الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقتدي بهم الأنام، ووقع بينه وبين أبي محمد بن حزم المعروف بالظاهري مجالس ومناظرات، ولي القضاء بالأندلس، وقد قيل إنه ولي قضاء حلب أيضاً. وأخذ عنه أبو عمر بن عبد البر صاحب الاستيعاب، وكان يقول: سمعت أبا ذرعبد بن أحمد الهروي يقول: لو صحت الإجازة لبطلت الرحلة. وروى عنه الخطيب البغدادي قال: أنشدني أبو الوليد الباجي لنفسه:
اذا كنت أعلم عماً يقيناً
…
بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها
…
وأجعلها في صلاح وطاعة
والباجي نسبة إلى باجة وهي مدينة بإفريقية، وهناك باجة أخرى وهي قرية من قرى أصبهان. وفيها توفي أبو بكر محمد بن المزكي النيسابوري المذكور المحدث. كتب عنه خمسمائة نفس، وأكثر عن أبيه وأبي عبد الرحمن السلمي والحاكم. وروى عنه الخطيب مع تقدمه. توفي في رجب.
سنة خمس وسبعين واربع مائة
فيها قدم الشريف أبو القاسم البكري الواعظ من عند نظام الملك إلى بغداد، فوعظ بالنظامية، ونبذا الحنابلة بالتجسيم، فسبوه وتعرضوا له، وكبس دور بني الفراء، وأخذ كتاب القاضي أبي يعلى في إبطال التأويل، وكان يقرأ بين يديه وهو على المنبر، فيشفع به ويشيع شأنه. وفيها توفى محدث أصبهان ومسندها عبد الوهاب ابن الحافظ أبي عبد الله العبدي الأصفهاني. وفيها أوفى حدودها توفي أبو الفضل المطهر بن عبد الواحد الأصفهاني.
سنة. ست وسبعين واربع مائه
فيها عزم أهل حران وقاضيهم على تسليم حران إلى أمير التركمان لكونه سنياً،
وغضبوا على صاحب الموصل لكونه رافضياً، ولكونه يساعد المصريين على محاصرة دمشق فأسرع إلى حران، ورماها بالمنجنيق، وأخذها وذبح القاضي وولديه. وفيها توفي الشيخ الإمام المتفق على جلالته وبراعته في الفقه والأصول وزهادته وورعه وعبادته وصلاحه وجميل صفاته السيد الجليل أبو إسحاق، المشهور فضله في الآفاق جمال الدين ابراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزأبادي، وعمره ثلاث وثمانون سنة دخل شيراز، وقرأ بها الفقه على أبي عبد الله البيضاوي، وعلى عبد الوهاب بن رامين، ثم دخل البصرة، وقرأ فيها على بعض علمائها، ودخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، تفقه على جماعة من الأعيان، وصحب القاضي أبا الطيب الطبري، ولازمه كثيراً، وانتفع به، وظهرفضله، وتميز على أصحابه، وناب عنه في مجلسه، ورتبه مفيداً في حلقته، وصنف التصانيف المباركة المفيدة المشهورة السعيدة، منها التنبيه والمهذب في الفقه واللمع وشرحه في أصول الفقه والنكت في الخلاف والمعونة في الجدل، وله شعر حسن، ومنه قوله:
سألت الناس عن خل وفي
…
فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت ودحر
…
فإن الحر في الدنيا قليل
وقوله أيضاً فيما نقله بعضهم:
أحب الكأس من غير المدام
…
وأهوى للحسان بلا حرام
وما حبي لفاحشة ولكن
…
رأيت الحب أخلاق الكرام
وقوله أيضاً فيما عزي إليه: حكيم يرى أن النجوم حقيقة، ويذهب في أحكامها كل مذهب يخبر عن أفلاكها وبروجها، وما عنده علم بما في المغيب. وسيأتي ذكر شيء مما قيل فيه وفي كتبه. وذكر الحافظ ابن عساكر أنه كان أنظر أهل زمانه وأفصحهم وأورعهم وأكثرهم تواضعاً وبشرى. انتهت إليه رئاسة المذهب، ورحل إليه الفقهاء من الأقطار، وتخرج به أئمة كبار، ولم يحج، ولا وجب عليه حج، لأنه فقيراً متعففاً قانعاً باليسير. سمع الحديث من أبي علي ابن شاذان وأبي بكر البرقاني وغيرهما، وتفقه على جماعة في شيراز والبصرة وبغداد. قلت وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق المذكور في طبقات الفقهاء قريب عشرة من شيوخه، منهم من انتسب إليه، وأشهرهم في الانتساب إليه والاشتغال عليه والملازمة له والأخذ عنه: الإمام القاضي أيو الطيب الطبري. قال الحافظ ابن عساكر: وكان يظن ممن لا يفهم أنه مخالف للأشعري - لقوله في كتابه في أصول الفقه: وقالت الأشعرية الأمر، لا
صيغة له قال: وليس ذلك لأنه يعتقد اعتقاده، وإنما قال ذلك لأنه خالفه في هذه المسألة التي هي مما تفرد بها أبو الحسن.
