الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وخمسين واربع مائة
فيها قبض السلطان ألب أرسلان على الوزير عميد الملك الكندري، ثم قتله في آخر العام المذكور، وحمل رأسه إلى نيسابور، وكان قد جب مذاكيره لأمر، وتفرد بوزارته نظام الملك الطوسي، فأبطل ما كان عمله العميد وسلطانه من سب الأشعرية على المنابر، وانتصر للشافعية، وأكرم زين الإسلام أبا القاسم القشيري وإمام الحرمين أبا المعالي الجويني. وكان العميد المذكور من رجال الدهر جوداً وشجاعة وسخاء وكفاية وشهامة، مدحه الشعراء منهم: أبو الحسين الباخرزي ويقال متغزلاً في قصيدة:
اكدي بجاري ود كل قرين
…
أم هذه شيم الظباء العين
قصوا علي حديث من قيد الهوى
…
إن التأسي روح كل حزين
ولئن كتمتم مشفقين لقد درى
…
بمصارع العذراء والمجنون
إلى أن قال بعد غزل طويل:
فإذا عميد الملك حلى ربعه
…
طرفاً تعال الطائر الميمون
ملك إذا ما العزم حث جياده
…
مزجت بأزهر شامخ العرنين
وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد النخشبي، وكان من كبار الحفاظ. وفيها توفي أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان بفتح الموحدة العكبري النحوي، صاحب التصانيف. قال الخطيب: كان متضلعاً بعلوم كثيرة، منها النحو واللغة والنسب وأيام العرب والمتقدمين. وله أنس شديد بعلم الحديث. وكان فقيهاً حنفياً، أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري، وتقدم فيه. وفيها توفي أبو علي الحسن بن رشيق، أحد الفضلاء، صاحب التصانيف المليحة والرسائل الفائقة والنظم الجليل. سكن القيروان ولم يزل إلى أن هجم العرب، وقتلوا أهلها، وأخربوها، فانتقل إلى جزيرة صقلية، وأقام بمارز إلى أن توفي بها، وهي قرية في الجزيرة المذكورة، وينسب الإمام المارزى إليها. ومن شعر ابن رشيق المذكور.
أحب أخي وإن أعرضت عنه
…
وقل على مسامعه كلامي
ولي في وجهه تقطيب راض
…
كما قطبت في وجه المدام
ورب تقطب من غير بغض
…
وبغض كان من تحت ابتسامي
يا رب لا أقوى على دفع الأذى
…
وبك أستغيث من الضعيف الموذي
ما لي بعثت إلي ألف بعوضة
…
وبعثت واحدة إلى نمرود
وله:
وقائلة ماذا الشجون وذا الضنا
…
فقلت لها قول المشوق المتيم
هواك أتاني وهو ضيف أعزه
…
فأطعمته لحمي وأسقيته دمي
وفيها توفي الإمام العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الاندلسي القرطبي، صاحب المصنفات. مات مشرداً عن بلده من قبل الدولة، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسعة العلم بالكتاب والسنة، والمذاهب والملل والنحل، والعربية والأدب، والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة والحشمة، والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب، هكذا وصفه الذهبي بهذه الأوصاف. وقال ابن خلكان: كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب انتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفنناً في علوم جمة عاملاً بعلمه زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له، ولاية من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة، وتواليف كثيرة، وسمع سماعاً جماً وألف في فقه الحديث كتاباً سماه الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع، أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وكتب أخرى كثيرة منها كتاب اظهار تبديل اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل وبيان تناقص ما بأيديهم من ذلك، ممن ما لا يحتمله التأويل. وهذا معنى لم يسبق إليه وكتاب التقريب بحد المنطق والمدخل أتى فيه بالأمثال العامة والأمثلة الفقهية، سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب المحرفين به طريقة لم يسلكها أحد قبله. وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي بسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم المعروف بابن الكتاني، وكان أديباً شاعراً طبيباً، له في الطب رسائل وكتب في الأدب. وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الحميدي: ما رأينا مثله فهماً، اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس واليدين، وما رأيت من يقول الشعر في البديهة وأسرع منه. ثم قال: أنشدني لنفسه:
لئن أصبحت مرتحلاً بجسمي
…
فروحي عندكم أبداً مقيم