الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد اليزدي الشافعي المقرىء الزاهد، برع في القراءات والمذهب، وصنف في القراءات والفقه والزهد، وكان رأساً في الزهد والورع. وفيها توفي الشيخ أبو البيان بن محفوظ القرشي الشافعي اللغوي الدمشقي الصوفي المعروف بابن الحوراني، كان أستاذاً ملازماً للحفظ - والمطالعة، كثير العبادة بالمراقبة، كبير ألفان بعيد الصيت، صاحب أحوال ومقامات، لازماً للسنة والأثر. وله تآليف وأذكار مسجوعة وأشعار مطبوعة، وأصحاب ومريدون، وفقراء بهديه يقتدون. كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق في عصرهما. وفيها توفي الخطيب أبو الفضل يحيى بن سلامة. كان علامة الزمان في علمه ومقرىء العصر في نظمه ونثره ومن نظمه الممدوح قوله
أشكو إلى الله من نارين: واحدة
…
في وجنتيه وأخرى منه في كبدي
ومن سقامين: سلم قد أحل دمي
…
من الجفون، وسلم حل في جسدي
ومن نمومين: دمعي حين أذكره
…
يذيع سري، وواش منه بإلىصد
ومن ضعيفين: صبري حين أذكره
…
ووده، ويراه الناس طوع يدي
وكان قد اشتغل بالأدب وبرع فيه، ثم اشتغل بالفقه على مذهب الإمام الشافعي، وأجاد فيه، وتولى الخطابة في فارقين، وتصدر للفتوى بها، واشتغل عليه الناس، وانتفعوا به، ولم يزل على رئاسته وجلالته وامادته إلى أن توفي - رحمه الله تعالى.
سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة
فيها نازل بغداد محمد شاه ابن السلطان محمود، فاختلف عسكر المقتفي عليه، وقاتلت الشامة، ونهب ألفانب الغربي، واشتد الخطب، واقتتلوا في السفن أشد قتال، وفيق المقتفي الأموال والسلاح، ونهض أتم نهوض حتى إنه كان من جملة ما عمل له بعض الزخاجين ثمانية عشر ألف قارورة للنفط، ودام الحصار نحواً من شهرين، وقتل خلق كثير من الفييقين، وجاءت الأخبار بأخذ همذان - وهي لمحمد شاه - فقلق لذلك وقلت عليهم الميرة، وجرت أمور طويلة، ثم ترحلوا خائبين. وفيها خرجت الإسماعيلية على حجاج خراسان فقتلوا وسبوا، واستباحوا إلىكب
وضج الضعفاء والجرحى. شيخ اسماعيلي ينادي: يا مسلمون؛ ذهبت الملاحدة، فأبشروا، ومن هو عطشان سقيته، فبقي إذا كلمة أحد أجهز عليه، فهلكوا كلهم إلى رحمة الله.
وفيها اشتد القحط بخراسان، وتخربت بأيدي الغز، ومات سلمانها سنجر، وغلب كل أمير على بلد، واقتتلوا، وتغيرت إلىعية الذين نجوا من القتل. وفيها هزم نور الدين الفرنج على صفد وكانت وقعة عظيمة: وجاءت الزلزلة العظمى بالشام، فهلك بحلب تحت إلىدم نحو خمس مائة، وخربت أكثر حماه ولم ينج من بعض البلاد إلا خادم وامرأة، ثم عمرها نور الدين. وفيها أخذ نور الدين من الفرنج غزة ونابل. وفيها توفي الملقب بشمس الملوك ابراهيم بن رضوان السلجوقي، تملك حلب مدة مديدة، ثم أخذها منه زنكي وعوضه نصيبين. وفيها توفي سنجر الملقب بالسلطان الأعظم ابن السلطان ملك شاه ابن ألب أرسلان ابن أحمد السلجوقي صاحب خراسان، قيل: وأحد ملوك العصر وأعرفهم نسباً وأقدمهم ملما وأكثرهم جيشاً، خطب له بالعراقين وأرمينية وأذربيجان والشام والموصل وديار بكر وربيعة والجزيرة والحرمين وخراسان وغير ذلك. وكان وقوراً مهيباً ذا حياء وكرم وشفقة على إلىعية، وكان مع كرمه المفيط أكثر الناس مالاً، اجتمع في خزائنه من الجواهر ألف وثلاثون رطلاً، قيل: هذا ما لم يملكه خليفة ولا ملك، فيما يعلم. وفيها توفي أبو مروان عبد الملك بن ميسرة اليحصبي ثم القرطبي، أحد الأعلام ممن جمع الله له الحديث والفقه مع الأدب ألفارع والدين والورع والتواضع. وفيها توفي مسند بخارى عثمان بن علي البيكندي - بالموحدة ثم المثناة من تحت ثم النون بين ألفاف وألفال المهملة على ما ضبط بعضهم - كان إماماً عألفا ورعاً عابداً متعففاً.
وفيها توفي رئيس أصفهان وعالمها محمد بن عبد اللطيف الخجندي - بالماء المعجمة وألفال المهملة وبينهما جيم ونون. قال ابن السمعاني: كان صدر العراق في زمانه على الإطلاق إماماً مناظراً واعظاً جواداً مهيباً، كان السلطان محمود يصدر عن رأيه، وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء، درس ببغداد بالنظامية، وكان يعظ وحوله السيوف. مات فجأة في قرية بين همدان والكرخ. وفيها توفي القاضي الأجل أبو بكر بن محمد بن عبد الله الشافعي في شهر رمضان، وحضر موته الإمام العالم العلامة صاحب البيان يحيى بن أبي الخير اليمني العمراني، وقال حين نعي عليه: ماتت المروءة. قلت: ومثل هذا المقال يقال في كل وصف جميل مات من اتصف به إذا كان غألفا عليه، مشتهراً فيه، متميزاً على غيره به، كما بلغني أنه لما توفي الشيخ الصالح أبو محمد المعروف بالسكري المغربي - رحمة الله عليه - قال الشيخ الكبير السيد الشهير ألفارف بالله الخبير نجم الدين الأصبهاني - قدس الله روحه - مات الفقر من الحجاز. وهذا الشيخ أبو محمد المذكور هو ناظم القصيدة التي مفتتحها:
دار الحبيب أحق أن تهواها
…
وتحن من طرب إلى ذكراها
أخذ القاضي أبو بكر المذكور الفقه عن الإمام العلامة زيد بن عبد الله اليفاعي. قلت: وقد تقدم نسبة الشافعي واليفاعي - وعلى الجملة - فالفيق بينهما أن الشافعي نسبة إلى جد واليفاعي إلى مكان. وكان هذا القاضي المذكور أديباً شاعراً مترسلاً فصيحاً، وله ديوان شعر مشهور في زمانه ومكانه، روى عن أبيه وخآله كتاب إلىسالة للمافعي، ومختصر المنني بروايتهما عن الشيخ الإمام عبد الملك بن محمد الشافعي، وولي قضاء اليمن من جبآلها إلى عدن، وكان له ولد يقال له محمد بن ابن أبي بكر، نبت نباتاً حسناً، وأخذ الفقه عن أخوآله بني عبد العليم، وكان له معرفة في علم الكلام واللغة والعربية وحسن الشعر، مات بالجند سنة ست وأربعين وخمس مائة، وقبره هنالك. ولما توفي أبوه بعده قبر هنالك أيضاً، ولأبيه فيه مدح ومرثية بأشعار كثيرة، ومن قصيدة له في ذلك:
جوار الله خير من جواري
…
له دار لكل خير دار
وكان القاضي أبو بكر المذكور ذا جاه كبير وحظ عظيم عند الملوك، استوهب خراج الفقهاء، وخلصهم من المظالم، ولما قدم القاضي الإمام العلامة ذو الفضل العديد - الملقب
بالرشيد - من ديار مصر إلى اليمن أكرمه القاضي أبو بكر المذكور، وبجله، وكان الرشيد المذكور فاضلاً بارعاً ذا فنون كثيرة، وفضيلة شهيرة. وحكي انه أستأذن هو والجليس أبو المعالي المصري - ذات يوم على الوزير فلان - سماه - فلم يأذن لهما، واعتذر عن المواجهة، ووجدا عنده غلظة من الحجاب، ثم عاوداه مرة أخرى، واستأذنا عليه، فقيل لهما إنه نائم، فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد:
توقع لأيام اللئام زوآلهافعما قليل سوف تنكر حآلها
فلو كنت تدعو الله في كل حالة
…
لتبقي عليهم ما أمنت انتقآلها
وقال صاحبه أبو المعالي:
لئن أنكرتم عنا ازدحاماً
…
ليجتنبكم هذا الزحام
وإن نمتم عن ألفاجات عمداً
…
فعين الدهر لا تنام
فلم يكن بعد أيام حتى نكب الوزير نكبة عظيمة. وفي السنة المذكورة توفي أبو الحسن محمد بن المبارك العكبري الفقيه الشافعي. أتقن المذهب على أبي بكر ألفاشي المستظهري، درس وأفتى وصنف وأقرأ له مصنف في شرح التنبيه للشيخ أبي إسحاق ومصنف في الأصول.
وفيها توفي ابن خميس أبو عبد الله الحسين بن نصرالموصلي الجهني الشافعي، الملقب تاج الإسلام. قال ابن خلكان: أخذ الفقه عن أبي حامد الغزالي ببغداد، وعن غيره وولي القضاء برحبة مالك بن طوق، ثم رجع إلى الموصل، وصنف كتباً منها: مناقب الأبرار على أسلوب رسالة القشيري ومناسك الحج وأخبار المقامات. قلت: وقول ابن خلكان: على أسلوب رسالة القشيري، ليس إطلاقه هذا بمرضي ولا صحيح، فإن رسالة القشيري جمعت أصناما من العقائد والآداب وذكر المقامات والأحوال وأسمأنها واصطلاحات المشايخ الصوفية، من ذلك: ذكر اللوامع والطوالع، والبوادة واللوائح، والمحبة والشوق، والأنس وآلهيبة، والسكر والغيبة، والفناء والبقاء، إلى غير ذلك مما يطول ذكره ومما لم يذكره في مناقب الأبرار المذكور، وإنما ذكر فيه مما يناسب ما في إلىسالة قوله: ومنهم ومنهم فحسب.