قال: وقد ذكرنا فتواه فيمن خالف الأشعرية واعتقد بتبديعهم، وذلك أوفى دليل على أنه منهم. انتهى كلام الحافظ ابن عساكر. قلت: والفتوى المذكورة عن الشيخ أبي إسحاق في هذه الألفاظ التي نقلها الإمام ابن عساكر الجواب، وبالله التوفيق. إن الأشعرية هم أعيان أهل السنة ونصار الشريعة، انتصبوا للرد على المبتدعين القدرية والروافض وغيرهم، فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رفع أمر من يفعل ذلك الى الناظر في أمر المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتدع كل أحد. وكتب ابراهيم بن علي الفيروزأبادي، وبعده جوابي مثله، وكتب محمد بن أحمد الشاشي، وذكر الحافظ ابن عساكر أيضاً أجوبة أخرى لقاضي القضاة الدامغاني وأصحاب الحديث، ولا نطول بذكر ذلك. وقال الحافظ محب الدين بن النخار: فاق أهل زمانه في العلم والزهد، وانتشر فضله في القرب والبعد، أو قال: في البلاد. وأكثر علماء الأمصار من تلامذته. وروى عنه الإمام الحافظ السمعاني بسنده في تذييله على تاريخ بغداد أنه قال: كنت نائما فرأيت رسول الله صلى عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقلت: يا رسول الله، بلغني عنك أحاديث كثيرة، وأريد أن أسمع منك حديثاً بغير واسطة وروي بعضهم، أتشرف به في الدنيا، وأجعله ذخراً في الآخرة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا شيخ، من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره منه، وكان يفرح ويقول: سماني سول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيخاً. قال الإمام السمعاني: وسمعت جماعة يقولون: لما قدم أبو إسحاق رسولاً إلى نيسابور يعني رسول الخليفة أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله تلقاه الناس، وحمل الإمام أبو المعالي الخويني غاشية، ومشى بين يديه يعني بذلك إمام الحرمين. قلت: وسيأتي في ترجمة إمام الحرمين أن الشيخ أبا إسحاق عظمه أيضا فقال: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان. مشيراً إلى امام الحرمين. رواه السمعاني. وذكر بعض أهل الطبقات كلاماً معناه أنه حكي أن الشيخ أبا إسحاق تناظر هو وإمام الحرمين، فغلبه أبو إسحاق بقوة معرفته بطريق الجدل. قلت وقد سمعت من بعض المشتغلين بالعلم نحواً من هذا، وأن إمام الحرمين قال
له: والله اعلم ما غلبتني بفقهك، ولكن بصلاحك. هكذا حكي والله أعلم. وذكروا أنه لما شافهه أمير المؤمنين بالرسالة قال: وما يدريني أنك أمير المؤمنين
ولم أرك قبل هذا قط؟! فتبسم الخليفة من ذلك، وأعجبه، فأحضر من عرفه به. وذكروا أيضاً أنه كان في طريق، فمر كلب، فزجره بعض أصحابه، فقال له أبو إسحاق: أما علمت أن الطريق مشتركة بيننا وبينه؟ وله في الورع حكايات شهيرة. ومن تواضعه أنه كان - مع جلالته وعلو منزلته - يحضر مجلس بعض تلامذة إمام الحرمين، أعني مجلس وعظه، وهو الشيخ الإمام البارع جامع المحاسن والفضائل بلا منازع أبو نصر عبد الرحيم ابن الإمام أبي القاسم القشيري كما سيأتي. وذكر الحافظ ابن النجار أنه لما ورد بلاد العجم، كان يخرج إليه أهلها بنسائهم، فيمسحون أردانهم يعني به أو قال: أردانهم به، ويأخذون تراب نعله، فيستشفون به. وذكر علماء التاريخ أنه لما فرغ نظام الملك من بناء المدرسة النظامية التي في بغداد سنة تسع وخمسين وأربع مائة قرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق. واجتمع الناس من سائر أعيان البلد وجوه الناس على اختلاف طبقاتهم، فلم يحضر الشيخ أبو إسحاق، وسبب ذلك أنه لقيه صبي قيل حمال من السوق فقال له: كيف تدرس في مكان مغصوب. فرجع واختفى، فلما أيسوا من حضوره قالوا: ما ينبغي أن ينصرف هذا الجمع إلا بعد تدريس، فدرس الإمام أبو نصر بن الصباغ - مصنف الشامل وقيل: لم يكن حاضراً، بل نفذ إليه عند ذلك، فحضر ودرس. فلما وصل الخبر إلى نظام الملك أقام القيامة على العميد أبي سعيد، فلم يزل يرفق بالشيخ أبي إسحاق حتى عرس بها. وذكر بعضهم أن الشيخ أبا إسحاق ظهر في مسجده بعد اختفائه، ولحق أصحابه من ذلك ما بان عليهم، وفتروا عن حضور درسه، وراسلوه أنه أن لم يدرس بها مضوا إلى ابن الصباغ، وتركوه، فأجاب إلى التدريس بها، وعزل ابن الصباغ، وكان مدة تدريسه بها عشرين يوماً. قلت لماذا كان الحامل للشيخ أبي إسحاق على التدريس بها قول طلبته المذكور، وفتورهم عن حضور درسه، فذلك يحمل على حرصه على نشر علمه، ونفع المسلمين به، ويكون ذلك من النصيحة للدين والاهتمام بالقيام لإظهار ما شرع من الأحكام، وتعليمها للراغبين فيها من الأنام، وكراهية أن يكون علمه مهجوراً، وتعطيل النفع بما سعى في تحصيله دهوراً.
قلت ومما يناسب ذلك ما جرى لبعض علماء اليمن، وهو الفقيه الإمام الكبير البارع الولي الشهير، قدوة الزمن، ومفتي اليمن: علي بن قاسم، وذلك أن سلطان اليمن لما ثبت عنده أنه أفضل أهل زمانه في نواحي مكانه، ندبه إلى التدريس في مدرسته، فامتنع، فراجعه في ذلك، فلم يوافق، فقالوا له: إما تدرس في مدرستي، وإما تخرج من بلادي، فقال: أنا أخرج، فخرج إلى بعض الأمكنة التي لا يجتمع فيها من الطلبة مثل ما يجتمع في المدن، فأخذ يدرس فيها، فلم يحضر عنده إلا نفر يسير، خلاف ما كانه يحضره عنده من الجمع الكثير، فأنكر في ذلك، وقال: أرجع أدرس في المكان الذي كنت فيه - والبلاد بلاد الرحمن، ما هي بلاد السلطان فرجع، فأعلم السلطان - برجوعه، فقال: لعله قبل التدريس، فاستحضره، وأمره بالذهاب إلى المدرسة، فامتنع من ذلك، فقال: اذهبوا به إلى الحبس، فذهبوا به، فلما بلغ ببعض الطريق، أمر برده، فلما رجع إليه قال له: المصلحة أن تدرس، فأبى ورأى المصلحة بخلاف ذلك، فقال: اذهبوا به إلى الحبس، فذهبوا به إلى أن بلغ ما شاء الله من الطريق، ثم استدعى برده فلما رجع تكلم عليه، وحذره من المخالفة، وبالغ في ذلك، فقال: لا سبيل إلى ذلك، فقال: اسجنوه، فسجنوه بعنف، وربما أخذوه بأطوار، فقال: يا قميص، اخنقه. أو كما قال من الكلام مشيراً بذلك إلى