الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي المقدم الأمير الكبير محمد بن عبد الملك، كان من أعيان أمراء الدولتين بطلاً شجاعاً محتشماً عاقلاً، شهد في الشام المذكور الفتوحات، وحج، فلما نزل بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدين، وضرب الكوسات فأنكر عليه أمير ركب العراق، فلم يلتفت وركب في طلبه وركب إليه الآخر، فالتقوا وقتل جماعة من الفريقين، وأصاب ابن المقدم سهم في عينه، فخرج سريعاً، ثم مات من الغد بمنى. وتوفي شيخ الحنابلة الملقب بناصر الإسلام نصر بن قينان - وكان موصوفاً بالورع والزهد والتعبد. وفيها توفي مجد الدين الصاحب هبة الله بن علي، ولي أستاذ دار للمستضيء، ولما ولي الناصر رفع منزلته وبسط يده وكان رافضياً سباياً لما تمكن أحيى شعار الإمامية، واشتهر بأشياء قبيحة، فقتل وأخذت حواصله، من جملتها ألف ألف دينار.
سنة اربع وثمانين وخمس مائة
دخلت، وصلاح الدين يصول وبخيوله يجول، حتى لاقت الفرنج منه ما ذكره يطول، وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان، سلموها له لفريط القحط في رمضان. وفيها توفي أسامة بن مرشد الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر الكناني - الشيرازي، أحد الأبطال المشهورين والشعراء المبرزين، له عدة تصانيف في الأدب والأخبار والنثر ونظم الأشعار، له ديوان شعر في جزأين ومن شعره:
لا تستعر جلداً على هجرانهم
…
فقواك تضعف عن صدود دائم
واعلم بأنك إن رجعت إليهم
…
طوعاً وإلا عدت عودة راغم
وله في ابن طليب المصري، وقد احترقت داره:
انظر إلى الأيام كيف تسوقنا
…
قهراً إلى الإقرار بالأقدار
ما أوقد ابن طليب قط بداره
…
ناراً وكان خرابها بالنار
قال ابن خلكان: ومما يناسب هذه الواقعة أن الوجيه بن صورة المصري - دلال الكتب - كانت له دار موصوفة بالحسن فاحترقت، فقال علي بن مفرح المعروف بالمنجم:
أقول وقد عاينت دار ابن صورة
…
وللنار فيها مارج يتضرم
كذا كل مال أصله من نهاوش
…
فمما قليل في نهار يعدم
قلت: ومع هذا البيتين بيت ثالث أفرط فيه ما ينبغي أن يذكر، والبيت الثاني مأخوذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من أصاب مالاً من نهاوش أهبه الله في نهابر ". والنهاوش الحرام، والنهابر المهالك. وقال لغزاً، وقد قلع ضرسه:
وصاحب لا أمل الدهرصحبتهيشفي لنفسيويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا
…
لناظري افترقنا فرقة الأبد
قلت: وقد فسرت هذا اللغز حيث قلت:
ضرس امرىء غاب عن عينيه في فمه
…
عليه في طحن مايغذوه معتمد
نعم الرحى صور الباري بحكمته
…
تراه عند انقلاع غير مرتدد
وفيها توفي الإمام عبد الرحمن بن محمد بن حبيش الأنصاري. كان من أئمة الحديث والقراءات والنحو واللغة، ولي خطابة مرسية وقضاءها، واشتهر ذكره وبعد صيته، وصنف كتاب المغازي في مجلدات. وفيها توفي شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر عمر ابن الإمام شمس الأئمة بكر بن علي رحمه الله تعالى. وفيها توفي التاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن الخراساني الصوفي الرحال
الأديب. كتب وسعى وجمع فأوعى، وصنف شرحاً طويلاً للمقامات، استوعب فيه ما لم يستوعبه غيره في خمس مجلدات كبار، ولم يبلغ أحد من شرح المقامات إلى هذا القدر ولا إلى نصفه، وكان مقيماً بدمشق، والناس يأخذون عنه بعد أن كان يعلم الملك الأفضل عند السلطان صلاح الدين، حصل له بطريقة كتباً نفيسة غريبة، وبها استعان على شرح المقامات. وحكى أبو البركات الهاشمي قال: لما دخل السلطان صلاح الدين حلب نزل المسعودي المذكور إلى جامع حلب، وقعد في خزانة كتب الوقف، واختار منها جملة أخذها لم يمنعه منها مانع، ولقد رأيته وهو يحشوها في عدل وقال ابن النجار: كان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب، وكان من أظرف المشايخ وأجملهم، توفي عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها توفي أبو الفتح التعاويذي، الشاعر الذي سار نظمه في الآفاق، وتقدم على شعراء العراق. هكذا ذكر بعضهم في السنة المذكورة، وقد قدمنا عن بعضهم ذكر موته في سنة ثلاث وخمسين، وذكرت شيئاً من فضائله هناك. وفيها توفي الإمام الحافظ محمد بن موسى الخازمي الهمداني الملقب زين الدين، أحد الحفاظ المتقنين وعباد الله الصالحين، سمع من أبي الوقت حضوراً، وسمع من أبي زرعة، ومعمر بن الفاخر بالخاء المعجمة ورحل إلى العراق وأصبهان والجزيرة وبلاد فارس وهمدان والشام والنواحي، وصنف التصانيف، وكان إماماً ذكياً ثاقب الذهن، فقيهاً بارعاً ومحدثاً ماهراً، بصيراً بالرجال والعلل، متبحراً في علم السنن ذا زهد وتعبد، وتأله وانقباض عن الناس، وغلب عليه الحديث، وبرع فيه واشتهر به، وصنف فيه وفي غيره كتباً مفيدة منها: الناسخ والمنسوخ في الحديث، وكتاب الفصل في مشتبه السنة، وكتاب عجالة المبتدىء في النسب، وكتاب ما اتفق لفظه وافترق مسماه في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، وكتاب سلسلة الذهب فيما روى الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي، وشروط الأئمة، وغير ذلك من الكتب النافعة. واستوطن بغداد ساكناً في الجانب الشرقي، ولم يزل مواظباً للاشتغال ملازم الخير إلى أن توفي رحمة الله تعالى عليه، فدفن في الشونيزية إلى جانب سمنون بن حمزة، مقابل قبر الجنيد رحمة الله تعالى على الجميع، بعد أن صلى عليه خلق كثير برحبة جامع القصر، وحمل إلى الجانب الغربي فصلي عليه مرة بعد أخرى، وفرق كتبه على أصحاب الحديث. وكانت ولادته في سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمس مائة،