الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و (الخروج والإخراج) حين يقدر الله عودة الإنسان إلى الحياة ألا يحتملان معنى آخر غير المتبادر من المدلول اللغوي المقابل للدخول والإدخال؟. .
إن الأرض الميتة إذا كان أوان رجعها ساق الله إليها الماء فاهتزت وربت وشرعت بإخراج مضمونها أزواجا من نبات شتى، وعلى هذا يكون من معاني الخروج والإخراج بالنسبة للإنسان أن يهيئ الله الأسباب التي يحرك بها ذلك الأصل- عجب الذنب- الذي (منه يركب الخلق)(1)، كما أخبر على لسان رسوله، وبها يطلق ما كمن فيه من خصائص الجنس البشري، فلا يزال في تفاعله ونموه وتفريعه حتى يستوي على الصورة التي أنشأها أول مرة. . ولذلك تكون عملية البعث جارية على هذا النحو من النظام الإلهي ويكون الإنبات والإخراج على حقيقتهما الماثلة في عودة النبات لاستئناف مسيرته الأولى، وفي عودة الإنسان لأداء حسابه بين يدي مولاه.
(1) وردت العبارة في الحديث بصيغة (فيه يركب) و (منه يركب) انظر جـ 8، ص 552، من الفتح، ط السلفية.
صمام الأمن
.
وتأمل معي أخيرا في هذا الشاهد الطريف من ملامح البعث الحسية: هل أتاك نبأ تلك البيوض التي يودعها الجراد أحضان التراب وقد تحجبت في أغلفتها الخاصة، واختلطت مع ذرات الأرض فلا تميزها سوى الأعين الحاذقة الخبيرة!. . وتمر الأيام والشهور وقد تمر السنون وهي في أكياسها دفينة حتى يشاء الله أن تدركها الرطوبة المحيية، فإذا هي تتمطى ثم تتسلل ثم تنتشر لتلتهم كل ما تصل إليه أفواهها التي لا تكل ولا تشبع!.
وليست هذه البيوض سوى واحدة من آلاف الأشكال التي يتم بها البارئ الحكيم عملية البعث اليومي لأصناف من المخلوقات التي لا يحصيها إلا هو. . ومع ذلك لا تعدم الأذن أن تسمع مغرورا يعلن بوقاحة {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (1) وما أخطر هذا الضرب من المجانين على سلام الإنسانية، التي جعل الله الإيمان بالبعث صمام الأمن في وجودها على هذه الأرض.
فلا اطمئنان للإنسان على نفسه وعرضه وماله إلا في كنفه، وكل شقاء يعتري الفرد والجماعة فمرده إلى فقدانه أو نقصانه. . وصدق الله العظيم القائل في كتابه الحكيم {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} (2) وأي ضلال أقتل لصاحبه من قلب سلب نعمة الأمل بلقاء ربه فهو يتخبط في ظلمات اليأس وقد راح يعوض نقصه بالاستكبار عن عبادته، والتكبر على الضعفاء من عباده!!.
ثم من أظلم لنفسه من {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} (3){فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (4){وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (5).
والحمد لله رب العالمين.
(1) سورة الجاثية الآية 24
(2)
سورة النحل الآية 22
(3)
سورة الماعون الآية 1
(4)
سورة الماعون الآية 2
(5)
سورة الماعون الآية 3
صفحة فارغة
إن الدين عند الله الإسلام
عثمان بن جمعة بن عثمان ضميرية.
* عثمان بن جمعة بن عثمان ضميرية:
من مواليد رنكوس في سورية عام 1949م، تلقى فيها تعليمه الابتدائي، ثم تخرج من الثانوية الشرعية بدمشق، ومن كليتي الشريعة والتربية بجامعة دمشق، ونال الماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.
* وله من البحوث المطبوعة:
- نهج الإسلام في الحرب والسلام.
- التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، وهو البحث الفائز بالمرتبة الأولى في مسابقات التوعية الإسلامية بوزارة المعارف بالرياض.
* وله بحوث قدمت لمسابقات التوعية في المناطق وفازت بالمرتبة الأولى، وهي:
- تربية المراهق في المدرسة الإسلامية.
- الغرائز وتربيتها في المنهج الإسلامي.
* وله تحت الطبع:
- الملكية في الشريعة ومدى تداخل الدولة في تقييدها.
- الحسام المحدود في الرد على اليهود، تحقيق.
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، أحمده كما ينبغي لكرم وجهه وعز سلطانه، وأستعينه استعانة من لا حول ولا قوة إلا به، وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه، وأستغفره لما أزلفت وأخرت استغفار من يقر بعبوديته، ويعلم أنه لا يغفر له ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله والناس صنفان:
أحدهما: أهل كتاب، بدلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذبا صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم.
فذكر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من كفرهم، فقال {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1).
وصنف: كفروا بالله، فابتدعوا ما لم يأذن به الله، ونصبوا بأيديهم حجارة وخشبا وصورا استحسنوها، ونبزوا أسماء افتعلوها، ودعوها آلهة عبدوها. . . فأولئك العرب.
وسلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا، وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة ونار وغيره، فذكر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم جوابا من جواب بعض
(1) سورة آل عمران الآية 78