قميص السلطان، فخنق السلطان قميصه، ونزل عليه من البلاء ما لا يطيقه، فصاح: أطلقوه، أطلقوه. فما أطلقوه، فأطلقه السلطان لما أصابه من البلاء والامتحان. ومما وقع للفقيه المذكور مع السلطان أنه حضر شهر رمضان في وفد السلطان، فقال: انظروا أفضل الناس يصلي بنا في هذا الشهر. فقالوا: ما هنا أفضل من الفقيه علي بن قاسم، فاستدعى به السلطان، والتمس منه أن يؤمهم، فلما كان أول ليلة من رمضان، تقذم على أنه يصلي بهم، فطار شرار من الشماع التي في حضرة السلطان، فوقعت في ثياب الفقيه المذكور، فنفض ثيابه، وهج خارجاً من ذلك المكان وهو يقول:" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار "، - هود 113 -. وكان من حدة ذكائه وقوة براعته في الفقه أنه التزم ان جميع ما يسأل عنه لا يجيب عنه إلا من كتاب التنبيه. رجعنا إلى ذكر صاحب التنبيه:
أخبرني بعض الفقهاء الصلحاء، أفضل أهل الصنعاء، ممن يرد عليه أحوال الفقراء، قال: كنا جماعة نتدارس التنبيه، كما يتدارس القرآن، فبينا نحن في بعض الأيام نتدارسه، إذ كشف لي عن الشيخ أبي إسحاق حاضراً معنا في المجلس، وإذا به يقول ما معناه: حسبت في كتابي ما حسبته من خير الآمال، وما حسبت قط أنه بلغ إلى هذا الحال، أو نحو ذلك من المقال. يعني: أنه يتدارس كما يتدارس القرآن. وقال القاضي محمد بن محمد الماهاني: إمامان ما اتقق لهما الحج: الشيخ أبو إسحاق، والقاضي ابو عبد الله الدامغاني. اما أبو إسحاق، فكان فقيراً، ولكن لو اراده لحمل على الأعناق. وأما الدامغاني، فلو أراد الحج على السندس والاستبرق لأمكنه. وقال الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي - سنة أربعين وأربعمائة - في عزاء إنسان سماه، فتكلم الشيخ أبو إسحاق، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رأه الشافعي لتجمل به، أو قال: لأعجب به. وقال الإمام أبو بكر الشاشي مصنف المستظهري: وشيخنا أبو إسحاق حجة على أئمة العصر. وقال الموفق الحنفي: الشيخ أبو إسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء. وقال الإمام السمعاني: كان أبو إسحاق يوسوس في الطهارة. سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان الشيخ أبو إسحاق يتوضأ في الشط، فغسلرني بعض الفقهاء الصلحاء، أفضل أهل الصنعاء، ممن يرد عليه أحوال الفقراء، قال: كنا جماعة نتدارس التنبيه، كما يتدارس القرآن، فبينا نحن في بعض الأيام نتدارسه، إذ كشف لي عن الشيخ أبي إسحاق حاضراً معنا في المجلس، وإذا به يقول ما معناه: حسبت في كتابي ما حسبته من خير الآمال، وما حسبت قط أنه بلغ إلى هذا الحال، أو نحو ذلك من المقال. يعني: أنه يتدارس كما يتدارس القرآن. وقال القاضي محمد بن محمد الماهاني: إمامان ما اتقق لهما الحج: الشيخ أبو
إسحاق، والقاضي ابو عبد الله الدامغاني. اما أبو إسحاق، فكان فقيراً، ولكن لو اراده لحمل على الأعناق. وأما الدامغاني، فلو أراد الحج على السندس والاستبرق لأمكنه. وقال الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي - سنة أربعين وأربعمائة - في عزاء إنسان سماه، فتكلم الشيخ أبو إسحاق، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رأه الشافعي لتجمل به، أو قال: لأعجب به. وقال الإمام أبو بكر الشاشي مصنف المستظهري: وشيخنا أبو إسحاق حجة على أئمة العصر. وقال الموفق الحنفي: الشيخ أبو إسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء. وقال الإمام السمعاني: كان أبو إسحاق يوسوس في الطهارة. سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان الشيخ أبو إسحاق يتوضأ في الشط، فغسل وجهه مراراً، فقال له رجل: يا شيخ، أما تستحي تغسل وجهك كذا وكذا مرة؟! فقال أبو إسحاق: لو حصلت لي الثلاثة ما زدت عليها. يعني: لو حصل لي العلم أو الظن المولد بعموم الثلاث للوجه ما زدت عليها. انتهى. قلت: جميع هذا المذكور في الشيخ أبي إسحاق مما ذكره علماء الطبقات والتواريخ، ومما رويناه عن أهل العلم والخبر. ومن ذلك أيضاً ما ذكر بعضهم أنه رأى الشيخ الإمام أبا إسحاق المذكور بعد وفاته وعليه ثياب بيض، وعلى رأسه تاج - فقيل له: وما هذا البياض؟ فقال: شرف الطاعة. قال: والتاج؟ قال: عز العلم. وفيه قال عاصم بن الحسن:
تراه من الذكاء نحيف جسم
…
عليه من توقده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعالي
…
فليس يضره الجسسم النحيل
قال السلار العقيلي:
كفاني إذا عز الحوادث صارم
…
ينيلني المأمول في الإثر والأثر
يقد ويفري في اللقاء كأنه
…
لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
ومما قيل فيه: وكان قد استقر إجماع أهل بغداد بعد موت الخليفة على أن يعقد الخلافة لمن اختاره الشيخ أبو إسحاق، فاختار المقتدي بأمر الله فيما حكاه الإمام طاهر ابن الإمام العلامة يحيى بن أبي الخير العمراني فيما يغلب على ظنه.
ولقد رضيت عن الزمان وإن رمى
…
قومي يخطب ضعضع الأركانا
لما رآني طلبة الخبر الذي
…
أحيى الإله بعلمه الأديانا
أزكى الورى ديناً واكرم شيمة
…
وأمد في طلق العلوم عنانا
وأقل في الدنيا القصيرة رغبة
…
ولطالما قد أنصف الرهبانا
لله ابراهيم أي محقق
…
صلب إذا رب البصيرة لانا
فتخيله من زهده ومخافة
…
لله قد نظر المعاد عيانا
ومما قيل فيه وفي كتاب التنبيه ما رواه الحافظ ابن عساكر:
سقياً لمن صنف التنبيه مختصراً
…
ألفاظه العز واستقصى معانيه
إن الإمام أبا إسحاق صنفه
…
للة والدين لا للكبر والتنبيه
رأى علوماً عن الأفهام شاردة
…
فجازها ابن علي كلها فيه
لا زلت للشرء ابراهيم منتصراً
…
تذب عنه أعاديه وتحميه
قلت: وفيه وفي كتاب المهذب، وما اشتمل عليه من الفقه والمسائل النفيسات، نظمت قصيدة من جملتها هذه الأبيات، بعدما طعن فيه بعض المتعصبين، وزعم أنه ليس فيه شيء من المسائل الفقهيات، وحلف على ذلك بعض إيمان الغليظات، فأرسل إلي من بعض البلاد البعيدة في السؤال عن ذلك، وعن اليمين المذكورة، فأجبت بجواب مشتمل علي التعنيف والإنكار الشديد على الطاعن في محاسنه المشهورة، وختمت الجواب بهذه الأبيات التي هي إلى فضائله مشيرات:
إذا الغز عن غر المسائل سائل
…
وقال: افتني أين استقرت فجاوب
وقل غرها عن در فقه تبسمت
…
ملاح الحلي حلت كتاب المذهب
عذارى المعاني قد زهت في خدورها
…
على غير كفو لازمات التحجب
ذراري أبي إسحاق أكرم بسيد
…
إمام نجيب للبعيد مقرب
بمدح علاه لا أقوم وإنما
…
أذب مقال الطاعن عن المتعصب
قبولاً واقبالاً حظته سعادة
…
وأضحى لطلاب كياقوت مطلب
تصانيفه كم من إمام وطالب
…
بها انتفعا في شرق أرض ومغرب
وما ذاك إلاعن عطاء عناية
…
وتخصيص فضل لاينال بمكسب
ولما مات الشيخ أبو إسحاق رثاه أبو القاسم بن نافيا بالنون وبعد الالف فاء ثم المثناة من تحت هكذا هو في الاصل المنقول منه حيث قال:
أجرى المدامع بالدم المهراق
…
خصب أقام قيامه الآباق
ما لليالي لا تؤلف شملها
…
بعد ابن نجدتها أبي إسحاق
إن قيل مات فلم يمت من ذكره
…
حي على مر الليالي باق
ثم درس بعده في النظامية الإمام أبو سعيد المتولي مدة، ثم صرف بالإمام ابن الصباغ، ثم صرف ابن الصباغ أيضاً بأبي سعيد المذكور على ما نقل بعضهم - وذكر بعضهم أنه لما توفي الشيخ أبو إسحاق، جلس أصحابه للعزاء بالمدرسة النظامية، فلما انقضى العزاء رتب مؤيد الملك ابن نظام الملك علي سعيد المتولي، ولما بلغ الخبر نظام الملك كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة لأجله. وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر بن الصباغ. قلت وممن درس في النظامية من الأئمة الكبار أبو حامد الغزالي، وأبو بكر الشاشي صاحب المستظهري، وأبو النجيب السهروردي، وجماعة كبار مترتبون على تعاقب الأعصار، وقد يتعجب من عدم ذكر التدريس بها إمام الحرمين، وليس بعجب، فإن إمام الحرمين كانت إقامته بنيسابور، وكان مدرساً هنالك بالمدرسة النظامية. قلت وهذا ما اقتصرت عليه من ذكر مناقب الشيخ أبي إسحاق، وله فضائل جليلة، ومحاسن جميلة، وسيرة حميدة طويلة. ثم أدبه وزهادته، وورعه وعبادته، وفضائله وبراعته، وتواضعه وقناعته، وصلاحه وكرامته وغير ذلك من مشهور المناقب ومشكور المواهب التي لا يحصرها عد حاسب. ومن ورعه ما حكوا أنه كان إذا حضر وقت الصلاة خرج من المدرسة النظامية، وصلى
في بعض المساجد. وكان يقول رحمة الله عليه: بلغني أنه أكثر آلاتها غصب واصلة على مر الدهور بالنفحات الالهية. وفي السنة المذكورة توفي طاهر بن الحسين القواس الحنبلي، وكان إماماً في الفقه والورع رحمه الله. وفيها توفي الحافظ عبد الله بن العطار الهروي. وفيها توفي الواعظ البكري الأشعري أبو بكر المغربي. وفد على نظام الملك بخراسان، فكتب له سجلاً أن يجلس بجوامع بغداد، فقدم، وجلس، ووعظ، ونال من الحنابلة سباً وتكفيراً، ونالوا منه. وفيها توفي مقرىء الأندلس في زمانه أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني الأشبيلي، مصنف كتاب الكافي وكتاب التذكير سمع من أبي ذر الهروي وجماعة.