الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتعطير تعميم السامع والمتكلم يزكون. أوهنا بمعين الواو فحسب، ومثل ذلك قد يجيء، ومنه قوله تعالى " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " - الصافات 147 - على رأي بعض المفسرين، فإنه وإن لم يكن محمد عليه، فان القائل يقول بذلك، ما احتج إلا بما يصح الاحتجاج به، وهو وقوع أو موقع الواو، وإذا تتبع ذلك وجد في الكلام الفصيح منه ما يكثر عدة، فيما نبهت عليه فائدة، وهي أنه لا يلزم من رد قوله: من احتج على علم بطلان حجته، بل يرد قوله لقيام دليل آخر على خلاف قوله، وإن كان احتجاجه صحيحاً في نفسه، وأشار في البيت الأول إلى ما كان يعتقده، ويدين به من عدم الذبح للحيوانات. وفي السنة المذكورة توفي أبو سعيد البجلي أحمد بن محمد بن عبد العزيز الرازي الحافظ. وفيها توفي أبو عبد الله الخبازي المقرىء النيسابوري. وكان كبير الشأن وافر الحرمة مجاب الدعوة. وفيها توفي أبو عثمان الصابوني شيخ الإسلام الواعظ المفسر، أحد الأعلام، شيخ خراسان. وفيها توفي أبو الفتح الكرخي الخيمي رأس الشيعة صاحب التصانيف. كان نحوياً لغوياً منجماً طبيباً متكلماً، من كبار أصحاب الشريف المرتضى.
سنة خمسين واربع مائة
فيها توفي الفقيه الكبير الإمام الشهير أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري الشافعي. كان ديناً ورعاً عارفاً بالأصول والفروع، محققاً في علمه، سليم الصدر، حسن الخلق، صحيح المذهب، يقول الشعر. ومن شعره ما أرسل به بالغزالي لأبي العلاء المعري حين أتى بغداد:
وما ذات در لا يحل لحالب
…
تناولها واللحم منها محلل
لمن شاء في الحالين حياً وميتاً
…
ومن رام شرب الدر فهو مضلل
إذا طعنت في السن فاللحم طيب
…
وآكله عند الجميع معقل
وخوف بها للأكل فيها كزازة
…
فما لحضيض الرأي فيه مأكل
وما يجتبي معناه إلا مبزر
…
عليم بأسرار القلوب محصل
فأجابه المعري مملياً على الرسول ارتجالاً:
جوابان عن هذا السؤال كلاهما
…
صواب وبعض القائلين مضلل
فمن ظنه كرماً فليس بكاذب
…
ومن ظنه نخلاً فليس يجهل
لحومهما الأعناب والرطب الذي
…
هو الحبل والدر الرحيق المسلسل
ولكن ثمار النخل وهي غضيضة
…
تراها وغض الكرم يجبى ويؤكل
يكلفني القاضي الجليل مسائلاً
…
هي النجم قدراً بل أعز وأطول
فأجابه أبو الطيب:
أثار ضميري ناظماً من نظيره
…
من الناس طراً شائع الفضل يكمل
ومن قبله كتب العلوم بأسرها
…
وخاطره في جدة النار مشعل
تساوى له سر المعاني وجهرها
…
ومعضلها باد لديه مفصل
فلما أثار الخبأ قاد منيعه
…
أسيراً لأنواع البيان مكمل
وقربه من كل فهم بكشفه
…
وإيضاحه حتى رآه المغفل
وأعجب منه نظمه الدر مسرعاً
…
ومرتجلا من غير ما يتمهل
فيفخر من يجر ويسمو مكانه
…
جلالاً له حيث الكواكب ينزل
فهنأه الله الكريم بفضله
…
محاسنه جم وعمر مطول
فأجابه المعري مرتجلاً مملياً على الرسول:
ألأليها القاضي الذي بلهاته
…
سيوف على أهل الخلاف تسلسل
فؤادك معمور من العلم أهله
…
وجدك في كل المسائل مقبل
فإن كنت بين الناس غير ممول
…
فأنت من الفهم المصون ممول
إذا أنت خاطبت الخصوم مجادلاً
…
فأنت وهم حاكي الحمام وأجدل
كأنك من في الشافعي مخاطب
…
ومن قلبه تملى فما تتمهل
وكيف بذي علم ابن ادريس دارساً
…
وأنت بإيضاح الهدى متكفل
تفضلت حتى ضاق ذرعي بشكر ما
…
فعلت وكفي عن جوابك أجهل
لأنك في كنه الثريا مصاحب
…
وأعلى ومن يبغي مكانك أسفل
مع أبيات أخرى حذفتها اختصاراً آخرها:
تجهلت الدنيا بإنك فوقها
…
ومثلك حقاً من به يتحمل
عاش القاضي أبو الطيب رحمه الله مائة وستين سنة. قلت وربما سمعت من بعض شيوخنا: وعشرين سنة، ولم يهن عظمه حتى حكى أنه أتى على نهر أو مكان يحتاج إلى طفرة كبيرة، فطفره، ثم قال: أعضاء حفظها الله تعالى في صغرها فقراها في كبرها، أو كما قال رضي الله تعالى عنه: وكذلك لم يحتل عقله ولا تغير
فهمه، يفتي ويستدرك على الفقهاء الخطأ ويقضي ببغداد، ويحضر المراكب في دار الخلاف، إلى أن مات. تفقه على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاضي في طبرستان وعلى أبي سعيد الإسماعيلي وأبي القاسم، تناكح بجرجان، ثم ارتحل إلى نيسابور، وأدرك أبا الحس، الماسرجسي، فصحبه أربع سنين، وتفقه عليه، ثم ارتحل إلى بغداد، وحضر مجلس الشيخ أبي حامد الأسفرائيني، وعليه اشتغل أبو إسحاق الشيرازي، وقال في حقه: لم أر فيمن رأيت أكمل اجتهاداً وأشد تحقيقاً وأجود نظراً منه، وشرح مختصر المزني وفروع ابن حداد المصري، وصنف في الأصول والمذهب والخلاف والجدل كتباً كثيرة. وقال الشيخ أبو إسحاق: لازمت مجلسه بضع عشر سنة، ودرست أصحابه في مسجده سنتين بإذنه، واستوطن ببغداد، وولي القضاء بربع الكرخي بعد موت عبد الله الصيمري، ولم ينزل على القضاء إلى حين وفاته رحمه الله تعالى. وفيها توفي الإمام النحرير الكبير، أقضى القضاة أبو الحسين علي بن محمد البصري الماوردي الشافعي، مصنف الحاوي الكبير النفيس الشهير والإقناع وأدب الدنيا والدين والأحكام السلطانية وقانون الوزارة وسياسة الملك وتفسير القرآن الكريم والقلب والعيون، وصنف في أصول الفقه والأدب وغير ذلك، وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستاً وثمانين سنة، تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وعلى الشيخ أبي حامد الأسفرائيني ببغداد، وحدث عن جماعة، وكان حافظاً للمذهب. درس العلوم. وروى عنه الخطيب صاحب تاريخ بغداد: وانتفع الناس به، وقيل إنه لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته، وإنما جمع جميعاً في موضع، فلما دنت وفاته قال لشخص يتولاه: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة لله تعالى، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها، وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل من سنن منها، فالقها في دجلة، وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك، فاعلم أنها قد قبلت، وقد ظفرت بما كنت أرجوه. ففعل الموصي ذلك، فبسط يده، ولم يقبضها على يده، فعلم أنها علامة القبول، فأظهر كتبه بعده. وذكر الخطيب في أول تاريخ بغداد عن الماوردي قال: كتب إلي أخي من البصرة وأنا ببغداد: طيب الهوى ببغداد يشوقني قدماً إليها، وإن علقت مقادير، فكيف صبري عنها الآن، إن جمعت طيب هوائين ممدود ومقصور. وقيل إنه لما خرج من بغداد راجعاً إلى