المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة سبع وسبعين واربع مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٣

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة اثنتين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وأربع مائة

- ‌سنة أربع وأربع مائة

- ‌سنة خمس وأربع مائة

- ‌سنة ست واربع مائة

- ‌سنة سبع واربع مائة

- ‌سنة ثمان وأربع مائة

- ‌سنة تسع وأربعمائة

- ‌سنة عشر وأربع مائة

- ‌سنة احدى عشرة وأربع مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وأربع مائة

- ‌سنة أربع عشرة وأربع مائة

- ‌سنة خمس عشرة وأربع مائة

- ‌سنة ست عشرة وأربع مائة

- ‌سنة سبع عشرة وأربع مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وأربع مائة

- ‌سنة تسع عشرة وأربع مائة

- ‌سنة عشرين واربع مائة

- ‌سنة احدى وعشرين واربع مائة

- ‌سنة واثنتين وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين واربع مائة

- ‌سنة اربع وعشرين واربع مائة

- ‌سنة خمس وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ست وعشرين واربع مائة

- ‌سنة سبع وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين واربع مائة

- ‌سنة تسع وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ثلاثين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

- ‌سنة خمس وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة ست وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة سبع وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة تسع وثلاتين وأربع مائة

- ‌سنة اربعين واربع مائة

- ‌سنة احدى واربعين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين واربعين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث واربعين واربع مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وأربع مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وأربع مائة

- ‌سنة ست واربعين واربع مائة

- ‌سنة سبع واربعين واربع مائة

- ‌سنة ثمان واربعين واربع مائة

- ‌سنة تسع واربعين واربع مائة

- ‌سنة خمسين واربع مائة

- ‌‌‌سنة احدى وخمسين واربع مائة

- ‌سنة احدى وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين واربع مائة

- ‌سنة أربع وخمسين واربع مائة

- ‌سنة خمس وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ست وخمسين واربع مائة

- ‌سنة سبع وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين واربع مائة

- ‌سنة تسع وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ستين واربع مائة

- ‌سنة احدى وستين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين وستين وأربع مائة

- ‌سنة ثلاث وستين واربع مائة

- ‌سنة اربع وستين واربع مائة

- ‌سنة خمس وستين واربع مائة

- ‌سنة ست وستين واربع مائة

- ‌سنة سبع وستين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وستين واربع مائة

- ‌سنة تسع وستين واربع مائة

- ‌سنة سبعين وإربع مائة

- ‌سنة احدى وسبعين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين واربع مائة

- ‌سنة اربع رسبعين واريع مائة

- ‌سنة خمس وسبعين واربع مائة

- ‌سنة. ست وسبعين واربع مائه

- ‌سنة سبع وسبعين واربع مائة

- ‌سنة تسع وسبعين واربع مائة

- ‌سنة ثمانين واربع مائة

- ‌سنة احدى وثمانين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة

- ‌سنة اربع وثمانين واربع مائة

- ‌سنة خمس وثمانين واربع مائة

- ‌سنة ست وثمانين واربع مائة

- ‌سنة سبع وثمانين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين واربع مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وأربعمائة

- ‌سنة تسعين واربع مائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وأربع مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين واربع مائة

- ‌سنة أربع وتسعين وأربعمائة

- ‌سنة خمس وتسعين واربع مائة

- ‌سنة ست وتسعين واربع مائة

- ‌سبع وتسعين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين واربع مائة

- ‌سنة تسع وتسعين واربع مائة

- ‌سنة خمس مائة

- ‌سنة احدى وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وخمس مائة

- ‌سنة أربع وخمس مائة

- ‌سنة خمس وخمس مائة

- ‌سنة ست وخمس مائة

- ‌سنة سبع وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وخمس مائة

- ‌سنة تسع وخمس مائة

- ‌سنة عشرة وخمس مائة

- ‌سنة احدى عشرة وخمس مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وخمس مائة

- ‌سنة أربع عشرة وخمس مائة

- ‌سنة خمس عشرة وخمس مائة

- ‌سنة ست عشرة وخمس مائة

- ‌سنة سبع عشرة وخمس مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وخمس مائة

- ‌سنة تسع عشرة وخمس مائة

- ‌سنة عشرين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وعثسرين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ست وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة أربعين وخمس مائة

- ‌سنة احدى واربعين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث واربعين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة ست وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان واربعين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة خمسين وخمس مائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ست وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ستين وخمس مائة

- ‌سنة إحدى وستين وخمس مائة

- ‌ذكروالشيخ عبد ألفادر بن أبي صالح الزاهد

- ‌نسبه ومولده وصنعته رضي الله تعالى عنه

- ‌شيء من علمه وتسمية بعض شيوخه

- ‌سنة اثنتين وستين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وستين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وستين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وستين وخمس مائة

- ‌سنة ست وستين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وستين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وستين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وستين وخمس مائة

- ‌سنة سبعين وخمس مائة

- ‌سنة احدى وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ست وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمانين وخمس مائة

- ‌سنة احدى وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة ست وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وخمس مائة

- ‌فصل

- ‌انتهاء اللولة العبيدية واقامة الدولة العباسية

- ‌ذكر أئمة العبيديين وعدد سني دولتهم

- ‌ذكر خلفاء بني العباس وعدد سني دولتهم

- ‌ذكر ملوك بني أمية وعدد سني دولتهم

- ‌ذكر عدد الخلفاء الراشدين ومدة خلافتهم

- ‌سنة تسعين وخمس مائة

- ‌سنة احدى وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ئلاث وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ست وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ست مائة

الفصل: ‌سنة سبع وسبعين واربع مائة

‌سنة سبع وسبعين واربع مائة

فيها سار صاحب قونية سليمان السلجوقي إلى الشام بجيوشه، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد النصارى منذ مائة وعشرين سنة، وكان ملكها قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتب بها نائباً، فأساء إلى أهلها وإلى الجند في إقامته بها. فلما دخل بلاد الروم، واتفق ولده والنائب المذكور على تسليمها إلى صاحب قونية، وكاتبوه، فأسرع في البحر، ثم طلع، وسار إليها في جبال وعرة، فأتاها بغتة، فنصب السلالم ودخلها، وقتل جماعة، وعفا عن الرعية، وأخذ منها أموالاً لا تحصى، ثم بعث إلى السلطان ملك شاه، يبشره بالفتح. وكان صاحب الموصل يأخذ الوظيفة من أنطاكية، فطلب العادة من سليمان، فقال له ذلك المال جزية، وأنا بحمد الله مؤمن.

وفيها توفي ذو الوزارتين محمد بن عمار الأندلسي الشاعر المشهور. كانت ملوك الأندلس تخافه لبذاءة لسانه وبراعة جنانه. وكان جليساً وشهيراً ووزيراً ومشيراً لصاحب الأندلس في زمانه، ثم خلع عليه خاتم الملك، ووجهه أميراً، فتبعته المواكب والمضارب والنجائب والكتائب والجنود، وضربت خلفه الطبول، ونشرت على رأسه الرايات، فملك مدينة تدمير بضم المثناة من فوق وكسر الميم وسكون الدال المهملة بينهما وقبل الراء مثناة من تحت ساكنة وأصبح راقي منبر وسرير، مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير، ثم بادر إلى عقوق من قربه، فانقلبت الدائرة عليه خوفاً، وخاف فيما طلبه، وحصل في القبصة قبيصاً، وأصبح لا يجد له محيصاً، إلى أن قتل في قصره، وأضحى مدفوناً في قبره، وله أشعار جميلة، ومن جملة قصيدة له طويلة في المعتضد بن عباد:

ملوك العز في عرصاتهم

ومثوى المعالي بين تلك المعالم

هو البيت يا عز الضنى لبنائه

بأس وما عز القنا لدعائم

وفيها توفي العالم النبيل اسماعيل بن معبد بن اسماعيل ابن الإمام أبي بكر الإشبيلي الجرجاني. كان وافر الحشمة، له يد في النظم والنثر. وفيها قيل في التي قبلها توفيت أم الفضل بنت عبد الصمد الهروية. لها جزء مشهور بها، يرويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح. عاشت تسعين سنة. وفيها توفي أبو سعيد عبد الله ابن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري، أكبر الإخوة،

ص: 92

وعاشت أمه فاطمة بنت الشيخ أبي علي الدقاق بعد أربعة أعوام، وعمره أربع وستون سنة. وفيها توفي الفقيه الإمام مفيد الطلاب، ومفتي الأنام: عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي أبو نصر المعروف بابن الصباغ. كان فقيه العراقين، وكان يضاهي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي. وبعضهم يرجحه عليه في معرفة المذهب. قلت: يعنون في معرفة الفروع، وأما معرفة الأصول أو المباحث العقلية فأبو إسحاق مرجح عليه وعلى عامة الفقهاء، إلا ما شاء الله تعالى. وكان يرحل إليه من البلدان، وكان تقياً صالحاً حجة. ومن مصنفاته كتاب الشامل في الفقه، وهو من أجود كتب الشافعية وأصحها نقلاً وأثبتها أدلة. وله كتاب تذكرة العالم والطريق السالم والعدة في أصول الفقه وولي التدريس في النظامية، على ما تقدم إيضاحه في ترجمة الشيخ أبي إسحاق، وقيل إنه كف بصره في آخر عمره. وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الجليل الكبير الشأن الفضل بن محمد المرشد شيخ خراسان، أبو علي المعروف بالفارمدي. قال الشيخ عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير التي لم يسبق إليها في حسن عبارته وتهذيبه، وحسن آدابه، ومليح استعارته، ودقة إلطافه، دخل نيسابور، وصحب الأستاذ أبا القاسم القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ إلى أن نال، وحصل له عند نظام الملك قبول خارج عن الحد روى عن جماعة، وعاش سبعين سنة.

وفيها توفي الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي، رحل، وصنف، وحدث عن جماعة، وقال الدقاق: لم أر أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه.

؟ سنة ثمان وسبعين واربع مائة

فيها صارت الفتنة بين الرافضة والسنية، اقتتلوا، وأحرقت أماكن. وفيها توفي الحافظ المتقن أبو العباس أحمد بن عمر الأندلسي. روى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة، ومن جلالته أنه روى عنه إماما الأندلس: ابن عبد البز وابن حزم. وله كتاب دلائل النبوة. وفيها ليلة الجمعة ثامن عشر شوالها توفي الإمام الكبير الفقيه البارع المجيد ذو الوصف الحميد، والمنهج السديد أبو سعد على القول الأصح وقيل: أبو سعيد المتولي: عبد الرحمن ابن محمد المعروف بالمتولي النيسابوري، شيخ الشافعية، وتلميذ القاضي حسين. كان جامعاً بين العلم والدين، وحسن السيرة وتحقيق المناظرة، له يد قوية في الأصول والفقه، والخلاف

ص: 93

والتدريس. وصنف كتاب التتمة، تمم به كتاب الإبانة تصنيف شيخه أبي القاسم الفوراني بالنون قبل ياء النسبة والفاء المضمومة قبل الواو والراء بعدها ودرس بالنظامية بعد الشيخ أبي إسحاق عشرين يوماً، ثم صرف بابن الصباغ، ثم صرف ابن الصباغ به، واستمر بها أبو سعد إلى أن توفي، وتخرج به جماعة من الأئمة، وسمع الحديث، وصنف في الفقه، وعجلته المنية قبل إتمامه التتمة، وأتمه من بعده جماعة، ولم يأتوا بالمقصد، ولا سلكوا طريقه، فإنه جمع في كتابه الغرائب من المسائل، والوجوه الغريبة التى لا تكاد توجد في كتاب غيره. وله في الفرائض مختصر صغير مفيد جداً، وله في الخلاف طريقة جامعة لأنواع المسائل، وله في أصول الدين تصنيف صغير، وكل تصانيفه نافعة. قال بعض المؤرخين: ولم أعلم لأي معنى دعي المتولي. وفيها توفي أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المصري، نزيل مكة، وصاحب كتاب التلخيص. وفيها توفي شيخ المعتزلة محمد بن أحمد الكرخي، وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني محمد بن علي الحنفي. تفقه بخراسان ثم ببغداد على القدوري، وسمع من الصوري وجماعة، وكان نظير القاضي أبي يوسف في الجاه والحشمة والسؤدد، بقي في القضاء دهراً دفن في القبة إلى جنب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه. وفيها توفي الإمام الحفيل السيد الجليل، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك، الإمام الناقد المحقق البارع النجيب المدقق، أستاذ الفقهاء المتكلمين، وفحل النجباء والمناظرين، المقر له بالنجابة والبراعة، وتحقيق التصانيف وملاحتها، وحسن العبارة وفصاحتها، والتقدم في الفقه، ذو الأصلين: النجيب ابن النجيب، إمام الحرمين، حامل راية المفاخر وعلم العلماء الأكابر: أبو المعالي عبد الملك ابن ركن الإسلام أبي محمد، فخر الإسلام والأئمة، ومفتي الإمام المجمع على إمامته شرقاً وغرباً، المقر بفضله السراة والحراة، عجماً وعرباً، رباه حجر الإمامة، وحرك ساعد السعادة مهده، وأرضعه ثدي العلم والورع، إلى أن ترعرع فيه ونفع، أخذ العربية وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيب، وزاد فيها على كل أدب، ورزق من التوسع في العبارة بعلوها ما لم يعهد من غيره، حتى أنسى ذكر سبحان، وفاق فيها الأقران، وحمل القرآن، وأعجز الفصحاء اللد، وجاوز الوصف والحد، وكان يذكر دروساً، يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق، يتلعثم في كلمة، ولا يحتاج فيها إلى استدراك غيره، يمر فيها كالبرق الخاطف بصوت مطابق كالرعد القاصف، لا يلحقه المبرزون، ولا يدرك شأوه المتشدقون المتفيهقون،

ص: 94

وما يوجد في كثير من العبارات البالغة كنه الفصاحة، غيض من فيض ما كان على لسانه، وغرفه من أمواج ما كان يعهد من بيانه. تففه في صباه على والده ركن الاسلام، وكان يزهى بطبعه وتحصيله، وجودة قريحته، وكياسة غريزته، لما يرى فيه من المخائل، ثم خلفه من بعد وفاته، وأتى على جميع مصنفاته، فقلبها ظهر البطن، وتصرف فيها، وخرج المسائل بعضها على بعض، ودرس سنين، ولم يرض في شبابه وتقليد والده وأصحابه، حتى أخذ في التحقيق، وجد، واجتهد في المذهب والخلاف ومجالس النظر، حتى ظهرت نجابته، ولاح على أيامه همه أبيه وفراسته، وسلك طريق المباحثة، وجمع الطرف بالمطالعة والمناظرة، حتى أربى على المتقدمين، وأنسى مصنفات الأولين، وسعى في دين الله سعياً يبقى أثره إلى يوم الدين. ومن ابتداء أمره أنه لما توفي أبوه، كان سنه دون العشرين أو قريباً منها، فأقعد مكانه للتدريس، وكان يقيم الرسم في درسه، ويقوم منه، ويخرج إلى مدرسة الإمام البيهقي، حتى حصل الأصول

وأصول الفقه على الأستاذ الإمام أبي القاسم الإسكاف، وكان يواظب على مجلسه. قال الراوي: وسمعته يقول في أثناء كلامه: كتبت عليه في الأصول أجزاء معدودة، وطالعت في نفسي مائة مجلدة، وكان يصل الليل بالنهار في التحصيل، حتى فرغ منه، وكان يبكر قبل الاشتغال بالتدريس إلى مسجد الأستاذ أبي عبد الله الخبازي، يقرأ عليه القرآن، ويقتبس من كل نوع من العلوم ما يمكن، مع مواظبته على التدريس، ويجتهد في ذلك، ويواظب على المناظرة، إلى أن ظهر التعضب بين الفريقين: الأشعرية والمبتدعة، واضطربت الأحوال والأمور، واضطر إلى السفر والخروج عن البلاد والوطن، فخرج مع المشايخ إلى العسكر، ثم خرج إلى بغداد، يطوف ويلتقي الأكابر من العلماء ويدارسهم، ويناظرهم، حتى تهذب في النظر، وشاع ذكره، واشتهر. ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، يدرس ويفتي، ويجمع طرق المذهب، صول الفقه على الأستاذ الإمام أبي القاسم الإسكاف، وكان يواظب على مجلسه. قال الراوي: وسمعته يقول في أثناء كلامه: كتبت عليه في الأصول أجزاء معدودة، وطالعت في نفسي مائة مجلدة، وكان يصل الليل بالنهار في التحصيل، حتى فرغ منه، وكان يبكر قبل الاشتغال بالتدريس إلى مسجد الأستاذ أبي عبد الله الخبازي، يقرأ عليه القرآن، ويقتبس من كل نوع من العلوم ما يمكن، مع مواظبته على التدريس، ويجتهد في ذلك، ويواظب على المناظرة، إلى أن ظهر التعضب بين الفريقين: الأشعرية والمبتدعة، واضطربت الأحوال والأمور، واضطر إلى السفر والخروج عن البلاد والوطن، فخرج مع المشايخ إلى العسكر، ثم خرج إلى بغداد، يطوف ويلتقي الأكابر من العلماء ويدارسهم، ويناظرهم، حتى تهذب في النظر، وشاع ذكره، واشتهر. ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، يدرس ويفتي، ويجمع طرق المذهب

ويقلل على تحصيل، وبهذا قيل له إمام الحرمين، قلت: هكذا قيل إنه لقب بهذا اللقب بهذا السبب، وكأنه صار متعيناً في الحرمين، متقدماً على علمائهما، مفتياً فيهما، ويحتمل أنه على وجه التفخيم له كما هو العادة في أقوالهم ملك البحرين وقاضي الخافقين. ونسبة إمامته في الحرمين لشرفهما، توصلا إلى الإشارة إلى شرفه وفضله، وبراعته ونبله، وتحقيقه وفهمه وعند الله في ذلك حقيقة علمه. ثم رجع بعد مضي نوبة التعصب، فعاد إلى نيسابور، وقد ظهرت نوبة السلطان ألب أرسلان، وتزين وجه الملك بإشارة نظام الملك، واستقرت أمور الفريقين، وانقطع

ص: 95

التعصب، فعاد إلى التدريس، وكان بالغاً في العلم نهاية، مستجمعاً أسبابه، فبنيت المدرسة الميمون النظامية، وأقعد للتدريس فيها، واستقامت أمور الطلبة، وبقي ذلك قريباً من ثلاثين سنة من غير مزاحم ولا مدافع، فسلم له المحراب والمنبر، والخطابة والتدريس، ومجلس التذكير يوم الجمعة والمناظرة، وهجرت له المجالس، فانغمز غيره من الفقهاء بعلمه وتسلطه. قلت: يعني اقتداره على العلوم والتصرف فيها وكسدت الأسواق في جنبه، ونفق سوق المحققين من خواصه وتلامذته، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو ثلاثمائة رجل من الأئمة والطلبة، وتخرج به جماعة من الأئمة الفحول وأولاد الصدور، حتى بلغوا محل التدريس في زمانه، وانتظم بإقباله على العلم، ومواظبته على التدريس والمناظرة، والمباحثة أسباب ومحافل، ومجامع وإمعان في طلب العلم، وسوق نافقة لأهله، لم تعهد قبله. واتصل به ما يليق بنصبه من القبول عند السلطان والوزير والأركان، ووفور الحشمة عندهم، بحيث لا يذكر من غيره، وكان المخاطب والمشار إليه، والمقبول من قبله، والمهجور من هجره، المصدر في المجالس، من ينتهي إلى خدمته، والمنظور إليه، من يعترف في الأصول والفروع من طريقته، واتفق منه تصانيف، مثل النظامي والغياتي حصل بسببها موقع القبول، بما يليق بها من الشكر والرضاء، والخلع الفائقة والمراكب الثمينه، والهدايا والموسومات، كذلك إلى أن قلد زعامة الأصحاب، ورئاسة الطائفة، وفوض اليه أمور الأوقاف، وصارت حشمة وزراء العلماء والأئمة والقضاة، وقوله في الفتوى مرجع العظماء والأكابر والولاة، واتققت له نهضة في أول ما كان من أيامه إلى اصبهان، بسبب مخالفة بعض الأصحاب، فلقي بها من المجلس النظامي ما كان اللائق بمنصبه من الاستيشار والإعزاز والإكرام بأنواع المبار، وأجيب بما كان فوق مطلوبه، وعاد مكرماً إلى نيسابور، وصار أكثر عنايته مصروفاً إلى تصنيف الكتاب الكبير في المذاهب، المسمى بنهاية المطلب في دراية المذهب، حتى حرره، وأملاه، وأتى فيه من البحث والتقرير، والسبك والتنقير، والتدقيق والتحقيق، بما شفى العليل، وأوضح السبيل، ونبه على قدره ومحله في علم الشريعة، ودرس ذلك للخواص والتلامذة، وفرغ منه ومن إتمامه، فعقد مجلساً لتتمة الكتاب، حضره الأئمة والكبار، وختم الكتاب على رسم الإملاء والاستملاء، وتبجح الجماعة بذلك، ودعوا له، وأثنوا عليه، وكانوا من المعتدين بإتمام ذلك، شاكرين عليه، فما صنف في الإسلام قبله مثله، ولا اتفق لأحد ما اتفق له، ومن قاس طريقته وطريقة المتقدمين في الأصول والفروع، وأنصف، أقر بعلو منصبه ووفور تعبه ونصبه في الدين، وكثرة شهرته في استنباط الغوامض، وتحقيق المسائل، وترتيب الدلائل.

ص: 96

ومن تصانيفه المشهورة المفيدة النافعة الحميدة الشامل في أصول الدين، والإرشاد والعقيدة النظامية وغياث الأمم في الإمانة ومغيث الخلق في اختيار الحق والبرهان في أصول الفقه وتلخيص التقريب وكتاب تلخيص نهاية المطلب، ولم يتمه وغنية المسترشدين في الخلاف، وغير ذلك من الكتب. وقال الراوي: ولقد قرأت فصلاً ذكر علي بن حسن بن أبي الطيب في كتاب دمية

القصر مشتملاً على حاله. قلت: وقد وقفت على ما ذكره فيه، وبالغ في مدحه، وشكره بمحاسن يطول ذكرها، ويعظم شكرها، منها قوله: فالفقه فقه الشافعي، والأدب أدب الأصمعي، وحسن بصيرة بالمواعظ الحسن البصري، وكيفما كان فهو إمام كل إمام، المستعلي بهمته على كل همام، والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام. وقال الشيخ أبو الحسن بن أبي عبد الله الأديب في كتابه: كم له من فضل مشتمل على العبارة الفصيحة العالية، والنكت البديعة والنادرة، في المحافل منه سمعناه، وكم من مسائل في النظر شهدناه، ورأينا منه في إقحام الخصوم وعهدناه، وكم من مجلس في التذكير للعوام مسلسل المسائل، مشحون بالنكت المستنبطة من مسائل الفقه، مشتملة على حقائق الأصول، مبكية في التحذير، مفرحة في التبشير، مختومة بالدعوات وفنون المناجاة، حضرناه وكم من مجمع للتدريس جاء، وللكبار من الأئمة وإلقاء المسائل عليهم والمباحث في غورها رأيناه، وحصلنا بعض ما أمكننا منه وعقلناه، ولم نقدر ما كنا فيه من نصرة أيامه وزهرة شهوره وأعوامه حق قدره، ولم نشكر الله عليه حق شكره حتى فقدناه وسلبناه. قال: وسمعته يقول في أثناء كلامه: أنا لا أنام، ولا آكل عادة، وإنما أنام إذ غلبني النوم ليلاً كان أو نهاراً، آكل إذا اشتهيت أي وقت كان. وكانت لذته ولهوه ونزهته في مذاكرة العلم وطلب الفائدة من أي نوع كان. وقال: لقد سمعت الشيخ أبا الحسن المجاشعي النحوي القادم علينا سنة تسع وستين وأربع مائة يقول: وقد قبله الإمام فخر الإسلام وقابله بالإكرام، وأخذ قي قراءة النحو عليه وتلمذ له بعد أن كان إمام الأئمة في وقته، وكان يحمله كل يوم إلى داره، ويقرأ عليه كتاب أكسير الذهب في صنعة الأدب من تصنيفه. وكان يحكي ويقول: ما رأيت عاشقاً للعلم أي نوع كان كمثل هذا الإمام، فإنه يطلب العلم للعلم، هذا بعض كلامه. قال بعض الأئمة: وكان كذلك.

ص: 97

ومما له من الجلالة والمفاخر ما أتى عليه الجلة الأكابر المشهورون بجلالة القدر والتقدم من علماء العصر، كجمال العلماء المجمع على فضله وجلالته، وعلو منزلته وإمامته، الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. قال الإمام أبو سعد السمعاني: قرأت بخط أبي جعفر محمد بن علي الهمداني: سمعت الشيخ أبا إسحاق الفيروزأبادي يقول: تمتعوا بهذا لإمام، فإنه نزهة هذا الزمان، يعني أبا المعالي الجويني. وقال ابن خلكان في تاريخه: قاد أبو حامد: سمعت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي يقول لإمام الحرمين: يا مفيد أهل المشرق والمغرب؛ نلت اليوم إمام الأئمة. قلت: وكذلك الإمام أبو المعالي المذكور، عظم الإمام أبا إسحاق المذكور، كما تقدم من حمله الغاشية بين يديه. ومن حميد سيرة أبي المعالي أنه كان ما يستصغر أحداً حتى يسمع كلامه مبتدئاً كان، أو منتهياً صغيراً كان، أو كبيراً ولا يستنكف من أن يعزي الفائدة المستفادة إلى قائلها، ويقول: إن هذه الفائدة مما استفدته من فلان، ولا يحتال أحداً أيضاً في التزييف إذا لم يرض كلامه ولو كان أباه أو احداً من الأئمة المشهورين.

قلت: ومن ذلك قوله في بعض المسائل بعد ذكره مقال والده فيها: وهذه زلة من الشيخ يعني والده. وكان من التواضع لكل أحد بمحل، ويتحمل منه الاستهزاء لمبالغة فيه، ومن رقة القلب بحيث يبكي إن سمع بيتاً، أو تفكر في نفسه ساعة، وإذا شرع في حكاية لأحوال، وخاض في علوم الصوفية في فصول مجالسه للغدوات، حتى أبكى الحاضرين ببكائه، وتقطر الدماء من الجفون لزعقاته وإشاراته واحتراقه في نفسه، وتحققه بما يجري من دقائق الأسرار. هذه الجملة نبذ مما عهدناه منه إلى انتهاء أجله. ولما توفي رحمه الله صاح الصائح من كل جانب، وجزع الخلق عليه جزعاً لم يعهد مثله، ولم تفتح الأبواب في البلد، ووضعت المناديل عن الرؤوس عاماً، بحيث ما اجترأ احد على ستر رأسه من الرؤوس والأكابر، وصلي عليه بعد جهد وشدة زحمة، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، وكسر منبره في الجامع، وقعد الناس للعزاء أياماً. وكان طلبته قريباً من أربعمائة، يتفزقون في البلد نائحين عليه، وكان عمره تسعاً وخمسين سنة. وسمع الحديث من جماعة كثيرة، وله إجازة من الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، صاحب حلية الأولياء، وقد سمع سنن الدارقطني من أبي سعيد بن عليك، وكان يعتمد تلك الأحاديث في مسائل الخلاف، ويذكر الجرح والتعديل منها في الرواية، وظني أن آثار جده واجتهاده في دين الله تعالى يدوم إلى قيام الساعة وإن انقطع نسله من جهة الذكور ظاهراً

ص: 98