الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي الأستاذ المقرىء المحقق يوسف بن عبد الله الأندلسي المعروف بابن عباد، أخذ القراءات عن جماعة، وسمع عن خلق كثير، واعتنى بصناعة الحديث، وكتب العالي والنازل، وبرع في معرفة الرجال، وصنف التصانيف الكثيرة.
سنة ست وسبعين وخمس مائة
فيها نزل صلاح الدين على حمص من بلاد الأرمن، فافتتحه وهدمه، ثم رج، فوافاه التقليد وخلع السلطنة من الناصر لدين الله، فركب، وكان يوماً مشهوراً. وفيها قدم السلطان سيف الإسلام بن أيوب إلى بلاد اليمن مولى عليها بعد أخيه شمس الدولة. وفيها توفي القاضي الفقيه العالم الورع الزاهد محمد بن سعيد القريضي - اليمني اللحجي - بسكون الحاء المهملة وكسر الجيم - وكان موصوفاً بالفضائل والمحاسن، وله مصنفات حسنة منها: المستصفى في ذكر سنن المصطفى ومختصر الإحياء قيل إنه رأى صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له بالتثبيت. وفيها توفي القاضي ابن القاضي طاهر ابن الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني، تقلد ولاية القضاء في أيام شمس الدولة، ومات في شهفة - يوم الجمعة منتصف ذي الحجة. وفيها توفي أبو طاهر السلفي الحافظ العلامة الكبير مسند الدنيا. وفيها توفي معمر الحفاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصفاني. سمع من الثقفي وأحمد بن عبد الغفار ومكي - الإسلام وخلق كثير، وخرج عنهم في معجم، وحدث بأصبهان قال: وكنت ابن سبع عشرة سنة أو أكثر أو أقل، ورحل تلك السنة فأدرك بها أبا الخطاب وابن البطر ببغداد، وعمل معجماً لشيوخ بغداد، ثم حج وسمع بالحرمين والكوفة والبصرة وهمدان والزنجان والري والدينور وقزوين وأذربيجان والشام ومصر،
فأكثر وأطال، وتفقه فأتقن مذهب الشافعي، وبرع في الآدب وجود القرآن بروايات، وكان اشتغاله بالفقه على أبي الحسن الكيا، وفي اللغة على الخطيب يحيى بن علي التبريزي اللغوي، وقصده الناس من الأماكن البعيدة، وسمعوا عليه وانتفعوا به، ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله، وبنى له العادل أبو الحسن علي بن السلار - وزير الظافر العبيدي صاحب مصر مدرسة في الإسكندرية، وفوضها إليه ومما وجه بخطه من قصيدة لمحمد بن عبد الجبار الأندلسي.
لولا اشتغال بالأمير ومدحه
…
لأطلت في ذاك الغزال تغزلي
لكن أوصاف الجلال غلبنني
…
فتركت أوصاف الجمال بمعزل
واستوطن الإسكندرية بضعاً وستين سنة مكباً على الاشتغال والمطالعة والنسخ وتحصيل الكتب، وجاوز المائة بلا ريب، وإنما النزاع في مقدار الزيادة، ومات يوم الجمعة بكرة الخامس ربيع الآخر رحمه الله تعالى. وفيها توفي شمس الدولة الملك المعظم توران شاه بن أيوب بن شاذي، وكان أسن من أخيه صلاح الدين، وكان يحترمه ويتأدب معه. أرسله فغزا النوبة، فسبى وغنم، ثم بعثه فافتتح اليمن - وكانت بيد الخوارج الباطنية - وأقام بها ثلاث سنين، بعثه إليها لما بلغه أن باليمن، إنساناً يسمى عبد النبي بن مهدي يزعم أنه ينتشر ملكه حتى يملك الأرض كلها، وكان قد ملك كثيراً من بلاد اليمن واستولى على حصونها، وخطب لنفسه، فجهز صلاح الدين جيشاً إليها مع أخيه المذكور من الديار المصرية في رجب سنة تسع وستين وخمسمائة، فمضى إليها، ففتح الله على يديه، وقتل الخارجي المذكور الذي كان فيها، وملك معظمها، وأعطى وأغنى خلقاً كثيراً، وكان كريماً أريحياً، ثم اشتاق إلى أطيب الشام ونضارتها، وكان القاضي الفاضل يكتب إليه الرسائل الفائقة، ويودعها شرح الأشواق. وكانت له من أخيه إقطاعات، وتوابه باليمن يجبون له الأموال. ومات وعليه من الديون مائتا ألف دينار، فقضاها عنه أخوه صلاح الدين. ولما تزايد به الشوق قدم إلى الشام وأقام بدمشق نائباً لأخيه، ثم تحول إلى مصر فتوفي بالإسكندرية، فنقل إلى الشام، فدفنته أخته ست الشام بمدرستها التي أنشأتها بظاهر دمشق، فهناك قبره وقبر ولدها حسام الدين، وكان قد تزوجها ناصر الدين، وتوفيت في ذي القعدة سنة ست عشرة وستمائة. وحكى الشيخ الأديب الفاضل مهذب الدين أبو طالب - نزيل مصر قال: رأيت في النوم شمس الدولة وهو ميت، فمدحته بأبيات وهو في القبر، فلف كفنه ورماه إلي
وأنشدني:
لا تستقلن معروفاً سمحت به
…
ميتاً فأمسيت منه عارياً بدني
ولا تظنن جودي شأنه بخل
…
من بعد بذلي ملك الشام واليمن
إني خرجت من الدنيا وليس معي
…
من كل ما ملكت كفي سوى كفني
وتوران بضم المثناة من فوق وبعد الواو راء - ومعنى توران شاه: ملك الشرق. وفيها توفي أبو المفاخر المأموني راوي صحيح مسلم بمصر: سعيد بن الحسن العباسي، روى الحديث هو وابنه وحفيده ونافلته. قلت: هكذا قال الذهبي مغايراً بين الحفيد والنافلة، والمعروف اتحادهما، وهما ولدا ولد، نعم قد قيل أيضاً أن الحفدة يطلقون على الأعوان والخدم. وفيها توفي أبو الحسن بن عطار النحوي علي بن عبد الرحمن السلمي، كان علامة اللغة وحجة في العربية.
وفيها توفي أبو العز محمد بن محمد المعروف بابن الخراساني البغدادي الأديب صاحب العروض والنوادر وديوان شعر في مجلدات. كان صاحب طرف وذكاء مفرط وتفنن في الأدب، روى عن جماعة. وفيها توفي صاحب الموصل غازي بن زنكي، كان منطوياً على خير وصلاح، يحب العلم وأهله، وبنى بالموصل المدرسة المعروفة بالعتيقة، وقدم مع سيف الإسلام إلى اليمن. وفي هذه السنة أو بعدها توفي الفقيه الفاضل القاضي أثير الدين قاضي قضاة المسلمين باليمن، وسمع عليه الشهاب وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وسمعه وهو ابن ثلاث سنين، سمعه عليه جماعة. قال ابن سمرة: كنت فيهم. ثم غضب عليه السلطان سيف الإسلام، وحمله رسالة إلى بغداد في صورة طرد وإبعاد، ثم رجع إلى مكة وكتب إلى سيف الإسلام سلطان اليمن:
وما أنا إلا المسك ضاع عندكم
…
يضيع وعند الأكرمين يضوع
وفيها توفي - وقيل في سنة تسع - أبو الفضل الشيخ الإمام رضي الله عنه الموصلي الشافعي يونس بن محمد بن منعة رضي الدين والد الشيخين: عماد الدين أبي حامد محمد، وكمال الدين أبي الفتح موسى. تفقه الشيخ يونس على الحسين بن نصير السكبي الجهني
الملقب تاج الإسلام في الموصل حين قدمها، وكان أصله من أهل إربل، ثم انحدر إلى بغداد، وتفقه بها على الشيخ أبي منصور سعيد بن محمد مدرس النظامية، ثم أصعد إلى الموصل، فصادف بها قبولاً تاماً عند المتولي بها الأمير أبي الحسن - والد الملك المعطم - وجعل إليه تدريس مسجده، وفوض نظره إليه، وكان يدرس ويناظر ويفتي، فقصده الطلاب للاشتغال عليه والمباحثة مع ولديه المذكورين، ولم يزل على قدم الفتوى والتدريس والمناظرة إلى أن توفي بالموصل في السنة المذكورة. وكانوا بيت علم، خرج من بينهم جماعة من الفضلاء، وانتفع بهم أهل تلك البلاد وغيرها، وكانوا مقصودين من بلاد العراق والعجم وغيرها.
وفيها توفي سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي ين أقسنقر صاحب الموصل، تقلد المملكة بعد وفاة أبيه مودود، ولما توفي والده بلغ الخبر نور الدين، فسار من ليلته طالباً بلاد الموصل، فوصل إلى الرقة في المحرم سنة ست وستين وخمس مائة وملكها، وسار منها إلى نصيبين، فملكها في الشهر المذكور، وأخذ سنجار في ربيع الآخر، ثم قصد الموصل، وقصد أن لا يقاتلها، فعبر بعسكره من محاصة - وهي بليدة بقرب الموصل - وسار حتى خيم قبالة الموصل، وراسل ابن أخيه سيف الدين المذكور، وعرفه صحة قصده، فصالحه، ودخل الموصل وأقر صاحبها فيها، وزوجه ابنته، وأعطى أخاه عماد الدين سنجار، وخرج من الموصل وعاد إلى الشام، ودخل حلب في شعبان من السنة المذكورة، فلما مات نور الدين وملك صلاح الدين دمشق، نزل على حلب فحاصرها، وسير سيف الدين جيشاً مقدمه أخوه عز الدين مسعود، والتقوا عند قرون حماة، فانكسر عز الدين بن مسعود، فتجهز سيف الدين بنفسه، فخرج إلى لقائه وتصافا على تل السلطان بين حلب وحماة - سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، فانكسرت ميسرة صلاح الدين بمظفر الدين بن زين الدين فإنه كان في ميمنة سيف الدين - ثم حمل صلاح الدين بنفسه، فانهزم جيش سيف الدين وعاد إلى حلب، ثم رحل إلى الموصل، ولما توفي سيف الدين تولى بعده أخوه عز الدين مسعود.