الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا العلم وما ندب فيه من الحذر لا يغني عن وقوع ما سبق في علم الله تعالى من القدر. ومن ذلك ما حكي أن بعض الملوك قال له بعض المنجمين: أنت تموت في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية من عقرب تلدغك، فلما كان قبل الساعه المذكورة تجرد من جميع لباسه سوى ما يستر العورة، وركب فرساً بعد أن غسله ونظفه ونفض شعره، ودخل بفرسه في البحر حذراً مما ذكر له من وقوع هذا الأمر، فبينما هو كذلك فأجاءه ما يخشى من المهالك، وذلك أن فرسه عطست فخرجت من أنفها عقرب، فلدغته، ولم يغنه ما رام من الاحتراز والهرب، نسأل الله الكريم كمال الإيمان بنفاذ قدره والتسليم في كل ما جاء به الشارع وروى في خبره.
سنة عشرة وخمس مائة
فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الجوزي الحافظ، وكان عالماً حافظاً شاعراً.
وفيها توفي عبد الغفار بن محمد بن حسين النيسابوري مسند خراسان. وفيها توفي الصيرفي صاحب الأصم، قال السمعاني: كان صالحاً عابداً، رحل إليه من البلاد. وفيها توفي العسال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المصري الأديب شيخ الإقراء ببغداد. وفيها توفي الخطاب محفوظ بن أحمد الأرحبي شيخ الحنابلة صاحب التصانيف. وفيها توفي أبو طاهر محمد بن الحسين الدمشقي. وفيها توفي أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ. وفيها توفي الحافظ أبو بكر محمد ابن الحافظ العلامة أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي والد الحافظ أبي سعد، كان محمد المذكور إماماً فاضلاً محدثاً فقيهاً شافعياً، وله الإملاء الذى لم يسبق إلى مثله، تكلم على المتون والأسانيد، وأبان مشكلاته، وله عدة تصانيف وشعر غسله قبل موته.
سنة احدى عشرة وخمس مائة
فيها غرقت سنجار وانهدم سورها، وهلك خلق كثير، وجر السيل باب المدينة مسير مرحلة، فطمه السيل، ثم انكشف بعد سنين، وسلم طفل في سرير تعلق بزيتونة، ثم عاش وكبر.
قلت ومن هذا النمط المذكور والعجائب الواقعة في الدهور ما سمعت أنه جاء السيل في جوف الليل، فحمل قرية - وأهلها نائمون - ورمى بهم في البحر، وفيهم صبية عروس طفت على ظاهر الماء كأنها محمولة على سرير، ولم يتغبر كل ما عليها من الطيب والصنعة والحرير بقدرة اللطيف الخبير الذي هو على كل شيء قدير، فوجدت حية قذفها البحر على الساحل، وما مشى من المحذور إليها واصل. وفيها توفي السلطان محمد بن ملك شاه بن ألب أرسلان التركي: غياث الدين أبو شسجاع، وكان فارساً شجاعاً فحلاً، ذا بر ومعروف، وخلف له أربعة أولاد: محمود ومسعود وسليمان وطغرل بك، وقام بعده ابنه محمود وهو أبن أربع عشرة سنة، ففرق الأموال، وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل. وكان السلطان محمد المذكور لما مات أبوه وقد دخل بغداد، هو وأخوه سنجر، فخلع عليهما الإمام المستظهر بالله، فالتمس محمد المذكور من أمير المؤمنين أن يجلس له ولأخيه فأجيب إلى ذلك، وجلس لهما في قبة التاج، وحضر أرباب المناضب وأبناؤهم، وجلس أمير المؤمنين على سدته، ووقف سيف الدولة ابن مزيد صاحب الحلة عن يمين السدة - وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى رأسه العمامة وبين يديه القضيب، وخلع على محمد الخلع السبع التي جرت عادة السلاطين بها، وألبس الطوق والتاج والسوارين، وعقد له الخليفة اللواء بيده وقلده سيفين، وأعطاه خمسة أفراس براكبها، وخلع على أخيه سنجر خلعة أمثاله، وخطب لمحمد بالسلطنة في جامع بغداد - كما جرى عادتهم في ذلك الزمان - وذلك في خمس وتسعين وأربع مائة على ما ذكر بعضهم، وذكر غير واحد من المؤرخين أنها سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة. وذكر بعضهم أن الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله تعالى قال للسلطان محمد ابن ملك شاه: اعلم يا سلطان العالم، أن بني آدم طائفتان: طائفة عقلاء نظروا إلى مشاهدة حال الدنيا وتمسكوا ابامل العمر الطويل، ولم يتفكروا في النفس الأخير، وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخيرة نصب أعينهم، لينظروا ماذا يكون مصيرهم، وكيف يخرجون من الدنيا ويفارقونها وإيمانهم سالم، وما الذي ينزل عن الدنيا إلى قبورهم، وما الذي يتركونه لأعاديهم من بعدهم، ويبقى عليهم وباله ونكاله. ثم إن السلطان محمداً ابن ملك شاه جرت بينه وبين أخيه بركيا روق حروب يطول
ذكرها، وكان قد خطب لأخيه من قبله في بغداد، فقطعت الخطبة له، وخطب لمحمد واستقل بمملكته. ولما مات أخوه ولم يبقى له منازع، وصفت له الدنيا، وأقام على ذلك مدة، ثم مرض زماناً طويلاً، وتوفي في الخميس الرإبع والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة بمدينة أصبهان. ولما أيس من نفسه أحضر ولده محموداً، وقبله، وبكى كل واحد منهما، وأمره أن يخرج ويجلس على تخت السلطنة، وينظر في أمور الناس. فقال لوالده: إنه يوم غير مبارك يعني من طريق النجوم - فقال: صدقت، ولكن على أبيك، وأما عليك فمبارك بالسلطنة، فخرج وجلس على التخت بالتاج والسوارين، وتزوج الإمام المقتفي لأمر الله فاطمة بنت السلطان محمد المذكور، فدخلت إلى دار الخلافة بالزفاف، ويقال فيما ذكر لها من المناقب أنه كان لها التدبير الصائب. وفي السنة المذكورة ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لما بلغهم موت السلطان محمد. وفيها توفي أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد البغدادي راوي سنن الدارقطني، وكان رئيساً وافر الجلالة. وفيها توفي الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ محمد بن إسحاق ابن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني صاحب التاريخ، سمع من البيهقي وطبقته، وقال: السمعاني جليل القدر وافر الفضل، واسع الرواية حافظ كثير التصانيف، بعيد من التكلف، سمع من خلائق، وكتب عنه الشيوخ، منهم القطب الذي خضعت لقدمه رقاب الأولياء الأكابر، شيخ الشيوخ أبو محمد محيي الدين عبد القادر صاحب المقام العالي المعروف بالجيلاني، وجماعة من كبار الشيوخ. وذكره الحافظ السمعاني في كتاب الذيل، وغيره من كبار المؤرخين، وذكروا جلالته في الفضل وكونه من بيت علم بدىء بيحيى وختم بيحيى يريدون في معرفة الحديث والعلم والفضل - وكان يحيى المذكور
كثيراً ما ينشد لبعضهم. اً ما ينشد لبعضهم.
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى
…
وللمشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه
…
بدنيا سواه فهو من ذين أخيب
وفيها توفي مسند العراق أبو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد الكرخي. روى عن