الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن يدي يحيى الوزير لمافل
…
بها لي، وعون الدين خير كفيل
وأهدي إلى الوزير عون الدين دواة بلور مرصعة بمرجان، وفي مجلسه جماعة فيهم حيص بيص، فقال الوزير: يحسن أن يقال في هذه الدواة شيء من الشعر، فقال بعض ألفاضرين:
ألين لماود الحديد كرامةً
…
يقدره في السرد كيف يريد
ولان ذلك البلور وهو حجارة
…
ومعطفه صعب المرام شديد
فقال حيص بيص له: إنما وصفت صانع الدواة، ولم تصفهما؟! فقال الوزير: من غيره؟ فقال حيص بيص:
صيغت دواتك من يوميك فاشتبها
…
على الأنام ببلور ومرجان
فيوم سلمك مبيض يفيض ندى
…
ويوم حربك قان بالدم ألفاني
وقد تقدمت حكاية عنه في السبب الذي نال به الوزارة في ترجمة السيد الجليل الولي الحفيل ذي الوصف الجميل والمجد الأثيل معروف - عرفنا الله تعالى بركته - في سنة مائتين.
سنة إحدى وستين وخمس مائة
فيها كثر ببغداد إلىوافض والسب، وعظم الخطب. وفيها توفي مسند أصبهان الإمام أبو عبد الله الحسن بن العباس الأصبهاني إلىستمي الفقيه الشافعي، سمع أبا عمرو بن منده وطائفة، وتفرد ورحل إليه، وكان زاهداً ورعاً خاشعاً فقيهاً مفتياً محققاً، تفقه بجماعة. وفيها توفي الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد المغربي الصنهاجي. روى عن أبي الحسن الجذامي والقاضي عياض، وكان عألفا بالحديث وطرقه وبالنحو واللغة والنسب، كثير الفضائل وقبره بظاهر بعلبك. وفيها توفي قطب الأولياء الكرام، شيخ المسلمين والإسلام، ركن الشريعة، وعلم الطريقة، وموضح أسرار الحقيقة، حامل راية علما للمعارف والمفاخر، شيخ الشيوخ وقدوة الأولياء العارفين الأكابر، أستاذ أرباب الوجود أبو محمد محيي الدين عبد ألفادر بن أبي صالح الجيلي، قدس الله روحه ونور ضريحه، لما تحلى رضي الله عنه بحلل العلوم الشرعية ونال لمائفها، وتجمل بتيجان الفنون الدينية، وحاز شرائفها، وهجر في مهاجرته إلى الحق كل الخلائق، وتزود في سفره إلى ربه عز وجل أحسن الآداب وأشرف الحقائق، وعقدت له ألوية الولاية فوق العلى ذوائبها، ورفعت له منازل جلي له، في سماء القرب
كواكبها، ونظر قلبه إلى رقوم الفتح في ذيول الكشف عن الأسرار، وشخص سره إلى شموس المعارف من مطالع الأنوار. وأشهدت بصيرته عرائس الحقائق في مقاصير الغيوب، وأسكنت سريرته حضرة القدس في خلوة وصل المحب بالمحبوب، ورفعت أسراره إلى مشاهد المجد والكمال، ودام إحضاره في معالم العز والجلال، هنالك نكشف له علم السر المصون، واتضح له حقيقة الحق المكنون، واطلع على معاني خفايا مكامن المكنونات، وشاهد مجاري القدر في تصاريف المشيئات، واخترع الحكم من معادنها، وأظهر التحف من مكامنها، فآتاه الله الأمر النقي من تدنيس التلبيس بالجلوس للوعظ والتصدر للتدريس. وكان أول جلوسه للوعظ في الحلبة النورانية في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، فجلس مجلما لله درة من مجلس، تجلله الهيبة والبهاء، وتحف به الملائكة والأولياء، فقام بنص الكتاب والسنة خطيباً على الأشهاد، ودعا الخلق إلى الله تعالى فأسرعوا إلى الانقياد، فيا له من داع أجابته أرواح المشتاقين، ومن مناد لبته قلوب العارفين، ومن حاد هيم ركائب النفوس في فلوات الشوق إلى رؤية الجمال، ومن هاد ساق نجائب القلوب إلى حمى الوصال، ومن ساق روى عطاش العقول من شراب القدس، وشوقها إلى منادمة الحبيب على بساط الأنس، وكشف براقع اللبس عن وجوه المعارف، ورفع أغطية الغين عن عين شرائف اللمائف، وهز أعطاف القلوب بوصف جمال القدم، وأرقص أشباح الأرواح بسماع نعت كمال الكرم - وناغي أطيار الأسرار في صوامع قدسها بألفان لذيذ أنسها، فطارت من أركان أطورها في حبها إلى أنوار أنوار هامع جنسها، وجلى عرائس المواعظ فدهثى لبهجة حسنها العشاق، وزف مخدرات المواهب فصبا لمعنى جمالها كل مشتاق، ونطق بنفائس الحكم من رياض أنس أينعت مروجها، وأبرز جواهر التوحيد من بحار علوم تلاطمت أمواجها، يرى من معانيها درراً وياقوتاً، ويجد من درها دواء ومن ياقوتها قوتاً، ودبج روض الحقائق بحدائق ذات بهجة فيا لها للمالكين إلى الله محجة وحجة، وبث لآلىء الفتح على بساط الإفهام، فتسابق لالتقاطها أولو الألفاب والأقلام، فتنضدت منها فوائد هدى في أعناق ذوي الهمم العلية، يصل المتحلي بها بإذن الله تعالى إلى مقامات السنية، فجال في النفوس مجال الإنفاس في الصدور، وعبق بالقلوب عبق إلىوض الممطور، وأبرأ النفوس من أسقامها، وشفى الخواطر من أوهامها، فما سمعه إلا من أوضح بالتوبة دجونه، أو من اكتحل بالبكاء جفونه، فكم رد إلى الله عاصياً، وكم ثبت الله به واهياً، وكم أصحى من خمر الهوى سكارى، وكم فك من قيود الناس أسارى، وكم اصطفى الله به أوتاداً وأبدالاً، وكم وهب الله به مقاماً وحالاً، وما زالت نجائب المواهب ترحل إليه. رحمة الله تبارك وتعالى عليه:
عبد له فوق المعالي رتبة
…
وله المماجد والفخار الأفخر