الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي صاحب الموصل وابن صاحبها السلطان قطب الدين مودود بن زنكي. وفيها توفي أبو المكارم عبد الواحد بن هلال الأزدي المعدل، سمع من غير واحد، وأجاز له الفقيه نصر، وكان رئيساً جليلاً كثير العبادة والبر. وفيها توفي أبو بكر بن النقور، بالنون وألفاف وفي آخره راء، عبد الله بن محمد البغدادي ثقة محدث من اولاد الشيوخ.
سنة ست وستين وخمس مائة
فيها توفي أبو زرعة طاهر ابن الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ثم الهمذاني. وفيها توفي الحافظ المعدل أبو مسعود عبد إلىحمن بن أبي الوفاء علي بن أحمد الأصبها ني. وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن يوسف الزينبي شاطبة، سمع من جماعة قال بعضهم: كان عارفاً بالأثر مشاركاً في التفسير، حافظاً للفروع، بصيراً باللغة والكلام فصيحاً مفوهاً، مع الوقار والصمت والصيام والخشوع، ولي قضاء شاطبة، وحدث وصنف. وفيها توفي المستنجد بالله أبو المظفر يوسف ابن المقتفي لأمر الله محمد ابن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي العباسي. وفيها توفي ابن الجلال القاضي الأديب موفق الدين يوسف بن محمد، صاحب ديوان الإنشاء. ولي بعده القاضي المعروف بألفاضل. وفيها توفي المعافري عبد الجبار بن محمد المغربي، كان إماماً في اللغة وفنون الأدب، اشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به، واشتغل ببغداد ودخل الديار المصرية.
سنة سبع وستين وخمس مائة
في أولها تجاسر صلاح الدين وقطع خطبة العاضد العبيدي، وخطب للمستضيء أمير
المؤمنين العباسي، فأعقب ذلك موت العاضد العبيدي يوم عاشوراء، فجلس صلاح الدين للعزاء، وبالغ في الحزن والبكاء، وتسلم القصر وما حوى، واهتبط على أهل القصر في مكان أفرد لهم، وقرر لهم ما يكفيهم، ووصل إلى بغداد أبو نصر سعد بن عصرون رسولاً بذلك، فزينت بغداد فرحاً وكانت خطبة بني العباس قد قطعت من مصر مائتي سنة وتسع سنين وحلت مكانها خطبة بني عبيد. فأرسله بالخلع لنور الدين وصلاح الدين، وكانت خلعة نور الدين فرجية وجبة وقباء وطوق ذهب وزنه ألف دينار، ومعها حصان بسرجه، وحصان يجنب بين يديه، وسيفان ولواء، فقفد السيفين إشارة إلى الجمع له بين الشام ومصر. وفيها سار نور الدين لحصار الكرك، وطلب صلاح الدين فاعتذي، فلم يقبل عذره، وهم بالدخول إلى مصر وعزل صلاح الدين عنها، فبلغ ذلك صلاح الدين فجمع خواصه وواله وخاله شهاب الدين ألفارمي في جماعة أمراء، واستشارهم فقال ابن أخيه عمر: إذا جاءنا ققاتلناه. وتابعه غيره على ذلك من ألفاضرين، فشتمهم والد صلاح الدين نجم الدين أيوب، وأحد وزيرهم، وقال لابنه: أنا أبوك وهذا خالك، في هؤلاء من يريد لك الخير مثلنا؟ فقال: لا، قال: والله لو رأيت أنا وهذا نور الدين لم يمكنا إلا أن ننزل نقبل الأرض، ولو أمرنا بضرب عنقك لفعلنا، فما ظنك بغيرنا، وهذه البلاد لنور الدين؟! ! فإن أراد عزلك فأي حاجة له في المجيء، بل يطلبك بكتاب. ثم تفرقوا وكتب غير واحد من الأمراء بهذا المجلس المذكور إلى نور الدين، فلما خلا نجم الدين بابنه قال: أنت جاهل، تجمع هذا الجمع وتطلعهم على سرك؟! فلو قصدك نور الدين لم تر منهم معك أحداً، فاكتب إليه واخضع له، ففعل. وفيها توفي يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي الملقب صائن الدين، أحد الأئمة المتأخرين في القراءات وعلوم القرآن الكريم والحديث والنحو واللغة وغير ذلك، ودخل الاسكندرية وسمع من جماعة كثيرة وكذلك بمصر، ودخل بغداد وقرأ القران، وسمع
الحديث على جماعة من أكابر زمانه، وكان ديناً ورعاً، عليه وقار وسكينة، وكان ثقة ثبتاً نبيلاً قليل الكلام كثير الخير مفيداً، وأقام بدمشق مدة، واستوطن الموصل، ودخل أصبهان، ثم عاد إلى الموصل، وأخذ عنه شيوخ ذلك العصر. قال ابن خلكان: وكان شيخنا قاضي حلب بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع يفتخر بقراءته عليه ورويته، وكان كل يوم يسمط له دجاجة، ويتولى طبخها بيده. وكان كثيراً ما ينشد مسنداً إلى أبي الخير ألفاتب الواسطي:
جرى قلم القضاء بما يكون
…
فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق
…
ويرزق في غشاوته الجنين
وفيها توفي العلامة أبو محمد الخشاب عبد الله بن أحمد البغدادي النحوي المحدث، طلب وسمع وأكثر وقرأ الكثير وكتب بخطه المليح المتقن، وأخذ العربية عن أبي السعادات ابن الشجري وابن الجواليقي، وأتقن النحو واللغة والتصريف والنسب والفرائض والحساب والهندسة وغير ذلك، وصنف التصانيف. وكان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها مع الفهم والعذوبة، وانتهت إليه الإمامة في النحو، وكان متضلما من العلوم، وخطه في نهاية الحسن، وكان ظريفاً مزاحاً، وله شعر قليل من ذلك قوله في كتاب اللغز:
وذي أوجه لكنه غير بائح
…
بصر، وذو الوجهين للسر مظهر
تناجيك بالأسرار أسرار وجهه
…
فتسمعها بالعين ما دمت تنظر
وهذا المعنى مأخوذ من قول المتنبي في ابن العميد:
خلقت صفاتك في العيون كلامه
…
كالخط يملاء مسمعي من أبصرا
وشرح كتاب الجمل لعبد ألفاهر الجرجاني وسماه: المرتجل في شرح الجمل، وترك أبواباً في وسط الكتاب ما تكلم عليها، وشرح اللمع لابن جني ولم يكمله. وكانت فيه بزازة وقلة اكتراث بألفاكل والملابس، وسخ الثياب يسقى في جرة مكسورة، وما تأهل قط ولا تسرى. وذكر العماد انه كان بينه وبينه صحبة ومكاتبات، قال: ولما مات رأيته في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: خيراً، فقلت: فهل يرحم الله الأدباء؟ فقال: نعم، فقلت: وإن كانوا مقصرين؟ فقال: يجري عتاب كثير ثم يكون بعده النعيم. انتهى. قلت فافهم معنى هذا الكلام أيها الواقف عليه، إنما ذكر هذا للمقصرين في الخيرات لا للماصين أولي السيئات كأمثالنا. نسأل الله الكريم أن يسامحنا ويعفو عنا.
وفيها توفي العاضد لدين الله عبد الله ابن الحافظ لدين الله العبيدي المصري، أحد خلفاء ألفاطنية. وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المستنصري في جموع من المغرب، فلما قرب منه غدر به أصحابه، وقبضوا عليه وحملوه إلى العاضد، فذبحه صبراً. وكان موت العاضد بإسهال مفرط، وقيل: مات غماً لما سمع بقطع خطبته. وفيها توفي أبو الحسن بن النعمة على بن عبد الله الأنصاري الأندلسي، أحد الأعلام، تصدر لإقراء القرآن والحديث الفقه والنحو واللغة، وكان عألفا حافظاً للفقه والتفاسير ومعاني الآثار، مقدماً في علم اللمان -، فصيحاً مفوهاً ورعاً فاضلاً معظماً، دمث الأخلاق. انتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى، وصنف كتاباً كبيراً في شرح سنن النسائي بلغ فيه الداية. وفيها توفي أبو المظفر محمد بن أسعد بن الحكي، كان له القبول الشام في الوعظ بدمشق، سمع ودرس وصنف تفسير القرآن، وشرح مقامات الحريري. وفيها توفي أبو حامد النووي الطوسي الفقيه الشافعي محمد بن محمد، تلميذ محمد ابن يحيى. كان إليه المنتهى في معرفة علم الكلام والنظر والبلاغة والجدل، بارعاً في معرفة مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، وصنف في الخلاف تعليقة جيدة، وله جدل مليح سماه: المقترح في المصطلح، أكثر الفقهاء الاشتغال به، وشرحه الفقيه أبو الفتح مظفز بن عبد الله المصري شرحاً مستوفي، وكان حلو العبارة ذا فصاحة وبراعة، دخل بغداد فصادف قبولاً وافراً من الشام وألفاص، وكان يحضر عنده كل يوم خلق كثير، وله حلقة المناظرة بجامع القصر، ويحضر عنده المدرسون والأعيان، ويجلس للوعظ في النظامتة - ومدرسها يومئذ ألفاشي أحمد بن عبد الله - وكان هو يدرس في المدرسة النهائية قريباً من النظامية، يذكر فيها كل يوم عدة دروس. وذكر بعض المؤرخين أنه وعظ، وبعد صيته، وشغب على الحنابلة فأصبح ميتاً ويقال إن الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلواء مسمومة.