الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس مائة
فيها غزا السلطان محمد ابن ملك شاه الباطنية، وأخذ قلعتهم بأصبهان، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك. وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة، وهي من بناء ملك شاه، بناها على رأس جبل، وغرم عليها ألف ألف دينار. وفيها توفي عالم أهل طوس: العلأمة أبو المظفز الخوافي بفتح الخاء المعجمة وقبل الألف واو وبعدها فاء نسبة إلى ناحية من نواحي نيسابور، كثيرة القرى الفقيه الشافعي، كان أنظر أهل زمانه، تفقه على إمام الحرمين حتى صار أوحد تلامذته، ولي القضاء بطوس ونواحيها، وكان مشهوراً بين العلماء بحسن المناظرة وإقحام الخصوم، وكان رفيق أبي حامد الغزالي. رزق الغزالي السعادة في تصانيفه، والخوافي في مناظراته. وفيها توفي جعفر بن أحمد البغدادي المقرىء السراج الأديب. روى عن ابن شاذان وجماعة، وكان ثقة بارعاً أخبارياً، علامة كثير الشعر، حسن التصانيف. وفيها توفي أبو الحسين بن الطيوري المبارك بن عبد الجبار. قال ابن السمعاني: كان مكثراً صالحاً، أميناً صدوقاً، صحيح الأصول رصيناً وقوراً، كثير الكتابة. وفيها توفي أبو الكرم، المبارك بن فاخر الدباس، الأديب من كبار أئمة اللغة والنحو ببغداد، وله مصنفات. روى عن القاضي أبي الطيب الطبري، وأخذ العربية عن عبد الواحد ابن برهان بفتح الموحدة النحوي. وفيها توفي حافظ عصره وعلامة زمانه: أبو محمد جعفر بن أحمد المعروف بابن السراج القارىء البغدادي، صاحب التصانيف العجيبة، منها: كتاب مصارع العشاق وغيره، حدث عن أبي علي بن شاذان، وأبي الفتح بن شاهين، والخلال وغيرهم. وأخذ عنه خلق كثير، وله شعر حسن، منه قوله:
وعدت بأن تزوري كل شهر
…
فزوري قد تقضى الشهر، زوري
وشقى بيننا نهر المعلى
…
إلى البلد المسمى شهرزور
وأشهر هجرك المحتوم صدق
…
ولكن شهر وصلك شهر زور
قلت وقد أبدى في الثلاثة الأبيات صنعة حسنة من الجناس، فالقافية الأولى مركبة من الشهر والأمر لها بالزيارة، والثانية اسم البلد المعروف، والثالثة إضافة شهر إلى زور: أي الشهر الموعود فيه بوصلك، شهر كذب، ولكن القافية الوسطى مشتملة على الإقواء الذي هو من جملة عيوب القافية، لأن إعرابه على وفق العربية النصب، لكونه مفعولاً ثانياً، على وزن قولك: مشيت إلى الرجل المسمى زيداً، والقافية التي قبلها، والتي بعدها مخفوضتان بالأمر للمؤنثة، والأخيرة بإضافة شهر إليها، لكني قد وجهت للقافية الوسطى في دفع الإقواء المعاب وجهاً من وجوه الإعراب، وهو أن يقال: المراد بالمسمى: السمو، أي: الرفع، كما قال قبله المعلى، ويكون قوله بعده شهر زور مخفوضاً، بدلاً من البلد المخفوض بإلى، ولو قال: إلى البلد المروي، أو المشرق لسلم من الإقواء. ومن جلالة جعفر المذكور أن أبا طاهر السلفي كان يفتخر رويته، مع كونه لقي أعيان ذلك الزمان، وأخذ عنهم. وفيها وقيل في ثلاث وتسعين توفي يوسف بن تاشفين، أمير المسلمين، سلطان المغرب أبو يعقوب البربري الملثم. كان أكبر ملوك الدنيا في عصره ودولته بضعاً وثلاثين سنة، وكان رجلاً شجاعاً عادلاً عديم الرفاهية، تشيب العيش على قاعدة البربر، اختط مراكش، وأنشأها في برج صغير، وصيرها دار الإمارة، وكثرت جيوشه، وبعد صيته، وتملك الأندلس، ودانت له الأمم. وفي آخر أيامه بعث رسولاً إلى العراق يطلب عهداً من المستظهر بالله، فبعث له بالخلع والتقليد واللواء، فأقيمت الخطبة العباسية بممالكه، وكان يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام. ومن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى آخر عملاً يعمل فيه لأمير المسلمين، وتمنى الآخر زوجة ابن تاشفين المذكور وكانت من أحسن النساء ولها حكم في بلاده فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل للذي تمنى الاستعمال، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل؛ ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إليها، فأنزلته في خيمة ثلاثة أيام، تحمل إليه كل يوم طعاماً واحداً، ثم أحضرته، وقالت له: ما أكلت في هذه الأيام؟ قال: طعاماً واحداً، قالت: كذلك كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة، وأطلقته. قلت: وقد سمعت ما يناسب هذا عن بعض ملوك الهند، حكي أنه خرج ملك من
ملوك الهند في بعض الليالي متنكراً ليسمع ما يقول الناس في بلاده، فرأى ثلاثة جلوساً، فدنا منهم، فإذا بهم يتمنى كل واحد منهم شيئاً. فقال أحدهم: أتمنى أن أكون ملكاً، وقال آخر: أتمنى زوجة الملك أتزوجها، وقال الثالث: أتمنى فرساً وسيفاً ولباساً للحرب، لأجاهد في سبيل الله، فلما أصبح الملك، استدعي بهم، فلما حضروا أعطى الذي تمنى الجهاد فرساً جواداً، وسيفاً ماضياً ولباساً حصيناً، وقال: هذا ما تمنيت. وأجلس الذي تمنى الملك في مكان، وفوق رأسه سيف مسلول معلق بشيء واه، فبقي خائفاً يلتفت إلى السي. فقال له: أراك تلتفت؟ فقال: أخاف من هذا السيف، فقال: ما تطلب بالملك؟ فإن الملك لا يزال خائفاً مثلك الآن، وأمر بطعام وإدام من جنس واحد، ملون بألوان مختلفة، فأحضر ذلك، وأمر الذي تمنى زوجته أن يأكل من تلك الألوان، ففعل، فقال له: كيف رأيت ألوانه؟ قال: مختلفة، قال: فكيف طعمه؟ قال: واحد، قال: فكذلك النساء، انتهى معنى الحكاية. قلت: ومثل هذا المقال إنما هو مدافعة وتساهل في التمثيل، وليس المثل كالمثل، فإن اللذات بالنساء تتفاوت بحسب تفاوت جمالهن، وتفاوت منصبهن وشرفهن، وذلك معروف لا يمكن جحده. ولهذا يقول الرسول عليه السلام:" ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله ". فمدحه بذلك، وبين فضله بمخالفة هواه مع شدة ميل الطبع، وقوة الشهوة المتصفة بهذه الصفة. رجعنا إلى ذكر ابن تاشفين، وقال بعضهم: كان يوسف بن تاشفين مقدم جيش أبي بكر بن عمر الصنهاجي، وكان أبو بكر المذكور قد حاصر سجلماسة، وقاتل أهلها أشد القتال، حتى أخذها، ثم رتب عليها يوسف بن تاشفين، وكان من أمره ما كان، وأول ذلك أن البرير خرج عليهم من جنوب المغرب الملثمون يتقدمهم أبو بكر بن عمر الصنهاجي، وكان رجلاً ساذجاً خير الطباع مؤثراً لبلاده على بلاد المغرب، غير ميال إلى الرفاهية، وكانت ولاة المغرب
ضعفاء، فلم يقدروا يقاومون الملثمين، فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط. فلما حصلت البلاد لأبي بكر المذكور، سمع أن عجوزاً في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة، فبكت، وقالت: ضيعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب، فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب يوسف بن تاشفين المذكور من أصحابه، ورجع إلى بلاده، وكان يوسف رجلاً شجاعاً، مقداماً عادلاً، فاختط بالمغرب مدينة مراكش - كما تقدم - وكان موضعها مكمناً للصوص، ثم تملك الأندلس بعد وقائع يطول ذكرها، وصار ملكاً للعرب الملثمين. وكان قد ظهر لأبطال الملثمين ضربات بالسيوف تقد الفارس، وطعنات بالرماح تنظم الكلاء، وكان لهم بذلك ناموس ورعب في قلوب المبتدئين لقتالهم، وسموا ملثمين: لأنهم كانوا يلثمون، ولا يكشفون وجوههم. وسبب ذلك على ما قيل إن حمير كانت تلثم لشدة الحر والبرد، يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم. وقيل سببه أن قوماً من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا، فيطرقون الحي، ويأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشائخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية، ويقعدوا لهم في البيوت ملثمين في زي النساء، فإذا أتاهم العدو، وظنوا أنهم النساء، خرجوا عليهم، ففعلوا ذلك، وثاروا عليهم بالسيوف، وقتلوهم، فلزموا اللثام تبركاً بما حصل لهم من الظفر. وقال الشيخ الحافظ عز الدين بن الأثير في تاريخه الكبير: وقيل إن سبب اللثام أن طائفة منهم خرجوا. مغيرين على عدوهم، فخلفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا الشيوخ والصبيان. فلما تحقق الشيوخ مجيء العدو لهم، أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال، ويلثمن حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح. ففعل ذلك، وتقدم الشيوخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدو ورأى جمعاً عظيماً، وظنوا رجالاً، وقالوا: هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهن قتال الموت، فالرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم، فبيناهم في جميع النعم من المراعي، إذ أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدو كثيراً، وكان من قبل النساء لهم أكثر. فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنة، ولازموا ذلك، فلا يعرف الشيخ من الشاب. ومما قيل في اللثام: ضعفاء، فلم يقدروا يقاومون الملثمين، فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط. فلما حصلت البلاد لأبي بكر المذكور، سمع أن عجوزاً في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة، فبكت، وقالت: ضيعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب، فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب يوسف بن تاشفين المذكور من أصحابه، ورجع إلى بلاده، وكان يوسف رجلاً شجاعاً، مقداماً عادلاً، فاختط بالمغرب مدينة مراكش - كما تقدم - وكان
موضعها مكمناً للصوص، ثم تملك الأندلس بعد وقائع يطول ذكرها، وصار ملكاً للعرب الملثمين. وكان قد ظهر لأبطال الملثمين ضربات بالسيوف تقد الفارس، وطعنات بالرماح تنظم الكلاء، وكان لهم بذلك ناموس ورعب في قلوب المبتدئين لقتالهم، وسموا ملثمين: لأنهم كانوا يلثمون، ولا يكشفون وجوههم. وسبب ذلك على ما قيل إن حمير كانت تلثم لشدة الحر والبرد، يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم. وقيل سببه أن قوماً من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا، فيطرقون الحي، ويأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشائخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية، ويقعدوا لهم في البيوت ملثمين في زي النساء، فإذا أتاهم العدو، وظنوا أنهم النساء، خرجوا عليهم، ففعلوا ذلك، وثاروا عليهم بالسيوف، وقتلوهم، فلزموا اللثام تبركاً بما حصل لهم من الظفر. وقال الشيخ الحافظ عز الدين بن الأثير في تاريخه الكبير: وقيل إن سبب اللثام أن طائفة منهم خرجوا. مغيرين على عدوهم، فخلفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا الشيوخ والصبيان. فلما تحقق الشيوخ مجيء العدو لهم، أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال، ويلثمن حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح. ففعل ذلك، وتقدم الشيوخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدو ورأى جمعاً عظيماً، وظنوا رجالاً، وقالوا: هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهن قتال الموت، فالرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم، فبيناهم في جميع النعم من المراعي، إذ أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدو كثيراً، وكان من قبل النساء لهم أكثر. فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنة، ولازموا ذلك، فلا يعرف الشيخ من الشاب. ومما قيل في اللثام:
قوم لهم درك العلى في حمير
…
وإن أنتم صنهاجة فهم هم
لما حووا إحراز كل فضيلة
…
غلب الحياء عليهم فتلثموا
ولما حضرت الوفاة يوسف بن تاشفين عهد بالأمر من بعده إلى ابنه علي الذي خرج عليه ابن تومرت بفتح المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الميم والراء وسكون المثناة في آخره. وفيها أو بعدها توفي الإمام العلامة الفقيه الفرضي إسحاق بن يوسف بن ابراهيم بن يعقوب بن عبد الصمد الصروفي، مصئص كتاب الكافي في الفرائض. تفقه بجعفر بن عبد الرحمن، وإسحاق العشاري. وكان علامة في المواريث والحساب، وكتابه دال على علمه،
ويقال إن أصله من المعافر، وسكن الصروف، وصنف الكافي فاستغنى به أهل زمانه عن الكتب القديمة في المواريث. قلت وكتابه المذكور مبارك واضح بكثرة الأمثلة، انتفع به خلق كثير - وخصوصاً من أهل اليمن - ويقال إنه لما أظهر في بعض البلاد الشاسعة ابتاع بوزنه فضة، وأرى أن مثله في الانتفاع والبركة والإيضاح بكثرة الأمثلة كتاب الجمل في النحو للزجاجي. وسمعت من بعض شيوخنا يحكي عن بعض العلماء في بعض الآفاق أنه قال: ما بلغت فضيلة في أحد من أهل اليمن إلا في اثنين: صاحب الكافي في الفرائض، وصاحب كتاب البيان في الفقه. قلت: لا شك أن هذين الكتابين اشتهرا في قديم الزمان، وشاعا في البلدان، فلهذا قيل ذلك المقال. ولبعض المتأخرين من أهل اليمن أيضاً تصانيف، منها: شرح المهذب للإمام الكبير الولي الشهير اسماعيل بن محمد الحضرمي، ومنها شرح التنبيه لابن أخته الفقيه العلامة القاضي جمال الدين ومنها شرح الوسيط للفقيه الإمام المالكي أبي شكيل في بضعة عشر مجلداً، وغالب فضائل أهل اليمن إنما هي بالصلاح والأوصاف الملاح، ويكفي دليلاً على فضلهم ودينهم قوله عليه الصلاة والسلام " الأيمان يمان والحكمة يمانية ". رجعنا إلى ذكر الإمام الصروفي في ذكر ابن سمرة أنه كان له ابنتان، تزوج إحديهما - وهي تسمى ملكة - الفقيه الإمام زيد بن عبد الله اليفاعي، فأولدها بنتاً اسمها هندة، هي أم محمد بن سالم الإمام بجامع ذي شرف، ولذلك صارت كتب الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي بأيديهم، لأنه لم يرثه غير أمهم هذه. وتزوج الأخرى إمام مسجد الجند: حسان بن محمد، فاستولدها ولداً، وصار إليه من كتب الفقيه إسحاق شيء. قال الإمام ابن سمرة: وأخبرني الفقيه الفاضل عبد الله بن محمد بن سالم بمنزله بذي باشرق، عن شيوخه، عن الشيخ إسحاق الصروفي، أنه كان يقرأ عليه رجل من الجن ساحت الخلق، فلما كان ذات يوم أتاهم رجل محنش وهو الذي يلزم الحنشات والحيات بيده فلا تضره - فقال الجني للشيخ إسحاق: أتمثل لهذا ثعباناً، وانظر ما يكون منه، فكره الشيخ ذلك منه، فلم يقبل منه، فتصور الجني ثعباناً، فعزم الراقي عليه حتى حصل في