الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسعين وخمس مائة
فيها سار بعض ملوك الهند وقصد بلاد الإسلام، فطلبه شهاب الدين صاحب غزنة، فالتقى الجمعان على نهر ماخون. قال ابن الاثير: وكان مع الهندي سبع مائة فيل، ومن العسكر ألف ألف نفس على ما قيل، فصير الفريقان وكان النصر لشهاب الدين الغوري. وكثر القتل في الهنود حتى جافت منهم الأرض، وأخذ شهاب الدين سبعين فيلاً، وقتل ملكهم، وكان قد شد أسنانه بالذهب، فما عرف إلا بذلك، وكان أكبر ملوك الهند. ودخل بلاده شهاب الدين وأخذ من خزائنه ألف حمل وأربع مائة حمل، وعاد إلى غزنة، ومن جملة الفيلة فيل أبيض. وفيها توفي الفقيه العلامة الشافعي القزويني الواعظ أبو الخير أحمد بن اسماعيل الطالقاني. قدم بغداد ودرس بالنظامية، وكان إماماً في المذهب والخلاف والأصول والوعظ. وروى كتباً وكباراً، ونفق كلامه بحسن سمته وحلاوة منطقه وكثرة محفوظاته، وكان صاحب قدم راسخ في العبادة، كبير الشأن عديم النظير. رجع إلى قزوين سنة ثمانين، ولزم العبادة إلى أن مات في محرم السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الإمام المقرىء أحد الأعلام أبو محمد القاسم بن فيرة بن خلف الرعيني الشاطبي الضرير، صاحب القصيدة المشهورة المباركة الموسومة بحرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، حقق القراءات على غير واحد من أثمة القراء، وسمع الحديث من طائفة من المحدثين، وكان إماماً وعلامة محققاً، كثير الفنون واسع الحفظ، نظم القصيدتين اللتين سارت بهما الركبان وخضعت لبراعة نظمهما فحول الشعراء وأئمة القراء والبلغاء، وكان ثقة زاهداً ورعاً كبير القدر، نزل القاهرة وتصدر للإقراء بالمدرسة الفاضلية، وشاع أمره وبعد صيته، وانتهت إليه الرئاسة في الإقراء. وكان عالماً بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيراً وبحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا قرىء عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ يصحح النسخ من حفظ، ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحد في علم النحو واللغة، عارفاً بعلم الرؤيا، حسن المقاصد، مخلصاً فيما يقول ويفعل، ولا يجلس
للإقراء إلا على طهارة في هيئة حسنة، وتخشع واستكانة، وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية. لا يزيد على ذلك. وقال بعض اصحابه: كان الشيخ كثيراً ما ينشد هذا اللغز في نعش الموتى، وهو في ديوان الخطيب يحيى بن سلامة الخصلفي - بالخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء بين اللام وياءالنسبة.
أتعرف شيئاً في السماء نظيره
…
إذا صار سار الناس حيث يسير
فتلقاه مركوباً وتلقاه راكباً
…
وكل أمير يعتر به أسير
يحض على التقوى ويكره قربه
…
وتنفر منه النفس وهو نذير
ولم يسترد عن غربة في زيارة
…
ولكن على رغم المزور يزور
وكانت ولادته في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة وخطب ببلده وهو فتى، ودخل مصر سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة، وكان يقال إنه يحفظ عند دخوله إليها وقر بعير من العلوم، وكان نزيل القاضي الفاضل، رأيته بمدرسة بالقاهرة مصدراً لإقراء القرآن الكريم والنحو واللغة إلى أن توفي، فدفن في تربة قاضي المذكور بالقرافة الصغرى. وفيرة بكسر الفاء وسكون المثناة من تحت وتشديد الراء والرعيني بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون المثناة من تحت وبعدها نون ثم ياء النسبة: نسبة إلى ذي رعين: وهذا جد قبائل اليمن، نسب إليه خلق كثير، ومن جملتهم يافع جد قبيلتنا الكبير الشهيرة. الشاطبي - نسبة الى شاطبة مدينة كبيرة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء، وقيل أبو القاسم هو اسم الشاطبي، وكنيته اسمه، والصحيح ما تقدم. وفي السنة المذكورة توفي أبو شجاع محمد بن علي المعروف بابن الدهان البغدادي الفرضي الحاجب الأديب. له أوضاع بالجداول في الفرائض وغيرها، وصنف غريب الحديث في ستة عشر مجلداً الطافاً، رمز فيها حروفاً يستدل بها على اماكن الكلمات المطلوبة منه. وكان قلمه أبلغ من لسانه، وجمع تاريخاً وغير ذلك وله يد طولى في معرفة النجوم وحل الأزياج، وله شعر جيد منه ما كتبه إلى بعض الرؤساء، وقد عوفي من مرضه:
تذر الناس يوم برئك صوماً
…
غير أني نذرت وحدي فطرا
عالماً أن يوم برئك عيد
…
لا أرى صومه ولو كان نذرا
وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله محمد بن ابراهيم الانصاري المالقي، صاحب الإمام
