الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَرْعٌ: مَنْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فِي الْأَثْنَاءِ)، أَيْ: أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، (وَ) يَعْلَمُ أَنْ (بَعْدَهَا) تُقَامُ (جَمَاعَةٌ أُخْرَى؛ فَهِيَ)، أَيْ: الْجَمَاعَةُ الَّتِي سَتُقَامُ (أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا، فَيَحُوزُ فَضِيلَتَهَا عَلَى الْكَمَالِ، (إلَّا أَنْ تَتَمَيَّزَ) الْجَمَاعَةُ (الْأُولَى بِكَثْرَةِ جَمْعٍ أَوْ فَضْلِ إمَامٍ أَوْ رَاتِبَةٍ)، أَيْ: إمَامُهَا رَاتِبٌ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، (وَقَالَ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) ، أَيْ: مَسْأَلَةِ تَعَدُّدِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ وَقْتٍ (لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إمَامَانِ رَاتِبَانِ وَكَانَتْ الْجَمَاعَةُ تَتَوَفَّرُ مَعَ) الْإِمَامِ (الرَّاتِبِ) ، فَلَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ.
[فَصْلٌ الشُّرُوعُ فِي نَافِلَةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ]
فَصْلٌ
(وَيَمْنَعُ شُرُوعٌ فِي إقَامَةِ) صَلَاةٍ (انْعِقَادَ نَافِلَةٍ وَرَاتِبَةٍ) مِنْ (مُرِيدِ صَلَاةٍ) لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا (مَعَ إمَامِهَا) ، لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ؛ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، فَلَوْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ، (وَلَوْ
بِبَيْتِهِ) ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ، (أَوْ) شَرَعَ فِيهَا حَالَ كَوْنِهِ (جَاهِلًا) الْإِقَامَةَ، فَوَافَقَ أَنَّهُ كَانَ الشُّرُوعُ فِيهَا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَا يَضُرُّ) مَنْ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ يُرِدْ الدُّخُولَ فِيهَا (طُرُوءُ إرَادَةِ) الصَّلَاةِ مَعَ مَنْ أَقَامَهَا (فِي أَثْنَاءِ) تِلْكَ النَّافِلَةِ، أَيْ: فَلَا تَبْطُلُ نَافِلَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ) شَرَعَ (فِيهَا) أَيْ: فِي النَّافِلَةِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ (وَلَوْ) كَانَ (خَارِجَ مَسْجِدٍ، يُتِمُّ) مَا ابْتَدَأَ وَلَوْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] هَذَا (مَعَ أَمْنِ فَوْتِ جَمَاعَةٍ، وَيُخَفِّفُ) صَلَاتَهُ حَسَبَ إمْكَانِهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِي ثَالِثَةٍ أَتَمَّ نَافِلَتَهُ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الثَّلَاثِ.
(فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ) رَكَعَاتٍ (مَنْ نَوَى أَرْبَعًا؛ جَازَ نَصًّا)، قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعُ ": وَلَعَلَّ عَدَمُ كَرَاهَةِ الثَّلَاثِ هُنَا لِلْعُذْرِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَ) إنْ سَلَّمَ مَرِيدُ الِاقْتِدَاءِ بِجَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ (مِنْ) رَكْعَةٍ (وَاحِدَةٍ) ، وَهُوَ (نَاوٍ ثِنْتَيْنِ) ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّفْلِ لَا يُوجِبُ إتْمَامَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَعَ خَوْفِ) مَنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي نَافِلَةٍ (فَوْتَ) مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ الْجَمَاعَةُ (يَقْطَعُهَا)، أَيْ: النَّافِلَةَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ، (قَالَهُ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.
(وَفَضِيلَةُ تَكْبِيرَةٍ أَوْلَى)، أَيْ: تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ إمَامٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ.
(وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ إمَامٍ أَوْلَى، أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً، وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْوِيَ الصِّفَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَأْمُومًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ) مَعَ الْإِمَامِ (بِانْتِهَائِهِ لِحَدٍّ أَجْزَأَ قَبْلَ رَفْعِ) رَأْسِ (إمَامٍ) مِنْ الرُّكُوعِ عَنْ حَدِّ الْإِجْزَاءِ (غَيْرَ شَاكٍّ) فِي إدْرَاكِ الْإِمَامِ رَاكِعًا (دُونَ طُمَأْنِينَتِهِ) أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مَعَهُ (اطْمَأَنَّ) الْمَسْبُوقُ، (ثُمَّ تَابَعَ) ، إمَامَهُ (وَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ؛ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرُ الْقِيَامِ؛ وَهُوَ يَأْتِي بِهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ، ثُمَّ يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ بَقِيَّةَ الرَّكْعَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ: هَلْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَوْ لَا؛ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، (وَأَجْزَأَتْهُ) أَيْ: مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا (تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ عَنْ وَاجِبِ تَكْبِيرِ رُكُوعٍ نَصًّا) ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَأَجْزَأَ الرُّكْنُ عَنْ الْوَاجِبِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ فِي حَالِ الْقِيَامِ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ.
(وَإِنْ) كَبَّرَ مَسْبُوقٌ وَالْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ؛ ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى (رَفَعَ إمَامٌ رَأْسَهُ) عَنْ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ فِي الرُّكُوعِ؛ (فَاتَتْ الرَّكْعَةُ) .
وَلَوْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْمَأْمُومِينَ، وَإِنْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ
فِي أَثْنَاءِ رُكُوعِهِ؛ انْقَلَبَتْ نَفْلًا.
وَإِنْ نَوَى الْمُدْرِكُ فِي الرُّكُوعِ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ بِالتَّكْبِيرَةِ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَّكَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ فِي النِّيَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، فَقَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ عَنْهُمَا، وَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرِهِ الرُّكُوعَ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا.
(وَسُنَّ دُخُولُ مَأْمُومٍ مَعَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (كَيْفَ أَدْرَكَهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ لَهُ بِمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَقَدَّمَ.
(وَيَنْحَطُّ) مَأْمُومٌ أَدْرَكَ إمَامَهُ غَيْرَ رَاكِعٍ (بِلَا تَكْبِيرٍ) نَصًّا، (وَلَوْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا) ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ.
(وَيَقُومُ مَسْبُوقٌ) سَلَّمَ إمَامُهُ (بِهِ) أَيْ: بِالتَّكْبِيرِ (وُجُوبًا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ يُعْتَدُّ بِهِ، أَشْبَهَ سَائِرَ الِانْتِقَالَاتِ. (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةُ) لِإِمَامِهِ (قَوْلًا وَفِعْلًا)، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ؛ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا» وَالْمُرَادُ بِمُتَابَعَتِهِ فِي الْأَقْوَالِ: أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ عَمَّا أَدْرَكَهُ فِيهِ، وَمَا فِي السُّجُودِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِتَشَهُّدِهِ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَتَبْطُلُ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ (بِتَرْكِ مُتَابَعَةِ) إمَامِهِ فِي (فِعْلٍ) ، كَرُكُوعٍ (لِعَالِمٍ) عَمْدًا، وَ (لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِهِ مُتَابَعَتَهُ فِي (قَوْلٍ، كَتَسْبِيحٍ)، أَيْ: كَمَا لَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ سَبَّحَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، لِتَعَسُّرِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ قَامَ مَسْبُوقٌ) لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ ثَانِيَةً وَلَمْ يَرْجِعْ) ، لِيَقُومَ بَعْدَ سَلَامِهَا، (وَيَلْزَمُهُ) الرُّجُوعُ؛ (انْقَلَبَتْ) صَلَاتُهُ (نَفْلًا) ، لِتَرْكِهِ الْعَوْدَ الْوَاجِبَ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَامِ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا بِمُجَرَّدِ قِيَامِهِ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ إمَامِهِ الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَسْبُوقُ (جَاهِلًا) أَنَّ قِيَامَهُ مُضِرٌّ فِي فَرْضِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ) أَيْ: الْمَسْبُوقُ، لَهُ أَنْ (يَقُومَ بِإِيَاسٍ) مِنْ تَسْلِيمَةٍ (ثَانِيَةٍ) مِمَّنْ لَا يَرَى وُجُوبَهَا (مِنْ نَحْوِ شَافِعِيٍّ)، كَمَالِكِيٍّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا:(أَنَّهُ يَقُومُ) وُجُوبًا (فَوْرًا بَعْدَ) تَسْلِيمَةٍ (ثَانِيَةٍ) ، هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَسْبُوقُ (بِمَوْضِعِ جُلُوسٍ) لِأَجْلِ (تَشَهُّدِهِ) ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ مَثَلًا، ثُمَّ سَلَّمَ إمَامُهُ؛ فَلَهُ الْبَقَاءُ جَالِسًا إلَى أَنْ يُتِمَّ تَشَهُّدَهُ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ جُلُوسِهِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، (وَإِلَّا يَكُنْ) فَرَاغُ إمَامِهِ مِنْ ثَانِيَةٍ بِمَوْضِعِ جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ، كَكَوْنِهِ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، ثُمَّ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ؛ فَعَلَى
الْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ فَوْرًا، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ تَشَهُّدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَوْرًا؛ (بَطَلَتْ لِعَامِدٍ) عَدَمَ الْقِيَامِ لَا جَاهِلٍ أَوْ نَاسٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَا أَدْرَكَ) مَسْبُوقٌ مَعَ إمَامِهِ (فَأَخَّرَهَا)، أَيْ: أَخَّرَ صَلَاتَهُ، (فَلَا اسْتِفْتَاحَ لَهُ)، أَيْ: لِمَا أَدْرَكَهُ، سَوَاءٌ قَرَأَ، أَوْ لَمْ يَقْرَأْ، (ولَا اسْتِعَاذَةَ إنْ لَمْ يَقْرَأْ) ، فَإِنْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ؛ اسْتَعَاذَ وَسَمَّى، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ.
وَفِي " الْإِقْنَاعُ ": فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لَمْ يَسْتَفْتِحْ، وَلَمْ يَسْتَعِذْ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ.
(وَيَتَوَرَّكُ)
الْمَسْبُوقُ (فِيهِ)، أَيْ: فِي تَشَهُّدِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ (مَعَ إمَامِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ لَهُ بِهِ، كَمَا يَتَوَرَّكُ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي فِيمَا يَقْضِيهِ، فَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ؛ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ مُتَوَرِّكًا لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُتَابَعَةً لَهُ، وَجَلَسَ بَعْدَ قَضَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا مُتَوَرِّكًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ سَلَامُهُ، (مُكَرِّرًا التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَدْبًا حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ) التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ وَاقِعٌ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِ مَسْبُوقٍ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ؛ قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَلَمْ يُتِمَّ التَّشَهُّدَ الَّذِي يُكَرِّرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ.
(وَمَا يَقْضِي) مَسْبُوقٌ (أَوَّلَهَا)، أَيْ: أَوَّلُ صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ (يَسْتَفْتِحُ لَهُ)، أَيْ: لِمَا يَقْضِيهِ، (وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ سُورَةً)، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا أَدْرَكْتُمْ الصَّلَاةَ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " وَاقْضِ مَا سَبَقَك " وَالْمَقْضِيُّ هُوَ الْفَائِتُ، فَيَكُونُ عَلَى صِفَتِهِ.
(وَيَأْتِي) مَسْبُوقٌ (بِعَدَدٍ مَا فِي أُولَى) صَلَاةِ (عِيدٍ مِنْ تَكْبِيرٍ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كَذَلِكَ مَسْبُوقٌ (بِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ يَقْرَأُ) بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ (الْفَاتِحَةَ، فَمَا بَعْدُ مِمَّا فَاتَهُ) ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ثَانِي تَكْبِيرَةٍ، وَيَدْعُو بَعْدَ الثَّالِثَةِ، (وَيُطَوِّلُ أُولَى) الرَّكْعَتَيْنِ الْمَقْضِيَّتَيْنِ (عَلَى ثَانِيَةٍ) .
(لَكِنْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبٍ؛ تَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (عَقِبَ) قَضَاءِ رَكْعَةٍ (أُخْرَى) نَصًّا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا، لِحَدِيثِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى:
فَأَتِمُّوا قَضَاءً لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَتَشَهَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً عَقِبَ أُخْرَى؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ؛ لَزِمَ عَلَيْهِ قَطْعُ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى وِتْرِ الثَّلَاثَةِ شَفْعًا، وَمُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ مُمْكِنَةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَرْكِهَا، فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهِ.
(وَيَتَوَرَّكُ) مَسْبُوقٌ (فِي) التَّشَهُّدِ (الْأَخِيرِ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَمَغْرِبٍ. (وَيَتَحَمَّلُ إمَامٌ عَنْ مَأْمُومٍ قِرَاءَةَ) فَاتِحَةٍ (وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ) أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، (وَ) سُجُودَ (سَهْوٍ بِشَرْطٍ) ، وَهُوَ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَسُتْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، (وَدُعَاءٍ قُنُوتٍ) فَيُؤَمِّنُ إذَا سَمِعَ الْإِمَامَ، وَإِلَّا فَيَقْنُتُ. (وَ) يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ (عَنْ) الْمَأْمُومِ أَيْضًا (تَسْمِيعًا)، أَيْ: قَوْلَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، (وَ) قَوْلَ (مِلْءُ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ) بَعْدَ التَّحْمِيدِ، (وَكَذَا تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ) وَجُلُوسُهُ لَهُ (إذَا سَبَقَ بِرَكْعَةٍ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ. (وَيَتَّجِهُ: فِي غَيْرِ مَغْرِبٍ) ، وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ، فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ هُوَ مَحَلُّ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ الْأَخِيرِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا) ، أَيْ " لِلْإِقْنَاعِ "" وَالْمُنْتَهَى "(فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ إطْلَاقِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) سُنَّ (لِمَأْمُومٍ اسْتِفْتَاحٌ وَتَعَوُّذٌ فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ) كَالصُّبْحِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِمَا، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. (وَ) سُنَّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا (قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ حَيْثُ شُرِعَتْ) السُّورَةُ (فِي سَكَتَاتِهِ) يَعْنِي: أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى عَقِبَ إحْرَامِهِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الثَّانِيَةِ
عَقِبَ فَرَاغِهِ لَهَا، وَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، (وَهِيَ) أَيْ: سَكَتَاتُ الْإِمَامِ ثَلَاثٌ (قَبْلَ فَاتِحَةٍ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، (وَبَعْدَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. (وَتُسَنُّ) أَنْ: تَكُونَ (هُنَا) أَيْ: بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِهَا) ، لِيَقْرَأَهَا الْمَأْمُومُ فِيهَا، (وَبَعْدَ فَرَاغِ قِرَاءَةٍ) لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ فِيهَا. (وَ) يُسَنُّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَتَعَوَّذَ وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً حَيْثُ شُرِعَتْ (فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ) إمَامُهُ كَالظُّهْرِ، وَكَذَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ مَغْرِبٍ، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ " كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ. (أَوْ)، أَيْ: وَيُسَنُّ لِمَأْمُومٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ كَانَ (لَا يَسْمَعُهُ) أَيْ: الْإِمَامَ (لِبُعْدٍ) عَنْهُ (أَوْ لِطَرَشٍ إنْ لَمْ يُشْغَلْ) مَأْمُومٌ بِقِرَاءَتِهِ (مَنْ بِجَنْبِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا شَغَلَهُ تَرَكَهُ. (وَيَتَّجِهُ التَّحْرِيمُ) : لِإِيذَائِهِ مَنْ بِجَنْبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (سَكَتَاتٌ) يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُومُ فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ (كُرِهَ) لَهُ (أَنْ يَقْرَأَ نَصًّا) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (فَلَوْ سَمِعَ) الْمَأْمُومُ (هَمْهَمَتَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ، (وَلَمْ يَفْهَمْ قَوْلَهُ؛ لَمْ يَقْرَأْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ.