاكم إلينا أمضيت لهم، ويملكون ما قبضوه بلا نزاع؛ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1)

فأمر بترك ما بقي وإن أسلموا أو تحاكموا قبل القبض فسد العقد ووجب رد المال إن كان باقيا أو بدله إن كان فائتا، والأصل فيه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2) إلى قوله {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (3).

وحاصل هذه القاعدة أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يفرق بين من قبض مالا بعقد فاسد يعتقد صحته كالكافر الذي كان يتعامل بالربا قبل إسلامه أو تحاكمه إلينا، وكالمسلم إذا عقد عقدا مختلفا فيه بين العلماء وهو يرى صحته فهذا النوع من المتعاقدين يملك ما قبضه، أما من تعامل بعقد مختلف في تحريمه وهو لا يرى صحته أو بعقد مجمع على تحريمه مما قبضه بموجب ذلك العقد فهو فيه كالغاصب حيث قبض ما يعلم أنه لا يملكه.

ومما أجاب به شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: قول القائل لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام، وكذا إذا حل الدين عليه وكان معسرا فإنه يجب إنظاره، ولا يجوز إلزامه بالقلب عليه باتفاق المسلمين، وبكل حال فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التي يقصد بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية، والواجب رد المال المقبوض فيها إن كان باقيا، وإن كان فانيا رد مثله ولا يستحق الدافع أكثر

(1) سورة البقرة الآية 278

(2)

سورة البقرة الآية 278

(3)

سورة البقرة الآية 279

ص: 220

من ذلك، وعلى ولي الأمر المنع من هذه المعاملات الربوية وعقوبة من يفعلها ورد الناس فيها إلى رؤوس أموالهم دون الزيادات، فإن هذا من الربا الذي حرمه الله ورسوله وقد قال تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (2){وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3).

أقول

ومن كلامه رحمه الله تعالى يتضح لنا حرمة المداينة المعمول بها حاليا على نحو ما ذكره وأعظم منها حرمة قلب الدين على المدين؛ لأنه بيع دراهم بأكثر منها نسأل الله العافية.

وحينما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن رجل مراب خلف مالا وولدا وهو يعلم بحاله فهل يكون المال حلالا للولد بالميراث أم لا؟ قال:

أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه. إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به والباقي لا يحرم عليه، لكن القدر المشتبه يستحب له تركه إذا لم يجب صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال، وإن كان الأب قبضه بالمعاملات الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء جاز للوارث الانتفاع به، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما جعل ذلك نصفين. وحينما سئل أيضا عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام أجاب بقوله:

يخرج قدر الحرام بالميزان فيدفعه إلى صاحبه وقدر الحلال له. وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق به عنه (4).

(1) سورة البقرة الآية 278

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سورة البقرة الآية 280

(4)

مجموع الفتاوى، جزء (29)، ص 307.

ص: 221