ابن العربي كان إماماً معروفاً يسرد المتون والأسانيد عارفاً بالرجال واللغة ورعاً جليل القدر، طلبه من السلطان ليسمع بمراكش، فمات بها. وفيها توفي الشيخ الكبير قدوة العارفين وأستاذ المحققين، صاحب الكرامات الخارقة والانفاس الصادقة، والمقامات العلية والأحوال السنية، والهمم السامية والبركات النامية، والمعارف الجليلة والمواهب الجزيلة، والقدم الراسخ والمنهج المحمود، والباع الطويل في التصرف النافذ في الوجود، والمظهر العظيم والمحل الكريم أبو مدين شعيب بن الحسن، وقيل ابن الحسين المغربي - قدس الله روحه - أحد أركان هذا الشأن وأجمل الأكابر الأعيان، أظهر الله على يديه عجائب الآيات، ونطقه بفنون الحكم وكشف له الأسرار المغيبات، ورزقه القبول العظيم التام، والهيبة الوافرة في قلوب الأنام، ونشر ذكره في الآفاق وانعقد الإجماع على فضله، واجتمع عنده جمع كثير من الفقهاء والصلحاء، وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ الأصفياء، مثل الشيخ أبي محمد عبد الرحيم القنادي، والشيخ أبي عبد الله القرشي، والشيخ أبي محمد عبد الله الفارسي، والشيخ أبي محمد صاحب الدكالي، والشيخ أبي غانم سالم، والشيخ أبي علي واضح، والشيخ أبي الصبر أيوب المكناسي، والشيخ أبي محمد عبد الواحد، والشيخ أبي الربيع المظفري، والشيخ أبي زيدين هبة الله وغيرهم من العلماء. وتلمذ له خلق كثير من أهل الطريق، وقال بارادته جم غفير من أصحاب الأحوال، وانتهى إليه عالم عظيم من الصلحاء وتأدب بين يديه المشايخ والعلماء، وله كلام نفيس على لسان أهل الحقائق، وكرامات عظام باهرات وخوارق. فمن كلامه: أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه، وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه ومنه إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره، وليس للقلب سوى وجهة واحدة، فإلى أي جهة توجه حجب عن غيرها، واذا سكن الخوف القلب أورثه المراقبة، ومن تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى وأقواله بعين الافتراء، وما وصل إلى صريح الحرية من عليه من نفسه بقية. ومن كراماته ما روي أنه كان يوماً ماراً على الساحل فاعترضه طائفة من الفرنج، وحملوه معهم أسيراً إلى سفينة عظيمة لهم، فلما صار فيها إذا جماعة من المسلمين أسارى، فأخذوهم وفيها جعلوهم، فلما استقر الشيخ المذكور فيها مدوا قلوعها وعزموا على المسير، فلم تذهب بهم السفينة، ولا تحركت من مكانها - على قوة الريح وشدة هبوبها وهيجانها - فلما أيقنوا أنهم على المسير لا يقدرون، وخافوا أن يدركهم المسلمون قال بعضهم لبعض: هذا بسبب هذا المسلم ولعله من أصحاب السرائر - يشيرون إلى الشيخ المذكور - فعند ذلك أمروه بالنزول فقال: لا أفعل حتى تطلقوا كل من في سفينتكم من المسلمين، فلما علموا أن
لابد لهم من ذلك الذي قال فعلوا وسارت بهم السفينة في الحال، ومن شعره:
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما
…
تحت الثرى، وظلام الليل منسدل
أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه
…
أنت الدليل لمن حارت به الحيل
إنا قصدناك والآمال واثقة
…
والكل يدعوك ملهوف ومبتهل
فإن عفوت فذو فضل وذو كرم
…
وإن سطوت فأنت الحاكم العدل
ومما أنشد بعض العلماء والصلحاء في مدحه من أهل المغرب.
تبدت لنا اعلام علم الهدى صدقا
…
فسار بشمسى الدين مغربنا شرقا
وأشرق منها كل ما كان آفلاً
…
وأصبح نور السعد قد ملأ الأفقا
صحب الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبا العز المغربي، وكمل على يديه، وكان سلطان المغرب في زمانه قد أمر بإشخاصه إليه، فلما وصل إلى تلمسان قال: ما لنا وللسلطان! الليلة نزور الإخوان، ثم نزل واستقبل القبلة وتشهد وقال: ها قد جئت، ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى. فمات ودفن في جبانة العباد، وقد ناهز الثمانين. وقبره بها ظاهر للزائرين، رضي الله عنه وعن سائر الصالحين. وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير العارف بالله الخبير إمام العارفين: جاكير: صاحب الفتح السني والكشف الجلي، والكرامات الباهرة والأحوال الفاخرة والمقامات العلية والأنفاس الزكية، والتصريف النافذ في العوالم، ومحاسن الأوصاف، وجميل الشيم والمكارم، والمعارف. كان تاج العارفين - رضي الله تعالى عنه - يثني عليه وينوه بذكره وبعث إليه طاقيته مع الشيخ علي ابن الهيتي، ولم يكلفه الحضور وقال: سألت الله تعالى أن يكون جاكير من مريدي، فوهبه لي. وكان رضي الله تعالى عنه يقول: ما أخذت العهد على أحد حتى رأيت اسمه مرقوماً في اللوح المحفوظ من جملة مريدي. وقال أيضاً أوتيت سيفاً ماضي الحد، أحد طرفيه بالمشرق والآخر بالمغرب، لو أشير به إلى الجبال الشوامخ لهوت. وروى الشيخ أبو الحسن علي ابن الشيخ الصالح ابن الشيخ العارف أبي الصبر يعقوب قال: أخبرنا أبي قال: سمعت والدي يقول: كانت نفقة شيخنا الشيخ جاكير بالجيم والمثناة من تحت بين الكاف والراء - رضي الله تعالى عنه من الغيب، وكان نافذ التصرف خارق الفعل متواتر الكشف، يندر له كثير. وكنت عنده يوماً فمرت به بقرات مع راعيها فأشار إلى إحداهن وقال: هذه حامل