الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصائغ والله اعلم بحقيقة ذلك:
أسكان نعمان الأراك تيقنوا
…
بأنكم في ربع قلبي ودوموا
على حفظ الوداد فطالما
…
بلينا بأقوام إذا استؤمنوا اخافوا
سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم
…
هل اكتحلت بالغمض لي فيه أجفان
وهل جردت أسياف برق سمائكم
…
فكان لها إلا جفوني أجفان
وذكروا أنه وصل أحمد بن محمد المعروف بابن الخياط الشاعر إلى حلب وبها يومئذ أبو الفتيان المذكور - فكتب إليه ابن الخياط.
لم يبق عندي ما يباع بدرهم
…
وكفاك مني منظري عن مخبري
إلا بقية ماء وجه منتهى
…
عن أن تباع وأين أين المشتري؟
قيل: ولو قال: وأنت نعم المشتري لكان أحسن.
سنة اثنتين وسبعين واربع مائة
فيها توفي الفقيه الزاهد القدوة أبو محمد هياج بن عبيد. قال هبة الله الشيرازي: ما رأت عيناي مثله في الزهد والورع. وقال ابن طاهر: بلغ من زهده أنه يواصل ثلاثاً، لكن يفطر على ماء زمزم، فإذا كان اليوم الثالث واتاه بشيء أكله. وكان قد نيف على الثمانين، وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجيله، ويدرس عدة دروس لأصحابه، وكان يزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل سنة من مكة، فيمشي حافياً ذاهباً وراجعاً. روى عن أبي ذر الهروي، وطائفة. وفيها توفي أبو منصور العكبري محمد بن محمد بن أحمد الأخباري النديم عن تسعين سنة. صدوق، روى عن عبد الله الجعفي وهلال الحفار وطائفة. توفي في رمضان. وفيها توفي أبو علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي المالكي. وعبد العزيز بن محمد الفارسي الهروي.
سنة ثلاث وسبعين واربع مائة
فيها توفي أبو القاسم الفضل بن عبد الله الواعظ النيسابوري. وفيها توفي السلطان الغنوي الدمشقي شاعر أهل الشام. له ديوان كبير.
وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون المثناة من تحت والحاء المهملة مكسورة القائم باليمن، كان أبوه قاضياً باليمن، سني المذهب، وكان أهله وجماعته يطيعونه، وكان الداعي عامر بن عبد الله الرواحي بالراء والحاء المهملة يلاطفه ويركب، أو قال: يركب إليه لرئاسته وسؤدده وصلاحة علمه، فلم يزل عامر المذكور حتى استمال قلب ولده المذكور وهو يومئذ دون البلوغ، لاحت فيه مخائل النجابة. وقيل كانت عنده حلية علي الصليحي في كتاب الصور، وهو من الذخائر القديمة، فأوفقه منه على تثقل حاله وشرف ماله، وأطلعه على ذلك سراً من أبيه وأهله. ثم مات عامر عن قرب، وأوصى له بكتبه وعلومه، ورسخ في الذهن من كلامه ما رسخ، فعكف على الدرس وكان ذكياً فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علومه التي بلغ بها - وبالحد الصعيد غاية البعيد. قلت هذا على اعتقاد من هو طريد عن باب التوفيق والاعتقاد السديد، فلم يزل مشتغلاً بتلك العفوم الضلالية الأوهامية، حتى صار فقيهاً في مذهب الباطنية الإسماعيلة، منتصراً في علم التأويل المخالف بمفهوم التنزيل، ثم إنه صار يحج بالناس دليلاً على طريق السراة والطائف خمس عشرة سنة، وكان الناس يقولون له: بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره، ويكون لك شأن؟ فيكره ذلك، وينكره على قائله، مع كونه أمراً قد شاع، وكثر في أفواه الناس - الخاصة والعامة. ولما كان سنة تسع وعشرين رأربع مائة ارتقى رأس جبل، هو أعلى ذروة من جبال اليمن، وكان معه ستون رجلاً، قد خالفهم بمكة في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام بالدعوة، وما منهم إلا من هو من قوم وعشيرة في منعة وعدد كبير، ولم يكن برأس الجبل المذكور بناء بل كان قلة عالية منيعة، فلما ملكها لم ينتصف نهار ذلك اليوم إلا وقد أحاط بها عشرون ألف ضارب بسيف، وحصروه وشتموه، وسفهوا رأيه، وقالوا له: إن نزلت وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع، فقال لهم: لا أفعل هذا إلا خوفاً علينا وعليكم أن يملكه غيرنا فإن تركتموني أحرسها وإلا نزلت إليكم، فانصرفوا عنه، ولم يمض عليه أشهر حتى بنى في رأس ذلك الجبل، وحصنه، وأتقنه، واستفحل أمر الصليحي شيئاً فشيئاً. وكان يدعو للمستنصر العبيدي صاحب مصر في الخفية، ويخاف من نجاح صاحب تهامة، ويلاطفه، ويستكبر لأمره، وفي الباطن يعمل الحيلة في قتله، ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه، وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
بالكدراء، وفي سنة تلاث وخمسين كتب الصليحي إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدعوة، فأذن له، فطوى البلاد طياً، وفتح الحصون والبلاد، ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد ملك اليمن كله: سهله ووعره، وبره وبحره. وقيل: وهذا أمر لم يعهد مثله في الجاهلية والإسلام، حتى قال يوماً وهو يخطب الناس في جامع الجند: وفي مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد، فقال بعص من حضر: سبوح قدوس، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. قلت قوله سبوح قدوس: إن كان تعظيماً له وتنزيها فقد كفر قائله، إذ أشركه مع الله بما يختص به تعالى، وإن كان تهكماً به وأنه ادعى من القدرة صفة من صفات الله تعالى التي لا يتصف بها غيره، فمثل هذا لا ينبغي أن يقال، والظاهر - والله أعلم - أن هذا مقال بعض الزنادقة، أخرجه مخرج التعظيم له. قال: فلم يدر مثل ذلك اليوم حتى خطب الصليحي على منبر عدن، فقام ذلك الإنسان، وتعالى في المقام، وأخذ البيعة، ودخل في المذهب. وفي سنة خمس وخمسين استقر حاله في صنعاء، وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم، وأسكنهم معه، وولى في الحصون غيرهم، واختط بمدينة صنعاء عدة حصون، وحلف أن لا يولي تهامه، إلأ لمن وزن له مائة ألف دينار، فوزنت له ذلك زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب، فولاه وقال لها: يا مولاتنا؛ أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فتبسم وعلم أنه من خزانته، فقبضه وقال: هذه بضاعتنا ردت إلينا، ونمير أهلنا، ونحفظ أخانا. ولما كان في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، عزم الصليحي على الحج، فأخذ الملوك الذين كان يخاف منهم أن يثوروا عليه، واستصحب زوجته أسماء بنت شهاب، واستخلف مكانه ولده منها المكرم أحمد، وتوجه في ألفي فارس، فيهم من آل الصليحي مائة وتسعون - شخصاً، حتى إذا كان بالمنج، نزل في ظاهرها بالعسكر بضيعة يقال لها أم الدهيم وبيرام معبد، ونزلت عساكره والملوك الذين معه من حوله، فلم يشعر الناس حتى قتل الصليحي، فانزعر الناس، وكشفوا عن الخبر، فإذا الذي قتله سعيد الأحول ابن الذي قتلت الجارية أباه نجاحاً بالسم، أرسل إليه أخوه يعلمه أن الصليحي متوجه إلى مكة، فتحضر حتى تقطع عليه الطريق، فحضر، ثم خرج هو وأخوه، ومعهما سبعون رجلاً بلا مركوب ولا
سلاح، بل مع كل واحد جريدة في رأسها مسمار حديد، وتركوا جادة الطريق، وسلكوا الساحل، وكان بينهم وبين المخيم مسيرة ثلاثة ايام، وكان الصليحي قد سمع بخروجهم، فسير خمسة آلاف حربة من الحبشة الذين كانوا في ركابه لقتالهم، واختلفوا في الطريق، فوصل سعيد الأحوال المذكور ومن معه إلى طريق المخيم، وقد أخذ منهم التعب والجفاء وقلة المادة، فظن الناس أنهم من جملة عبيد العسكر، ولم يشعر بهم إلا عبد الله أخو الصليحي فقال: يا مولانا؛ اركب، فهذا والله الأحول سعيد بن نجاح. وركب عبد الله فقال الصليحي لأخيه: إني لا أموت إلا بالدهيم وبيرام معبد التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه اله وسلم لما هاجر إلى المدينة، فقال له رجل من أصحابه: قاتل عن نفسك، فهذه والله الدهيم، وهذه بيرام معبد. فلما سمع الصليحي ذلك لحقه اليأس من الحياة وقال: فلم يبرح من مكانه حتى قطع رأسه بسيفه، وقتل أخوه معه، وسائر الصليحيين. ثم إن سعيداً أرسل إلى الخمسة آلاف التي أرسلها الصليحي أن الصليحي قد قتل، وأخذت ثأر أبي، فقدموا عليه، وأطاعوه، واستعان بهم على قتال عسكر الصليحيين، فاستظهر عليهم قتلاً وأسراً ونهباً، ثم حمل رأس الصليحي على عود المظلمة، وقرأ القارىء:" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء "، - آل عمران 26 - ورجع إلى زبيد، وقد حاز الغنائم. قلت هكذا نقل بعض المؤرخين، وقد ذكرته عن بعضهم في كتاب المرهم أن داعي الاسماعيلية دخل اليمن ودعا إلى مذهبهم، ونزل في الجبل المذكور، ولم يزل يدعو سراً حتى كثرت أتباعهم، وظهرت دعوتهم، وملكوا جبال اليمن وتهامتها. ولكن ذلك مخالف بما قدمناه عن بعض في هذا التاريخ، من وجوه. منها: أنهم ذكروا أن داعيهم الذي أظهر مذهبهم في اليمن وملكهم اسمه: علي بن فضل، من ولد خنفر بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الفاء في آخره راء بن سبأ. والذي تقدم في هذا التاريخ اسمه علي بن محمد الصليحي. ومنها أن دعوتهم ظهرت في سنة سبعين ومائتين، والمذكور فيما تقدم من هذا التاريخ أن دعوتهم ظهرت في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.
ومنها أنهم ذكروا أن علي بن الفضل المذكور كان داعياً للاسماعيلية، والصليحي المذكور في هذا التاريخ كان داعياً للرافضة الإمامية، ولكن يمكن الجمع بينهما على هذا الوجه، وهو أنهم في ظاهر الدعوة يقرون إلى مذهب الإمامية، وفي الباطن متدينون لمذهب الباطنية. ولهذا قال الإمام حجة الإسلام في وصف الباطنية: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفرالمحض.