الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نص الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر يا كريم
وبعد. فهذا مختصر، فيما روي عن أهل المعرفة والحقائق في معاملة الظالم السارق.
قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن سب السارق والدعاء عليه. خرج أبو داود (1) من حديث عائشة، «أنها سرقت ملحفة لها، فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: (لا تسبخي عنه) (2)» قال أبو داود: لا تسبخي، يعني: لا تخففي [عنه](3) وخرجه الإمام [أحمد](4) من وجه آخر، عن عائشة قالت:«سرقت لحفتي، فدعوت الله على صاحبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبخي عليه، دعيه بذنبه) (5)» والمراد: أن من ذهب له مال بسرقة، ونحوها فإن ذهابه، من جملة المصائب الدنيوية، والمصائب كلها كفارة للذنوب، والصبر عليها: يحصل (6) للصابر الأجر الجزيل.
وفي حصول الأجر له على مجرد المصيبة، خلاف مشهور بين العلماء (7)، فإذا كانت المصيبة من فعل آدمي ظالم: كالسارق والغاصب ونحوهما، فإن المظلوم يستحق أن يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات، طرحت من سيئات المظلوم عليه. فإن
(1) لم أعرف به لشهرته وهكذا كل من أرى أن شهرته تغني عن التعريف به.
(2)
يقال (سبخ الله عنك الحمى أي خففها) صحاح الجوهري مادة (سبخ).
(3)
ساقط من الأصل والتصويب من السنن (كتاب الصلاة)(باب الدعاء) رقم 1497.
(4)
وقع في الأصل بياض بمقدار كلمة بالإضافة للتوضيح.
(5)
المسند 6/ 45 - 136 وذكر هنا بمعناه.
(6)
وقع في الأصل (يحصل للصابه) ولعله سبق قلم من الناسخ.
(7)
ينظر عدة الصابرين لابن القيم وجامع العلوم / 140 ونور الاقتباس / 64 كلاهما للمؤلف.
دعا المظلوم على ظالمه في الدنيا، فقد استوفى منه بدعائه بعض حقه، فخف وزر (171 / أ) الظالم بذلك. فلهذا، أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تصبر، فلا تدعو عليه، فإن ذلك يخفف عنه. وخرج الترمذي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من دعا على من ظلمه فقد انتصر (1)» وروى ليث (2) عن طلحة (3): أن رجلا لطم رجلا فقال: اللهم إن كان ظلمني فاكفنيه فقال له مسروق: قد استوفيت. وقال مجاهد: لا تسبن أحدا، فإن ذلك يخفف عنه، ولكن أحب لله بقلبك وأبغض لله بقلبك. وقال سالم بن أبي الجعد (4): الدعاء قصاص.
وشكا رجل إلى عمر بن عبد العزيز رجلا ظلمه، وجعل يقع فيه، فقال له عمر: إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه، وقد استقضيتها (5) وقال أيضا: بلغني أن الرجل، ليظلم بمظلمة، فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه، حتى يستوفي حقه، ويكون للظالم الفضل عليه (6) قال بعض السلف لولا أن الناس يدعون
(1) الجامع (كتاب الدعوات)(باب من دعا على من ظلمه فقد انتصر) رقم 3547 وأخرجه ابن أبي يعلى من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة مرفوعا- طبقات الحنابلة 1/ 408.
(2)
هو أبو بكر ليث بن أبي سليم القرشي مولاهم صدوق اختلط أخيرا فترك. تهذيب 8/ 465. تقريب 2/ 138.
(3)
هو أبو محمد طلحة بن مصرف اليامي الكوفي. ثقة قارئ فاضل. الحلية 5/ 14. تهذيب 5/ 25. تقريب 1/ 380.
(4)
هو سالم بن رافع الغطفاني مولاهم الكوفي. ثقة. وكان يرسل كثيرا. تهذيب 3/ 432. تقريب 1/ 279.
(5)
سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي / 206.
(6)
المصدر السابق / 73.
على ملوكهم، لعجل لملوكهم العقاب. ومعنى هذا: يشير إلى أن دعاء الناس عليهم استيفاء منهم لحقوقهم- من الظالم- أو لبعضها. فبذلك يدفع عنهم العقوبة. وروي عن الإمام أحمد قال: ليس بصابر من دعا على من ظلمه. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد ظلم [171 / ب] بمظلمة (2) لله عز وجل، إلا أعز الله بها نصره)» ويشهد له ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا (3)» فإن دعا على من ظلمه بالعدل جاز وكان مستوفيا لبعض حقه منه، وإن اعتدى عليه في دعائه لم يجز. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (4) قال: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد رخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله تعالى {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (5) ومن صبر فهو خير (6) وقال الحسن: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله تعالى {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (7) ومن صبر فهو خير. وقال
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/ 436).
(2)
(1)، فيغضي عليها في الفتح ترتيب المسند 19/ 82 (عنها).
(3)
(في البر والصلة)(باب استحباب العفو والتواضع) رقم 2588 وخرجه أيضا الترمذي رقم 2030 (في البر والصلة) ومالك في الموطأ (كتاب الصدقة) 2/ 1000 وابن خزيمة في الصحيح رقم 2438.
