المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع عشرة وخمس مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٣

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌سنة اثنتين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وأربع مائة

- ‌سنة أربع وأربع مائة

- ‌سنة خمس وأربع مائة

- ‌سنة ست واربع مائة

- ‌سنة سبع واربع مائة

- ‌سنة ثمان وأربع مائة

- ‌سنة تسع وأربعمائة

- ‌سنة عشر وأربع مائة

- ‌سنة احدى عشرة وأربع مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وأربع مائة

- ‌سنة أربع عشرة وأربع مائة

- ‌سنة خمس عشرة وأربع مائة

- ‌سنة ست عشرة وأربع مائة

- ‌سنة سبع عشرة وأربع مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وأربع مائة

- ‌سنة تسع عشرة وأربع مائة

- ‌سنة عشرين واربع مائة

- ‌سنة احدى وعشرين واربع مائة

- ‌سنة واثنتين وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين واربع مائة

- ‌سنة اربع وعشرين واربع مائة

- ‌سنة خمس وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ست وعشرين واربع مائة

- ‌سنة سبع وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين واربع مائة

- ‌سنة تسع وعشرين واربع مائة

- ‌سنة ثلاثين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

- ‌سنة خمس وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة ست وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة سبع وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين واربع مائة

- ‌سنة تسع وثلاتين وأربع مائة

- ‌سنة اربعين واربع مائة

- ‌سنة احدى واربعين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين واربعين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث واربعين واربع مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وأربع مائة

- ‌سنة خمس وأربعين وأربع مائة

- ‌سنة ست واربعين واربع مائة

- ‌سنة سبع واربعين واربع مائة

- ‌سنة ثمان واربعين واربع مائة

- ‌سنة تسع واربعين واربع مائة

- ‌سنة خمسين واربع مائة

- ‌‌‌سنة احدى وخمسين واربع مائة

- ‌سنة احدى وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين واربع مائة

- ‌سنة أربع وخمسين واربع مائة

- ‌سنة خمس وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ست وخمسين واربع مائة

- ‌سنة سبع وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين واربع مائة

- ‌سنة تسع وخمسين واربع مائة

- ‌سنة ستين واربع مائة

- ‌سنة احدى وستين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين وستين وأربع مائة

- ‌سنة ثلاث وستين واربع مائة

- ‌سنة اربع وستين واربع مائة

- ‌سنة خمس وستين واربع مائة

- ‌سنة ست وستين واربع مائة

- ‌سنة سبع وستين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وستين واربع مائة

- ‌سنة تسع وستين واربع مائة

- ‌سنة سبعين وإربع مائة

- ‌سنة احدى وسبعين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين واربع مائة

- ‌سنة اربع رسبعين واريع مائة

- ‌سنة خمس وسبعين واربع مائة

- ‌سنة. ست وسبعين واربع مائه

- ‌سنة سبع وسبعين واربع مائة

- ‌سنة تسع وسبعين واربع مائة

- ‌سنة ثمانين واربع مائة

- ‌سنة احدى وثمانين واربع مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة

- ‌سنة اربع وثمانين واربع مائة

- ‌سنة خمس وثمانين واربع مائة

- ‌سنة ست وثمانين واربع مائة

- ‌سنة سبع وثمانين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين واربع مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وأربعمائة

- ‌سنة تسعين واربع مائة

- ‌سنة إحدى وتسعين وأربع مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين واربع مائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين واربع مائة

- ‌سنة أربع وتسعين وأربعمائة

- ‌سنة خمس وتسعين واربع مائة

- ‌سنة ست وتسعين واربع مائة

- ‌سبع وتسعين واربع مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين واربع مائة

- ‌سنة تسع وتسعين واربع مائة

- ‌سنة خمس مائة

- ‌سنة احدى وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وخمس مائة

- ‌سنة أربع وخمس مائة

- ‌سنة خمس وخمس مائة

- ‌سنة ست وخمس مائة

- ‌سنة سبع وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وخمس مائة

- ‌سنة تسع وخمس مائة

- ‌سنة عشرة وخمس مائة

- ‌سنة احدى عشرة وخمس مائة

- ‌سنة اثنتي عشرة وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث عشرة وخمس مائة

- ‌سنة أربع عشرة وخمس مائة

- ‌سنة خمس عشرة وخمس مائة

- ‌سنة ست عشرة وخمس مائة

- ‌سنة سبع عشرة وخمس مائة

- ‌سنة ثمان عشرة وخمس مائة

- ‌سنة تسع عشرة وخمس مائة

- ‌سنة عشرين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وعثسرين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ست وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وعشرين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة ست وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وثلاثين وخمس مائة

- ‌سنة أربعين وخمس مائة

- ‌سنة احدى واربعين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث واربعين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة ست وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان واربعين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وأربعين وخمس مائة

- ‌سنة خمسين وخمس مائة

- ‌سنة إحدى وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ست وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وخمسين وخمس مائة

- ‌سنة ستين وخمس مائة

- ‌سنة إحدى وستين وخمس مائة

- ‌ذكروالشيخ عبد ألفادر بن أبي صالح الزاهد

- ‌نسبه ومولده وصنعته رضي الله تعالى عنه

- ‌شيء من علمه وتسمية بعض شيوخه

- ‌سنة اثنتين وستين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وستين وخمس مائة

- ‌سنة أربع وستين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وستين وخمس مائة

- ‌سنة ست وستين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وستين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وستين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وستين وخمس مائة

- ‌سنة سبعين وخمس مائة

- ‌سنة احدى وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ست وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وسبعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمانين وخمس مائة

- ‌سنة احدى وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة ست وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وثمانين وخمس مائة

- ‌فصل

- ‌انتهاء اللولة العبيدية واقامة الدولة العباسية

- ‌ذكر أئمة العبيديين وعدد سني دولتهم

- ‌ذكر خلفاء بني العباس وعدد سني دولتهم

- ‌ذكر ملوك بني أمية وعدد سني دولتهم

- ‌ذكر عدد الخلفاء الراشدين ومدة خلافتهم

- ‌سنة تسعين وخمس مائة

- ‌سنة احدى وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ئلاث وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة اربع وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة خمس وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ست وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة سبع وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة تسع وتسعين وخمس مائة

- ‌سنة ست مائة

الفصل: ‌سنة أربع عشرة وخمس مائة

علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التيان وغيره، وروى عن أبي محمد الجوهري، قال السلفي: ما رأيت مثله، وما يقدر أحد أن يتكلم معه لغزارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته. وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسين الدامغاني علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي، ولي القضاء أربعاً وعشرين سنة، وكان ذا حزم ورأي وسؤدد وهيبة وافرة، وديانة ظاهرة. وفيها توفي أبو بكر محمد بن طرخان التركي ثم البغدادي المحدث النحوي، أحد الفضلاء، روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ينسخ بالأجرة، وفيه زهد وورع تام. وفيها توفي أبو سعد المبارك بن علي، من كبار أئمة المذهب. روى عن القاضي أبي يعلى وجماعة، وتفقه على الشريف أبي جعفر بن أبي موسى.

‌سنة أربع عشرة وخمس مائة

فيها كان المصاف بين السلطان محمود وأخيه مسعود صاحب أذربيجان والموصل، وله يومئذ إحدى عشرة سنة، فلما التقوا انهزم مسعود وأسر وزيره، وفي هذا الوقت كان ظهور ابن تومرت بالمغرب. وفيها قتل في حصن تعز من بلاد اليمن أسعد بن أبي الفتوح بن العلاء بن الوليد الحميري، قتله رجلان من أصحابه، ودفن في الحصن، قيل: فلما قدم من بني أيوب سيف الإسلام إلى اليمن نبش وأخرج إلى مقابر المسلمين. وفيها، وقيل في التي بعدها توفي في الجند الفقيه الإمام عالم العلماء مفيد الطالبين وقدوة الأنام زيد بن عبد الله اليمني - اليفاعي بالفاء قبل الألف وبعد المثناة من تحت - نسبة إلى يفاعة: مكان في اليمن. تفقه على الشيخ الإمام أبي بكر بن جعفر بن عبد الرحيم المخائي - نسبة إلى المخا: بالخاء المعجمة المخففة وفتح الميم قبلها؛ مكان قريب من زبيد على ساحل البحر - توفي أبو بكر المذكور سنة خمس مائة، أخذ عنه جماعة، وكان يحفظ المجموع للمحاملي، والجامع في الخلاف لأبى جعفر - على ما نقل الإمام طاهر ابن الإمام

ص: 156

العلامة يحيى صاحب البيان عن والده المذكور - وتفقه زيد أيضاً بصهره الإمام إسحاق بن يوسف الصروفي، ثم ارتحل إلى مكة في المرة الأولى، فأدرك فيها تلميذي الشيخ الإمام أبي إسحاق الشيرازي مصنف المهذب، وهما الحسين بن علي الشاشي الطبري مصنف العدة وأبو نصر البندنيجي مصنف المعتمد في الخلاف، فقرأ عليهما، وطريقه في المهذب وكتاب التبصرة في علم الكلام في أصول الدين إلى أبي نصر البندنيجي. وذكر ابن سمرة أنه لما رجع زيد المذكور من مكة إلى الجند سنة اثنتي عشرة وخمس مائة اجتمع عنده في الجند ما يزيد على مائتي رجل من أجلة الفقهاء من تهامة وأبين وحضرموت والشحر والشام وغير ذلك، وقرأ الإمام يحيى بن أبي الخير عليه النكت في الخلاف: تصنيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسمع عليه أيضاً بقراءة الفقيهين، الإمام عبد الله الهمداني وعبد الله بن يحيى الصعبي، وبقراءة غيرهما من الفقهاء الأجلة عدة كتب في الفقه والخلاف والأصول، وذلك في دولة السلطان أبي الفتوح الحميري، فعظم حال الفقيه وجمل أمره، واجتمع المؤالف - والمخالف على مودته، وكان لا يصلي في الجامع إلا الجمعة في آخر المسجد. قلت لعل تأخره عند حضور الجماعة في الصلوات لما يخشى من الضرر في اجتماع الناس عليه وازدحامهم بحسن اعتقادهم فيه، أو غير ذلك من الآفات، كما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي أنه رأى بمكة بعض العارفين يصلي في بيته، لا يحضر المسجد الحرام، فسأله عن ذلك فذكر كلاماً معناه أنه يدخل عليه من الضرر في الخروج أكثر مما يدخل عليه النفع. رجعنا إلى ذكر زيد اليفاعي: روى ابن سمرة عن بعض من أدرك أنه قال: دخلت الجند أستفتيه عن مسألة في الفرائض - وكان صغير الخلق دقيق الجسم - فوجدته يدرس أصحابه في دهليز بيته، فهبته هيبة عظيمة، فغلطت سؤالي، ورددت كلامي، فآنسني بكلامه، وأجابني عن سؤال بأحسن الجواب. قلت وقوله: كان صغير الخلق دقيق الجسم: أراد بذلك الإعلام بحليته والتعريف دون الانتقاص والتعنيف، وقد وجد مثل هذا الخلق في كثير من العلماء والأولياء على ما اقتضت حكمة العليم القدير من التفاوت بين الكبير من الخلق والصغير. وحكى ابن سمرة أنه سئل بعض الفقهاء بحضرة الإمام زيد المذكور عن الفقيه ابراهيم ابن علي ابن الإمام الحسين بن علي الطبري مصنف كتاب العدة؛ كيف كان حاله في العلم؟

ص: 157

فقال: هو مجود، ولولا أنه اشتغل بالعبادة مع الصوفية لكان في الفقه إماماً وفي الخلاف كاملاً. قال الراوي: وكان حاضراً فقلت له: طريقته هذه غير ملومة ولا مكروهة، فقال لي:

كان الشيخ - يعني جده القاضي حسين الطبري المذكور - يكره ذلك ويقول: اشتغال العالم بالعبادة فرار من العلم فأعجب، أو قال: أعجب زيد بهذه الحكمة. وقلت: هذا صحيح، لأن الحرص في العلم يقوم مقام العبادة، ولو كان فيه بعض قساوة انتهى، وهو بعض كلامه، وذكر بعده ما يوافقه من أقوال بعض الفقهاء. قلت ولا شك أن فضل العلم وشرفه معروفان، ولكن الشأن في إخلاصه والعمل به، فإذا حصل ذلك فهو النهاية، ومع هذا فأحوال الناس مختلفة، وقد قسمتهم في كتاب الإرشاد على خمسة أقسام، وليس إطلاق الكلام في الندب إلى إحدى الطريقين صحيحاً، بل لا بد من تفصيل، فمن كان له نية صحيحة في العلم ونجابة في الفهم، ولم يغلب عليه أحوال الرجال المشاهدين لنور الجمال، فلا شك أن هذا يندب له المبادرة وبذل المجهود في الاشتغال بالعلم، مع مزج ذلك بشيء من العبادة ولزوم سيرة السلف من التعفف والتورع والتقلل من الدنيا، وإن كان في ذلك ما ذكر من بعض القساوة، فقد أنصف في ذلك، وأما من لم يكن كما ذكرنا إما لعدم صلاح النية وإما لعدم القابلية، وإما لخوف كثرة الآفات في المخالطات، وإما لإمتلاء القلب بمحبة العبادات واستئناسه بالمناجاة في الخلوات، وإما لورود الأحوال ووجود المشاهدات، أعني مشاهدة نور الجمال واستيلاء هيبة العظمة والحلال، فكل هؤلاء واقفون مع ما ورد على قلوبهم، لكلى قوم مشرب وفي الهوى مذهب، ولقد أحسن قائلهم.

كانت لقلبي أهواء مفرقة

فاستجمعت إذ رأتك العين أهوائي

تركت للناس دنياهم ودينهم

شغلاً بحبك يا ديني ودنياي

ولقد وقع بي في ابتداء اشتغالي بالعلم خاطر أن ألقياني في مجاذبتهما: أحدهما يجذبني إلى العلم طلباً لفضله، والآخر إلى العبادة لوجود حلاوة فيها وسلامة من آفات المخالطات والتشتت في البحث والمجادلات، واشتعل في باطني مثل النار في القريحة المحرورة للمجاذبة المذكورة، ثم حصلت والحمد لله إشارة أذهبت عني ذلك الاحتراق، مردتني إلى التسليم إلى ما سبق به القضاء بتقدير الخلاق، وذلك أني في حال تلك الشدة لما قلقت، ولم أستطع نوماً ولا قراراً، ومعي كتاب أطالعه ليلاً ونهاراً، فتحته في ذلك الوقت فرأيت فيه ورقة قابلتني أول ما فتحته ولم أرها قبل ذلك مع طول ما طلبته، وفيها أبيات ما كنت سمعتها، وهي:

ص: 158

كن عن همومك معرضاً

وكل الأمور إلى القضا

فلربما اتسع المضيق

وربما ضاق الفضا

ولرب أمرمتعب

لك في عواقبه رضا

الله يفعل ما يشاء

فلا تكن متعرضا

فلما قرأتها كأنما صب ماء على تلك النار، فرد ذلك الاحتراق، وذهبت تلك الأكدار، وأنشد لسان مقالي في تلك الوقت ما يوافق حالي، وناديت قلبي:

اسمع وخذ بالإشارة

فيا حسن ما في ضمها من بشارة

ودربي مع ريح القضا حيث دارت

وسلم لسلمى ثم سر حيث سارت

عسى من خدور الحي تبدو بدورها

توسلت حتى أقبلتك ثغورها

ألا يا لقومي أعلموني بحيلة

إلى وصل خودات كعاب جميلة

أراك الحمى قل لي بأي وسيلة

إذا ما بدت ناديت في كل حيلة

بقطع لأهلي مع فراقي لبلدتي

وذلي وسيحي في البلاد وغربتي

وإيناس نفسي بعد زفري وحضرتي

رحمت على صبري على كل كربة

ثم استمريت في مدة يسيرة بشيء من الأشغال والاشتغال بالعلم، مع مزج ذلك يتخلل البطالات، ثم خطر لي عند وقوفي على كلام الفقهاء الذين نحن بصدده هذه الأبيات:

تقضى زماني والقضاء مصرفي

وكان إلى العلم الشريف تشوفي

وما كانت الأيام إلا قلائلاً

به ثم مال القلب نحو التصوف

ومن لم يسل في دهره نحوه يمت

ولم يهو من صاحي جمالاً ويعرف

فإن كنت ذا جهل بمنهج حبه

ومشربه سل عنه أهل التعرف

قلت وفضل التصوف وأهله أولي الصفاء والأنوار والمعارف والأسرار، والقرب والمنادمات والحضرة والمشاهدات، لا يسعه مجلدات، وقد ذكرت نبذة من ذلك في كتاب الأسرار والنظير، في فضل ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه العزيز، وفضل الأولياء والناسكين، والفقراء والمساكين، وفي كتاب روض الرياحين في حكايات الصالحين، وفي كتاب نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية، قدس الله تعالى أرواحهم، ونور ضرائحهم ونفعنا ببركاتهم، وجعلنا معهم في محياهم ومماتهم، آمين، ولله در قائلهم في وصف راح الهوى المعمورة من نور الجمال التي سكر بها المحبون أولو الأحوال، حيث أنشد وقال:

هبنا لأهل الدير كم سكروا بها

وما شربوا منها، ولكنهم هموا

ص: 159

على نفسه فليبك من ضاع عمره

وليس له منها نصيب ولاسهم

وفيها توفي أبو علي الحسن بن خلف القيراوني المقرىء، صاحب تلخيص العبارات في القراءات. والوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الأصبهاني، صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملك شاه، كان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لامية العجم. والحافظ الكبير أبو علي بن سكرة حسين بن محمد الأندلسي حج سنة إحدى وثمانين وسمع ببغداد من البانياسي وطبقته، وأخذ التعليقة الكبرى عن أبي بكر الإمام الشاشي المستظهري واخذ بدمشق عن الفقيه الإمام نصر المقدسي، ورد إلى بلاده بعلم جم وبرع في الحديث وفنونه، وصنف التصانيف. فأكره على القضاء، فوليه، ثم اختفى حتى عفي، واستشهد في المصاف وهو أبناء الستين. وفيها توفي الإمام أبو نصر عبد الرحمن ابن الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري كان إماماً كبيراً، أشبه أباه في علومه ومجالسه، وواظب على حضور درس إمام الحرمين حتى حصل طريقته في المذهب والخلاف. ثم خرج، فوصل الى بغداد، وعقد بها مجلس وعظ، وحصل له قبول عظيم، وحضر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مجلسه. وأطبق علماء بغداد على أنهم لم يروا مثله. وكان يعظ في المدرسة النظامية ورباط شيخ الشيوخ، وله مع الحنابلة خصام بسبب الاعتقاد إذ هو وأبو وشيخه إمام الحرمين وغيرهم من أكابر العلماء ورؤوس الأشاعرة، وانتهى الأمر إلى فتنة بين الفريقين، قتل فيها جماعة من الطائفتين، وركب أحد أولاد نظام الملك حتى سكنها، وبلغ الخبر نظام الملك وهو بأصبهان وسير إليه استدعاءه، فلما حضر عنده زاد في إكرامه، ثم جهزه إلى نيسابور فلما وصل إليها لازم الوعظ والدرس إلى أن قارب انتهاء أمره، فأصابه ضعف في أعضائه وقال بعضهم: فالج فأقام لذلك مقدار شهر، ثم توفي ضحوة نهار الجمعة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة بنيسابور، ودفن بالمشهد المعروف بهم، وكان يحفظ من الشعر والحكايات شيئاً كثيراً. وأبو منصور محمود بن اسماعيل الصيرفي الأشقر، راوي المعجم الكبير للطبراني. قال السلفي: كان صالحاً.

ص: 160