الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووأما عبد الرحمن بن مهدي: فهو إمام أهل الحديث في عصره والمعول عليه في علوم الحديث ومعارفه. قال ابن المديني غير مرة: والله لو أخذت وحلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أني لم أر قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدى.
وقال ابن معين: ما رأيت رجلا أثبت في الحديث من ابن مهدي.
وقال ابن حنبل: كأن ابن مهدي خلق للحديث، وقال ابن المديني: جاء رجل إلى ابن مهدي فقال: يا أبا سعيد إنك تقول: هذا ضعيف، وهذا قوي، وهذا لا يصح فعم تقول ذلك؟ فقال ابن مهدي: لو أتيت الناقد فأريته دراهم ففال هذا جيد، وهذا جيد، وهذا ستوق، وهذا بهرج، أكنت تسأله عم ذلك. أم تسلم الأمر إليه فقال: بل كنت أسلم الأمر إليه فقال ابن مهدي: هذا كذاك، هذا بطول المجالسة والمناظرة والمذاكرة والعلم به (1).
وقال ابن مهدي: المحدثون ثلاثة: رجل حافظ متقن. وهذا لا يختلف فيه، وآخر يوهم والغالب على حديثه الصحة وهذا لا يترك حديثه والآخر يوهم والغالب على حديثه الوهم فهذا متروك الحديث (2)
(1) راجع تهذيب الأسماء جـ1 / ق1 ص 305.
(2)
المحدث الفاصل / 406.
6 -
ظهور التقعيدات العامة للنقد:
وقد أصبحت هذه الأقوال وأخرى أمثالها للأئمة الآخرين من هذه الطبقة بمثابة الشروط والتقعيدات العامة للجرح والتعديل. ومن هذه الأقوال قول سفيان الثوري: لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ولا بأس ما سوى ذلك من المشايخ (1).
(1) الكامل لابن عدي 63 - 68.
وقال عبد الله بن عون: لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفا بالطلب (1).
وقال الشافعي: ويكون المحدث عالما بالسنة، ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عدلا في ما يحدث، عالما بما يحمل من معاني الحديث بعيدا عن الغلط، أو يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه لا يحدث على المعنى.
ويكون حافظا إن حدث من حفظه حافظا لكتابه إن حدث من كتابه: يؤمن أن يكون مدلسا، يحدث عمن لقي بما لم يسمع أو يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات بخلافه عنه صلى الله عليه وسلم ويكون هكذا في حديثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضا: لا تقبل من مدلس حديثا حتى يقول: سمعت أو حدثني ومن كثر تخليطه من المحدثين (2).
وقال عبد الله بن المبارك: بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد (3).
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني: قلت لعبد الله بن المبارك يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء: إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت هذا في حديث شهاب بن خراش. فقال ثقة، عمن قال: قلت عن الحجاج بن دينار قال ثقة. عمن قال: قلت قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي (4).
(1) المحدث الفاصل / 405.
(2)
المحدث الفاصل / 404 - 405 والرسالة مع اختلاف يسير في اللفظ ص 37.
(3)
مقدمة مسلم / 88.
(4)
مقدمة مسلم / 89
وقال علي بن إبراهيم المروزي: سئل ابن المبارك عن العدل فقال:
من كان فيه خمس خصال: يشهد الجماعة ولا يشرب هذا الشراب (النبيذ) ولا تكون في دينه خربة (وفي نسخة خزية) ولا يكذب ولا يكون في عقله شيء (1).
فأنت ترى هذه الأقوال تشمل جل القواعد الأساسية لجرح الرجال أو تعديلهم.
وهناك أقوال أخرى للأئمة الآخرين الذين يعدون من الطبقة التي بعدها ولذلك لم نذكرها التزاما بذكر رجال الطبقة التي تلت بعد التابعين، وإلا فالحقيقة أنه لا يمكن وضع حد فاصل زمني بين صدور هذه الأقوال وظهور هذه الأسس من رجال هذه الطبقة والتي تليها.
وفي الجملة: هذه الشروط وأمثالها الأخرى هي التي أصبحت نبراسا لمن جاءوا بعدهم من المحدثين وأصبحت بمثابة الأصول والقواعد لهم. ثم ظهرت فروع وتفاصيل.
ولهذا تبين لنا الأسباب التاريخية لنشأة علم نقد الحديث والدواعي الدينية لتصدي الأئمة للكلام على الرجال بالجرح أو التعديل والبحث في إسناد الحديث والقيام بالرحلات المضنية في طلب الحديث وسماعه من الراوي الأصل والتثبت منه ثم عرضه على رواية غيره من أهل الحفظ والإتقان لقبوله إذا كان موافقا، أو رفضه إذا كان الأغلب على حديثه المخالفة.
والله ولي التوفيق
(1) الكفاية / باب الكلام في العدالة وأحكامها.