(4)
سورة النساء الآية 148
(5)
سورة النساء الآية 148
(6)
تفسير الحافظ ابن كثير 2/ 394.
(7)
سورة النساء الآية 148
الحسن: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه. وروي عنه قال: لا تدع عليه، ولكن قل: اللهم أعني عليه، واستخرج حقي منه (1) ومن العارفين من كان يرحم ظالمه، فربما دعا له: سرق لبعضهم شيء فقيل له: ادع الله عليه، فقال: اللهم إن كان فقيرا فأغنه، وإن كان غنيا فاقبل (توبته)(2).
وقال إبراهيم التيمي: إن الرجل ليظلمني، فارحمه، قيل له: كيف ترحمه وهو يظلمك، قال: إنه لا يدري لسخط [1/ 172 أ] من تعرض. وآذى رجل أيوب السختياني، وأصابه أذى شديدا فلما تفارقوا، قال أيوب: إني لأرحمه، إنا نفارقه وخلقه معه! وقال بعضهم: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنما سعى في مضرته، ونفعك. وقيل لبعض السلف الصالح: إن فلانا يقع فيك، قال: لأغيظ من أمره. يغفر الله لي وله. قيل: من أمره؟! قال الشيطان. وقال الحجاج بن الفراقصة (3): بلغنا أن في بعض الكتب: من استغفر لظالمه، فقد هزم الشيطان (4) وقال الفضيل بن عياض: حسناتك من عدوك
(1) تفسير القرطبي 6/ 1 وابن كثير 2/ 394.
(2)
وقع في الأصل ما صورته (فاقبل بظلمه) ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3)
هو حجاج بن فراقصة الباهلي البصري، صدوق، عابد، يهم. الحلية 3/ 109. تهذب 2/ 204. تقريب 2/ 154.
(4)
حلية الأولياء 3/ 109.
أكثر منها من صديقك؟! إن عدوك يغتابك، فيدفع إليك حسناته الليل والنهار، فلا ترضى إذا ذكر بين يديك [أن تقول](1) اللهم أهلكه، لا، بل ادع الله له: اللهم أصلحه، اللهم راجع به، فيكون الله يعطيك أجر ما دعوت، فإن من قال لرجل: اللهم أهلكه فقد أعطى الشيطان سؤاله؟! لأن الشيطان إنما يدور منذ خلق الله آدم على هلاك الخلق (2) وفي كتاب الزهد للإمام أحمد أن رجلا من إخوان فضيل بن عياض، من أهل خراسان، قدم مكة، فجلس إلى الفضيل في المسجد الحرام يحدثه، ثم قام الخراساني يطوف، فسرقت منه دنانير ستين أو سبعين، فخرج [172 / ب]، الخراساني يبكي فقال له فضيل: ما لك؟ قال سرقت الدنانير، قال عليها تبكي؟ قال: لا، مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرف عقلي على إدحاض حجته، فبكيت رحمة له (3) وسرق لبعض المتقدمين شيء، فحزن عليه، فذكر ذلك لبعض العارفين فقال له: إن لم يكن حزنك على أنه قد صار في هذه الأمة من يعمل هذا العمل، أكثر من حزنك على ذهاب مالك، لم تؤد النصيحة لله عز وجل في عباده إليه!! أو كما قال. وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي أمية المخزومي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه «أتي بلص قد اعترف، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت؟ قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا!! فأمر به، فقطع،
(1) وقع في الأصل (يقول) والتصويب من الحلية 8/ 97.
(2)
الحلية وقد اختصرها المؤلف عما هنالك.
(3)
لم أقف على هذه القصة في كتاب الزهد!!.
وجيء به فقال: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر [الله] وأتوب إليه، فقال: اللهم تب عليه، ثلاثا (2)». ولفظه لأبي داود وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتي برجل قد شرب، فقال: (اضربوه) فضربوه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه (3)» وفي رواية له أيضا «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم (4)» وخرجه النسائي [173 / أ] بمعناه. وزاد. ولكن قولوا: «رحمك الله (5)» وخرجه أبو داود، وعنده: ولكن قولوا: «اللهم اغفر له، اللهم ارحمه (6)» وخرج البخاري أيضا، من حديث عمر بن الخطاب، «أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا (7)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جلده في الشراب فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر
(1) سنن النسائي قطع السارق (4877)، سنن أبو داود الحدود (4380)، سنن ابن ماجه الحدود (2597)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 293)، سنن الدارمي الحدود (2303).
(2)
ساقط من الأصل والمثبت من السنن (كتاب الحدود)(باب التلقين في الحد) رقم 4380. (1)
(3)
(كتاب الحدود وما يحذر من الحدود)(باب الضرب بالجريد والنعال) 8/ 14 وهو أطول مما ذكره المؤلف.
(4)
(كتاب الحدود وما يحذر من الحدود)(باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة) 8/ 14.
(5)
السنن الكبرى (كتاب الحدود) كما في تحفة الأشراف للمزي 10/ 474.
(6)
السنن (كتاب الحدود)(باب الحد في الخمر) رقم 4478.
(7)
(كتاب الحدود وما يحذر من الحدود)(باب ما يكره من لعن شارب. .) 8/ 14 مع بعض الاختلاف.
ما يؤتى به، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ومال:(لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)»
تم، وصلى الله على سيدنا محمد.