الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهي، وقدر علي علم وفي رضي الله عنه.
شيء من علمه وتسمية بعض شيوخه
قال بعض الأئمة المتكلمين في مناقبه: لما علم أن طلب العلم على كل مسلم فريضة، أنه شفاء للأنفس المريضة، إذ هو أوضح مناهج التقوى سبيلاً. وأبلغها حجة وأظهرها دليلاً، وأرفع معارج اليقين وأعلى مدارج المتقين، وأعظم مناصب الدين وأفخر مراتب المهتدين، وهو المرقاة إلى مقامات القرب والمعرفة، والوسيلة إلى المتولي بالحضرة المشرفة، شمر عن ساق الجد والاجتهاد في تحصيله، وسارع في طلب فروعه وأصوله، وقصد الأشياخ الأئمة أعلام الهدى علماء الأمة فاشتغل بالقرآن العظيم حتى أتقنه، وعمر بداريته سره وعلنه، وتفقه بالشيوخ، منهم: أبو الوفاء علي بن عقيل، وأبو الخطاب محفوظ ابن أحمد الكلوذاني، وأبو الحسين محمد ابن القاضي أبي يعلى، وأبو سعد المبارك بن علي المخزومي رضي الله تعالى عنهم - وأخذ عنهم مذهباً وخلافاً وفروعاً وأصولاً. وسمع الحديث من جماعة، منهم أبو غالب محمد بن الحسن ألفاقلاني، وأبو سعد محمد بن عبد الكريم، وأبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون، وأبو بكر أحمد بن المظفر التمار، وأبو محمد جعفر بن أحمد ألفاري، وأبو القاسم علي بن أحمد الكرخي، وأبو عثمان اسماعيل ابن محمد الأصبهاني، وأبو طالب عبد ألفادر بن محمد، وابن عمه أبو طاهر عبد إلىحمن بن أحمد، وأبو البركات هبة الله بن المبارك، وأبو العز محمد بن المختار الهاشمي، وأبو نصر محمد، وأبو غالب أحمد، وأبو عبد الله يحيى أبناء الإمام أبي الحسن علي بن البنا، وأبو الحسين المبارك بن عبد الجبار، وأبو منصور عبد إلىحمن بن أبي غالب، وأبو البركات طلحة بن أحمد ألفاقولي وغيرهم - رحمة الله عليهم. وقرأ الأدب على أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي، وصحب الشيخ ألفارف بالله قدوة المحققين وإمام ألفالكين وحجة العارفين أبا الخير حماد بن مسلم الدباس، وأخذ عنه علم الطريقة وتأدب به، وأخذ الخرقة الشريفة من يد القاضي أبي سعد المخرمي، ولقي الجماعة من أعيان شيوخ الزمان وأكابر المشايخ أولي العرفان. أكرم بهم مجداً وسودداً، وشرفاً وفخراً مؤبداً. فهم حماة ملة الإسلام وذوادها، وأنصار الشريعة وأعضادها، وأعلام الدين وأركانه، وسيوف الحق وسنانه. فقام - رضي الله تعالى عنه في أخذ العلوم الشرعية عنهم دائباً، وفي تلقي الفنون الدينية منهم واصباً. حتى فاق أهل زمانه. وتميز من بين أقرانه. ثم إن الله تعالى أظهره للخلق وأوقع له القبول العظيم الشام، عند ألفاص منهم والشام، والهيبة والجلالة الوافرة، والمناقب الشريفة ألفاخرة عند العلماء، وأظهر الله الحكم من قلبه على لمانه، وظهرت علامات قربه، من الله تعالى وإمارات - ولايته، وشواهد تخصيصه مع
قدم راسخ في المجاهدة والعبادة، وتجرد خالص من دواعي الهوى وشوائب إلىكون إلى ألفادة، ومقاطعة دائمة بجميع الخلائق، وصبر جميل في طلب مولاة بقطع العلائق، وتجرع الغصص على مر الشدائد والبلوى، ورفض كلي لجميع الأشغال اشتغالاً بالمولى. ثم لما أراد الله به نفع الخلائق بعدما تضلع من العلوم الظاهرة وأسرار الحقائق، أضيف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد المخرمي مما حولها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها، وبذل الأغنياء في عمارتها أعمالهم، وعمل الفقراء فيها بأنفسهم، فتكملت المدرسة المنسوبة إليه الآن، وكان الفراغ منها في سنة ثمان وعشرين وخمس مائة، وتصدر فيها للتدريس والوعظ والفتوى، وجلس بها للوعظ وقصد بالزيارات والنذور، واجتمع عنده بها من العلماء والفقهاء والصلحاء جماعة كثيرون، انتفعوا بكلامه وصحبته ومجالسته وخدمته، وقصد إليه طلبة العلم من الآفاق، فحملوا عنه وسمعوا منه، وانتهت إليه تربية المريدين بالعراق، وولي خزانة الأسرار وأوتي مقاليد الحقائق، وسلمت إليه أزمة المعارف، وصرف في الوجود المغارب منه والمشارق، فأصبح قطب الوقت مرجوعاً إليه حكماً وعلماً، وقام بالنظر والفتيا نقضاً وبرماً، وبرهن على العلم فرعاً وأصلاً، وبين الحكم عقلاً ونقلاً، وانتصر للحق قولاً وفعلاً. وصنف كتباً مفيدة وأملأ فوائد فريدة، فتحدث بذكره إلىفاق، وسارت بفضله إلىكبان وانتشرت أخباره في الآفاق، وأعملت المطي إليه ومدت إليه الأعناق، وتنزهت في حدائق محاسنه الأعين، ونطقت ببدائع أوصافه الألسن، ولقب بإمام الفريقين وموضح الطريقين، وكريم الجدين ومعلم الطرفين، مشتملاً برداء المفاخر والفضائل، صادقاً فيه قول ألفائل:
بمقدمه انهل السحاب وأعشب ال
…
عراق وزال الغي واتضح إلىشد
فعيدانه رند، وصحراؤه حمى
…
وحصاؤه در وأمواجه شهد
يميس به صدر العراق صبابة
…
وفي قلب نجد من محاسنه وجد
وفي الشرق برق من مقابس نوره
…
وفي الغرب من ذكرى جلالته رعد
فأضحى الزمان مشرقة به مناكبه، والدين مشرفة به مناصبه، والعلم عالية به مراتبه، والشرع منصورة به كتائبه، فانتمى إليه جمع عظيم من العلماء، وتلمذ له خلق كثير من الفقهاء، حذفت ذكرهم اختصاراً لكثرة عددهم ومشقة ذكرهم. وكذلك لبس الخرقة منه خلائق لا يحصون - من الفقراء والمشايخ الكبراء والعلماء
الخبراء، وقد ذكرت في كتاب: خلاصة المفاخر في أخبار مناقب الشيخ عبد ألفادر وفي كتاب: نشر المحاسن ألفالية في فضل المشايخ أولي المقامات ألفالية، وغيرهما أن جمهور شيوخ اليمن يرجعون في لبس الخرقة إليه، بعضهم لبسها من يده لما قدمت أعلام فضائله عليهم، والأكثرون من رسول أرسله إليهم. وفيه وفي ألفاس الخرقة وانتساب معظم شيوخ اليمن في لبسها إليه. قلت في بعض القصيدات العشرة الأولة من هذه الأبيات:
وفي منهج الأشياخ ألفاس خرقة
…
لهم سنة أصل روى ذاك عن أصل
ولبس اليمانيين يرجع غألفا
…
إلى سيد سامي فخار على الكل
إمام الورى قطب الملا قائلاً على
…
رقاب جميع الأولما قدمي أعلى
فطأطأ له، كل بشرق ومغرب
…
رقاباً سوى فرد فعوقب بالعزل
مليك له التصريف في الكون نافذ
…
بشرق وغرب الأرض والوعر والسهل
سراج الدجى شمس على فلك العلى
…
بجيلان مبدؤها طلوعاً بلا أفل
طراز جمال مذهب فوق حلة
…
غد الكون فيها الدهر يختال ذا رفل
يتيمة در زان عقد ولأنه
…
يهيج على جيد الوجود به مجلي
لجدواك يا بحر الندى عبد قادرإلىيافعي ذو افتقار وذو محل
قفا هاهنا في رأس نهر عيونهم
…
ملاها ومن بحر النبوة مستملي
وسبحانك اللهم رباً مقدساً
…
وواسع فضل للورى فضله مولي
وأما كراماته رضي الله عنه، فخارجة عن الحصر، وقد ذكرت شيئاً منها في كتاب نشر المحاسن، وقد أخبرني من أدركت من أعلام الأئمة الأكابر أن كراماته تواترت، أو قريب من التواتر. ومعلوم بالاتفاق أنه لم يظهر ظهور كراماته لغيره من شيوخ الآفاق. وها أنا أقتصر في هذا الكتاب على واحدة منها، وهي ما روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقرىء أبو الحسن علي بن يوسف بن جرير بن معضاد الشافعي اللخمي في مناقب الشيخ عبد ألفادر بسنده من خمس طرق، وعن جماعة من الشيوخ الجلة أعلام الهدى العارفين المقنتين للاقتداء قالوا: جاءت امرأة بولدها إلى الشيخ عبد ألفادر، فقالت له: يا سيدي، إني رأيت قلب ابني هذا شديد التعلق بك، وقد خرجت عن حقي فيه لله عز وجل، ولك. فقبله الشيخ، وأمره بالمجاهدة وسلوك الطريق، فدخلت أمه عليه يوماً فوجدته نحيلاً مصفراًمن آثار الجوع والسهر، ووجدته يأكل قرصاً من الشعير، فدخلت إلى الشيخ فوجدت بين يديه إناء فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها، فقالت: يا سيدي؛ تأكل لحم دجاج ويأكل ابني خبز الشعير!! فوضع يده على تلك العظام وقال: قومي بإذن الله تعالى الذي يحيي العظام وهي
رميم، فقامت دجاجة سوية وصاحت. فقال الشيخ: إذا صار ابنك هكذا فلماكل ما شاء. وأما كلامه رضي الله عنه فكثير جداً في انواع شتى، لا تسعه إلا مجلمات ودفاتر، وقد ذكرت شيئاً منه في كتاب: نشر المحاسن وخلاصة المفاخر. وها أنا أذكر منه ألفاظاً مختصرة في الشريعة المطهرة. قال رضي الله تعالى عنه: الإيمان طائر غيبي ينزل من أفق يختص برحمته من يشاء، فيسقط على شجرة قلب العبد، يترنم بلذيذ لحون يبشرهم ربهم، يطير من قفص صدر صاحبه إلى مقعد صدق الشريعة المحمدية - ثمرة شجرة الوجود -. الملة الإسلامية شمس أضاءت بنورها ظلمة الكون إتباع شرعه يعطي سعادة ألفارين. في قلب صاحب الشرع الأعظم ودائع بدائع الحكم. في أسرار صاحب الناموس الأكبر خزائن جواهر الغيب، اجعل قبول أمره طريقك إلى الله تعالى، صير كعبة عقلك مهبط أملاك كلمات أحكامه. من ماء غمام أقواله تشرب عطاش الأرواح. في عيون حياة ألفاظه يغتسل خطر العقول. نادى منادي الطلب للأرواح الشامنة في القوالب، آثار ساكن عزمها إلى العلى، طارت بأجنحة الغرام في فضاء المحبة، وقعت بعد التعب على أغصان الشوق، تناغت في شجرة بلابلها بمطربات ألفان الحنين إلى جمال وأشهدهم، وأزعجها هبوب نسيم الغرام إلى إعادة لذاذة ألست خرجت بعض تلك الطيور من أقفاص الصدور، ويتلمح أثراً من مطارها القديم، تنشق نسمة من مهب التكليم، تتذكر عيشها في ظل أثل الوص، تشكو جواها بعد بعاد الأحباب، فسمعت داعي الله تعالى بلمان إنسان عين الوجود، انتقش دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم في صفحات ألواح الأرواح، صارت دعوته ريحاً تهز أغصان أشجار القلوب، أضطربت فرسان العقول في ميادين الصور غراماً بما سمعت، اهتزت الألفاب بأيدي الوجد طرباً بذلك الوجد، صار عشقها له سراً من اسرار القدم، وأصبح ولههاً به، لطيفة من لمائف القدر، إذا أشرقت على النفوس الخربة أنوار الغيب حفظت الأسرار وارتفعت الحجب الظاهرة عن عيون بصائرها، لاحظت جمال صاحب الكون مشاهدته بصفاء مرايا الأسرار، كعبة كل عارف، موضع نظرات الحق منه أقرب الطرق إلى إلله تعالى، لزوم قانون العبودية والاستمساك بعروة الشريعة الإسلامية والاستقامة على جادة التقوى. أنسك بالله على قدر وحشتك عن غيره، ثقتك به على قدر معرفتك له، الكدر في الأعمال نوع من الحرمان. الانغماس في طلب الدنيا يثني العقل عن طلب الله عز وجل، الرياء في المطالب كسوف في شموس طلب ألفالب، والنفاق في المقاصد خدش في وجوه قصد ألفاصد، عدم المطلوب
عذاب القلوب، فرقة الأحباب عذاب العقول، علائق زهرة الدنيا حجاب يمنع من الوصول إلى ملكوت العلى، إقبالك على الله تعالى بوجه عبادتك سبب إقبالك عليه بوجه إلىحمة، لو بلغ طفل عقلك الأسد في حجر ألفاديب ما التفت إلى الدنيا، لكن هو بعد في مهد، شغلتنا أموالنا وأهلونا، الأرواح القاهرة قناديل هياكل الأجساد، العقول الصافية ملوك قصور الصور. يا غلام افتح عين قلبك لتلقى عرائس أسرار الأزل، وانتشق بمشم روحك هبوب نسيم لمائف القدر، إن الله تعالى وضع تماثيل الوجود على ساحل بحر الدنيا لامتحان عيون أهل البصيرة، وسلم من الالتفات إلى زخرفها أطفال أرواح
