الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نباتة في اليوم الذي توفي فيه، فأنشدني هذا البيت، وودعته وانصرفت، فأخبرت في طريقي أنه توفي.
وفيها توفي الإمام الكبير الحافظ الشهير أبو عبد الله محمد بن عبد الله، المعروف بالحاكم ابن البيع النيسابوري، إمام أهل الحديث في وقته. كتب عن نحو الذي حديث شيخ، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنف التصانيف، وتفقه على الإمام أبي سهل الصعلوكي الفقيه الشافعي، ولازمه الدارقطني، وسمع منه الإمام أبو بكر القفال الشاشي وغيره من الأئمة. وفيها وقيل في سنة ثلاث وستين وأربع مائة توفي ابن زيدون المخزومي الأندلسي الشاعر المشهور. ومن شعره:
يا بائعاً حظه مني ولو بذلت
…
لي الحياة بحظي منه لم أبع
يكفيك أني إن حملت قلبي ما
…
لا يستطيع قلوب الناس يستطع
ته أحتمل واستطل أصبر وعز
…
أهن وول أقبل اسمع ومر أطع
ومن شعره أيضاً:
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا
…
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لبعدكم أيامنا فغدت
…
سوداً، وكانت بكم بيضاً ليالينا
بالأمس كنا وما نخشى تفرقنا
…
واليوم نحن وما يرجى تلاقينا
ومنه أيضاً:
لم تدر ما خلتعيناك في خلديمن الغرام ولا ما كابدت كبدي
سنة ست واربع مائة
فيها توفي الإمام الجليل الفاضل، مقر النجابة والفضائل، الشيخ أبو حامد أحمد بن
أبي طاهر محمد بن أحمد الاسفرائيني الفقيه الشافعي، شيخ طريقة العراق، وإمام الشافعية بالاتفاق. انتهت إليه رئاسة الدنيا والدين ببغداد، وكان يحضر مجلسه أكثر من ثلائمائة فقيه هكذا ذكر بعضهم، وقال بعضهم: سبع مائة فقيه، علق على مختصر المزني تعاليق، وطبق الأرض بالأصحاب، وله فى المذاهب: التعليقة الكبرى في نحو خمسين مجلداً، وكتاب البستان، ذكر فيه غرائب، وهو كتاب صغير. أخذ الفقه عن أبي الحسن بن المرزباني، ثم عن أبي القاسم الداركي. واتفق أهل عصره على جلالته وتفضيله وتقديمه في جودة النظر. وذكر الخطيب أنه حدث بشيء يسير عن عبد الله بن عدي، وأبي بكر الاسماعيلي، وابراهيم بن محمد الاسفرائيني وغيرهم. وقال: وكان ثقة، ورأيته غير مرة، وحضرت تدريسه، وسمعت من يذكر أنه كان يحضر درسه سبعمائة متفقه. وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به. وحكى الشيخ أبو إسحاق في كتاب الطبقات أن أبا الحسن القدوري كان يعظمه ويفضله على كل أحد، وأن الوزير أبا القاسم علي بن الحسن حكى له عن القدوري أنه قال: أبو حامد عندي أفقه وأنظر من الشافعي. قال الشيخ أبو إسحاق: فقلت له: هذا القول من القدوري، حمله عليه اعتقاده في الشيخ أبي حامد، وتعصبه للحنفية على الشافعي، ولا يلتفت إليه فإن أبا حامد، ومن هو أعلم منه وأقدم على بعد من تلك الطبقة، وما مثل الشافعي ومثل من بعده إلا كما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل
…
ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وقال تلميذه الإمام سليم الرازي: كان لا يخلو له وقت عن اشتغال، حتى إنه كان إذا أبوأ القلم قرأ القرآن أو سبح، وكذلك إذا كان ماراً في الطريق. وروى القاضي الإمام طاهر ابن الإمام العلامة صاحب البيان يحيى بن أبي الخير العمراني اليمني بسنده عن بعض شيوخه بالسند المتصل عن الإمام أبي الفتوح يحيى بن عيسى بن ملامس، عن والده قال: لقيت الشيخ الإمام أبا حامد الاسفرائيني بمكة في بعض المواسم، فرأيت عليه ثياباً ثمينة من ثياب الملوك، ورأيته يركب مراكب الملوك، ورأيته في الطواف والناس يعظمونه فقرأ في الطواف قارىء:" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً " - القصص 83 - فبكى الشيخ أبو حامد بكاء شديداً، وسمعته يقول: أما العلو يا رب فقد أردناه، وأما الفساد فلم نرده. وروي أنه قابله بعض الفقهاء في مجلس المناظرة بما لا يليق، ثم أتاه في الليل معتذراً إليه، فأنشده أبو حامد:
جفاء جرى جهراً لدى الناس وانبسط
…
وعذراً أتى سراً فأكد ما فرط
ومن ظن أن يمحو جلي جفائه
…
خفى اعتذار فهو في أعظم الغلط
وفي الإمام أبي حامد المذكور ما هو عن بعضهم بهذا اللفظ مسطور، لما عاد مريضاً أنشأ المريض يقول:
مرضت فاشتقت إلى عائد
…
فعادني العالم في واحد
ذاك الإمام ابن طاهر
…
أحمد ذو الفضل أبو حامد
وكانت ولادته رحمه الله في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقدم بغداد في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. وقال الخطيب: سنة أربع وستين. ودرس الفقه بها من سنة سبعين إلى أن توفي في السنة المذكورة، ودفن في داره، ثم نقل إلى باب حرب في سنة عشر وأربعمائة. قلت: وهذا يقتضي أنه نقل بعد موته بأربع سنين، وأن جسده ما بلي، ويكون ذلك كرامة في حقه. وقال الخطيب: صليت على جنازته في الصحراء، وكان الإمام في الصلاة عليه عبد الله بن المهدي، خطيب جامع المنصور، وكان يوماً مشهوراً بعظم الحزن وكثرة الناس وشدة البكاء. ونسبته إلى إسفراين بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الفاء والراء وكسر الياء المثناة من تحت وبعدها نون هي بلدة بخراسان بنواحي نيسابور على منتصف الطريق إلى جرجان.
وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير، وحيد عصره ونسيج وحده، الأستاذ أبو علي الحسن بن علي الدقاق النيسابوري. وفيها توفي الإمام الكبير الأستاذ الشهير محمد بن الحسن بن فورك بضم الفاء وسكون الواو وفتح الراء الأصفهاني، صاحب التصانيف الحميدة والسيرة السديدة والفضائل العديدة والعزيمة الشديدة والشمائل الجريدة والأوصاف السعيدة، المتكلم الأصولي، الأديب النحوي الواعظ. دخل العراق، وأقام بها مدة يدرس العلم، ثم توجه إلى الري، فسمعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور، والتمسوا منه التوجه إليهم، ففعل، وورد نيسابور، فبنى له مدرسة وداراً، وأحيى الله به أنواعاً من العلوم. ولما استوطنها ظهرت بركته على جماعة المشتغلين بالعلم، وبلغت مصنفاته في أصول الفقه والدين ومعاني القرآن قريباً من مائة مصنف، ورحل إلى مدينة غزنة بفتح الغين المعجمة والنون وسكون الزاي بينهما مدينة عظيمه في أوائل الهند من جهة خراسان، وجرت له بها مناظرات كثيرة. ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: الشغل بالعيال نتيجة متابعة شهوة الحلال، فما ظنك
بقضية شهوة الحرام. وكان شديد الرد على أصحاب عبد الله بن كرام، ثم عاد إلى نيسابور، فسم في الطريق، فمات هناك، ونقل إلى نيسابور، ومشهده ظاهر هنالك، يزار، ويستسقى به لنزول الأمطار، وتجاب الدعوة عنده رحمة الله عليه ورضوانه. وفي السنة المذكورة توفي الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي، نقيب الأشراف، ذو المناقب ومحاسن الأوصاف، صاحب ديوان الشعر. ذكره الثعالبي في كتابه اليتيمة، وقال: ابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل، وهو اليوم أبدع أهل الزمان إنشاء، وأعجب سادة أهل العراق يعني الجهابذة الحذاق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبين على كثرة شعرائهم المفلقين يعني بالمفلقين بضم الميم وسكون الفاء وكسر اللام والقاف: الدهاة الآتين بالأمر العجيب. قال: ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أخبرته شاهد عدل من شعره العالي المدح، الممتنع في وصفه عن القدح الذي يرجع إلى السلاسة متانة، وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معان يقرب جناها، ويبعد مداها. ومن غرر شعره ما كتبه إلى الإمام القادر بالله أبي العباس أحمد بن المقتدر من جملة قصيدة:
عطفاً أمير المؤمنين فإننا
…
في دوحة العلياء لا نتفرق
ما بيننا يوم الفخار تفاوت
…
أبداً كلانا في المعالي معرق
إلا الخلافة ميزتك فإنني
…
أنا عاطل منها، وأنت مطوق
ويقال: أعرق الرجل: إذا كان له عرق في الكرم، كذلك الفرس، ويقال أيضاً في اللؤم، بضم اللام. ومن جيد قوله أيضاً:
رمت المعالي فامتنعن ولم يزل
…
أبداً يمانع عاشقاً معشوق
وصبرت حتى نلتهن ولم أقل
…
ضجراً دواء الفارك التطليق
وديوان شعره كبير، يدخل في أربع مجلدات، وهو كثير الوجود، فلا حاجة إلى الإكثار من ذكره. وذكر أبو الفتح ابن جني النحوي أن الشريف المذكور أحضر إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل لم يبلغ عمره سنين، فلقنه النحو، وقعد معه يوماً في الحلقة، فذاكره بشيء من الإعراب على عادة التعليم، فقال له: إذا قلنا: رأيت عمر، فما علامة النصب في عمر؟ فقال له الرضي: بغض علي فعجب السيرافي والحاضرون من حدة خاطره. وذكر أنه حفظ القرآن