أقيمت في مقصورة الثبات، وربيت في حجور العصمة، وأرخيت عليها أكناف آيات الأمر، وكوشفت بلمائف محبات القدر، وجليت عليها عرائس الغيب. وقال رضي الله تعالى عنه: حليت عروس آدم في خلع، إن الله اصطفى، وسجدت الملائكة لسطوع نور " ونفخت فيه من روحي "، - الحجر 29 - وسمع موسى فوق روضة الطور بلبلاً يترنم بلذيذ لحن: إني أنا الله. وانس ساقياً يفرغ شراب القدم في كؤوس، أنا اخترتك، أشتاق إلى رؤية ألفاقي، هزت أعطافه نشوات سكره، وكتب بيده شدة توقه في طرس عشقه حروفاً، أرني، فانقلب القلم في يده، فقال: لن تراني. قيل له عند انقضاء دولته: يا موسى؛ سلم بقلم إلىسالة لصاحب: " ويكلم الناس في المهد " - آل عمران 46 - واعطه الدواة ليكتب في كتب توحيدي: إني عبد الله. وتنقش في صحف رسالته سطور: " ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " - الصف 6 - يمت في مقصورة الثبات، وربيت في حجور العصمة، وأرخيت عليها أكناف آيات الأمر، وكوشفت بلمائف محبات القدر، وجليت عليها عرائس الغيب. وقال رضي الله تعالى عنه: حليت عروس آدم في خلع، إن الله اصطفى، وسجدت الملائكة لسطوع نور " ونفخت فيه من روحي "، - الحجر 29 - وسمع موسى فوق روضة الطور بلبلاً يترنم بلذيذ لحن: إني أنا الله. وانس ساقياً يفرغ شراب القدم في كؤوس، أنا اخترتك، أشتاق إلى رؤية ألفاقي، هزت أعطافه نشوات سكره، وكتب بيده شدة توقه في طرس عشقه حروفاً، أرني، فانقلب القلم في يده، فقال: لن تراني. قيل له عند انقضاء دولته: يا موسى؛ سلم بقلم إلىسالة لصاحب: " ويكلم الناس في المهد " - آل عمران 46 - واعطه الدواة ليكتب في كتب توحيدي: إني عبد الله. وتنقش في صحف رسالته سطور: " ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " - الصف 6
وقال رضي الله تعالى عنه: طارت نحل الأرواح قبل وجود الأشباح من كورات كن في فضاء مروض التوحيد، ليرعى من زهر أشجار الأنس، ويأكل من ثمار أغصان المعرفة، ويتخذ بيوتاً في مواطن القدس فوق قمم جبال العز، ويسلك سبيل الدنو إلى ربها في حضرة العلو في مقام قربها، ويجني ثمرات الحضور بأيدي الهمم ألفالية، فاصطادها صياد القدر بشباك التكليف، وحصرها بيد الأمر في أقفاص الأشباح، فألهتها من الهياكل بهجة حسن الصفة، وألفت مساكن البشرية، فنسيت موطناً من القدس الأشرف، فأوحى ربك إلى نحل الأرواح أن اسلكي سبل ربك ذللاً في مسالك الأشباح، وكلي من كل ثمرات الشريعة، وارعي من أزهار أنوار الحقيقة. فلما طار طائرها ليرعى حب الحب من حدائق المجاهدة وقع في شرك المحبة، ورأى ماء البلاء في غدير الولاء، فقال: كيف الخلاص؟ روض أنيق
لكن ثمره مر، ومنهل عذب لكن فيه كم من غريق؟ فناداها حادي مطايا صدق الطلب بلمان النصح: يا أرباب الوله في حب معشوق الأرواح! ويا أصحاب الحرق في غاية أماني العارفين! ما بينكم وبين مطلوبكم سوى ارتفاع استار الصور، ولا يحجبكم عنه إلا حجب الهياكل، فطيروا إليه بأجنحة الغرام، واطلبوا عنده الحياة الأبدية، وموتوا عن شهوات إرادتكم ليحييكم به عنده في مقعد صدق. وقال رضي الله تعالى عنه: سرير الأسرار لا ينصب إلا في سرادق حق اليقين، وحق اليقين نقطة دائرة التوحيد، والتوحيد قاعدة بناء الوجود، الهوية الأحدية مغناطيس حديد قلوب العارفين، وإلىوضة الأبدية مراتع أسرار المكاشفين، كاشف الأرواح ليلة ألست بأسرار قدمه، الاطف العقول في مقام، وإذ أخذ بالألفاف تقرير عهده، باسط الخواطر في حضرة السرمدية بمباسطة، وأشهدهم بقرب إلى الأسرار في جناب الأزل بمخاطبة ألست، سقاهم كأس حبه بأيدي سقاة قربه، خرجوا إلى الدنيا وفي رؤوسهم نشوات ذلك الخمار، وفي عيون عقولهم بقايا رسوم ذلك الجمال، وفي أحداق قلوبهم يرفاه ذلك الجناب. واحرقتاه عليكم!! كيف تموتون وما عرفتم - ربكم؟!! الشجاعة صبر ساعة يا عجمي الفطنة، سافروا إلى بلاد العرب يا موتي الطبيعة، سافروا إلى بلاد هند الهداية. سقى بعض العارفين من هذا الشراب قطرة، وأفرغ ساقي القدر له منه بقية، فقامت روحه ترقص طرباً بين ندمأنه، قرأ لمان حال موسى وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً. قال المخبر عن صدق طلبه:" وخر موسى صعقاً " - الأعراف 143 - قيل: يا موسى؛ معدة طبعك ضعيفة عن تناول شراب، تجلي أنيق عينك ضيق عن مقابلة أنوار سبحات " ارني أنظر إليك " - الأعراف 143 - عين الحدث لا تنفتح في شعاع شمس القدم، ورد النظر ما يطلع في شجر كانون هذا الكون، أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا خلعة النظر في الدنيا مدخرة في خزائن الغيب لصاحب " قاب قوسين " - النجم 9 - هذا الشرف لا يناله من الخلائق سوى سيد ولد آدم ويتيمة عقد البشر:" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده "، - الأنعام 152 -. قال إلىواة عنه: وأول كلام تكلم به على الناس على الكرسي - رضي الله تعالى عنه، قوله: أغواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف، فيستخرجها إلى ساحل الصدر، فينادي عليها سمسار ترجمان اللمان، فتشتري بنفائس أثمان حسن الساعة " في بيوت أذن الله أن ترفع "، - النور 36 -. قلت: فهذا ما أثرت الاقتصار على ذكره للاختصار من كلامه الجليل المقدار المشتمل على الحكم والمعارف والأسرار. وقد أشرت في بعض هذه الأبيات المختصرة إلى محاسن
كلامه المشتهرة، المنسوجة في الأسلوب الغريب الذي لم ينسج غيره على منواله العجيب:
أيا مادحاً نسجاً وشاه ابن جوزي
…
حلاه بأسلوب بعنيك فاخر
كأنك لم تنظر نسيج معارف
…
وأسرار زاهي حكمة وسرائر
بأطرف أسلوب وأطرف حلةوأشرف نسج باهجالحسن زاهر
لدى حضرة ألفاه أشرف صانع
…
وأعرف أستاذ دعي عبد قادر
به شرف الأكوان قطب زمانه
…
رداء مجده فيه طراز المفاخر
له قدم تسمو تعالى فخارها
…
لها خضعت طوعاً رقاب الأكابر
وما نسج فتح من نفيس مواهب
…
كنسج طباع من قريحة خاطر
وأين الثريا في علاها من الثرى
…
وبل الندى في الفضل من وبل ماطر
كذا أين من باز العلى عاكف يرى
…
على جيفة أو لاقط المتناثر
فما طائر تلقيه للماز صائداً
…
وللماز تلقى صائداً كل طائر
وأين بعيد ألفار من ساكن الحمى
…
نديم هوى في حضرة القدس حاضر
تسقى من إلىاح التي لم ريحها
…
يرح ذاك، فضلاً عن شراب تداير
شريف معلى بل مولى على الورى
…
وتصريفه قد عمهم غير قاصر
له في الوجود ألفاه والحكم نافذ
…
خفير الورى في عصره غير خافر
لقد خفر الأكوان شرقاً ومغرباً
…
وما في ضياء أخفرن أو دياجر
له الجن والأملاك والأنس كلهم
…
يخافون لا شخص يرى غير حاذر
به اسأل، فإن ألفيت قولي مصدقاً
…
وإلا أكذبن للمافعي في المحاضر
على روحه رضوان ربي مقدساً
…
مدى الدهر زاكي النشر من غير آخر
وختمي لها حمدي لربي مصلما
…
على المصطفى من قبل خلق العناصر
محمد الشامي على ذروة العلى
…
غياث الورى عند الدواهي الذواعر
قلت: وأما اعتقاده فقد أخبرني - والله - من لا أشك في صدقه من أصحاب شيخ عصره وفريد دهره الشيخ نجم الدين الأصبهاني - قدس الله تعالى روحه - أنه قال: رجع آخراً عما كان يعتقده أولاً لما بلغه أن الفقيه الإمام ألفارع المشكور تقي الدين بن دقيق العيد المشهور تعجب من شذوذ الشيخ عبد ألفادر المذكور في اعتقاده عن موافقة الجمهور من المشايخ العارفين والعلماء المحققين في مسألة الجهة المعروفة. قلت: ومثل الشيخ نجم الدين المذكور إذا أخبر فعلى الخبير سقط المخبر، إذ هو من أهل الاطلاع ظاهراً وباطناً. أما ألفاطن فلأنه من أهل النور والكشف، وأما الظاهر فلقرب ألفار إذ كان العراق لهما موطناً، فهو الجامع - بين المعرفتين جميعاً مرتقياً في الولاية مقاماً
عزيزاً رفيعاً. ومما يؤيد ذلك ويدل على عدم اعتقاده الجهة والمكان في حال النهاية والعرفان كلامه المشهور عنه في مناقبه الثابتة برواية الرجال ألفائعة في البلمان، ومن ذلك قوله المشتمل على يواقيت الحكم وابتهاج النور، وهو هذا النسيج العجيب والأسلوب الغريب والدر المنثور. قال رضي الله تعالى عنه: نودي في معاقل الأفاق وفجاج الأكوان ومعالم المصنوعات أن سلمان الصفات القديمة وملك النعوت العظيمة يريد أن يمر على مسالك المعالم ويبدو في مشاهد الشواهد، فحدقوا عقولكم وصفوا سرائركم، وقيدوا أفكاركم وغضوا أبصاركم، واحصروا بلاغتكم وكفوا مناطقكم والسنتكم. فبرز من جناب العزة سنا بارق مجلل بالهيبة، مظلل بالعظمة، متوج بالجلال، مكلل بالكمال، أخذ بنواصي الأنوار قاهراً لمعاني الأسرار، فتجلى في حلل لطفه وتلطفه، ودنا بتقربه وتعرفه، له مطالع ومشارق، ولوائح وبوارق، وشواهد ومناطق، ومعارف وحقائق، وعوارف ومناشق، تجلو مطالعة " إلىحمن على العرش استوى " - طه 5 - ويسفر مشارقه " وسع كرسيه السماوات والأرض " - البقرة 255 - ويوضح لوامحه، " يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء "، - ألفائدة 64 - ويكشف بوارقه " وهو معكم أينما كنتم "، - الحديد 4 - ويبدي شواهده " والسماوات مطويات بيمينه "، - الزمر 67 - ويفصح مناطقه " والله من ورأنهم محيط "، - البروج 20 - وينادي معارفه " وهو السميع البصير "، - الشورى 11 - ويطق حقائقه " ليس كمثله شيء "، - الشورى 11 - ويشهد عوارفه " لا تدركه الأبصار "، - الانعام 103 - وتتأرج مناشقة " قل الله ثم ذرهم " وظهرت معه بدائع القدم في أحسن صورة من بهجة الكمال ألفارز من حريم العز، عليها من ملابس الجمال غرائب العجائب، فطاف بها طائف من ربك في طرائق المكنونات ومصنوعات المصنوعات ومكنونات ألفائنات، فوقع الكل في مهاوي الهيبة، وتاهوا في مهامه الدهشة، وإذا الندا من حضرة القدس " ألست بربكم " فقالوا بلمان الذل والخضوع في مقام التوحيد والإقرار بوحدانية إلهيته: بلى، وأشهدهم على أنفسهم لقيام الحجة، يوم تشهد عليهم ألسنتهم، فيتبع الخلائق ذلك ألفارق، وسلكوا نحوه طرائق، فاقتفى قوم ولم يستضيئوا هى من علم ولا إثارة، بل حكموا العقول ومقاييسها. فاتبعوا الأهوية وأباليسها. فمنهم طائفة ضلوا في تيه التمويه ووقعوا في التجسيم والتشبيه، الذين أهلكهم الشقاء حين ابتلى أخيارهم، وأولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. ومنهم فرقة - حاروا في أضاليل التعطيل. ومنهم عصابة هلكوا ابأباطيل الحلول، وأغرقوا فأدخلوا ناراً، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً. ومبادىء التوحيد والتنزيه تنادي في صفحات الوجود أن سلمان الصفات القديمة
وملك النعوت العظيمة إلى الآن في مقر العز والجلال ومظل القدرة والكمال. ما انتقل إلى مكان، لم يتغير عما عليه كان. يحتجب بجلال عزته في معالي كبريأنه وعظمته، فوجم العرش من خوف البطش، إذ جعل محلاً للافتراء ومجالاً للامتراء، وصاح بلمان إلىهبة من البعد: يا أرباب الغيبة عن إلىشد، إني منذ خلقت في دهشة الوله ووحشة التحير لمع لي من جناب الأزل بارق " إلىحمن على العرش استوى "، - طه 5 - فلما صوبت نظري إلى نفسي وقع حده على جرم السماء فانطبع فيه:" ثم استوى إلى السماء "، - البقرة 29 - فهبت فيها نظري، وشخص إليها بصري وطمحت إشراقات أنواره إلى عالم الثرى، فانتقش في طي مكنوناته مكتوب " واسجد واقترب "، - العلق 19 - فأتى رهين غريتي وقرين زفرتي، لا أسمع غير الأخبار ولا أشهد غير الآثار، وأتبع قوم سبيل إلىشاد في إشراق أنواره. ونصبو الشرع أمامهم، وأخذوا الحق إمامهم، واقتدوا بعساكر التوفيق
جنداً جنداً، وسبقت إليهم ركائب ألفاييد وفداً وفداً، وشموس الهداية تسري معهم، وعيون العناية ترعى مرتعهم وتجمعهم، فأوصلهم الصدق في اتباع الحق إلى مسالك التوحيد ومعارف التمجيد، وعلت بهم إلىتب إلى مقام القرب، وسقوط الكيف والتشبيه والحدود، ووجوب التنزيه والإجلال لواجب الوجود. قلت: فهذا بعض كلامه في ذلك محتوياً على التوحيد والتنزيه ومصرحاً بنفي التجسيم والتشبيه، مفصحاً بكون الحق تعالى لم ينتقل إلى مكان، ولم يتغيرعما عليه كان، جامعاً بين فصاحة العبارة وملاحة الاستعارة وكذلك قوله في المشاهدة: لا بد في الشهود من سقوط مشهودين ونفى تعلق الحط بالحيز والوقت والأين، ومحو ثبوت الفيق والجمع والقرب والبين. وقد ذكرت في كتاب نشر المحاسن. شيئاً من كلامه في الاعتقاد والأسرار وعلم ألفاطن. ومن كلامه أيضاً المروي عنه في مناقبه لما قيل له أن فلاناً - وسموا له بعض مريديه - يقول إنه يرى الله عز وجل بعيني رأسه، فاستدعى به وسأله عن ذلك فقال: نعم، فانتهره ونهاه عن هذا القول، وأخذ عليه أن لا يعود إليه فقيل له: أمحق هذا - أم مبطل؟ قال: هو محق ملبس عليه، وذلك أنه شهد ببصيرته نور الجمال، ثم خرق من بصيرته إلى بصره منفذاً فرأى بصره ببصيرته يتصلى شعاعها بنور شهوده، فظن أن بصره رأى ما شهدته بصيرته، وإنما رأى بصره ببصيرته فحسب، وهو لا يدري. قال الله تعالى:" مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان "، - الرحمن20 - وان الله يبعث بمشيئته على أيدي ألفافه أنوار جلاله وجماله إلى قلوب عباده، فتأخذ منها ما يأخذ المصور من الصور، ولا ضرر، ومن وراء ذلك رداء كبريأنه الذي لا سبيل إلى انخراقه. قال إلىاوي: وكان جمع من المشايخ والعلماء حاضرين هذه الواقعة، فأطربهم سماع هذا الكلام، ودهشوا من حسن إفصاحه عن حال إلىجل، وقام بعضهم ومزق ثيابه، وخرج إلى الصحراء عرياناً يعني هائماً. جنداً جنداً، وسبقت إليهم ركائب ألفاييد وفداً وفداً، وشموس الهداية تسري معهم، وعيون العناية ترعى مرتعهم وتجمعهم، فأوصلهم الصدق في اتباع الحق إلى مسالك التوحيد ومعارف التمجيد، وعلت بهم إلىتب إلى مقام القرب، وسقوط الكيف والتشبيه والحدود، ووجوب التنزيه والإجلال لواجب الوجود. قلت: فهذا بعض كلامه في ذلك محتوياً على التوحيد والتنزيه ومصرحاً بنفي التجسيم والتشبيه، مفصحاً بكون الحق تعالى لم ينتقل إلى مكان، ولم يتغيرعما عليه كان، جامعاً بين فصاحة العبارة وملاحة الاستعارة وكذلك قوله في المشاهدة: لا بد في الشهود من سقوط مشهودين ونفى تعلق الحط بالحيز والوقت والأين، ومحو ثبوت الفيق والجمع والقرب والبين. وقد ذكرت في كتاب نشر المحاسن. شيئاً من كلامه في الاعتقاد والأسرار وعلم ألفاطن. ومن كلامه أيضاً المروي عنه في مناقبه لما قيل له أن فلاناً - وسموا له بعض مريديه - يقول إنه يرى الله عز وجل بعيني رأسه، فاستدعى به وسأله عن ذلك فقال: نعم، فانتهره ونهاه عن هذا القول، وأخذ عليه أن لا يعود إليه فقيل له: أمحق هذا - أم مبطل؟ قال: هو محق ملبس عليه، وذلك أنه شهد ببصيرته نور الجمال، ثم خرق من بصيرته إلى بصره منفذاً فرأى بصره ببصيرته يتصلى شعاعها بنور شهوده، فظن أن بصره رأى ما شهدته بصيرته، وإنما رأى بصره ببصيرته فحسب، وهو لا يدري. قال الله تعالى:" مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان "، - الرحمن20 - وان الله يبعث بمشيئته على أيدي ألفافه أنوار جلاله وجماله إلى قلوب عباده، فتأخذ منها ما يأخذ المصور من الصور، ولا ضرر، ومن وراء ذلك رداء كبريأنه الذي لا سبيل إلى انخراقه.
قال إلىاوي: وكان جمع من المشايخ والعلماء حاضرين هذه الواقعة، فأطربهم سماع هذا الكلام، ودهشوا من حسن إفصاحه عن حال إلىجل، وقام بعضهم ومزق ثيابه، وخرج إلى الصحراء عرياناً يعني هائماً.
قلت: وقوله: ومن وراء ذلك رداء الكبرياء الذي لا سبيل إلى انخراقه - نحو مما أشار إليه الشيخ الكبير ألفارف بالله السيد الجليل شيخ الشيوخ أبو الغيث ابن جميل - قدس الله روحه - بقوله: كل خيال نقاب لوجه الأمر العزيزي، والأمر العزيزي نقاب لجلال جمال سبحات وجه الله الكريم فرضاً، لئلا يبرز من ذلك الجلال ذرة، فلا يبقى أحد من الثقلين، ولا من سواهما لا يعرف لله طاعة ولا عصياناً. قلت: قوله: لا يعرف لله طاعة ولا عصياناً: يظهر فيه لي احتمالان، الاحتمال الأول: الإشارة إلى الفناء الكلي، واصطلام الحس والمحسوس، وفقدان وجدان جميع الوجود لاستيلاء سلمان جلال الجمال في حالة الشهود، فلا يشعر حينئذ بطاعة ولا معصية ولا مطيع ولا عاصي. والاحتمال الثاني: أن يشهد القدر سابقاً المقدور بسوط - القضاء المبرم، وقائداً له إلى العلم ألفابق بزمام الحكم المحكم، وصار مزعجاً بالخروج إلى حيز الوجود من حيز العدم، واقعاً - لا محالة - بقدرة الملك ألفادر وإيجاد خالق كل شيء العزيز ألفاهر المهروب منه إليه المستعاذ به منه، جل وعلا وتبارك وتعالى. قلت: فهذا ما اقتصرت عليه من ترجمة قطب الأولياء الأكابر المتوج بتاج الشرف والمفاخر، شيخ الوجود ومطلع السعود، محيي الدين عبد ألفادر، الذي لا تسع ترجمة محاسنه إلا مجلمات، على هذه النبذة اليسيرة في نحو تصنيف كراسة صغيرة، وقد اقتصر الذهبي منهاعلى نحو سبعة أسطرحقيرة. وفي السنة المذكورة توفي الإمام الحافظ تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد ابن منصور المروزي، محدث المشرق، صاحب التصانيف الكثيرة وإلىحلة الواسعة. سمع بنيساور وهراة وبغداد وأصبهان ودمشق، وله معجم شيوخه في عشر مجلمات. كان ثقة مكثراً واسع العلم كثير الفضائل، ظريفاً لطيفاً نبيلاً متجملاً شريفاً. وفي السنة المذكورة توفي القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد ابن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغساني الأسواني. كان من أهل الفضل والنباهة وإلىئاسة، صنف كتاب جنان الجنان ورياض الأذهان وذكر فيه جماعة من مشاهير الفضلاء، وله ديوان شعر، ولأخيه القاضي المهذب ديوان شعر أيضاً، وكانا مجيدين في نظمهما ونثرهما، ومن نظم القاضي المهذب قوله في قصيدة:
وترى المجرة والنجوم كأنما
…
تسقي الرياض بجدول ملآن
لو لم يكن نهراً لما عامت به
…
أبداً نجوم الحوت والسرطان
وذكر العماد ألفاتب في كتاب السيل على الذيل الذي ذيل به على الخريدة أنه كان أشعر من أخيه الرشيد، والرشيد أعلم منه في سائر العلوم. قلت: ويشبه أن يكون نسبة هذين الأخوين الشريفين: إلىضي والمرتضى، فإن إلىضي كان أشعر، والمرتضى كان أعلم. وولي الرشيد المذكور النظر في ثغر الاسكندرية بغير اختياره، وقتله الوزير شاور ظلماً وكان أوحد عصره في علم الهندسة والرياضيات والعلوم الشرعيات، والآداب والشعريات. وقال العماد: أنشدني محمد بن موسى اليمني ببغداد قال: أنشدني القاضي الرشيد باليمن لنفسه في رجل:
لئن خاب ظني في رجائك بعدما
…
ظننت فإني قد ظفرت بمنصفر
فإنك قد كلفتني محل منة
…
ملكت بها شكري لدى كل موقف
لأنك قد حذرتني كل صاحب
…
وأعلمتني أن ليس في الأرض من يفي
وله أيضاً مما نقله عنه العماد المذكور.
إذا ما نبت بالحر دار يودها
…
ولم يرتحل عنها فليس بذي حزم
وهبه بها صباً ألم يدر أنه
…
سيزعجه منها الحمام على رغم
وله أيضاً مما أنشده عنه أمير أبو الفوارس مرهف بن أسامة:
جلت علي إلىزايا بل جلت هممي
…
وهل يضر جلاء الصارم الذكر
غيري بغيره عن حسن شيمته
…
صرف الزمان وما يأتي من الغير
لو كانت النار للماقوت محرقة
…
لمان يشتبه ألفاقوت بالحجر
لا تغررن بأطماري وقيمتها
…
فإنما هي أصداف على درر
ولا تظن خفاء النجم من صغر
…
فالذنب في ذاك محمول على البصر
وهذا البيت الأخير مأخوذ من قول أبي العلاء المعري، حيث قال فى قصيدة له طويلة:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته
…
والذنب للطرف لا للنجم فى الصغر
وكان الرشيد قد سافر إلى اليمن رسولاً، ومدح جماعة من ملوكها. وممن مدحه منهم علي بن حاتم الهمداني، قال فيه:
لئن أجدبت أرض الصعيد وأقحطوا
…
فلست أبالي القحط في أرض قحطان